رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من «صناعة النصر» إلى «امتلاك القوة».. استراتيجية المقاتل المصرى.. «تسليح.. تطوير.. وعقيدة وطنية»


3-10-2025 | 14:46

.

طباعة
تحقيق : منار عصام

52 عامًا مضت على تحقيق أعلى نصر فى تاريخ العسكرية المصرية الحديث، فقد كان هذا النصر بمثابة استعادة الكرامة والأرض، بل كان معبرا عن أن المصرى «يمرض ولا يموت»، فرغم التحديات والحسابات النظرية استطاع المقاتل المصرى أن يثبت للعالم أجمع أنه صاحب عقيدة وقضية، واليوم بعد مرور أكثر من نصف قرن أصبحت القوات المسلحة المصرية قوة لا يُستهان بها، قوة قادرة على حماية أمنها القومى، وتوفر الردع للدولة المصرية ضد أى عدائيات محتملة.

وأكد اللواء حمدى بخيت، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أحد أبطال حرب أكتوبر، أن «العقيدة المصرية عنوانها ثابت وراسخ ولا تتغير مع مرور الوقت عنوانها «النصر أو الشهادة»، وتلك العقيدة هى عقيدة ثابتة متأصلة فى وجدان المصريين وعلى أساسها يدافعون عن الأرض والعرض»، مضيفًا أن «هذه العقيدة شهدت تطورا خلال السنوات المتلاحقة منذ نصر أكتوبر 1973 لتصبح قادرة على مواجهة التحديات على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة، وليس فقط الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى».

«بخيت»، أوضح أن «بناء المقاتل المصرى اتخذ منحنى متطورًا جدًا من حيث البعد الإدارى والبعد النفسى والمعنوى ومستوى التدريب الراقى متمثلا فى التدريبات المشتركة متعددة الأطراف، سواء برا أو بحرا وجوا، الأمر الذى يساهم فى الارتقاء بالكفاءة القتالية المقاتل المصرى، بالإضافة إلى التأهيل العلمى المتميز الذى يمكن المقاتل المصرى من التعامل مع مختلف معدات القتال المتطورة، سواء كانت الدبابات المتطورة وأنظمة القيادة والسيطرة والسفن المتطورة».

وتابع: هذا التطور شرعت فيه القوات المسلحة المصرية عقب حرب أكتوبر 1973 كدرس من الدروس المستفادة من هذا الانتصار، حيث كان علينا أن نقوم ببناء قوات مسلحة متطورة قادرة اعتمادا على قدراتها وهو ما تحقق بالفعل حتى وصلت إلى أعلى مستوى فى التطور خلال العقد الأخير، نظرا لتعدد التحديات والعدائيات على كافة الاتجاهات الاستراتيجية لا سيما عقب أحداث يناير 2011، فأصبح الجيش المصرى قادرا على التصدى لأى تهديدات نظرا لتواجد عدد مناسب من القوات والعتاد العسكرى المتطور الذى يمكننا من التعامل مع تحديات كل اتجاه، والذى يتمثل فى القواعد العسكرية الجديدة التى دشنتها القوات المسلحة المصرية، مثل قاعدة برنيس العسكرية لتستوعب هذا الحجم من القوات على كل اتجاه وتدير أعماله.

مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، كشف أن «القوات الخاصة فى مصر تجهز وتدرب بناء على التهديدات المحتملة، ويعتبر أهم تهديد خلال الآونة الأخيرة هو الإرهاب، فضلا عن دورها فى العمليات، لذلك شهدت القوات الخاصة المصرية من الصاعقة والمظلات تطورًا على مستوى تسليحها بأحدث وسائل القتال التى تؤهلها لتنفيذ مهامها بنجاح مثل الخفاش الطائر ووسائل القفز من الارتفاعات المختلفة والأنظمة التسليحية المختلفة التى تؤهلها لاقتحام كافة الموانع، بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى التدريب البدنى للقوات الخاصة بناء على مبدأ الاعتماد على العقل قبل البدن».

