رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

انتصار أكتوبر.. بداية مستمرة.. دور الجيش باقٍ مع بقاء الوطن والدولة


3-10-2025 | 14:19

.

طباعة
بقلم :حلمى النمنم

الأثنين القادم نحتفل بذكرى معركة العبور العظيم، انتصار أكتوبر المجيد، حين عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس، وبخراطيم المياه أزالت ساترًا ترابيًا ضخمًا، واقتحمت خط بارليف ودكّت حصونه المنيعة، كل ذلك تم فى ست ساعات فقط، كان الساتر الترابى يحيط بخط بارليف، وهو ساتر لا يمكن نسفه بأى قنابل، مهما كانت قوتها، ضربه بالقنابل أو المدفعية الثقيلة يثير زوابع ترابية تعيق الرؤية والحركة لكن لا تزيله، فضلا عن أنه لا يمكن لأى سيارات أو دبابات أن تمر عليه، وهذا ما جعل إسرائيل، وكذلك كبار القادة فى العالم، يقطعون بأنه من المستحيل على المصريين أن يتجاوزوا ذلك الساتر. أما حصون خط بارليف، فقد كانت مصممة ألا يتم اختراقها إلا بقنبلة نووية ناهيك عن مياه قناة السويس، فقد أقامت إسرائيل مواسير وخطوطًا من النابالم تحت سطح المياه، بحيث يمكن تفجيرها فى لحظة، فتحرق أى محاولة للعبور عليها.

 

وقد أمكن للقوات المصرية التغلب على كل هذه الصعوبات.. تحقق ذلك حين امتلكت مصر كافة المعلومات الدقيقة، عن كل مشكلة، مثلًا، معرفة عدد وأماكن فتحات النابالم تحت سطح مياه القناة، حجم الساتر الترابى بالضبط، عدد النقاط الحصينة، وتصوير كل نقطة من الداخل، وتم تفكيك كل عقبة. القوات البحرية مع سلاح المهندسين، أمكن تصميم نوع من الأسمنت يتم استعماله فى وجود الماء، وهكذا تم سد فتحات النابالم ، فلا يمكن أن تشتعل، إذا حاول العدو استعمالها..

الساتر الترابى تمت إزالته بالمياه.. رافعات المياه بمستوى معين وخراطيم قوية، النقاط الحصينة تم اقتحامها، وهكذا خلال ست ساعات كانت القوات المصرية زحفت على شرق القناة، بعرباتها ودباباتها، بعد أن أقامت عدة جسور فوق المياه، عبرت عليها الدبابات. أما السماء، فقد سيطرت عليها مصر بواسطة حائط الصواريخ والدفاع الجوى، فضلا عن طلعات الطائرات المصرية.

لم يتحقق انتصار أكتوبر مصادفة ولا كان ضربة حظ، كما يتصور البعض بل نتيجة مجهود ضخم، مجهود مؤسسى فى المقام الأول، وبطولات أفراد، قادة وضباطا وجنودا، آمنوا بحق هذا الوطن فى الانتصار واسترداد الكرامة واستعادة الأرض المحتلة، فضلا عن الحفاظ على سلامة الوطن وبقاء الدولة قوية، حامية للحدود وللأرض.

وبعد انتهاء الحرب مباشرة، أدلى القائد العام للقوات المسلحة الفريق أحمد إسماعيل على (المشير فيما بعد) بحديث إلى رئيس تحرير «الأهرام» وقتها محمد حسنين هيكل، جاء فيه أن أهم درس فى كل الحروب التى خاضتها مصر منذ سنة 1948 وحتى سنة 1973، هو أن مصر «يجب أن يكون لديها دائما جيش قوى ومجهز».

بهذا المعنى، وعلى هذا الفهم الاستراتيجى، سارت مصر إلى يومنا هذا، الموقع الجغرافى وحدودنا المفتوحة من الجهات الأربع، والقضايا الإقليمية المعقدة، أوضاع المنطقة اجتماعيا وسياسيا، كلها تقود إلى أن وجود الجيش القوى فى مصر، ليس وجودا مؤقتا ولا عابرا، كما أنه لا يرتبط بعدو محدد.

فى سنة 1973 كان عدونا هو إسرائيل، لكننا فيما بعد واجهنا عدوًا لا يقل شراسة ولا عدوانية، تمثل فى الإرهاب والإرهابيين، تلك المجموعات المرتزقة التى تتجمع من كل الدنيا، وحاولت التمركز فى سيناء، واقتطاع جزء من شمالها، تحت مسمى «ولاية سيناء».. الأمر المؤكد أنه لو لم يكن لدينا جيش قوى مدرب ومجهز، لما أمكن مواجهة ذلك الطوفان من المرتزقة الإرهابيين والتغلب عليهم.

