رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«روح أكتوبر» حلم مصر النووى مستقبل رشيد وواقع ملموس


3-10-2025 | 14:34

.

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لا شك أن مآلات المشهد تشير إلى أن صاحب القوة هو منْ يحدد الصواب والخطأ، ولمَ لا؟ فهو منْ يمتلك عناصر القوة الضاربة، ممثلة فى الاستدامة الطاقوية بعين العلم والتكنولوجيا، ولعل مصر أبرز الأمثلة، فهى التى كانت فى حالة استقراء دائم لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز دورها الحيوى فى معالجة مشكلات التغيرات المناخية، لتدخل نادى الكبار للطاقة النووية من أوسع أبوابه، بمشروعها السلمى النووي، القابع فى محطة الضبعة النووية، لتكون الدولة المصرية فى مصاف البلدان التى تنشئ محطات نووية، بدفعة قوية من روح أكتوبر العظيم، للمضى قدماً فى استراتيجية التحول الطاقي.

وهناك أيام تمر فى تاريخ الشعوب والأوطان ليست كغيرها من الأيام والفترات، ويأتى اليوم السادس من شهر أكتوبر كل عام ليذكرنا دوماً بأيامنا التى أحاط فيها المجد بكل أرجاء وطننا العظيم، ولتحمل هذه الذكرى رسالة متجددة بالأمل والثقة، لتثبت قدرة جيشنا الوطنى ومقدرته التى فاقت كافة التوقعات، بينما الشعب القوى الصامد قدم فيها عطاءً يفوق كل تصور، مسطّرا ملحمة من الجهود القادرة على مواجهة كل التحديات.. فمصر دائماً تفرض على الجميع احترام إرادتها، تثبت كل يوم أن الحفاظ على الأرض بمثابة هوية قومية وواجب مقدس، ليقف الجميع أمامه احتراماً وتقديراً لشعب كرّس كل جهده ووقف مسانداً للدولة المصرية؛ حتى حققت المحروسة انتصارها العظيم فى العاشر من رمضان لعام 1973، لنغير مناهج العلوم العسكرية فى العالم كله، بل وليعلم القاصى والدانى كيف يصطف الشعب وينتمى إلى وطنه عند استشعار الخطر الذى يهدد أمنه واستقراره وأمن الشعب العربى كله، وها هو يطور ذلك التاريخ، باستراتيجية متكاملة للطاقة المتجددة، وعلى رأس أولوياتها منظومة نووية سلمية تحت السيادة الوطنية المصرية.

ما دفعنى لكتابة هذه السطور، هو الأسبوع العالمى للذرة بالعاصمة الروسية موسكو، الذى تشارك فيه القاهرة بقوة حاضرة بمحطتها العملاقة باعتبارها داخل نادى الكبار للطاقة النووية، بعدما ترجمت الحلم النووى إلى حقيقة قاطنة على أرض الواقع.

مجريات الأمور تقول إن مشروع «الضبعة» جاء انطلاقاً من قناعة القيادة السياسية وإيمانا بأن أمن الطاقة هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري، ولذلك تم إحياء هذا الحلم الذى يحمل عاملى الأمان والموثوقية للمفاضلة كمحطة من الجيل الثالث، وتم اختيارها من أفضل ثلاثة مشروعات من حيث الانطلاقة والبدء على مستوى العالم، وعلى الرغم من التحديات الهائلة، إلا أن القاهرة تتبع معادلة طاقة متوازنة، حيث تدخل المحطة ضمن مزيج الطاقة فى إطار تعزيز دور مصر كمركز إقليمى لإنتاج الكهرباء.

والمترائى لنا، أن الضبعة النووية ليست محطة عادية لتوليد الكهرباء، وإنما نقلة نوعية كبيرة للتعامل مع الملف التكنولوجى فى إطار التنمية الصناعية الشاملة والتحفيز التنافسى وتطبيق معايير الجودة العالمية الشاملة والصارمة فى عدة أهداف، هي: تحسين جودة الصناعات المطلوبة للصناعات النووية، تصنيع المعدات الكهربائية والميكانيكية، تطوير مصانع الزيوت الخاصة بالمحطة، حماية الاقتصاد الوطنى من تذبذب أسعار الطاقة التقليدية، الحفاظ على الموارد الطبيعية من النفط والغاز لاستخدامها فى أغراض أخرى، خفض الانبعاثات الكربونية إلى ملايين الأطنان سنوياً، ومستهل الأهداف كقيمة مضافة، وتوفير آلاف من فرص العمل، كون المواطن المصرى هو قلب عملية التنمية.

