«المرحلة الثانية من اتفاق غزة» أحد الملفات الشائكة التى تسابق مصر الزمن من أجل بدء تنفيذه، رغم الخروقات الإسرائيلية لاتفاق السلام الذى وقع فى مدينة شرم الشيخ بحضور دولى كبير، ومحاولاتها استثمار لحظات الهدنة لتكريس واقع جديد على الأرض يزيد من تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما دفع القاهرة لتكثيف اتصالاتها مع واشنطن والأوروبيين، فى محاولة لتثبيت ما تحقق فى المرحلة الأولى ومنع انهيار الاتفاق بكامله بالتأكيد على أن الفصائل الفلسطينية التزمت حرفياً بما هو مطلوب لتجاوز المرحلة الأولى من الاتفاق، والتصدى لمحاولات إسرائيل إعادة طرح فكرة تهجير الفلسطينيين، من خلال التشكيك فى القوات العربية والإسلامية المرشحة للمشاركة فيما يسمى«قوة الاستقرار الدولية» لمراقبة الوضع فى قطاع غزة.
وحسب خبراء فإن مساعى القاهرة تتركز على إقناع الطرفين بأن نجاح اتفاق وقف حرب غزة مرهون بممارسة ضغط مباشر على إسرائيل التى تعمل على تثبيت وجودها فى مناطق واسعة من القطاع، وتعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية، حيث أكدت القاهرة فى رسائل واضحة للولايات المتحدة بأن جميع الخيارات تبقى مطروحة؛ إذا واصلت إسرائيل سياسات على الأرض تستهدف الدفع نحو مخطط التهجير، عبر مواصلة الاتصالات مع أطراف أمريكية وأوروبية لإدانة الانحراف الإسرائيلى عن الاتفاق.
وخلال اتصال هاتفى بين وزير الخارجية بدر عبد العاطى، ونظيره الأمريكى ماركو روبيو، ناقش الطرفان جهود تنفيذ الخطة، وشدد «عبد العاطى» على ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تطبيق قرار مجلس الأمن 2803، وسرعة تشكيل قوة الاستقرار فى غزة، والمضى فى تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة القطاع، إلى جانب الانتقال إلى المرحلة الثانية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وفى لقاء آخر مع وفد أوروبى برئاسة كريستوف بيجو، أكد «عبد العاطى» ثوابت الموقف المصرى الرافض لأى دعوات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضعين الجغرافى والديموغرافى للقطاع.
وتتضمن المرحلة الثانية انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من المواقع التى ما تزال تسيطر عليها فى غزة - وتشكل نحو 53 فى المائة من مساحة القطاع- إلى جانب نشر قوة دولية وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذى يشمل «مجلس السلام» بقيادة ترامب.
وفى هذا السياق، قال السفير عاطف سيد الأهل، سفير مصر الأسبق فى تل أبيب، إن «الإشارات الأمريكية باقتراب الانتقال إلى المرحلة الثانية خلقت صراعاً خفياً بين إسرائيل والوسطاء، فالوسطاء - مصر وقطر - والفصائل التزموا حرفياً بالمرحلة الأولى، بينما تعمل مصر لضمان أن تكون المرحلة الثانية مصحوبة بتحريك ملف إعادة الإعمار، خصوصاً بإعادة تهيئة البنية التحتية فى جميع المناطق، سواء الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية أو لحركة حماس، غير أن هذه الرؤية تواجه عراقيل إسرائيلية عديدة حيث ترفض تل أبيب توسيع إعادة الإعمار خارج المناطق التى تحتلها، وتطرح «مناورات ومراوغات» لعرقلة أى تطبيق فعلى للاتفاق».
«الأهل»، أضاف: مصر وقطر تعملان على تعزيز الضغط على واشنطن، والتلويح القطرى بعدم المشاركة فى الإعمار مفهوم بالنسبة للقاهرة، لأنه يعكس الحاجة لوجود ضمانات تمنع تدمير القطاع مجدداً، ومن جانبها تعمل القاهرة على بلورة تفاهمات مع حماس بشأن مستقبل السلاح، بما يضمن ذلك «تجميد السلاح» أو التوصل إلى صيغة توافقية تُجمع عليها فصائل المقاومة، كما تكثف القاهرة اتصالاتها مع الأطراف الفلسطينية للتوصل إلى توافق حول تشكيل لجنة إدارة غزة تكون مرجعيتها السلطة الفلسطينية.
وأوضح السفير الأسبق، أن «مصر انتهت بالفعل من تدريب عناصر الأمن الفلسطينيين الذين سيشاركون فى قوة الاستقرار، إلى جانب انفتاحها على خيارات متعددة بشأن تشكيل مجلس السلام، بشرط أن تكون مهمته مؤقتة ومرتبطة بالإعداد لإقامة دولة فلسطينية، والاتصال الذى حدث بين الوزير بدر عبد العاطى ونظيره الأمريكى، أكد على ضرورة انسحاب عسكرى إسرائيلى واسع من معظم مناطق القطاع، وفتح المجال أمام عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية دون قيود مصطنعة، بما فى ذلك تجاوز الخط الأصفر، إلى جانب إدخال المساعدات وإطلاق الإعمار».
