تحدث الرجل الذى بلغت ساعات طيرانه ما يقرب من ستة آلاف ساعة إلى «المصور».
إنه طيار القاذفات الذى قاد قواتنا الجوية فى معركة رمضان المجيدة — الفريق محمد حسنى مبارك.
لقد اختص «المصور» بأول حديث صحفى موضوعى بعد المعركة، إنه يقدم كشف حساب لدور الطيران المصرى العملاق الذى أنهى أسطورة طيران إسرائيل فى أكتوبر العظيم.
إن قائد قواتنا الجوية يزيح الستار عن تفاصيل جديدة تُذاع لأول مرة.
كانت عين القائد الأعلى عليه منذ عام 1969، ففى أبريل من ذلك العام تولى الفريق محمد حسنى مبارك رئاسة أركان قواتنا الجوية، وبعد ذلك بفترة بسيطة تصاعدت عمليات حرب الاستنزاف إلى هجمات اعتراض جوية شبه يومية أدارها الرجل بكفاءة واقتدار، والتفتت جماهير شعبنا إلى أعمال بارزة مميزة قام بها طيارونا الشبان ضد قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء.
ومرت الأيام، وفى أبريل 1972 التقى الرئيس السادات باللواء حسنى مبارك ودار بينهما حديث طويل حول الحرب ودور الطيران، ثم أُسند إليه قيادة قواتنا الجوية العملاقة، ليؤدى البطل دورًا وطنيًا تاريخيًا استرد به الشعب المصرى بصفة خاصة والشعب العربى كرامته، وخاضت قواتنا المسلحة أشرف وأعظم معارك العصر فى حرب رمضان المجيدة، وكانت قواتنا الجوية أول من أطلق «الشرارة» الأولى فى الخطة بَدْر.
لقد بدأ الطيران المصرى الحرب، وهو الذى أنهاها كما قال «الفريق عبد الغنى الجمسي» رئيس الأركان.
وجاء عام 1974، ومنذ بدايته وأنا أحاول اقتناص بعض الوقت للقاء القائد، واحد من ألمع نجوم العسكرية المصرية، وبطل خطط وقاد معركة جوية أعطت أرقى أشكال التفوق والإبداع والسيطرة، وكانت «إضافة» رجاله فى السماء أو فوق الأرض من طيارين ومهندسين وفنيين طوال الحرب إلى فنون القتال هجومًا أو اعتراضًا أقرب إلى الأعمال الخارقة التى تفوق إمكانات مقاتلى أحدث أسلحة الطيران فى العالم.. فهدأت قلوب الجماهير القلقة اللاهثة فى الصدور، عادت البسمة إلى الوجوه.
ولقد انتظرت هذه الشهور غير متبرّم بطولها حتى التقيت به فى نهاية الأسبوع الماضى، ذلك لأننى أعلم أن الرجل لم يحصل على راحة منذ عام ونصف العام، وأن أعباءه اليوم أخطر وأكثف من أعباء الحرب، فقد عاد الرجال إلى التدريب، وبقيت العيون والعقول والأعصاب مفتوحة يقظة مشدودة إلى مواجهة مختلفة الاحتمالات.
قلت للفريق حسنى مبارك: كيف علمتم بقرار الحرب؟ ما هى المقدمات التى سبقت تحديد يوم 6 أكتوبر وكيف كانت ملامحها؟
طلبنى القائد الأعلى الرئيس السادات بعد أن أُسند لى قيادة قواتنا الجوية، وكان لقاء ذا طابع خاص فقد قال لى سيادته:
سنحارب معركتنا، والطيران هو فيصَل الحرب، وعليك منذ هذه اللحظة اختيار أسلوب جديد فى الهجوم أسلوب هو المفاجأة بعينها للعدو وفى الوقت نفسه يضمن سلامة قواتنا الجوية وقدرتها على الاستمرار وإحراز النصر.
وقبل الحرب بعدة أشهر ارتفع معدل التدريب وظللنا نعمل طوال النهار والليل مع الاحتفاظ ببعض النشاط الوهمى لتضليل العدو عن حقيقة نوايانا، وقد استلزم هذا النشاط جهدًا وطاقة إضافية طوال عام كامل.
وفى أغسطس 1973 أعطانا القائد الأعلى قرار الاستعداد الكامل لساعة الصفر، تحددت بعد ذلك بيوم 6 أكتوبر — 2 ظهرًا — وكانت حرب رمضان المجيدة وقد مررت على جميع قواعدنا الجوية ثلاث مرات قبل أسبوع من اليوم الخالد.