وضعت مصر، بعد خبرة الحروب التى خضناها عدة قواعد، لا تزال قائمة وفاعلة.. أولها: تنويع مصادر السلاح، هذه تحدث عنها الرئيس السادات بعد الحرب مباشرة، لأننا فى سنة 1967 ثم فى عام 1973، كنا نعمل بالسلاح السوفييتى فقط، وهذا جعل الآخرين يقدرون حدود قوتنا ومقدرتنا.. فضلا عن أنه يجعلنا أسرى طرف بذاته، قد لا يتمكن أو لا يرغب فى تزويدنا بكل ما نريد وما نطلب، وتلك كانت معاناة الرئيس عبدالناصر أثناء حرب الاستنزاف، ثم معاناة الرئيس السادات فى فترة الإعداد للحرب، وهذا ما أجل الحرب من سنة 1972 إلى سنة 1973، واليوم نجد الرئيس السيسى قد نوّع مصادر التسليح، لم يعد لدينا مصدر واحد ولا مصدران، بل مصادر متعددة.. أمريكى وفرنسى وألمانى وروسى وصينى، وهناك بالطبع الجانب والتصنيع المحلى، وقد حققنا تقدمًا كبيرًا فى هذا الجانب، وهناك مَن يقلق ويشعر بالخوف من تنامى القوة المصرية.

إلى جوار التسليح المتنوع والمتعدد، هناك التدريب المتواصل على أعلى مستوى. فجر الجمعة، زار الرئيس عبدالفتاح السيسى طلاب الأكاديمية العسكرية، وتحدث معهم حديثا مطولا وصريحا كعادته، جاء فيه أن قواتنا تقوم سنويا بحوالى ثلاثين تدريبا مشتركا، أى تدريب مع جيوش دول صديقة، يحدث فيها تبادل واكتساب لخبرات ونظم قتالية جديدة. مؤخرا كانت هناك مناورة «النجم الساطع» التى تُقام سنويا مع الجيش الأمريكى وعدد آخر من الدول، قبلها كانت هناك تدريبات أو مناورات مشتركة مع الجيش الباكستانى، وقبلها مع الجيش الصينى وهكذا سنويا وبانتظام، بما يعنى أن تبقى القوات فى حالة استعداد دائم.

فى حديثه مع الطلاب، أكد الرئيس السيسى أننا مسالمون، لكننا أقوياء دائمًا، وجود الجيش القوى يشكل رادعا لمَنْ يفكر أو يحاول التدخل والاعتداء علينا، كما أنه يرد على عناصر الفوضى والإرهاب التى تملأ المنطقة.. فى العام الماضى، شهر ديسمبر تحديدا ، حين لمست روسيا وتركيا وعدة دول أخرى، ضعفا شديدا وتراجع معنويات الجيش العربى السورى، تم تحريك فصائل من إدلب للزحف على دمشق، وجرى ما جرى فى سوريا الشقيقة.

هذا هو الدرس المهم، وتلك هى روح أكتوبر، أن يبقى الجيش قويا ومتماسكا لديه أحدث تسليح وتدريب، جيش محترف يصون الوطن ويحمى حدوده ومقدراته.

فى أوقات الفوضى، خرج بعض الحقوقيين ودعاة حقوق الإنسان علينا بتبنى فكرة تحجيم الجيوش بل والاستغناء عنها نهائيا، تصوروا بذلك أنهم يخدمون السلام العالمى ويحمون حقوق الإنسان ويدعمون الديمقراطية، لكن ثبت بالتجربة أن ذلك ضد حقوق الإنسان وحقوق الأوطان أيضا.. حدث فى بعض الدول انهيارات لجيوشها، فلا انتشر الأمان ولا تحقق السلام، وجدنا الطائفية والميليشيات تملأ هذه البلدان وتتحكم فيها، تمارس الإرهاب على مواطنيها وتضيّع حدودها، لعلنا نتذكر ما قامت به «داعش» فى مدينة الموصل سنة 2014، ثم فى مدينة الرقة السورية وكذا مدينة تدمر الأثرية وغيرها، المذابح التى تعرض لها الأزيديون، تطهير عرقى وطائفى بامتياز، وكان السبب المباشر تراجع قوة الجيش الوطنى النظامى.

خرج الجيش منتصرا فى حرب 1973، حررنا الأرض، والأهم من ذلك كما قال الرئيس السادات وقتها إن جيشنا عاد من الحرب، ومعه 85 فى المائة من سلاحه، أى حافظنا على السلاح طوال فترة الحرب، وهذه مقدرة خاصة وقوة إضافية، وتحول ذلك إلى نبراس ومنهج عمل، على مستوى القيادات والضباط والجنود، وسوف نلاحظ أن المؤسسة العسكرية تقدم بانتظام أسماء قادة جدد وأجيال متوالية، ذلك أن هناك تدريبا وتعليما منتظما، يقدم كوادر وأجيالا جديدة باستمرار وبانتظام، فضلا عن أن هناك آلية منضبطة، تحدد مدة عمل وبقاء كل قائد فى موقعه، فضلا عن شروط صارمة، يلتزم بها الجميع، منها ما يتعلق بالعوامل الصحية واللياقة البدنية باستمرار، ومنها التدريب والتعلم الحديث والتواصل.. وهكذا نجد تتابعا للقيادات والأسماء البارزة، والحق أن الجيش المصرى كان طوال تاريخه لديه صفوف متتالية من القيادات بعد حرب 1967، ثم خلال أسابيع إحلال جيل كامل من القادة فى مختلف القادة والأفرع.. الأمر الذى أكد أن هناك نظاما مؤسسا منضبطا وصارما يلتزم به الجميع بأريحية، نظاما يُطبق على الجميع بلا غضاضة وبلا أهواء شخصية.

