أنشأت حرب أكتوبر أوضاعا قتالية غير التى تفرضها قوانين الحرب، فأعطت لنا نماذج من القادة تملك مستويات عالية من الكفاءة.. ليس المقصود بها الإقدام والبسالة والجرأة. بل الأساليب التكتيكية الجديدة التى أبدعها واستنبطها هؤلاء القادة بمبادرة كاملة من جانبهم فى المعركة وكانت أساليبهم حلولا صائبة لمشاكل ميدانية أثناء الحرب.
أين هؤلاء الضباط حاليا.. هل أصبحوا يدرسون للجيل الجديد من ضباطنا؟ أم حصلوا على مراكز قيادية أعلى؟
إن الخبرات التى تكتسب فى الحروب ليست صالحة للتطبيق فى القوات المسلحة فقط، ولكنها صالحة أيضا للتطبيق فى كافة أنشطة الحياة، فالحرب مجال خصب لتطوير الأساليب والنظم فى نواحى التخطيط والتنظيم والإدارة والتدريب، ولذلك فبمجرد انتهاء الحرب فى أى مكان فى العالم يهرع المتخصصون من كافة الدول للتعرف على الخبرات، وهذا ما حدث بالنسبة لنا فى أعقاب حرب أكتوبر 73.. لقد أتوا إلينا من الشرق والغرب سعيا وراء الخبرات التى اكتسبناها من هذه الحرب، ولقد أوضحنا الكثير من الخبرات ولكن هناك الكثير أيضا وخاصة ما يتعلق بالنواحى العسكرية الصرفة لم نشأ أن نعلن عنها لسريتها فأرضنا لم يستكمل تحريرها بعد والصراع ما زال قائما ومن حقنا الاحتفاظ بهذه الخبرات لحين تحقيق النصر النهائى..
المهم، لقد أردت بذلك الحديث إيضاح أن تقديرنا عظيم للخبرات التى اكتسبناها فى حرب أكتوبر المجيدة، ولذلك ينتشر مقاتلو أكتوبر الأبطال الآن فى تشكيلات ومعاهد القوات المسلحة المختلفة ينقلون هذه الخبرات إلى الأجيال الجديدة ويضعون الدروس المستفادة من هذه الحرب موضع التنفيذ فكافة المناصب الرئيسية فى القوات المسلحة يشغلها الآن مقاتلو 10 رمضان المجيد.
يقال عسكريا إن كل تطور يدخل على الأسلحة والمعدات يتطلب تغييرا فى التكتيكات بل فى رسم الاستراتيجية.. وهذا الأمر يعتبر مكلفا جدا ولابد له من فترة تحول ليست بالقصيرة على الإطلاق.
هل ينطبق هذا القول على قواتنا المسلحة وهى تطبق قرار تنويع السلاح والمعروف أن تشكيلاتنا كانت تمارس عقيدة القتال الشرقية منذ صفقة السلاح الأولى عام 1955؟
إن بعض العسكريين الأجانب قالوا هذا الكلام من السهل تطبيقه سياسيا وليس عسكريا، لأنه يتطلب عشر سنوات على الأقل أى أنك تبدأ من الصفر فى تسليح القوات .
ما رأيكم؟
إن ما ذكرته لا ينطبق علينا.. فنحن لا نبدأ من الصفر، فلدينا قاعدة وطيدة من العلم والخبرة، ولدينا مؤسسات عسكرية ذات تقاليد راسخة وتنظيم قواتنا المسلحة تنظيماً مرناً متطوراً يتيح لها مجاراة كل التطورات فى فنون الحرب واستيعاب كل جديد فى أساليب ومعدات القتال.
إن من يستطيع استخدام سلاح شرقى حديث من المؤكد أنه يستطيع استخدام سلاح غربى حديث.. إن القدرة على استخدام الأسلحة العصرية لا تتوقف على مصدر إنتاج الأسلحة ولكنها تتوقف أساسا على المستوى الحضارى للأمة.
ولدى مصر الآن القاعدة العلمية والتكنولوجية التى تمكنها من تأهيل وتدريب الفرد على السلاح شرقيا كان أم غربيا.