قيل عن حرب 1967 إن الخدمة الأرضية فى مطاراتنا كانت ضعيفة للغاية، هل يؤدى ضعف الخدمة الأرضية إلى هزيمة الطيار المدرب جيدًا؟
نعم، إن الطيران ما هو إلا طيار وملاح ومهندس وفنى وإدارى، وكل طائرة تحتاج إلى جهود تستغرق ما بين 20 و24 ساعة لتحقيق سلامة مهمتها. وحين بدأنا الاستعداد لمعركة المصير كان علينا التخلى عن الأساليب النمطية فى إعداد وإصلاح الطائرات، واستخدام وسائل بديلة مستحدثة مدروسة؛ الفضل فى إيجادها يعود للعقل المصرى، فأقمنا مدارس عسكرية خاصة لتأهيل كل الأطقم الفنية فوق الأرض وفى السماء، حتى يمكننا بعد ذلك ترجمة عمل هؤلاء إلى قتال ناجح.
ظل التدريب التعبوى يتم على هيئة مشروعات مشتركة مع بقية أسلحة قواتنا، مع تدريب الطيارين ليل نهار على الطيران بارتفاعات منخفضة لتفادى الكشف الرادارى وأجهزة الإنذار المبكر لدى العدو، وتدرب الرجال على إطلاق المدافع والصواريخ بدقة وكفاءة عالية فى تمييز الأهداف والمناورة بميادين رمى مزودة بأهداف هيكلية، كما تدرب الطيارون على الإقلاع بطائراتهم فى زمن قياسى، وبالتالى استوعب التدريب أطقم الملاحة الجوية والتصوير الجوى وتفسير الصور التى تعود بها طائرات الاستطلاع مع رفع كفاءة الإصلاح الهندسى للطائرات.
واستطرد الفريق الطيار حسنى مبارك قائد قواتنا الجوية فى حديثه وهو يستعيد صفحات الشرف التى حققها العمالقة من أبنائه نسور الجو.
لقد كنا نعمل وإيماننا بأن النصر لا يتحقق عفوًا..
إن الزمن التقليدى على جميع المستويات لأى معركة جوية طويلة، وبالقياس العالمى يتراوح بين 7 و10 دقائق، وفى حرب رمضان قاد طيارونا معارك جوية استمرت 50 دقيقة.
قلت: فنيًا.. كيف يتحقق ذلك؟
بتوافر الوقود لدى طائراتنا، فبعض هذه المعارك وقع فى مناطق غير بعيدة عن مطاراتنا مما وفر كميات كبيرة من الوقود أطالت زمن القتال فى الجو ومنحت طيارينا حرية المناورة والسيطرة والتفوق على طائرات العدو.
طار الطيار المصرى على ارتفاع أقل من ثلاثة أمتار حتى أربعة أمتار وألقى صواريخه على دفاعات العدو ومناطق حشد مدرعاته ومطاراته بكل المفاجأة وأبعادها.
حدد المعدل العالمى للطيران من ثلاث حتى أربع طلعات للطيار، فقام طيارونا بست وسبع طلعات وبعضهم قام بتسع طلعات.
تدمير الدبابة الواحدة فى جداول التدمير العالمية يستلزم من هجمتين حتى ثلاث هجمات، فجاء طيارونا ودمروا أرتال المدرعات الإسرائيلية فى سيناء بهجمة واحدة، والصور لدينا دليلنا على ذلك.
فى معركة جوية قوامها 80 طائرة لنا وللعدو، أسقط طيار مصرى بطل بطائرته خمس طائرات إسرائيلية، دمر ثلاث طائرات بصواريخه، ثم اقتحم بطائرته طائرتين للعدو وانفجرت الثلاث فى الجو والبطل يهتف فى اللاسلكى «الله أكبر»..
تشدقت إسرائيل بقدراتها فى إعداد الطائرة للإقلاع بعد تزويدها بالوقود والذخيرة وإعادة الكشف على أجهزتها الإلكترونية فى 8 دقائق، استطاع المهندسون والفنيون فى قواعدنا الجوية اختصارها عام 1973 إلى 6 دقائق فقط.
كان المهندسون والفنيون يختصرون عمل أسبوع إلى عشر ساعات وأحيانًا أقل خلال فترة الحرب، طوال 17 يومًا حافلة بالقتال ليلاً ونهارًا، ولم يتعطل مطار واحد من مطاراتنا بعد قصفه بالقنابل إلا ساعات قليلة فقط ليعود بعد ذلك إلى حجم كفاءته العادية.
مهندس «برتبة عميد» قام بزيارة عمل لمطار من مطارات الدلتا، وتصادف وقوع غارة على المطار، فأخذ المهندس يجمع القنابل الزمنية بعيدًا عن الممرات.