بدوره، أكد العميد سمير راغب، الخبير العسكرى، أن «الجيش المصرى فى حرب السادس من أكتوبر 1973 كان يواجه العدو الإسرائيلى الذى كان يحتل جزءًا من الوطن وهو سيناء، فكان لزامًا عليه أن يقاتل ليستعيدها، لذلك عكفت القوات المسلحة، قادة وضباطا وضباط الصف والجنود، على العمل من أجل تحرير الأرض، واليوم وبعد مرور 52 عامًا على حرب أكتوبر حدثت العديد من المتغيرات، أبرزها هو أن العدو أصبح غير ظاهر كما كان فى عام 1973 حيث أصبحت المواجهة ضد تنظيمات إرهابية أصغر حجما وأقل كثيرا فى الإمكانات، إلا أنها تتصف بالغدر والخسة، وتتجنب تماما المواجهة المباشرة مع القوات المسلحة، وتعتمد على التخفى فى ظل طبيعة جبلية وصحراوية فى سيناء».

«راغب»، أضاف: خلال حرب التحرير فى أكتوبر 1973 كانت مصر تواجه تهديدا مباشرا ووحيدا من الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى فقط، حيث شبه جزيرة سيناء، بينما كانت بقية الاتجاهات الأخرى آمنة وهادئة، وهو الأمر الذى اختلف كثيرا اليوم، حيث أصبحت كامل الاتجاهات الاستراتيجية للدولة المصرية مهددة بدرجات متفاوتة الشدة، وذلك بعدما عصفت بالمنطقة الصراعات والتحديات التى أثرت على كثير من الدول العربية، فعلى مستوى الاتجاه الاستراتيجى الغربى نجد أن الدولة الليبية عانت من انتشار الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، مستغلة فى ذلك حالة الانقسام التى تمر بها ليبيا بين معسكرين شرقى وغربى، وتتصدى القوات المسلحة المصرية بحسم لأى أعمال تسلل أو تهريب أو أى اختراق لكامل الشريط الحدودى مع ليبيا.

وأكمل: أما جنوبا، فنلمس بوضوح التحديات التى تواجهها دولة السودان التى كانت فى يوم ما جزءا من الوطن، وأدت إلى اشتعال فتيل الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب السودانى، إلى أن وصلوا إلى القتال الضارى بين الجيش السودانى وميليشيات الدعم السريع والتى أدت لنزوح أعداد كبيرة من الأسر السودانية إلى مصر لينعموا بالأمن والأمان والاستقرار، وعلى الاتجاه الشمالى نجد أن هناك العديد من الثروات الطبيعية التى اكتُشفت مؤخرا مثل حقل ظهر لإنتاج الغاز الطبيعى باحتياطات ضخمة، لذلك أصبح لزامًا على الدولة المصرية أن توفر الحماية الكاملة لثروتنا فى ذلك الاتجاه، وأخيرا نجد أن الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى لا يزال يعانى عددا من التحديات فى ظل الممارسات العنيفة من القتل والتجويع والإبادة التى تُمارس من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى، لذلك وقفت مصر يقظة لمخطط التهجير القسرى للفلسطينيين إلى مصر، حيث أعلنت منذ اللحظات الأولى رفضها الكامل لأى ممارسات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.

وكشف «راغب» أن «أبعاد الحروب أيضا اختلفت كثيرا، فأضحى العالم فى يومنا هذا يعانى من الهجمات السيبرانية وأنظمة الحرب الإلكترونية المتطورة، فنستيقظ كل يوم على خبر تعرض بعض الدول لهجمات سيبرانية مثل الهجمة السيبرانية الأخيرة على عدد من المطارات الأوروبية، وكذا ما نفذته إسرائيل خلال الأشهر الماضية ضد عناصر حزب الله فى لبنان من تفجير أجهزة البيجر، الأمر الذى أدى لتحييد عدد كبير جدا من عناصر حزب الله دون الحاجة لخوض حرب مباشرة أو تحريك قوات من مكان إلى آخر، إلا أن الأمر كان فى مستهل خطواته الأولى خلال حرب أكتوبر 1973 فهى تصنف على أنها أول حرب شهدت استخدام أنظمة الحرب الإلكترونية التى كانت أحدث ما وصلت إليه الترسانة العسكرية العالمية آنذاك».