هذا من ناحية الاستيعاب والفترة اللازمة للتدريب، أما من ناحية العقيدة القتالية فلا أوافقك أن قواتنا تمارس العقيدة الشرقية منذ صفقة السلاح الأولى عام 1955.. نعم لقد درس ضباطنا أساليب القتال الشرقية فى المعاهد العسكرية السوفييتية، ولكننا فى الممارسة وعندما قاتلنا فى أكتوبر 73 نفذنا أسلوبا مصريا صميما يتمشى مع طبيعة الجندى المصرى وطبيعة أرضنا ووفقا لإمكاناتنا.
ولا شك أن حرب أكتوبر بما اشتملت عليها من أساليب جديدة مستحدثة تعتبر تجسيدا لما يمكن أن يطلق عليها العقيدة المصرية فى القتال، ومن الجائز أن تكون هذه العقيدة قد أخذت بعض الملامح من العقيدة الشرقية أو العقيدة الغربية ولكنها ليست تقليدا لأيهما أو خليطاً بينهما.. ولذلك فقرار تنويع السلاح لا يتطلب تغيير عقيدتنا القتالية فستظل عقيدتنا مصرية مهما كان مصدر السلاح الذى نحارب به، فعقيدتنا تصوغها حدود إمكاناتنا وطبيعة أرضنا وجنودنا وطبيعة المهام والأهداف التى نسعى لتحقيقها.
فى المعارك التاريخية توجد نقط تحول حاسمة، وفى معارك الدفاع الجوى المصرى لابد بالضرورة من وجود هذه النقط عام 69- 70 ثم حرب رمضان..
ما هذه النقط؟ ومتى حدثت؟ وما عوامل حدوثها؟ وإلى أى مدى استمر عمر هذا التحول لحسابنا أو تحول لحساب العدو؟
سأقصر إجابتى على حرب الاستنزاف فقط فلم تشهد حرب رمضان أى تحول فى مسار الصراع بين القوات الجوية الإسرائيلية والدفاع الجوى المصرى بل تميزت من بدايتها إلى نهايتها بتفوق ملحوظ للدفاع الجوى المصرى شهد به المعلقون العسكريون العالميون .
أما فيما يختص بحرب الاستنزاف، فلقد مر الصراع بين القوات الجوية الإسرائيلية والدفاع الجوى المصرى خلال هذه الحرب بمراحل متتالية يمكن تقسيمها على الوجه التالى:
المرحلة الأولى:
وهى مرحلة الجس وقد بدأت هذه المرحلة فى يوليو 68، وكانت أعمال العدو الجوى خلالها تستهدف جس قدرتنا الدفاعية لتحديد أسلوب وحجم ونوعيات وقدرات أسلحة الدفاع الجوى المصرى وتحديد مدى ونوع وحجم الأعمال الإيجابية التى قد تواجهها قواته الجوية عند قيامها بأى عمليات هجومية.
المرحلة الثانية:
وهى مرحلة الاستنزاف المضاد، وقد بدأت هذه المرحلة فى يوليو 69 بوصول أولى الدفعات من الطائرات «سكاى هوك» التى لعبت دورا رئيسيا فى هذه المرحلة، وتميزت هذه المرحلة بتوجيه الضربات الجوية ضد قواتنا المسلحة بعمق 15 - 20 كم غرب القناة وساحل البحر الأحمر واستهدفت أساسا قواعد الصواريخ المضادة للطائرات ومواقع الرادار.
المرحلة الثالثة:
وهى مرحلة الضغط العسكرى والتصعيد، وبدأت هذه المرحلة فى يناير 1970 مع وصول الجزء الأول من صفقة الطائرات الفانتوم للعدو وإتمام تدريب الطيارين الإسرائيليين عليها.
