رغم التنوع السياحى غير المسبوق الذى تتمتع به مصر وبات يحقق إقبالاً متزايدًا، فإن كل إنجاز حضارى يتحقق داخلها يواجه دومًا حربًا من الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى. وهو ما تعرض لها المتحف المصرى الكبير منذ اليوم الأول لافتتاحه والذى بات تحت مجهر المغرضين. ظلت عيون المتلصصين تتابعه بترصد. ينتظرون بفارغ الصبر كى تأتهم الفرصة. حتى يتمكنوا من شن هجماتهم الشرسة من كل صوب. هجمات وراءها شائعات تلازمها صور كى تبدو الصورة دقيقة. تتداولها مواقع التواصل الاجتماعى والمنصات الإلكترونية بسرعة فائقة، كالنار فى الهشيم. دون أن يدرى أحد السبب وراء ذلك. وهو الأمر الذى دفع وزارة السياحة والآثار لإصدار بيان رسمى للدفاع عن الصرح الثقافى الذى بناه المصريون وفق أعلى معايير الجودة الدولية.
المتحف المصرى الكبير حلم المصريين الذى تحقق على أرض الواقع. وأصبح يمثل بالنسبة لهم جزءاً أصيلاً من هويتهم وكرامتهم الثقافية. مما يجعل البعض ينظر إليه بحساسية مفرطة ومشاعر دفاعية جارفة، قد تكون مبالغًا فيها. ويبدو أن طريق البناء والتطوير لم يعد مفروشًا بعبارات الإشادة والفخر. بل بات محاصرًا بسيل من الشائعات والتأويلات والقيل والقال. تتكاثر حول كل الأحلام المكتملة. مثلما يحدث الآن مع أحد أهم المشروعات الحضارية فى القرن الحادى والعشرين. والذى أصبح فى قلب دوامة من الأخبار غير الدقيقة والتعليقات المجتزئة والاتهامات التى تفتقر إلى المصداقية.
وبالرغم أن المتحف كمشروع ثقافى اقتصادى سياحى من الدرجة الأولى. وهو الذى أعاد صياغة علاقة المصريين بحضارة بلادهم التى تمتد لأبعد من آلاف السنين. وهو أيضًا الذى منح مصر الأمل فى زيادة حركة السياحة العالمية الوافدة. ومع ذلك فإن كل تفصيلة صغيرة داخله تتحول إلى معضلة متضخمة، وأى ملاحظة فنية تصبح مادة للشائعات. صورة لتساقط الأمطار الغزيرة وارتطامها بأرضية البهو العظيم، بلاطات أرضية خارجية تبدو مهشمة، سرعان ما تتحول إلى قصة قصيرة متداولة بشكل سريع عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعى. ومعها يكثر اللغط والجدل حول عيوب البناء الإنشائى أو سوء الإدارة دون النظر إلى حقيقة الوضع أو تحرى الدقة.
لذا كان من الذكاء أن تقوم وزارة السياحة والآثار بتنظيم ورشة عمل بالتعاون مع أحد الشركاء الدوليين المتخصصين فى تنظيم الرحلات السياحية وتقييمها والترويج للمقاصد السياحية حول العالم داخل المتحف المصرى الكبير. كى يرى العالم حالة الزحام والتواجد داخل قاعاته التى لا تشوبها شائبة. وهناك داخل قاعة الفنون الملحقة بالمتحف، وقف شريف فتحى وزير الآثار والسياحة ليؤكد على وضع مصر كأهم وجهات السياحة الثقافية. مرددًا بقوله: «هناك إقبال متزايد على منتج السياحة الثقافية فى مصر..» هكذا بدأ كلامه مؤكدًا على أن المعضلة التى تواجه مصر هى كيف يمكن خلق زخم سياحى جديد داخل مصر بالرغم من ثراء ما تملكه. مثل خطوط السير والمقاصد السياحية حولها. «مصر تحتضن تنوعًا غير محدود من السياحة والسفر..» على حد قوله. لكن يظل التساؤل كيف يمكن الاستفادة من هذا التنوع غير المسبوق. وإن رأى «فتحى» أنه من الأفضل إعادة استخدام البشر مرة أخرى فى التعامل مع السياح والزائرين الراغبين فى معلومات سياحية بعيدًا عن الذكاء الاصطناعى الذى لا يحمل أيًا من الإنسانية.