المعنى الأهم الذى أكده انتصار أكتوبر، هو أن الجيش «مؤسسة وطنية» لا انحياز فيه لطائفة ولا منطقة أو جهة، ولا ميل سياسياً هنا أو هناك.. الجميع فى الوطن سواء.. وهذا ما يميز الجيش المصرى عن عدد كبير من الجيوش حول العالم، وهو ما ضمن له أن يحظى بحب وإكبار كل المصريين..

ولعل مشهد الذين يتقدمون سنويا للكليات العسكرية هو الدليل الأبرز على ذلك الشعور الوطنى، الكل يأتى من أنحاء البلاد، لا ميزة لهذا على ذاك، المهم أن يجتاز المتقدم الاختبارات والشروط، وهى كلها شروط لا انحياز اجتماعى فيها ولا ميل طبقى، ناهيك عن الميول الطائفية والأيديولوجية.

هو «جيش الوطن» جيش الشعب، وقد فرضت الأحداث علينا ظروفا قاسية، وفيها كان الجيش هو جيش الوطن، فى فترة الفوضى، أيام ما أُطلق عليه «الربيع العربى» كان انحياز الجيش مطلقا ونهائيا لحماية الوطن والشعب، يومها أعلن القائد العام المشير حسين طنطاوى «لن تطلق رصاصة واحدة على مواطن مصرى»، ولما تولى الفريق أول عبدالفتاح السيسى المسئولية، أكد أن واجبنا هو حماية مصر والمصريين، وإذا لم نتمكن من ذلك فلا معنى لوجودنا وبقائنا.

العلاقة بين الجيش والشعب فى مصر حالة خاصة جدا، تكشفها العديد من الوقائع والمواقف، لكن الأهم من ذلك، أنها تعكس إدراكا عميقا، لدى الشعب بأهمية الجيش ودوره، وفى المقابل إدراك الجيش أنه بدون الدعم الشعبى ينقصه الكثير، ذلك أن الجيش من أبناء الشعب كلهم، قاعدة التجنيد الإجبارى وُضعت زمن الوالى محمد سعيد، قدمت الجيش من أبناء المصريين جميعا، وليسوا أبناء طبقة أو فئة بعينها، وقد اختُبرت العلاقة القوية طويلا، المرة الأولى حين كانت الثورة العرابية، احتضن المصريون أحمد عرابى والجيش المصرى وكانوا السند معا، ثم تكررت المواقف فى 23 يوليو سنة 1952، حين تحرك الضباط الأحرار، فوجدوا المساندة القوية من الشعب، ولما وقعت هزيمة يونيو 1967، وقف الشعب والجيش معا، لتجاوز المحنة، قدم الشعب الدعم المادى والمعنوى الكامل لجيش الوطن، فخاض حرب الاستنزاف، طوال الثلاث سنوات وحتى صيف سنة 1970، ثم تواصلت المساندة حتى تحقق انتصار أكتوبر العظيم.

مواقف عديدة، وطوال الوقت كان الجيش قائمًا بمهامه، وسيبقى كذلك طوال التاريخ وهى حماية الحدود والأرض، ومنع عناصر الفوضى والإرهاب من العبث بأمن البلاد، رأينا ذلك أيام أزمة الأمن المركزى فى منتصف الثمانينيات، كان موقفا حاسما، وطنيا بامتياز، ورأيناه بعد ذلك فى مواقف عدة.

ولعل مشهد الالتحام بين الجيش والشعب فى 30 يونيو 2013 وصولا إلى مواجهة الإرهاب يؤكد هذا الارتباط الوثيق، بعد إعلان خارطة الطريق يوم الثالث من يوليو سنة 2013، حين تكتلت جماعات الإرهاب ضد مصر، دعا وزير الدفاع الفريق أول السيسى يوم 14 يوليو المصريين إلى منح الجيش تفويضًا لمواجهة الإرهاب، فنزل الملايين إلى الشوارع، وقدموا التفويض، وما زال التفويض قائما إلى اليوم، يومها تحدث وزير الدفاع عن التفويض المطلوب بالقول» ليكون تكليفا وأمرا لنا.. وقد أدى الجيش التكليف بكفاءة واقتدار.

أعظم ما فى حرب أكتوبر، ليس فقط الإنجاز الضخم الذى حققته فى تدمير خط بارليف وفتح الطريق لتحرير سيناء بالكامل، ولكن فى أن الجيش والشعب المصرى تعاملوا معها باعتبارها بداية، بداية إنجاز ومسار ممتد.. لبناء دولة المؤسسات، وفى مقدمتها المؤسسة العسكرية التى تعد نموذجا رائدا، على المستوى الوطنى والإقليمى، بل الدولى كذلك.

الاكثر قراءة