ويعتبر عام 1970 منعطفا هاما فى مسيرة الصراع بين قوات الدفاع الجوى المصرى والقوات الجوية الإسرائيلية فقد كان عام 1970 بحق بداية مرحلة خالدة فى تاريخ الدفاع الجوى المصرى. ففى 7 يناير 1970 بدأ الهجوم الجوى الإسرائيلى فى عمق الأراضى المصرية بغارات جوية على مناطق التل الكبير وانشاص ودهشور، واستمر بعد ذلك ضد الأهداف العسكرية والمدنية فى مناطق مختلفة من وادى النيل وشمال الدلتا وفى شهر فبراير 1970 تم قصف أحد المصانع المدنية فى أبو زعبل وفى أبريل من نفس العام تم قصف مدرسة الأطفال فى منطقة بحر البقر.
ولقد تم بجهود خارقة وفى زمن قياسى تدعيم خطط الدفاع الجوى عن الأهداف الحيوية فى العمق، واضطرت القيادة الإسرائيلية إلى إيقاف غاراتها فى العمق وركزت كل جهودها لمنع إقامة قواعد للصواريخ فى منطقة قناة السويس.. وقبلت قوات الدفاع الجوى المصرى التحدى ودار صراع رهيب بين إرادتين انتهى بانتصار الإرادة المصرية ونجاح قوات الدفاع الجوى المصرى فى 30 يونيو 1970 فى إقامة شبكة الصواريخ الشهيرة، وتوالى إسقاط الطائرات الفانتوم وأسر طياريها فيما عرف بأسبوع تساقط الفانتوم.
قال بعض المعلقين العسكريين فى الغرب إن قوات الدفاع الجوى المصرى فى حرب أكتوبر طبقت منفصلة أو مستقلة مبدأ المفاجأة.
هل يمكن أن تطبق المفاجأة مرة ثانية مع وجود أجهزة ومحطات الإنذار الإلكترونية الحديثة فى سيناء لدينا ولدى العدو؟
إن المفاجأة بمعناها الشامل يمكن تحقيقها على مستويات مختلفة، فهناك المفاجأة على المستوى الاستراتيجى والتعبوى والمفاجأة على المستوى التكتيكى.
ولقد شاركت قوات الدفاع الجوى فى تحقيق المفاجأة التى أحرزتها مصر على المستوى الاستراتيجى والتعبوى وتم ذلك عن طريق تصدينا المستمر والفعال طوال السنوات التى سبقت حرب أكتوبر 73 لطائرات الاستطلاع الجوى الإسرائيلية التى كانت تقوم بالتصوير من الجانب الشرقى للقناة، فلقد اضطرت إسرائيل تحت وطأة الخسائر التى أنزلتها قوات الدفاع الجوى بطائرات الاستطلاع إلى التخلى نهائيا عن هذا الأسلوب فى جمع المعلومات وتوفرت بذلك أنسب الظروف للقوات المسلحة المصرية فى جبهة قناة السويس للتحضير والإعداد للعمليات الهجومية فى سرية وأمان، وحرمنا بذلك العدو من كشف نوايانا الحقيقية ومعرفة حجم القوات واتجاه المجهود الرئيسى لها.
أما على المستوى التكتيكى فقد تم تحقيق المفاجأة فى صور وأشكال متعددة معروفة.
وبالنسبة للشق الأخير من سؤالك، فالإجابة عنه بسيطة غاية فى البساطة، فالفرق الوحيد بين الوضع الآن والوضع فى أكتوبر 73 فقد كانت إسرائيل وحدها هى التى تملك محطة للإنذار المبكر فى سيناء وبالرغم من ذلك تمكنت مصر من إحراز المفاجأة!
يتردد أن ما تشكو منه إسرائيل حاليا للأمم المتحدة هو تدريب قواتنا المسلحة على الوصول إلى ما بعد الممرات حتى العريش وأننا نرسل بقوات كبيرة عدديا لعبور القناة لتقوم بهذه الواجبات..