كما كشف «الأهل»، أن «هناك استعدادات للإعلان عن جدول تفصيلى للمرحلة الثانية مطلع الشهر المقبل، يتضمن وصول أول وفد من القوة الدولية وبدء انسحاب إسرائيلى تدريجى»، متوقعا أن يؤدى الالتزام بهذه المرحلة إلى انفتاح اقتصادى وتجارى أكبر بين دول عربية وإسرائيل، بشرط انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها، ومشددا على أن المرحلة الثانية تواجه خلافات واضحة بين الأطراف، خصوصاً بشأن سلاح المقاومة ودور حماس خلال المرحلة الانتقالية إلى جانب أن الموقف الأمريكى لا يركز على تشكيل لجنة التكنوقراط كما يرغب الوسطاء، بحجة وجود خلافات على بعض الأسماء.
بدوره، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن «خطورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تتمثل فى غياب الموقف الفلسطينى الموحد، والبند السابع عشر من الخطة ينص على منح الاحتلال صلاحية التحكم فى ملف الإعمار، ورغم ذلك السلطة الفلسطينية هى الخيار الوحيد القائم لإدارة الوضع الفلسطينى، رغم ما تحتاجه من إصلاحات جوهرية واستعادة للثقة، والبحث عن بدائل لها يمثل مسارًا عبثيًا ويشكل خطرًا على المشروع الوطنى.
وأضاف أنه «رغم محاولات تقسيم غزة إلى شطرين شرقى وغربى، الموقف المصرى ثابت فى هذا الشأن الذى عبر عنه وزير الخارجية بدر عبد العاطى برفض تقسيم القطاع أو تشغيل معبر رفح باتجاه واحد».
وحول موعد بدء تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة الذى ترعاه الولايات المتحدة، قال «د. أيمن»: الإعلان عن تشكيل هيئة دولية لإدارة قطاع غزة قد يتم قبل نهاية العام الجارى، على أن تبدأ قوة الاستقرار الدولية انتشارها فى القطاع المنكوب مطلع عام 2026، وهذه الهيئة، التى ستحمل اسم «مجلس السلام» ويرأسها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ستضم حوالى 12 قائدا من الشرق الأوسط والدول الغربية، وستكلف بإدارة القطاع لمدة عامين قابلة للتجديد بموجب تفويض أممى، وستكون مهمة «مجلس السلام» الأساسية الإشراف على عملية إعادة إعمار غزة، وذلك فى إطار التفويض الدولى الممنوح له لمدة عامين قابلين للتمديد.
من جهته، قال الدكتور محمد عبود، الخبير المتخصص فى الشأن الإسرائيلى، إن «مسألة انسحاب الجيش الإسرائيلى من المناطق التى سيطر عليها بعد اندلاع الحرب فى غزة وفقًا للخطة، قد تشكل تحديا للمرحلة الثانية من الاتفاق، وإسرائيل تنوى الاستيطان فى هذه المناطق بناء على توصية الحاخامات المتطرفين، وهو الأمر الذى يدعمه وزيرا المالية بتسئيل سموتريتش والأمن الداخلى اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير»، مضيفًا أنه «خلال الفترة المقبلة سوف تستوطن إسرائيل فيما وراء ما يسمى بـ«الخط الأصفر» التى تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلى بموجب خطة ترامب، ويؤكد ذلك تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلى إيال زامير، بأن «الخط الأصفر» هو الحدود الجديدة، وإنه سيكون بمثابة «خط دفاع أمامى عن المستوطنات، وخط هجوم على أى هدف»، كما أن الجيش الإسرائيلى لن يسمح لحماس بالتمركز من جديد».
«عبود»، أوضح أنه «من ضمن التحديات الكبرى التى قد تواجهها المرحلة الثانية أيضا هى مسألة نزع سلاح حماس؛ إذ تنص الخطة الأمريكية على نزع سلاح الحركة وجميع غزة، وتخليها عن حكم القطاع الذى تسيطر عليه منذ عام 2007، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنه سيناقش مع الرئيس الأمريكى كيفية إنهاء حكم حماس فى غزة»، مضيفًا أنه «من المهم التأكد من أن حماس تلتزم بخطة نزع السلاح وإخلاء غزة من السلاح، فيما ردت حماس، على لسان القيادى باسم نعيم، إنها مستعدة لمناقشة مسألة تجميد أو تخزين سلاحها ضمن مسار سياسى يقود إلى إقامة دولة فلسطينية وضمان قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن أنفسهم، فى حال تعرضهم لهجوم، وهو الأمر الذى ترفضه إسرائيل».
وأكد «عبود»، أن هناك تحديا ثالثا قد يواجه المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو مسألة تشكيل قوة أمنية متعددة الجنسيات فى قطاع غزة تهدف إلى تسلُم المسئولية من الجيش الإسرائيلى، والمساهمة فى نزع سلاح حماس وبدء إعادة إعمار القطاع المدمر، مشيرا إلى أن الغموض لا يزال يكتنف مسألة تشكيل هذه القوة، إذ لا يوجد موعد زمنى محدد لها.
