كانت بداية العام الحالى صعبة جدا علينا.. فقد كانت تهجيرا قسرياً للفلسطينيين تقوم به إسرائيل وترعاه أمريكا التى عاد فيها ترامب بقوة إلى البيت الأبيض مستندا إلى أغلبية جمهورية فى الكونجرس.. بل كانت إعلانا صريحا عن رغبة السيد الجديد للبيت الأبيض فى الاستيلاء على أرض قطاع غزة وطرد أهلها منها بالقوة لإعادة إعمارها استثماريا لتصبح ريفيرا الشرق الأوسط.. ويا ليت الأمر بالنسبة لنا اقتصر على ذلك فقط، وإنما طلب ترامب منا ومن الأردنيين استقبال أهل غزة المطرودين من القطاع وتوطينهم فى سيناء والأراضى الأردنية، وذلك فى إطار مشروع كبير لتصفية القضية الفلسطينية..
لكن رغم تلك الصعوبات الشديدة أعلنتها مصر واضحة جلية رفضا لمشروع ترامب بالاستيلاء على القطاع وطرد أهله منه وتحويل سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين.. لم يحرج ترامب مصر وقيادتها، رغم أنه كان متمسكا بشدة بمشروعه الاستثمارى والاستعمارى فى غزة.. وبذلت الجهود الدبلوماسية والسياسية المكثفة والمستمرة ومارست الضغوط لإثناء ترامب عن مشروعه هذا، المشاركة فى جهود وقف الحرب الوحشية ضد أهل غزة التى اندلعت منذ السابع من أكتوبر عام 2024.
وها هى مصر تتأهب لتوديع عام 2025 وهى تبذل الجهود المتواصلة لتثبيت وقف إطلاق النار الذى أعلن قبل أسابيع مضت، بل والانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب لوقف تلك الحرب الوحشية، والتى تقضى بانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع بعد نشر قوات دولية فى أراضيه والبدء فى تنفيذ خطة التعافى التى تمهد لإعادة إعمار غزة.. وبالطبع ثمة فارق كبير بين استقبالنا لعامنا هذا وبين وداعنا له، فارق صنعه جهد مصرى متواصل ودؤوب لإنقاذ أهل غزة، بل أهل فلسطين كلهم، فى غزة والضفة والقدس الشرقية من كابوس المخطط الإسرائيلى الذى حظى برعاية الرئيس الأمريكى الجديد الذى استهل ولايته الجديدة من موقع إمبراطور العالم الذى يأمر كل دول العالم وعليها أن تطيعه..
وقد تصرفنا بحكمة ممزوجة بالصرامة والإصرار على رفض ليس فقط المشاركة فى خطة التهجير القسرى لأهل غزة، وإنما رفض تصفية القضية الفلسطينية بتحويل مليونين من أهل غزة إلى لاجئين.. لذلك لم نرفض فقط توطين أهل غزة أو العدد الأكبر منهم فى سيناء، وإنما طاردنا كل من عرضت عليه أمريكا استقبال توطين أهل غزة فى أراضيهم وأفسدنا بذلك ضغوطا وجهودا وإغراءات قدمت لدول حتى تقبل بأهل غزة لاجئين دائمين فى أراضيها وبلا عودة للقطاع..
وفى البداية أعددنا خطة بديلة مفصلة ولها برنامج زمنى لإعادة إعمار قطاع غزة الذى دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلى وحولته إلى ركام وخربت مقومات الحياة البسيطة فيه.. وطرحت مصر خطتها بديلا لمشروع ترامب (ريفيرا غزة)، وسعت لحشد التأييد العربى ودعم الدول الإسلامية والأوروبية لها فى مواجهة مشروع ترامب الذى يقضى بطرد أهل غزة من أرضهم .. وأثمر الجهد المصرى المدعوم عربيا وعالميا تراجعا لترامب عن مشروعه بالاستيلاء على أراضى القطاع وتحويلها إلى ريفيرا الشرق التى كانت ستراكم له أرباحا ضخمة مستمرة.. ثم بدأت أمريكا تشارك فى جهود وقف الحرب التى تمخضت عن اتفاق شرم الشيخ الذى كانت دول عديدة شهودا عليه.. وتسعى الآن إلى تنفيذ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق الذى ترجم فى قرار لمجلس الأمن يضفى الصبغة الدولية والأممية على خطة ترامب الفلسطينية، والتى تتيح لترامب سيطرة مباشرة على مجريات الأمور فى القطاع..
ويسعى نتنياهو وحكومته شديدة التطرّف لاستئنافها مجددًا بذات الوحشية، وربما أكثر وحشية لأن نتنياهو لم يصرف النظر بعد عن طرد أهل غزة خارج أراضيهم..
وهذا يعنى أننا نودع عاما شديد الصعوبة ونستقبل عاما معاركنا فيه مستمرة لحماية أمننا القومى والأمن العربى وحقوق الأشقاء الفلسطينيين..