ما الأسباب الحقيقية فى رأيكم لتلك الضجة التى تثيرها إسرائيل بين حين وآخر حول نشاط قواتنا..؟
إن جزءا عزيزا من أرضنا مازال محتلا ومهمتنا كقوات مسلحة هى الاستعداد لتحرير الأرض، لذلك فليس سرا أن قواتنا المسلحة تتدرب على هذه المهمة فهذا واجبنا المقدس وحقنا المشروع، أما هذه الضجة التى تثيرها إسرائيل من حين لآخر حول نشاط قواتنا فهو أمر تعودنا عليه، فإسرائيل كانت دائما تتظاهر بأنها دولة مسالمة معتدى عليها، وهى تهدف من ذلك إلى استمرار تدفق السلاح والمعونة الأمريكية عليها وإلى كسب تعاطف الرأى العام العالمى وما يستتبعه ذلك من معونات مالية لا تستطيع أن تعيش بدونها وها هى بعد مرور ثلاث سنوات على حرب أكتوبر تعود وتلبس نفس الثوب وتتظاهر بأنها تنحو إلى السلام، وأننا ندعو إلى الحرب وبذلك تتناسى أو تخدع الآخرين عن جوهر القضية وهى أن هناك أرضا عربية مازالت محتلة وهناك شعب عربى مازال طريدا من أرضه محروما من حقوقه المشروعة.. ولكنه المنطق الأعوج الذى درجت عليه إسرائيل دوما.
قالت بعض الصحف الموالية لإسرائيل إن القوات المسلحة الإسرائيلية أصبحت بعد حرب أكتوبر 73 رأسا إلكترونية موجهة، وإن من العسير أن يحقق العرب أو تحقق مصر نصرا فريدا مرة أخرى، إذ لابد من ضرورة اللحاق بالتطور العلمى الإسرائيلى وسد الفجوة بينهما وهذا يبدو من المستحيلات!
ما معنى هذا الكلام؟ وهل يدخل تحت بند الحرب النفسية ضدنا؟ أم هى التعبئة النفسية لشعب إسرائيل من أجل امتصاص غضبه؟
لا شك إن إسرائيل تعمل على تطوير قواتها المسلحة ولقد حصلت بعد أكتوبر 73 على كميات ضخمة من أحدث المعدات والأسلحة. وفى المقابل فنحن أيضا لم نقف مكتوفى الأيدى فنحن حريصون على تطوير قواتنا المسلحة وتزويدها بأحدث المعدات والأسلحة ولقد قطعنا فى ذلك شوطا بعيدا، أما عن الفجوة المزعومة فهذه ليست المرة الأولى التى نسمع فيها مثل هذا الكلام فهو كلام معاد طالما تردد قبل أكتوبر 73 ولكن يبدو أن إسرائيل - كما قال الرئيس أنور السادات- لم تع جيدا دروس حرب أكتوبر 73، فلقد شهد العالم أجمع أن هذه الحرب قد برهنت على بطلان نظرية التفوق الإسرائيلى التى تقوم على أن التفوق النوعى الإسرائيلى كفيل بهزيمة الكم المتخلف العربى.
هل المعركة التى لم تقع بعد- معركة الغد - ستصبح معركة الليزر والقنابل التليفزيونية الموجهة والطيارة القاذفة بلا طيار .. أم أن هذه التطورات سابقة لأوانها ولا يزال للجندى المترجل أو المحمول فى عربة مدرعة أو فى طائرة هليوكوبتر الدور الرئيسى فى معركة الغد.. وحتى سنة 2000 على الأكثر؟
إن وجود الليزر والقنابل التليفزيونية والطائرة القاذفة بدون طيار لم ولن يلغى دور الفرد المترجل أو المحمول فى عربة مدرعة لا الآن ولا فى معركة الغد ولا فى معركة سنة 2000. إن جميع هذه الأدوات ما هى إلا وسائط الهدف منها تسهيل مهمة الفرد المقاتل.. فرد المشاة ليتمكن من احتلال الأرض والتشبث بها، وهكذا ستظل المشاة سيدة المعارك؛ لأنه لا نصر بدونها.