وعلى مستوى الأنظمة الدفاعية، لفت الخبير العسكرى، إلى أن «تسارع وتيرة التطور التكنولوجى والتقنى على مستوى العالم انعكست بدورها أيضا على تطوير الصناعات الدفاعية، ولعل أبرز ملامح ذلك التطور هو ظهور الطائرات بدون طيار والمسيّرات بأنواعها المختلفة وأحجامها المتعددة والتى تقوم بتنفيذ عدد مهول من المهام، منها على سبيل المثال لا الحصر الاستطلاع وجمع المعلومات ومهاجمة وتدمير الأهداف الحيوية، وبالفعل نرى هذه الأيام الاستخدام الواسع لهذا النوع من الطائرات فى الحروب خاصة فى الحرب (الروسية - الأوكرانية)، حيث نفذت العديد من الهجمات الجوية التى اعتمدت على مسيّرات انتحارية تأمين ودعم القوات المقاتلة على الأرض».

وأوضح أنه «خلال أكتوبر 1973 لم يكن هناك وجود للمسيرات ولكن كان العدو يتفوق بقوات جوية حديثة، حيث كان يمتلك الطائرة المقاتلة الفانتوم، والتى كانت أحدث أنواع الطائرات فى ذلك الوقت، وفى المقابل أعد الجيش المصرى حائط الصواريخ الذى نال من يد إسرائيل الطولى خلال حرب أكتوبر 1973، ووفّر مظلة حماية للقوات المصرية أثناء العبور، ومنع طائرات العدو من الاقتراب من قناة السويس»، مشيرًا إلى أن «القوات المصرية خلال حرب أكتوبر 1973 كانت تعتنق أسلوبا قتاليا شرقيا كاملا من حيث التكتيك والتسليح، ولكن بعد الحرب أصبحت مصر منفتحة أيضا على المدرسة الغربية تطبيقا لمبدأ تنويع مصادر التسليح، فأصبحت القوات المسلحة يمتزج أسلوبها وتسليحها بين الشرقى والغربى».

سمير «راغب»، أوضح أيضا أن «المنطقة خلال حرب أكتوبر 1973 لم يكن بها جيوش نظامية ضخمة باستثناء الجيش المصرى والجزائرى والعراقى والسورى، وهو الأمر الذى اختلف هذه الأيام، فأصبحت غالبية الدول العربية تمتلك جيوشا متطورة خاصة عقب حرب الخليج، الأمر الذى ينعكس على الأمن القومى العربى، كما يتيح لمصر إمكانية القيام بتنفيذ العديد من التدريبات المشتركة مع هذه الدول العربية».

وشدد على أن «التدريب يعتبر هو المرحلة الأساسية فى الوصول إلى مقاتل محترف قادر على مواجهة التحديات، فتدريب القادة والضباط والأفراد هو عملية أصيلة داخل القوات المسلحة المصرية، فبعد تحقيق النصر وباستغلال الاستقرار والسلام طورت القوات المسلحة المصرية فى أساليب التدريب، بما يعود بالنفع على صقل مهارات الضباط والجنود وتزويدهم بأحدث ما توصلت إليه منظومات التدريب بالمدارس العسكرية العالمية».

