إنه حارس الفصحى بلا منازع، وشاعر النيل بلا منافس، سوى صديقه أمير الشعراء أحمد شوقى، وصوت مصر، نراه يقول فى قصيدته «اللغة العربية تنعى نفسها»:
«ولدت ولما لم أجد لعرائسى – رجالاً وأكفاء وأدت بناتى»
«وسعت كتاب الله لفظا وغاية – وما ضقت عن آى به وعظات»
«فكيف أضيق اليوم عن وصف – آلة، وتنسيق أسماء لمخترعات»
«أنا البحر فى أحشائه الدر كامن – فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى»
والبيت الأخير هو الذى تشدو به الإذاعية صفية المهندس فى بدء البرنامج الإذاعى اليومى «لغتنا الجميلة»، والذى يذاع الحادية عشرة إلا ربع كل ليلة بصوت الشاعر والإذاعى فاروق شوشة.
وحين رثى أمير الشعراء أحمد شوقى صديق عمره ومنافسه حافظ، أشار إلى هذا الملمح فى شخصية حافظ وشعره، فقال عنه:
«يا حافظ الفصحى وحارس مجدها – وإمام من نجلت من البلغاء»
«انظر فأنت كأمس، شأنك بازغ – فى الشرق، واسم أرفع الأسماء»
ولحافظ إبراهيم كتاب نثرى واحد باسم «ليالى سطيح»، وهو عبارة عن مقالات تأثر فيها بما كتبه الأديب محمدالمويلحى فى كتابه «حديث عيسى بن هشام»، على أسلوب المقامة العربية، وكتب مقدمة كتاب حافظ الأديب والشاعر عبدالرحمن صدقى، فقال إن مقالات حافظ تؤرخ لمصر فى الفترة التالية للاحتلال الإنجليزى لها منذ سنة 1882م، حتى مأساة حادثة دنشواى سنة 1906م، فقد ناقش قضايا وشخصيات عصره، وليس فى الكتاب من شخصية الكاهن الجاهلى “سطيح” إلا اسمه الذى اتخذه حيلة للحديث من خلاله عن شخصيات عصره.
ويبقى ديوان حافظ هو التحفة الأدبية الكبرى، وهو العطاء الأثير لدى شاعرنا، وهو ديوان غنى بقصائد الفصحى العامرة بالجزالة والصور البلاغية والقيم، والعاطفة الوطنية الصادقة، والمدهش أن حافظ لم ينشر ديوانه ولم يجمعها فى ديوان، بل كان يلقى شعره فى المنتديات بأسلوبه الخطابى الرنان، وكان ينشرها فى صحف ومجلات عصره، ولما بلغ سن المعاش وأحيل إلى التقاعد سنة 1932م، رحل فجأة فى 21 يوليو سنة 1932م، ودفن فى مقبرة جدة إلى جوار مقام ومسجد السيدة نفيسة، ثم أمر محافظ القاهرة محمود باشا صدقى ببناء مقبرة مجاورة تليق باسمه، ونقل جثمانه إليها، وهى اليوم عرضة للتلاشى والاندثار!.
أما كيف جمع ديوان حافظ، فقد نهض بالمهمة وزير المعارف إبراهيم زكى العرابى سنة 1936م، حيث كلف لجنة علمية لجمع قصائد حافظ من الصحف والمجلات، وكان أحد أعضائها د. أحمد أمين، وهو الذى كتب مقدمة وافية للديوان عند طباعته أنصف فيها حافظ وشعره الخالد.
كان حافظ وطنيًا جياش العاطفة، وهو الذى قال فى مصر:
«لعمرك ما أرقت لغير مصر – ومالى دونها أمل يرام»
ولكنه مع ذلك كان يضيق بالظواهر السلبية، وينتقدها بصراحة، فحين رفض الشيخ السادات نقيب الأشراف زواج ابنته صفية السادات من الصحفى على يوسف، كتب حافظ قصيدة جاء فيها هذا البيت الغاضب:
«فما أنت يا مصر دار الأديب – وما أنت يا مصر بالبلد الطيب»
كان حافظ قليل الاحتفاظ بالكتب لأن الله منحه صفة القراءة والحفظ والذاكرة القوية، فكان يقرأ أمهات الكتب ويحفظها سريعًا، ولذلك لما مات لم يجدوا فى مكتبته غير القليل من الكتب، وكان تزوج فى شبابه من قريبة له، ولم يعمر طويلاً، وطلقها، وفضل حياة العزوبية حتى مات فى 21 يوليو سنة 1932م!.
كان حافظ صديقًا لأمير الشعراء أحمد شوقى، وللشيخ محمد عبده، وللشاعر خليل مطران، ولأدباء ورجال عصره، وكان الشيخ محمد عبده مفتى مصر يداعبه قائلاً: «صحبتك عشر سنين فما أمكنك أن تضلنى، وما أمكننى أن أهديك»!.
وكان حافظ يرى أن شوقى أشعر شعراء العروبة، وقال يومًا:
“إنى أفضل شوقى ومطران على نفسى، وشوقى يسبق مطران، والله إن لشوقى فى شعره لدواة يعجز عنها كثير من الشعراء، وقد قتلنى بقصيدته فى كارتافون، وكان مول عملية اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وبخاصة فى البيتين اللذين قال فيهما شوقى:
«أفضى إلى ختم الزمان ففضه – وحبًا إلى التاريخ فى محرابه»
«وطوى القرون القهقرى حتى – أتى فرعون بين طعامه وشرابه»
وكتب خليل مطران عن صديقه حافظ فى مجلة «المجلة» سنة 1909م:
يتعب فى قرض قريضه تعب النحات الماهر فى استخراج مثال جميل من الحجر،.. يؤثر إجزاله على الدقة، وله غرام باللفظ لا يقل عن الغرام بالمعنى، وفى أقصى ضميره يؤثر البيت المجاد لفظًا على المجاد معنى، فإذا فاته الابتكار حينًا فى التصور، لم يفته الابتكار فى التصوير”.
اشترك حافظ مع صديقه خليل مطران فى ترجمة كتاب فى مبادئ الاقتصاد، كما ترجم بعض قصائد شكسبير، وترجم رواية فيكتور هوجو «البؤساء» بتحريض من صديقه الشيخ محمد عبده.
كرمه أبناء سوريا فى مصر فى حفل أقاموه فى فندق شبرد سنة 1908م، ثم نال البكوية سنة 1912م، وأقام له بعض المستشرقين حفلاً فى كافيه جروبى سنة 1928م، وكرمه شعراء لبنان فى بيروت سنة 1929م، كما كرمه المجمع العلمى بدمشق سنة 1929م، حيث زار بيروت ودمشق بصحبة صديقه خليل مطران، ويومها ارتجل الشعر فقال:
«شكرت جميل صنعكم بدمعى – ودمع العين مقياس الشعور».