ما انطباعاتكم عن الأقوال والآراء المضادة لنا التى قالها ضيوفنا فى ندوة 6 أكتوبر؟
لقد حرصنا عند توجيه الدعوات لندوة 6 أكتوبر أن ندعو أكبر عدد من المعلقين والمفكرين العسكريين الذين عرف عنهم تعصبهم وتحيزهم إلى جانب إسرائيل، وكان حرصنا هذا مبعثه ثقة كاملة فى النفس واعتزاز كبير بما أنجزناه فى حرب أكتوبر 73، واعتبرنا هذه الندوة فرصة عظيمة ليتعرف هؤلاء على الحقائق المجردة ويناقشوها معنا، ولقد وفقنا الله وحققت ندوة أكتوبر الهدف منها وتغيرت بالفعل مواقف العديد من المعلقين وأصبحوا أكثر إنصافا وموضوعية..
ولعل أبرز الموضوعات التى حسمتها ندوة أكتوبر كان موضوع الثغرة، فلقد أتى بعضهم متأثرا تماما بالدعاية الإسرائيلية التى تشبثت بهذا الموضوع كمخرج وحيد من المحنة التى وجدت نفسها فيها بعد هزيمة الجيش الإسرائيلى فى أكتوبر 73.
فى قول سابق لكم إن الحرب تعلم الحرب وقديما قال قادة آخرون.. أعظم التجارب فى حياة العسكريين هى التجارب بالنيران.
ماذا استفدتم على المستوى الشخصى من تجارب المعارك التى خضتها منذ الحرب العالمية الثانية.
ماهى لحظات الألم والمرارة؟
وما هى لحظات الأمل والسعادة لديكم؟
لا شك أن خدمتى الطويلة فى الدفاع الجوى وما تخللها من مواقف وأحداث وتدرجى للسلم القيادى دون قفزات وممارستى للقيادة الميدانية واشتراكى فى عدة حروب أكسبتنى العديد من الخصال والعادات ولعل أبرزها الدأب والمثابرة والإصرار على بلوغ الهدف والإيمان الذى أعتبره ثلاثة أرباع النجاح. أما عن اللحظات التى مازالت تحتل مكانها فى ذاكرتى فهى كثيرة، أذكر منها يوم 23 يونيو 69 تاريخ تعيينى قائدا للدفاع الجوى، لقد كان هذا يعنى أننى أصبحت منذ هذه اللحظة مسئولا عن حماية سماء مصر ضد أقوى قوة لدى العدو.. ضد الذراع الطويلة التى يعربد بها فى المنطقة ويفاخر ويتباهى بها، يومها كانت المقارنة بين الدفاع الجوى المصرى والقوات الجوية الإسرائيلية غير واردة ولا يتجاسر أحد أن يخوض فيها، ولكن لإيمان لا يتزعزع بالله وثقة لا حدود لها بالمقاتل المصرى كنت واثقا كل الثقة من النتيجة النهائية للصراع. ولا أنسى أيضا كلمات قائدنا الأعلى الرئيس أنور السادات فى أحد اللقاءات قبل المعركة «قواتك يا محمد وقوات حسنى هما الركيزة فى معركتنا القادمة وأنا على ثقة أنكما ستخوضان معركة ناجحة مع العدو الجوى علشان ولادى تعدى وتعبر إلى سيناء وتقاتل هى الأخرى معركة ناجحة بإذن الله» وخرجنا يومها ونحن أشد ما نكون إصرارا وعزما أن نكون أهلا لهذه الثقة الغالية.. ولا أنوى الاستطراد فالمجال يضيق بكل الذكريات.. أما عن لحظات الألم والمرارة فلقد عشتها كما عاشها كل العرب فى يونيو 1967 ولكنها أبدا لم تكن لحظات يأس أو قنوط فكنت دائما أقول لضباطى وجنودى: «عندما تحين ساعة النصر سنتذكر وقتئذ كل ما لقيناه من مرارة الفشل ثم حلاوة النصر».
أما عن لحظات الأمل والسعادة فهى كثيرة لا تعد ولا تحصى فأنا أعيشها فى كل يوم بل وفى كل لحظة عندما نبدأ عملا جديدا أو ننهى عملا كنا قد عقدنا العزم على إنجازه.