فى حين قال الدكتور على الأعور، الخبير فى حل النزاعات الإقليمية والدولية: الدعوة التى وجهها الرئيس الأمريكى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى لزيارة البيت الأبيض تهدف أساسا إلى ممارسة ضغط مباشر على نتنياهو للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار والمضى فى تنفيذ المرحلة الثانية منه، فضلًا عن مناقشة قضايا إقليمية أخرى مثل سوريا ولبنان.
وأضاف «د. على»، إن «مستقبل قطاع غزة سيكون حاضرا فى الأيام القادمة، والانتقال إلى المرحلة الثانية ربما يكون فى نهاية ديسمبر الجارى بعد زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، كما أن نتنياهو بدأ يعيد حساباته بعد فشل خطة «خلق البدائل» عقب مقتل ياسر أبو شباب قائد ميليشيا مسلحة تعمل ضد حماس فى رفح جنوبى القطاع، وأنه بات يدرس بجدية اقتراحا قدمه سرا رئيس الوزراء البريطانى السابق، تونى بلير، يقضى بانسحاب إسرائيل من المنطقة الصفراء وتسليمها للسلطة الفلسطينية، وهو ما قد يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة لحكم غزة خلال المرحلة الثانية، ولهذا يمكن القول إن انتقال إسرائيل إلى المرحلة الثانية بات أمرا مرجحا، مدفوعا بقرار أمريكى وضغط مباشر من الرئيس دونالد ترامب على نتنياهو للمضى قدما فى تنفيذ الاتفاق».
من جانبه، أشار الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إلى أن واشنطن تستعد للإعلان عن بدء المرحلة الثانية من خطة إعادة إعمار غزة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، لافتًا إلى أن هذه المرحلة ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا من سابقتها، وستتطرق إلى قضايا شائكة مثل نزع سلاح حماس والانسحاب الإسرائيلى من القطاع.
«سلامة»، أكد أن أبرز التحديات يتمثل فى تحديد صلاحيات «قوة الاستقرار الدولية» المزمع تشكيلها بموجب القرار الأممى 2803، متسائلا: «هل ستقتصر على المراقبة الأمنية أم ستصل إلى فرض السلام ونزع السلاح، ومشيرا إلى أن إسرائيل تضع عراقيل كبيرة عبر اشتراط مشاركة دول تتوافق بشأنها وهو مصطلح مطاطٍ يهدف إلى المماطلة وإطالة أمد الأزمة.
وأشار إلى أن إسرائيل تتعنت فى تنفيذ بنود الهدنة، وتسعى إلى فرض واقع جديد فى قطاع غزة، ليس فقط من خلال العدوان، ولكن عبر ترسيخ وضع يجعل القطاع دائمًا تحت التهديد والقصف، مؤكدا أن حكومة نتنياهو لا ترغب فى الوصول إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية، وأنها أربكت الموقف الأمريكى، مشيرا إلى أن تل أبيب تحاول استدعاء رد عنيف من حزب الله وحماس، ومعتبرا أن جر الشكل هو الهدف الأساسى لدفع الفصائل إلى عدم تسليم السلاح، وبالتالى استمرار حالة الحرب.
وأضاف: إسرائيل كانت متمركزة عند «الخط الأصفر» فى أكتوبر الماضى، وكانت تسيطر خارج هذا الخط على نحو 53 فى المائة من قطاع غزة، كما أن إسرائيل حركت الخرسانة الخاصة بالخط الأصفر، ما أدى إلى زيادة مساحة السيطرة إلى 60 فى المائة من القطاع دون أن يشعر أحد، ولهذا فإن المشهد أصبح أكثر ارتباكا ويتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية من التعامل والتحرك نحو الخط الأحمر.
وقال الدكتور إسماعيل تركى، أستاذ العلوم السياسية: مصر تواصل تأكيد موقفها الثابت بخصوص القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والرؤية الإسرائيلية تهدف إلى تحقيق مخططاتها عبر فرض حلول مؤقتة، وهو ما ترفضه مصر تمامًا، مشددًا على أن قطاع غزة يجب أن يظل جزءًا من الأراضى الفلسطينية.
وأوضح، أن «الجهود المصرية المدعومة دوليًا تهدف إلى تحقيق الاستقرار فى المنطقة عبر دعم السلطة الفلسطينية، ورفض محاولات إسرائيل لإدخال قوات دولية تحت مسمى «قوات الاستقرار» التى قد تمهد لتهجير الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان»، مشيرا إلى ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق السلام، التى تتضمن إعادة إعمار قطاع غزة وتقديم المساعدات الإنسانية لتخفيف الأزمة الإنسانية فى القطاع، مضيفًا أن مصر تمثل شريان الحياة بالنسبة لغزة؛ حيث نجحت فى إدخال مساعدات إنسانية حيوية عبر معبر رفح.