فيما يخص القصد الاقتصادى للتعليم الفني، كان من مستهلات الأهداف وجود مدرسة الضبعة النووية؛ لتكون نقطة محورية فى وجود كوادر بشرية تعمل بالمحطة، والاهتمام بالتدريب المهنى لأهم صناعة تكنولوجية حديثة تسهم فى تشكيل مستقبل مصر المنظور للعلم والمعرفة والثقافة التكنولوجية.

الضبعة النووية، ليست محطة عادية لتوليد 4800 ميجا وات يتم ربطها بالشبكة القومية فقط، بل هناك أغراض سلمية أخرى، مثل المتعلقة بالمجالات الطبية، وعلاج الأمراض المتحورة، بالإضافة إلى قياس عمر الأرض وقياس أعمار الآثار، وتحلية المياه واستنباط سلالات جديدة من برامج الزراعة.

أما المكون المحلي، فهو هدف أسمى، كما تحدث وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ورئيس هيئة المحطات النووية فى الأسبوع العالمى للذرة بموسكو، وأن كل شيء يبدأ بالذرية.. وبالفعل هناك استراتيجية لزيادة المكون المحلي، وصولا إلى المرحلة الرابعة، مما سينعكس على الاقتصاد الوطنى مع نمو البحث العلمى بكافة أشكاله وتكوين ثقافة قوية للدعم النووي، وهذه الثقافة تؤثر على هيكل التنافسية العالمية بأكملها.

وما أشبه اليوم بالبارحة، الذى يأتى فى وقت يمثل جوهر المشروع المصرى لبناء مصر الجديدة المعاصرة، فالمشروعات القومية التى تبنتها استراتيجية جمهوريتنا الجديدة إنما جاءت من استدعاء روح أكتوبر الوطنية، روح إنكار الذات والإيثار، وأيضاً روح التضامن العربي، فالتهديدات التى تواجه مصر والأمن القومى العربى اليوم، لا تقل عن المخاطر والتحديات التى واجهت المصريين إبان حرب 73.

ومن هنا، بدأت الدولة المصرية طريقها فى البناء والإصلاح مع قيادة واعية رشيدة تعرف قيمة هذا الوطن، لتقف إلى جانب هذا الشعب فى ظل معطيات عالمية تخرج عن نطاق الحرب التقليدية، التى تحولت إلى حروب غير متحورة للسيطرة على منابع النفوذ الطاقوي.

لقد مضت القاهرة من منطلق روح أكتوبر العظيم ليكون هناك تاريخ يليق بعظمة هذا الوطن وشعبه الأبي، لتدخل كما أسلفنا نادى الكبار للطاقة النووية، ويرتفع معها نبض وضع مصر على خريطة العالم، كدولة رائدة فى منطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا.. فبدأت بلادنا العزيزة تاريخاً من التحول الحقيقى للتنمية والتطور ورسم طريق المستقبل وإرساء دعائم الاقتصاد القومي، والدفع بالمصريين إلى الحياة الكريمة التى تليق بجميع المصريين، فى إصرار على العبور إلى المستقبل والانخراط فى تكنولوجيا الإبداع والتميز النووي.

فبعد 30 يونيو 2013، توالت الأهداف الإيجابية، لتحقق الدولة المصرية عبوراً جديداً نحو المستقبل، بعدما تحركت القاهرة على كافة الأصعدة نحو انتصارات جديدة فى التنمية والتطور، فلم يكن يتوقع أكثر المتفائلين بالمستقبل أن يكون لدينا محطة طاقة نووية ضمن مزيج الطاقة المتجددة وكفاءة التشغيل بكوادر مصرية مدربة معتمدة، بل أشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمدى الدعم الفنى والتقنى الذى توليه الدولة المصرية للبرنامج النووي، مع التزام مصر بمعايير الأمن والأمان وعدم الانتشار، وقامت الوكالة خلال عام 2019 بالمهمة المتكاملة لمراجعة البنية التحتية النووية فى بلادنا.

وتبنت مصر مسارين متوازيين، هما مواجهة الإرهاب والتحرك لبناء الدولة من منظور شامل، لعب فيها الشعب دور البطل الحقيقي، لأنه تحمل مع الحكومة تبعات مراحل الإصلاح الاقتصادي، مستلهماً روح أكتوبر العظيمة، فنجاح المسارات التنموية والاقتصادية يرتبط بقبول القرارات بين المواطنين، خصوصاً أن الدولة المصرية قدمت مشروعها النووى فى إطار اهتمامها وإدراكها بأهمية الطاقة النووية السلمية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمحطة تعمل على مدار 24 ساعة ومصممة للعمل لفترات متواصلة والقدرة الإنتاجية العالية عند الاحتراق الكامل لكل 1 كجم من اليورانيوم، الذى يستخدم كوقود نووى، يتم إنتاج طاقة تعادل تلك المنبثقة من حرق 100 طن من الفحم الحجرى عالى الجودة.