قال القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس أنور السادات عنكم: «لدينا الخبير الأول فى حرب الصواريخ» .. الآن وبعد كل المعركة فى رمضان الخالد.. هل يمكن القول بأن لدينا خبراء أوائل فى حرب الصواريخ والحرب الإلكترونية، وهل ننتظر أن يعلن بعضهم أو عدد قليل منهم على جماهير شعبنا معاركه التى تمنحه فى النهاية لقب خبير الصواريخ ومعارك الإلكترونيات كما حدث بالنسبة للقادة السوفييت الأصاغر والأكابر فى الحرب العالمية الثانية وقد ظلوا يكتبون عنهم طويلا..؟
إننى أنتهز فرصة هذا السؤال لأوضح أمرا لابد من إيضاحه، أن مهمتنا نحن رجال القوات المسلحة هى الحرب ولقد حاربنا ثم قمنا بعد الحرب بإذاعة أحداث هذه الحرب كحقائق فى إطارها العسكرى وبما تسمح به مقتضيات الأمن الحربى، والمفروض بعد ذلك أن يأتى دور رجال الإعلام والمفكرين والكتاب ليسجلوا هذه الحقائق فى الإطار الأدبى والإعلامى الأمر الذى لم يتم بالصورة المطلوبة.. وعموما فالوقت لم يفت وما زلنا ننتظر من مفكرينا وأدبائنا إنتاجا على مستوى إنجازات حرب أكتوبر المجيدة ونحن على استعداد فى القوات المسلحة أن نضع تحت أيدى كتابنا ومفكرينا كافة البيانات والمعلومات وندبر لهم اللقاءات التى يرغبون فيها مع الأبطال الذين عاشوا الأحداث وحققوا الانتصارات.
هل أستطيع أن أعرف من سيادتكم ماذا دار بخيالكم وأنت ذاهب إلى مقر قيادتك صباح 6 أكتوبر بعيدا عن مهام الدفاع الجوى.. ماذا قلت لولدك الأكبر أو الأصغر أو لفتاتك الطالبة.. أو لحرمكم قبل أن تتركهم للعاشر من رمضان؟..
كيف قضيت ليلتك السابقة على ساعة الصفر؟..
إننا نحن العسكريين لا نناقش أمور عملنا فى منازلنا لا تصريحا أو تلميحا.. وعموما فزوجتى كانت وقتها خارج مصر للعلاج. أما الأولاد فقد أرسلتهم إلى منزل جدهم وأخبرتهم بأنى مسافر لعدة أيام للمرور على القوات وأقمت أنا فى مقر قيادتى لأتفرغ تماما لوضع اللمسات الأخيرة على تحضيرات وتجهيزات المعركة، وأذكر وقتها أننى تسلمت رسالة من زوجتى تخبرنى فيها أن الطبيب المعالج يرى إطالة فترة بقائها استمرارا للعلاج وهى ترى الإسراع فى العودة لتكون بجانبى وبجانب الأولاد لأنها تقدر مدى مشغوليتى فى العمل.. فأرسلت لها على الفور أحثها على البقاء واستمرار العلاج، واستجابت لنصيحتى ولكن.. ما إن بدأ القتال حتى قطعت العلاج وعادت على الفور.
أما عن ليلتى السابقة على ساعة الصفر، فقد كانت ليلة هادئة تماما فعندما توجهت إلى النوم فى هذه الليلة كنت مطمئنا غاية الاطمئنان لكل ما اتخذ من إجراءات واثقا كل الثقة مؤمنا كل الإيمان بالله عز وجل.
قال الصحفى روبرت هوتز فى مجلة «أفيشن ويك» إن مصر بدأت مع عام 1975 تنتقل بقواتها المسلحة وخاصة قواتها الجوية من تكنولوجيا الأنابيب المفرغة السوفييتية إلى تكنولوجيا الدوائر المتكاملة الغربية؟
إننى وإن كنت لا أنوى الخوض فى التفاصيل، فلى العديد من التحفظات على ما جاء فى السؤال سواء من الناحية الموضوعية أو من ناحية التوقيت الذى أوردته المجلة كبداية لانتقال القوات المسلحة المصرية إلى التكنولوجيا العصرية.