«من الأكل والغوص وركوب الخيل والمراكب وحتى لعب الجولف.. تلك أنماط من السياحة تحمل عادات ثقافية تتميز بها مصر عن غيرها من دول العالم..»، وهذا ما تحاول وزارة السياحة والآثار أن تعزز به تجربة الزوار والسياح الذين جاءوا ليحظوا بما تملكه مصر من أنماط سياحية وغيرها من المجالات التى تحمل داخلها ثراء فى التجارب الثقافية التى تتميز بها مصر. وذلك ضمن الاستراتيجية الحالية لإبراز التنوع الذى تزخر به مصر فى المقومات والمنتجات والأنماط السياحية تحت شعار Unmatched Diversi . مؤكدًا على أن مصر تعد مقصدًا سياحيًا ذا تنوع كبير وراسخ يؤهلها لتكون الأولى عالميًا. مشيرًا إلى زيادة أعداد زوار المتاحف الأثرية ليصل إلى حوالى 4 ملايين زائر من خارج مصر، وهو رقم يُعد مؤشرًا جيدًا للغاية ويعكس الاهتمام المتنامى بالمنتج السياحى الثقافى الذى تتميز به مصر.
وفى إطار الاستراتيجية يتم العمل على تطوير كافة المنتجات والأنماط السياحية، بالإضافة إلى العمل على ربط ودمج أكثر من منتج سياحى فى تجربة سياحية واحدة بالتعاون مع منظمى الرحلات وشركات السياحة المحليين والدوليين وبما يساهم فى جذب السائحين للأنماط السياحية الجديدة بجانب الأنماط المعروفة. وأشار إلى أن ما تشهده البنية التحتية فى مصر من تطور كبير وخاصة فى شبكة الطرق سيسهم بشكل كبير فى تحقيق هذا الربط السياحى.
ووصف «فتحى» صناعة السياحة فى مصر بأنها: «صناعة قوية وقادرة على التعافى السريع بعد الأزمات..». حيث حققت مؤشرات حجم الحركة السياحية الوافدة لمصر نسبة نمو بلغ 7فى المائة فى العام الماضى رغم الظروف الجيوسياسية بالمنطقة. ويشهد العام الحالى نموًا ملحوظًا فى أعداد السائحين الوافدين ومعدلات الإنفاق السياحى، لافتًا إلى أنه من المتوقع أن تصل الحركة السياحية بنهاية العام ما يقرب من 19 مليون سائح من الأسواق السياحية المختلفة. مشيرًا إلى أن السوق الأمريكى شهد زيادة تقارب 20فى المائة فى أعداد السائحين القادمين منه منذ بداية العام، ومن المتوقع أن يشهد نموًا متواصلاً خلال العام المقبل.
ومن المتوقع أن تحقق مصر مستهدفها من صناعة السياحة بالوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2030، بدلاً من عام 2031 كما كان مخططًا. وذلك فى حال استمرار المؤشرات والمعطيات الحالية على نفس الوتيرة. وأشار الى أنه جارٍ العمل على زيادة حجم الطاقة الفندقية الموجودة فى مصر ومقاعد الطيران وتطوير المطارات لاستيعاب الأعداد السياحية المستهدفة. مشيرًا إلى أن الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحى أصبحت تمتلك خطة تسويقية متكاملة لكل سوق، وفق جداول زمنية محددة وفى كل دولة على حدة، بما يتيح الوصول إلى الشرائح المستهدفة من السائحين بصورة أكثر فاعلية.
لذا لم يكن مستغربًا أن يؤكد «فتحى» على أن المتحف المصرى الكبير الذى يحتضن الفعالية السياحية، يشهد إقبالاً غير مسبوق من الزائرين المصريين والأجانب. لافتًا إلى تنظيم أعداد الزائرين ودراسة حركة تدفقهم داخل المتحف. بما يضمن الحفاظ على جودة تجربة الزيارة ويجعلها مركزة وممتعة. وأوضح أنه تم تطبيق نظام تحديد توقيتات زمنية للزيارة لتحقيق الانسيابية داخل المتحف وكذلك تطبيق نظام الحجز الإلكترونى. كما أوضح أنه تم إطلاق منصة (رحلة) المخصصة لحجز الرحلات المدرسية المختلفة إلى المتاحف والمواقع الأثرية بما يُسهم فى تعزيز الوعى الأثرى والثقافى لدى الطلاب.
