رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تمويل مُيسر.. بيئة أعمال رقمية سريعة.. ودعم الإنتاج والتصدير .. حوافز استكمال بناء الاقتصاد


20-12-2025 | 11:28

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم

فى ظل اقتصاد عالمى يشهد حالة من تباطؤ معدلات النمو فى عدد من الاقتصادات الكبرى، مع تشدد السياسات النقدية العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات سلاسل الإمداد، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، وهو ما انعكس على تكلفة التمويل الخارجى، وتدفقات الاستثمار الأجنبى، ما دفع للحاجة إلى أدوات مبتكرة تقلل الاعتماد على العوامل الخارجية، وتعزز القدرة على الصمود.

 

الاقتصاد المصرى، كجزء من الاقتصاد العالمى، يواجه عددًا من التحديات الهيكلية، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج والتمويل، والفجوة بين القدرات الإنتاجية والطلب المحلى، وضغوط على ميزان المدفوعات، والاحتياجات متزايدة لخلق فرص عمل مستدامة.

التحديات التى يواجهها الاقتصاد شكلت دافعًا للانتقال من إدارة الأزمات إلى سياسات نمو استباقية، بدأتها الحكومة بإعلان الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مؤخرًا، عن تلقى توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى بطرح حزمة كاملة من الحوافز الاقتصادية مع وجود أفكار جديدة لمزيد من دفع الاستثمارات.

رغبة الدولة المصرية فى طرح مزيد من الحوافز الاقتصادية تأتى فى ظل إشادة المؤسسات الدولية بنمو الاقتصاد المصرى، فوكالة «فيتش» توقعت نمو الاقتصاد المصرى خلال شهرين من 4.9 إلى 5.2 فى المائة للعام الحالى، وذلك بناء على الأداء الذى وصفته بـ«الجيد جدًا» للاقتصاد خلال الربع الأول من العام الحالى.

وفى هذا السياق، قال الدكتور مصطفى أحمد حامد رضوان، أستاذ اقتصاديات التنمية: «الدولة المصرية قدمت خلال الفترة الأخيرة حزمة واسعة من الحوافز، من أبرزها، تيسير إجراءات التراخيص وتطبيق نظام الشباك الواحد للمستثمرين، وحوافز ضريبية وجمركية فى عدد من القطاعات والمناطق الاستثمارية، وتوسيع برامج دعم الصناعة وتوطين الإنتاج المحلى، بالإضافة إلى الإصلاحات فى سياسات النقد الأجنبى لتسهيل الاستيراد والتصدير، وتحسين البنية التحتية من طرق وموانئ ومناطق لوجستية ومناطق صناعية متكاملة، وصولا إلى تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص وإتاحة فرص استثمارية واضحة فى مشروعات الدولة».

وأضاف: هذه الحوافز تتسم بمحدودية الفاعلية كونها نتاجًا لتبنى أدوات تقليدية، حيث أثبتت التجربة أن الحوافز العامة غير الموجهة لم تحقق الأثر المرجو، فكما أن السياسات التوسعية التقليدية أصبحت مكلفة ماليًا، والاعتماد على الدعم غير المشروط يضغط على الموازنة العامة، وهنا ظهرت الحاجة إلى البحث عن حلول ذكية ذات كفاءة اقتصادية ومالية أعلى.

«تتطلب المرحلة المقبلة حوافز أوسع وأكثر استهدافًا»، هذا ما أكده «د. مصطفى»، مشيرًا إلى أنه من بين هذه الحوافز «استقرار السياسات الاقتصادية والتشريعية» بما يضمن وضوح الرؤية للمستثمرين، كتوسيع الحوافز التمويلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وخفض تكلفة الإنتاج والطاقة تدريجيًا للقطاعات الإنتاجية، وتعزيز التحول الرقمى فى الخدمات الحكومية والضريبية، على أن يتم توسيع برامج دعم الصادرات وربطها بسلاسل القيمة العالمية، والاستثمار فى رأس المال البشرى من خلال التدريب وربط التعليم بسوق العمل.

ودعا أستاذ اقتصاديات التنمية، للاستفادة من التجارب العالمية للاقتصادات الكبرى فى تقديم الحوافز الاقتصادية باعتبارها أداة رئيسية لدفع النمو، وجذب الاستثمار، ورفع القدرة التنافسية، تحديدًا فى ظل التحديات العالمية، موضحًا أن «التجارب الدولية تُظهر أن الحوافز الأكثر نجاحًا هى تلك التى تكون مرتبطة بأهداف واضحة وقابلة للقياس، وليست مجرد إعفاءات مؤقتة».