وعموما فالتطور فى مجال الإلكترونات بالذات يتم بخطوات سريعة ففى خلال فترة وجيزة شهد علم الإلكترونات قفزات متلاحقة للأمام فلم يكد العالم يستوعب الاكتشاف العظيم المتمثل فى استخدام الترانزستور، حتى فوجئ باكتشاف آخر هو استخدام الدوائر المتكاملة وجميع هذه التصورات ليست بعيدة عن متناول المواطن العادى وربما يكون المجال العسكرى أسبق فى تطبيق أى تطور جديد ولكن سرعان ما ينتشر التطور ليشمل باقى نواحى الحياة فيشعر به المواطن العادى وهذا ما حدث عندما تحول العلم إلى استخدام الترانزستور فى الدوائر الإلكترونية بدلا من الصمامات أو ما نطلق عليه «اللمبات» وإذا كان الفضل يرجع للترانزستور فى اختصار أحجام المعدات والأجهزة عشرات المرات فقد أصبح من الممكن الآن بفضل استخدام الدوائر المتكاملة اختصار الحجم مئات المرات، وهكذا أصبح فى مقدور معدة صغيرة الحجم القيام بالأعمال والمهام التى كان يلزم لأدائها حشد أعداد ضخمة من المعدات كبيرة الحجم، ولا يخفى على أحد ما لهذا الأمر من أهمية بالغة فى المجال العسكرى.
قلتم لبعض الصحفيين الأجانب إن موازين حرب أكتوبر بدلت من معدلات القتال فى الميدان وإن الحرب القادمة ستتطلب أسلحة صغيرة رخيصة التكاليف سهلة الحركة ذات فعالية متزايدة غير أن أطقمها من البشر لابد أن يكونوا على درجة عالية من التعليم والتدريب فى مواجهة أسلحة باهظة الثمن؟
إن هذا ما حدث فعلا فى حرب أكتوبر وكان ومازال محور اهتمام الدوائر العسكرية العالمية، فكثير من المعلقين العسكريين يعتقد أن أهم سمات حرب أكتوبر هو هذا الاستخدام المكثف للأسلحة الصاروخية الصغيرة سواء المضادة للدبابات منها أو المضادة للطائرات. فلقد تمكنت القوات المسلحة المصرية بواسطة هذه الأسلحة البسيطة والرخيصة نسبيا من الحاق خسائر جسيمة بدبابات وطائرات إسرائيل التى يصل ثمن الواحدة منها إلى عدة ملايين من الدولارات.
ولذلك وكدرس مستفاد من حرب أكتوبر أوصى المفكرون العسكريون بضرورة أن تعمل الدبابات فى قتالها فى تعاون وثيق مع المشاة والمدفعية والطيران لتظهر لها الأرض من القواذف الموجهة المضادة للدبابات التى تحمل لها الدمار بأقل التكاليف. أما فيما يختص بتقليل الخسائر فى الطائرات فتتركز الأبحاث الآن لتطوير الطائرات الموجهة بدون طيار لتكون أصغر حجما وأقل تكلفة ولتكون قادرة على أداء نفس المهام التى تقوم بها الطائرات المقاتلة العادية باهظة التكاليف.
قلتم من قبل الرادار الأرضى فى إمكانه دائما أن يتغلب على أى معدات محمولة جوا فى الطائرة.. غير أن الواقع فى حرب رمضان يقول إنه لم يحدث فى كثير من الأحيان أن تغلب الرادار الأرضى على طائرات إسرائيل وبالتالى لم يستطع الرادار الأرضى الإسرائيلى أن يتغلب على طائراتنا.. إننا نأمل فى تفسير لهذه المراحل من الحرب الإلكترونية؟
وقيل أيضا إن جنودنا استطاعوا تشغيل شبكات رادارهم والاستمرار فى تتبع الأهداف أو الطائرات الإسرائيلية وسط أشد أنواع التشويش الإلكترونى من الجو للأرض.. هل يمكن أن يحدث ذلك. وإذا كان قد حدث فما هى العوامل التى تساعد على تحقيق هذا المستوى من الأداء.. هل هى المعدة. أم التدريب، أم الثبات الإرادى للمقاتل المصرى فى موقعه دون خوف أو هروب فأعطى فعاليته المؤثرة؟
لقد فهمت ما تقصد، وإن كنت أود أن أصحح ما جاء فى سؤالك على لسانى، فلقد سبق أن قلت إن نتائج أعمال قتال قوات الدفاع الجوى المصرى فى حرب أكتوبر أثبتت صحة المبدأ القائل «إن أى جهاز رادار يمكن إعاقته وأيضا فكل إعاقة يمكن مقاومتها.