وأشاد بعملية التطوير التى خضعت لها منطقة أهرامات الجيزة لتحسين جودة التجربة السياحية والخدمات المقدمة بها بما يضمن التوازن بين تقديم منتج سياحى متميز والحفاظ على الأثر. مؤكدًا أن أى موقع أثرى هو فى الأساس أثر قبل أن يكون مقصدًا سياحيًا ووجب الحفاظ عليه وعدم الإضرار به أو بمكوناته. حيث يعتبر ذلك واجبًا وطنيًا ومسئولية مشتركة.
والمعروف أن تصميم بهو المتحف جاء وفق رؤية معمارية تعتمد على وجود فتحات فى السقف بشكل هندسى يسمح باستدامة دخول الإضاءة والتهوية الطبيعية إلى داخل البهو. وبالتالى فإن تسرب كميات محدودة من مياه الأمطار إلى البهو أثناء هطولها أمر متوافق مع التصميم ومتوقع فى مثل ذات الوقت من العام. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعى صورًا لبعض الأرضيات الخارجية للمتحف وهى مهشمة. والتى أكدت الوزارة أنها ناتجة عن التجهيزات والديكورات التى تم إقامتها لفعالية افتتاح المتحف. وأن العمل يجرى على إصلاحها وفقًا لخطة زمنية محددة. مع الالتزام الكامل بالمعايير الفنية المعتمدة، وبما يضمن عدم التأثير على حركة الزيارة أو تجربة الزائرين. خاصة أن متوسط عدد الزائرين بلغ 15 ألف زائر يوميًا. وهو الرقم الذى يتناسب مع الطاقة القصوى لاستيعاب الزائرين والكثافة فى مختلف أوقات الزيارة. ولتنظيم حركة الزائرين داخل المتحف بما يتوافق مع طاقته الاستيعابية، وضمان انسيابية الدخول والخروج، والحفاظ على راحة وأمان الزائرين، وتحسين جودة التجربة السياحية، والحفاظ على مقتنياته الأثرية.
وكان مجلس الوزراء قد أكد على أن افتتاح المتحف المصرى الكبير كان سببًا فى انتعاش السياحة بشكل واسع، خاصة مع تزايد أعداد الزوار من مختلف الفئات والجنسيات. وهو الأمر الذى عكس المكانة الدولية التى بات يحتلها كأحد أهم المقاصد الثقافية والسياحية على مستوى العالم. وهو ما أكدته وكالة «فيتش» أن متوسط عدد زوار المتحف المصرى الكبير بلغ نحو 19 ألف زائر يوميًا، متوقعة أن يستقبل ما يصل إلى 7 ملايين زائر سنويًا. فيما توقعت «بلومبرج» أن يستقبل المتحف أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا. بينما أشارت «ناشيونال جيوغرافيك» إلى أن الدعاية للمتحف ساهمت فى زيادة الحجوزات السياحية لعام 2026. كما أشادت مؤسسات عالمية مرموقة مثل «وول ستريت جورنال»، و«نيويورك تايمز»، و«الجارديان»، و«لوموند»، ومعهد منتدى السياحة العالمى بالمتحف، معتبرين إياه إنجازًا بارزًا فى مجال السياحة الثقافية، ومتوقعين أن يساهم افتتاحه فى تعزيز القطاع السياحى.
كما توقعت المؤسسات الدولية أن يشهد قطاع السياحة فى مصر انتعاشًا قويًا خلال السنوات المقبلة، حيث توقعت «فيتش» أن يرتفع عدد السياح من 15.8 مليون سائحعام 2024 إلى 17.8 مليون سائح عام 2025، وصولًا إلى 20.8 مليون سائح بحلول عام 2029، فى حين توقع صندوق النقد الدولى أن تزداد الإيرادات السياحية من 16.7 مليار دولار فى 2024-2025 إلى 17.1 مليار دولار فى 2026/2025، مع استمرار ارتفاعها حتى تصل إلى 27.4 مليار دولار عام 2029-2030.