نطح الصخر
عدت أقول لبطل القاذفات القديم، وبطل أكتوبر 1973 قائد قواتنا الجوية: بذلك نستطيع أن نقول إن إسرائيل عجزت عن تقديم مفاجأة واحدة طوال حرب رمضان ضد قواتنا الجوية على جميع المقاييس العسكرية.
هذا بالتأكيد، ولكنها بعيدًا عن المقاييس العسكرية لجأت إلى أعمال الخسة والغدر حين استعملت قنابل «الجوّافة» أو قنابل البِلى الممنوعة دوليًا، وهى قنابل ضد الأفراد ولا يلجأ إليها إلا من هو على غرار إسرائيل وتاريخها الإجرامى وليس العسكرى.
لقد فاجأنا العدو عام 1967 بنوع معين من القنابل لم يكن مستخدمًا من قبل وهى قنابل الممرات، شحنة متفجرة ذات حربة فى مقدمتها تطلق أثناء الطيران الغاطس أو من الطائرات حين تطير على ارتفاعات منخفضة جدًا، فتحقق هذه القنابل واسمهـا «كابم» اختراقًا فى الممرات وفجوات كبيرة بها، وبذلك تعطلت أكثر مطاراتنا.
عام 1973 عجز العدو عن استخدام هذه الأساليب لأن عنصر المفاجأة تحول ضده وكانت المبادأة فى أيدينا باستمرار ونطحت طائراته رأسها فى الصخر وهى تهاجمنا، إذ اصطدمت بجدار البالونات فوق كل موقع أو هدف حيوى، وبيقظة المقاتلات المصرية تعترضها وتسقطها وبحائط الصواريخ المضاد للطائرات، فلجأت الطائرات الإسرائيلية مضطرة إلى الطيران على ارتفاعات عالية جدًا، وكثيرًا ما أسقطت حمولاتها فوق الصحراء.
قلت للفريق حسنى مبارك: قبل المعركة.. تحدث العدو عن النسور والعصافير، ما تفاصيل هذه الأحاديث؟
ضحك القائد وقال: قبل المعركة قال العدو إن الطيران المصرى إذا فكر فى الهجوم أو الدخول مع الطيران الإسرائيلى فى معركة بين نسر وعصفور.. وبالطبع يقصدوننا بالعصفور!!
إنه أحد ألوان النشاط الدعائى والحرب النفسية التى مارسوها ضدنا قبل معركة رمضان المجيدة.
إن الكلمة مهما بالغت فى قدرة التعبير لا تستطيع أن تصور مدى الشحن المعنوى لدى الطيارين قبل أكتوبر وطوال فترة الحرب المجيدة.
لقد قام أحد الألوية الجوية بـ 2500 طلعة خلال أسبوع ضد قوات العدو ومطاراته.
لواء آخر قام بـ 3400 طلعة خلال ثلاثة أسابيع، بل إن هناك «لواء» قام بخمسة آلاف طلعة خلال 17 يومًا هى فترة الحرب.
وكانت الطائرات تقلع من دشمها قبل مرور «150» ثانية وكثيرًا ما أقلعت فى «130» ثانية، يتخللها تلقّى الإنذار ثم تقويم الطائرة بالمقوم الكهربائى وفتح باب الدشمة، وسيرها على الممر الأول ثم الممر الرئيسى إلى أن تحلق فى السماء، قبل هذا يظل الطيار مربوطًا فوق مقعده بالطائرة داخل الدشمة حتى يتلقّى الإنذار.
ذكرتم فى حديثكم جدار البالونات وقيل إن قواتنا الجوية استخدمت فى حرب 1973 وسائل المراقبة بالنظر.. أليست هذه من أساليب الحرب العالمية الثانية؟
قال القائد الذى بلغت ساعات طيرانه ما يقرب من ستة آلاف ساعة:
نعم، وهى أساليب لها فعاليتها حتى الآن. إن جدار البالونات من أنجح وسائل الدفاع الجوى عن المطارات ضد الطيران المنخفض ويمكن استخدامها فى الدفاع عن المنشآت الحيوية المهمة فى أنحاء الوطن. أما بالنسبة للمراقبة الجوية بالنظر فقد كانت خير معاون للمقاتلات والدفاع الجوى، بل إنها تجاوزت فى بعض الأحيان إمكانيات الرادار، وبيانات جماعات المراقبين بالنظر ظلت تصل إلى قادة الوحدات الجوية مباشرة، وطوال أيام المعارك الضارية خلال حرب أكتوبر المجيدة قام هؤلاء العمالقة بواجبات ضخمة وفشلت جميع غارات العدو على مطاراتنا حين اعترضتها مقاتلاتنا فى اللحظة المناسبة نتيجة بلاغات المراقبين بالنظر، الذين نالوا أقساطًا هائلة من التدريب على تلك المهام.
