في لحظة فارقة يمر بها الاقتصاد المصري، وبينما تترقب الدوائر الاقتصادية والشارع على حد سواء ملامح واضحة للخروج من عنق الزجاجة، جاء خطاب رئيس الوزراء ليسلط الضوء على القضية الأكثر تعقيداً وهي "الدين الخارجي". لم يكن الخطاب مجرد عرض عابر، بل بدا كأنه محاولة لتقديم رسائل رسمية مفادها أن "الأسوأ قد ولى" ، ومع ذلك يظل التحدي القائم ليس في تشخيص الداء الذي بات معروفاً للجميع، بل في قدرة هذه الرسائل على التحول إلى خطط إصلاحية تنفيذية تلمس حياة المواطن وتطمئن المستثمر، بعيداً عن صياغات الوعود التى قد تحتاج أحياناً إلى لغة الأرقام الصارمة والجداول الزمنية المحددة. عند النظر في جوهر الخطاب، نجد مزيجاً من النقاط الإيجابية والتحديات الصعبة، من أبرز المميزات هي الصراحة في وضع ملف الدين الخارجي كأولوية قصوى، وهو اعتراف ضمني بعبء هذا الملف على الموازنة العامة، كما يُحسب للحكومة نجاحها في توفير سيولة دولارية عبر صفقات كبرى جنبت البلاد سيناريوهات صعبة ، ولكن على الجانب الآخر، تبرز بعض نقاط الضعف ، كون الخطاب اعتمد على "تسكين المخاوف" دون تقديم "خارطة طريق" علمية ، رقمية قابلة للقياس والتحكم .. فالتأكيد على خفض سقف الدين يظل فكرة ما لم تقترن بسياسات واضحة لتقليص الاعتماد على الاستدانة لتمويل المشروعات غير الإنتاجية ، حيث غابت الأرقام الدقيقة والمواعيد النهائية لتحقيق هذه المستهدفات. يمكننا تبسيط الرسائل الثلاث التي حاول الخطاب إيصالها فيما يلي: أولا محور الاستقرار والتعافي: الرسالة هنا أن الدولة استعادت توازنها بعد صدمات عنيفة، وأن التدفقات النقدية الأخيرة منحت الاقتصاد "قُبلة حياة" أبعدت شبح الإفلاس أو التعثر عن السداد. ثانيا محور الإلتزام الدولي: التأكيد الحاسم على أن مصر تحترم تعهداتها الدولية تجاه الدائنين، وهي رسالة موجهة للأسواق العالمية والمؤسسات الدولية لضمان استمرار تدفق الاستثمارات والحفاظ على التصنيف الائتماني. ثالثا محور الانضباط المالي: الوعد بوضع "سقف" لا يمكن تجاوزه للدين الخارجي، والتركيز على توجيه القروض -في حال الضرورة- للمشروعات التنموية التي تدر دخلاً بالعملة الصعبة فقط. فى تصورى أن الاهتمام يجب أن ينصب على تحويل عناصر الخطاب من مرحلة "السرد " إلى مرحلة "الإصلاح الهيكلي والتنفيذ ، وفى هذا السياق نقترح ما يلى : الشفافية الرقمية: تحويل الوعود إلى "لوحة قيادة" (Dashboard) معلنة توضح حجم الدين، مواعيد السداد، ونسبة الانخفاض المستهدفة كل ربع سنة. ثورة إنتاجية: لا يمكن خفض الدين بالتقشف وحده؛ المطلوب خطة تنفيذية فورية لدعم قطاعي الصناعة والتصدير، باعتبارهما المصدر المستدام الوحيد لسداد الديون بعيداً عن بيع الأصول. ترتيب الأولويات: التوقف التام عن البدء في أي مشروعات جديدة تعتمد على مكون دولاري خارجي، والتركيز على استكمال المشروعات القائمة التي تخدم الإنتاج المباشر والتصدير . الحوار المستمر: استبدال الخطابات الموسمية بلقاءات دورية تشرح للجمهور ببساطة "أين تذهب القروض؟" وكيف ستساهم في تخفيف الضغط عن الاقتصاد المصري على المدى الطويل، والخطط الجارية لتقليص الدين الخارجى ، وتطور النتائج .