وانتقل بعد ذلك للحديث عن منهج مصر فى تنويع مصادر التسليح، واصفًا إياه بـ«العبقرية المصرية الخاصة»، وذلك قبل أن يضيف أنه «فى الوقت الذى تعزف فيه بعض الدول عن تنويع المصادر والاكتفاء بمصدر واحد فقط انتهجت مصر تلك السياسة، وذلك لأن تنويع المصادر يعنى تنويع التدريب والخبرات والإمكانات، وهو أمر لا يمكن أن تستوعبه كافة الجيوش، لكن الفوائد من سياسة تنويع مصادر السلاح عديدة، بداية من الجانب الاقتصادى، حيث تستفيد الدولة المصرية بوجود فروق فى الأسعار بين الترسانات العسكرية العالمية، بجانب الابتعاد عن خطر المصدر الواحد فى احتمالية وقف بيع السلاح سواء لتعارض المصالح أو لأى سبب كان، فضلا عن أن تنويع مصادر التسليح يسهم أيضا فى زيادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر وهذه الدول». كما شدد «راغب»، على أن «القوات المسلحة المصرية دائما ما تكون مستعدة وجاهزة للدفاع عن الوطن ضد أى تهديدات أو عدائيات، ويرجع ذلك الأمر إلى قدرتها على استشراف المستقبل وتقدير الموقف سواء على مستوى الجبهة الداخلية أو الإقليمى والعالمى؛ نظرا لما تمتلكه من خبرات واسعة تمتد لآلاف السنوات فى الماضى، بجانب الاستفادة من التطور التكنولوجى الهائل فى وسائل جمع وتحليل المعلومات والبيانات، فضلا عن الدراسة المستمرة والمتابعة المتواصلة للتغيرات والعدائيات المحتملة»، مشيرًا إلى أنه «إبان حرب أكتوبر 1973 كان القادة تحت ضغط الحرب، لكن هذه الأيام لا يوجد هذا الضغط بعد أن تحقق النصر، كما أن التدريبات المشتركة تتيح لنا التعرف عن كثب على أسلوب قتال وتسليح وتدريب الجيوش الأخرى».

وأشاد «راغب» بالتطور الذى تشهده القوات المسلحة المصرية مؤخرا، خاصة على مستوى إنشاء القواعد العسكرية، منها على سبيل المثال قاعدة محمد نجيب العسكرية؛ نظرا لأنها تضم كافة القوات التى تمثل الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية سواء قوات بحرية أو جوية أو برية ودفاعا جويا، الأمر الذى يساهم فى توفير بيئة شبيهة بمسرح العمليات ويساعد فى توفير فرصة تدريب القوات تدريبا مشتركا فى بيئة وظروف مشابهة لمسرح العمليات فى كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما يتم اتباعه من قِبل الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الأوروبية.

وعن الحفاظ على مستوى جاهزية عالية، لفت «راغب»، إلى أن «القوات المسلحة تضم هيئة تدريب وهى المنوطة بالتخطيط للتدريب طبقا للمستويات المختلفة، فنجد أن هناك عددا من الالتزامات التدريبية المهمة كتفتيش الحرب الذى يشرف بحضوره القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية، وكذا المشروعات التكتيكية المتنوعة، والتى يشرف بحضورها القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع، والتى يتم خلالها الوقوف على مستوى القوات فى مختلف المجالات».

وعلى صعيد التدريبات المشتركة، أكد «راغب» أن «القوات المسلحة المصرية لديها سمعة ممتازة بين الأوساط العسكرية العالمية، الأمر الذى يدفع الجيوش الصديقة والحليفة للحرص على إجراء التدريبات المشتركة مع القوات المصرية، لعل أبرزهم التدريب المشترك النجم الساطع الأخير الذى لاقى إشادة كبيرة من قِبل القوات المشاركة، وكذا التدريب المشترك المصرى التركى الذى أعلن عنه مؤخرا «بحر الصداقة 2025»»، وذلك قبل أن يختتم حديثه بالإشارة إلى أن «الجندى المصرى يرث من جيل لجيل جينات الوطنية والتضحية والفداء من أجل الوطن، فشعار النصر أو الشهادة هو مبدأ راسخ فى أذهان ووجدان كل فرد داخل القوات المسلحة المصرية، وهو ما تأكد خلال الحرب على الإرهاب الأخيرة والتى قدم فيها الجنود والضباط وضباط الصف والقادة أروع الأمثلة فى التضحية والفداء تماما كأجدادهم خلال حرب أكتوبر 1973 ليبقى المقاتل المصرى هو سر النجاح عبر العصور».

 
 

 

الاكثر قراءة