وضرب «د. مصطفى» مثالًا بالنموذج الألمانى، قائلًا: ألمانيا اعتمدت فى تصميم حوافزها الاقتصادية على نموذج يقوم على دعم الإنتاج والصناعة والتصدير، عبر حوافز ضريبية مرتبطة بالبحث والتطوير، وتقديم تمويل ميسّر طويل الأجل للصناعة عبر بنك التنمية الألمانى، مع دعم التدريب والعمالة الماهرة وتبدو التجربة الألمانية ملهمة لمصر من خلال التركيز على الحوافز المرتبطة بالقيمة المضافة والتصدير، ودعم الصناعات المتوسطة وسلاسل الإمداد المحلية.

كذلك، عقد «د. مصطفى»، مقارنة بين النموذج الألمانى ونظيره الأمريكى، قائلا: النموذج الأمريكى فى الحوافز الاقتصادية ركز على تحفيز الاستثمار والطلب الكلى والابتكار، عبر تخفيضات ضريبية واسعة للشركات، وتقديم حزم تحفيز مالية مباشرة وقت الأزمات، وفى الوقت ذاته دعم البحث العلمى وريادة الأعمال، واتباع النموذج الأمريكى سوف يعطى للنشاط الاقتصادى المصرى إذا ما تبنى قدرا كبيرا من المرونة وسرعة التدخل، وتوسيع حوافز الابتكار وزيادة الشركات الناشئة، خاصة فى الاقتصاد الرقمى».

وفيما يتعلق بالتجارب العربية فى الحوافز الاقتصادية، تحدث «د. مصطفى» عن التجربة السعودية، وقال: السعودية استخدمت الحوافز لتحقيق التنويع الاقتصادى، وتضمنت حوافز استثمارية وتشريعية قوية، وتقديم تمويلات ميسرة للقطاعات الاستراتيجية، على أن يتم دعم المحتوى المحلى والتوطين.

«رضوان»، أشار إلى أن «تجربة المملكة العربية السعودية تبدو ملهمة كونها تأسست على ربط الحوافز برؤية تنموية طويلة الأجل، وتحديدا فى قطاعات ذات أولوية واضحة، هذه الأولوية مرتبطة بمتابعة تنفيذ صارمة، وفى الإمارات العربية المتحدة نجدها اعتمدت على حوافز تنافسية شاملة، أبرزها المناطق الحرة المتخصصة، والمرونة التشريعية وسرعة تأسيس الأعمال، وحوافز جذب الكفاءات والاستقرار الاستثمارى، وهو ما يمكن الاستفادة منه فى مصر من خلال تطوير مناطق اقتصادية متخصصة ذات إدارة مرنة، وتسريع الإجراءات وتحسين بيئة الأعمال وجودة الخدمات.

ولفت أستاذ اقتصاديات التنمية، إلى أنه «يمكن لمصر أن تبنى نموذجا هجينا يجمع بين الانضباط الإنتاجى الألمانى والمرونة والابتكار الأمريكى، والتخطيط الاستراتيجى السعودى، والتنافسية وسرعة التنفيذ الإماراتية، وهذا النموذج الهجين يُترجم إلى حوافز مرتبطة بالإنتاج والتصدير، وسياسات ضريبية مستقرة ومحفزة، وتمويل ميسر للقطاعات ذات الأولوية، وبيئة أعمال رقمية سريعة وواضحة.

«د. مصطفى»، أكد أن «هذه الحوافز فى بناء رؤية اقتصادية مصرية قابلة للتنفيذ، إذا ما تم دمج الحوافز فى إطار مؤسسى واحد، مع مؤشرات أداء واضحة وآليات متابعة ومساءلة، فإنها ستسهم فى رفع معدلات النمو المستدام، وجذب استثمارات نوعية، وخلق فرص عمل منتجة، وتعزيز قدرة الاقتصاد المصرى على الصمود أمام الصدمات الخارجية»، مضيفًا أن «الحوافز الاقتصادية الفعالة لا تُستنسخ، بل تُكيّف وفق خصوصية كل دولة، ومصر تملك المقومات التى تسمح لها بالاستفادة من أفضل الممارسات الدولية، شريطة أن تكون الحوافز جزءًا من رؤية واضحة، لا قرارات متفرقة».