لقد كانت حرب أكتوبر أول حرب إلكترونية فى التاريخ فقد شهدت هذه الحرب استخداما مكثفا لكل ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا فى هذا المجال وواجهت قوات الدفاع الجوى المصرى فى هذه الحرب أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية من معدات وفنون الإعاقة الإلكترونية بكافة صورها وأشكالها.. وتشهد النتائج التى أحرزتها قوات الدفاع الجوى المصرى فى حرب أكتوبر بأن هذه الإعاقة لم يكن لها التأثير ولا الفعالية التى كانوا ينشرونها عنها .
ويرجع الفضل فى نجاح قوات الدفاع الجوى المصرى وفى مقاومة أعمال الإعاقة الإلكترونية إلى العديد من الإجراءات التى اتخذت قبل وأثناء القتال، وإذا كان الوقت لم يحن بعد للكشف عن ماهية هذه الإجراءات لأسباب لا تخفى على أحد، إلا أنه يمكن بصفة عامة تلخيص هذه الإجراءات فيما يلى :
تعديلات فنية فى معدات الدفاع الجوى علاوة على ما تشمله أصلا من دوائر إلكترونية مضادة لتأثير أعمال الإعاقة الإلكترونية المعادية .
أساليب مبتكرة للتمويه والخداع الإلكترونى.
والتدريب الطويل المستمر تحت ظروف أعمال الإعاقة الإلكترونية المحتملة.
وبالرغم من الإمكانات الكبيرة التى تتوفر حاليا لدى قوات الدفاع الجوى المصرى فى هذا المجال، فما زالت هذه القوات تعمل بصفة مستمرة على رفع قدراتها فى العمل تحت ظروف أعمال الإعاقة الإلكترونية واضعة فى اعتبارها كل ما تزود به العدو من وسائل جديدة فى هذا المجال بعد حرب أكتوبر وهى تتابع فى يقظة وحذر الأبحاث الجارية حاليا لتطوير معدات وأساليب الحرب الإلكترونية.
هناك وجهة نظر تقول إن كلا من مصر وإسرائيل وبالتالى سوريا حصلوا على قفزات هائلة من السلاح الحديث الذى لم يستعمل بعد فى أمريكا أو روسيا أو أوروبا، وإن هذه القفزة ستعجل بجولة خامسة قبل عام 1980.
ما تعليق سيادتكم؟
إن التطور فى صناعة الأسلحة والمعدات الحربية يجرى بسرعة مذهلة ففى كل يوم يظهر إلى الوجود سلاح جديد أو تضاف تعديلات جديدة على الأسلحة القديمة. وجميع الدول عندما تتعاقد على الأسلحة تحاول أن تحصل على الأحدث والأكثر فاعلية وغالبا ما يتم فى هذه الحالة التعاقد على أسلحة لم يسبق استخدامها فى حروب فعلية وهذا ما حدث فى حرب أكتوبر 73 فكثير من الأسلحة الأمريكية والسوفييتية التى استخدمت كانت هذه الحرب هى التجربة الميدانية الأولى لها. ولا شك أن هناك سباقا على التسلح فى منطقة الشرق الأوسط، وسيظل هذا السباق وما يصاحبه من توتر قائما كما ستظل احتمالات الحرب قائمة فى كل وقت ما دامت إسرائيل تحتل الأرض وتغتصب حقوق الشعب الفلسطينى.