فلسفة التنمية التى تبنتها مصر من خلال رؤية القيادة السياسية، تقوم على خطة التنمية الشاملة لكافة القطاعات بمعدلات غير مسبوقة من العمل المتواصل القائم على الثقافة القومية.

وهناك عامل إيجابى آخر، وهو اندماج مصر بقوة فى تكتل بريكس، الذى يلعب دوراً محورياً فى صياغة المستقبل، حيث تتبنى دول البريكس تحولاً طموحاً نحو مصادر الطاقة المتجددة، وأبرزها الطاقة النووية السلمية، بجانب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ليكون لدى بلدان هذا التكتل، مزيج طاقة متنوع وتحديات تنموية، مع اقتراح إنشاء منصة بريكس النووية للتعاون فى مجال الطاقة، بمعاونة قوية من الصين وروسيا، لتقف مصر بجانب الكبار، عبر محطة الضبعة للطاقة النووية السلمية، لنعبر مرة أخرى - بعد 6 أكتوبر، إلى عصر جديد قائم على المعرفة والتكنولوجيا، والنظر بعين اليقين لمنظور المستقبل.

إن ما يحدث اليوم من إنجازات وتحديات لا تقل عما حدث من إنجازات إبان أكتوبر المجيد، فقد رسخت الدولة المصرية كل جهودها - رغم كل المعوقات، على تحويل الاقتصاد القومي، من حالة عدم الوضوح إلى الاقتصاد التنافسى والأكثر صلابة ومرونة، لديه القدرة على مواجهة التحديات والصدمات، وتم وضع أجندة طويلة المدى لجمهوريتنا الجديدة، قائمة على العلم والتكنولوجيا.

إن دولة 30 يونيو، التى سارت بروح أكتوبر، محققة إنجازاتها الواعدة، لم تترك الاقتصاد المصرى فى مهب الريح رغم جميع المعوقات والإشكاليات وحملات التشكيك فى الجهود المبذولة، والتقليص من وضع مصر على الخريطة العالمية، فلم تهدأ روح البناء والعطاء طيلة الفترة الماضية، حيث عكفت الدولة على تدشين مشروعات تنويع مصادر الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة، وتم عمل مشروعات عملاقة حازت على جوائز عالمية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاً عن المشروع العملاق للطاقة النووية، كذلك تعمل الدولة المصرية جاهدة فى تحولها على مسار تنافسي، كونها مركز إقليمى لتداول الطاقة، ضمن مزيج الطاقة المتكاملة والمستدامة ورؤيتها الاقتصادية لمستقبل طموح.

إن روح التحدي، وإلهامها لهذا الشعب العظيم وقيادته السياسية، على استكمال مشوار البناء لمصر الجديدة، قادرة على صنع المعجزات، بل وأظهرت للجميع، الفرق بين منْ يبنى ويعمر، ومنْ يهدم ويدمر، وكيف كانت دولة 30 يونيو وروح أكتوبر، التى أنقذت البلاد، وأتت بطوق النجاة لخروج مصر إلى العالمية، لنرى دولتنا العزيزة تبنى حياة كريمة للأجيال الصاعدة والقادمة.

إن ما تفعله الدولة المصرية من إنجازات فى الوقت الراهن، لا يقل فى أهميته عن نصر أكتوبر الملحمي، فكلاهما تخطى معوقات كثيرة بقيادة وطنية مخلصة تقود قاطرة التنمية لتصل إلى 2030، وهى إحدى دول العالم المتقدمة، وهناك مؤشرات ومبشرات لذلك، تجعل مصر من الاقتصادات الكبرى بحلول عام 2030، حيث قررت القيادة السياسية منذ أول يوم وضع مصر واقتصادها القومى على الطريق الصحيح الذى يضم أهم عناصرها وأصولها، ألا وهو العنصر البشري، لتقف أمام كل التحديات والمعوقات التى تلم بالدولة، سواء على المدى القصير أو البعيد، لتحقيق الحلم إلى واقع ملموس يرحب ويسع الجميع، بعدما بات حلم مصر النووى قريب المنال؛ لتضيف عنصرا جديدا للطاقة المتجددة ومزيجها ورؤيتها الشاملة الطموحة.

 
 
 

أخبار الساعة