من جانبه، قال على حمزة نائب، رئيس اتحاد المستثمرين، رئيس جمعية مستثمرى الصعيد: الدولة تولى اهتمامًا بتوفير كافة الحوافز الاقتصادية للمستثمرين، والدليل أن وزير المالية اجتمع مع عدد كبير من المستثمرين وعقد لقاءات للتعرف على أهم احتياجاتهم فى أقل من يومين بعد تأكيد رئيس الوزراء عن إطلاق حزمة من الحوافز الاقتصادية، وهناك بالفعل حوافز ستقدم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وهو أمر مهم وفارق فى الاستثمار، هذه الحزمة بالتأكيد ستضمن حوافز ضريبية وقروضا ميسرة، وفى اللقاء مع الوزير تتضمن مناقشات عن كافة أنواع الحوافز، وتحديدًا فوائد القروض الميسرة، والتى سيتم التوافق عليه للمستثمرين الأجانب والمصريين.

نائب رئيس اتحاد المستثمرين، أكد أن «الدولة جادة فى إطلاق الحوافز الاقتصادية وفى تشجيع المستثمرين، وخلق بيئة مناسبة وصالحة للنهضة بالصناعة، وجذب للمستثمرين، فالسياسات الضريبية مشجعة، وكذلك القروض الميسرة»، لافتًا إلى أن «السياسات الضريبية الجديدة التى أصبح فيها المستثمر على معرفة بالقيمة الضريبة التى يتم إقرارها على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى العام المالى هو أمر جيد ومحدد، فالمستثمر يكن على علم فى بدأ مشروعه الاستثمارى ماذا سيدفع ضريبيًا، وكما أن الفوائد الميسرة للإقراض تجذب عددا كبيرا للاستثمار، كما أن مبادرة الـ5 فى المائة للمشروعات لا تزال تُنفذ، والحافزين كانا بالفعل ذوى جدوى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة».

«حمزة»، لم يغفل الحديث عن بيئة الأعمال الرقمية والخدمات وإجراءات شهدت مسارًا محولًا دفعت الكثيرين لخوض تجربة الاستثمار، حيث قال: هناك عدد من الخدمات الرقمية التى تم تطبيقها بالفعل، سهّلت على المستثمر التعرف على ماذا سيفعل، أو القيمة التى عليه دفعها، وكيف ينهى إجراءاته لخوض تجربة الاستثمار حتى تدخل فى حيز التنفيذ، حزمة الحوافز التى قدمتها الدولة ستمكن كافة المستثمرين سواء كانوا أجانب أو محليين أن يعرف ما هى الإجراءات التى يلزم عليه اتباعها، أن ينهى عدد كبير من هذه الإجراءات إلكترونيًا، كما أنه سيعرف السياسات الضريبية وفوائد القروض المطبقة عليه مسبقا فى العام المالى والحوافز التى تقدمها له الدولة.

وأضاف: «هذا ما يجعل من مصر بيئة استثمارية جذابة لكافة رؤوس الأموال، لأنه يقضى على الوقت الضائع فى إنهاء الأوراق الخاصة بالمستثمر أو التراخيص اللازمة، وفى الوقت ذاته يبقى المستثمر على علم بحجم الإنفاق على استثماره وحجم الإيرادات والأرباح المتحققة منها».

واختتم «حمزة» حديثه، مؤكدا أن خطط توفير بيئة استثمارية جاذبة لن يكون فقط من خلال إطلاق حزم لحوافز اقتصادية، لكنها سبقتها بتحديث بنية تحتية شاملة لكافة محافظات الجمهورية، البنية توفر شبكة نقل متكاملة عبر طرق وكبارى وموانئ ومطارات، وأنشأت مدنا اقتصادية متعددة، كل هذه الإجراءات على مدار السنوات السابقة توازى معها تطوير بيئة الأعمال الرقمية وتوفير حوافز اقتصادية على مراحل متتالية، فالأمر لا ينظر فقط على الحوافز المقدمة أو الحوافز التى ستقدم ولكن ينظر على البيئة الجاذبة للاستثمار التى تسعى الدولة لتحقيقها، والتى نلمس نتائجها بوجود مصانع فى مجالات عدة، وضرب مثالًا بوجود بيئة جاذبة للاستثمار، ويقول: فى منطقة كالصعيد تم بناء بنية تحتية من توفير الكهرباء الكافية، وتكوين شبكة طرق قوية تربط الصعيد المصرى بالوجه البحرى وبالموانى كميناء سفاجا، والقطار الكهربائى، والمطارات، وجميعها تم تأسيسها وأصبحت حقيقية، يضاف إلى ذلك توفير أراضٍ مُمهدة ومزوّدة بكافة الخدمات للاستثمار ومكتملة البنية التحتية فى الصعيد المصرى، كما توجد خريطة استثمارية للصعيد تكشف عن إمكانية الاستثمار والصناعة فى كل منطقة وفقا للموارد الطبيعية والمواد الخام المتوافرة فيها، وبالتالى فالصعيد بيئة جذب للمستثمر الأجنبى قبل المصرى.