الفانتوم والميج
معنى هذا أن الفانتوم تأكد عجزها أمام الميج؟
لقد جعلوا من الفانتوم أسطورة من ناحية التجهيزات التكنولوجية، ولكنها عجزت أمام الميج 21 و17 وقد أسقطها طيارو هذه المقاتلات، من أبنائنا الأبطال الذين تفوقوا على تفوق التكنولوجيا الأمريكية، ومعنى ذلك هو التأكيد على قول الله عز وجل:
«كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، بإذن الله والله مع الصابرين».
إنه الطيار فى النهاية الذى يحسم الأمر، وليست الطائرة على الإطلاق.
هل يستطيع الطيار المصرى أن يقود الميراج الفرنسية بنفس الكفاءة التى يقود بها الميج الروسية؟
لقد قادها بالفعل بنفس كفاءة الميج 21.
سؤال آخر: ما مدى الإسهام الذى قامت به قواتنا الجوية مع الشقيقة سوريا؟
منذ البداية وطيارونا يؤدون واجباتهم هناك تحت قيادة القيادة السورية، وقد اشتركوا مع الأشقاء السوريين فى ضربة السيطرة يوم 6 أكتوبر حين قامت بها سوريا بجانبنا، بل وقاتلوا العدو الإسرائيلى فى حرب «الثمانين يومًا» بعد ذلك، ولنا شهداء أعزاء قدموا الروح وهم يبذلون أقصى الطاقة والجهد حتى وقعت اتفاقية فك الاشتباك بين القوات السورية والإسرائيلية.
تردد أن عدد طائرات ضربة السيطرة يوم 6 أكتوبر كان أكثر من مائتى طائرة، وأنه كان مخططًا «لضربتين» وليست ضربة واحدة.. ما حقيقة هذا كله؟
بالفعل كان عدد طائرات ضربة السيطرة أكثر من مائتى طائرة، وقد حققت الضربة الأولى أهدافًا كنا نأمل تحقيقها فى الضربة الثانية ومن هنا اكتفينا بضربة واحدة مركزة خير من مائة ضربة ضعيفة.
لقد دربنا الطيارين طويلًا وبثمن غالٍ جدًا وبالذخيرة الحية فى ميادين تكتيكية ولذلك كان قصفهم محكمًا جسورًا مرتفع الكفاءة، وحصلنا على نتائج مذهلة لم نحققها فى أعنف مستويات التدريب وتلك إضافة مهمة أضافها الرجال إلى فنون القتال.
وحين أصدرت الأوامر ببدء المعركة كان تنفيذها بأسرع ما يتخيله العقل والمنطق.. إننى أذكر أن السيطرة على الطيارين فى الدقيقة الواحدة بعد الساعة الثانية ظهرًا كانت شاقة للغاية بل كانت شاقة قبل ساعة الصفر بوقت ليس بقليل أمام الشحن المعنوى والعقائدى بالحرب وشرعيتها.
قبل المعركة بأسابيع والطيارون يعرفون أنها آتية حتمًا وبأسرع ما يتصورون، فبقى أكثرهم بالقواعد دون أن يسمح لنفسه بزيارة أسرته أو منزله وكتبوا على صدورهم «لا إله إلا الله» وبعضهم كتبها فوق غطاء الرأس وسجلوا أحكم القصف مع تفادى الكشف الرادارى وأجهزة الإنذار المبكر التى وضعها العدو بكثافة فى الضفة الشرقية وبلغوا عمق سيناء فدمروا قاعدة ومحطة «أم مرجم» رأس العدو ومطار «المليز» أكبر المطارات التى استخدمها فى سيناء فظل متعطلاً عن العمل أربعة أيام، ومحطة «أم خشيت» التى تقوم بالشوشرة الإلكترونية.
مع القوات البحرية
سألت الفريق الطيار حسنى مبارك:
هل لجأنا إلى الطيران الليلي؟
نعم، حين كنا نعمل مع قواتنا البحرية ليلًا فى ضرب لنشات العدو الصاروخية وقبل ظهور أول ضوء دمرنا لواء مدرعًا إسرائيليًا كان فى طريقه إلى الجيش الثانى الميدانى وقد ذكر اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش هذه الحقيقة أمام السيد الرئيس، ودمرت طائراتنا أيضًا 11 عربة تحمل صواريخ «س س» مضادة للدبابات وكانت صواريخ فرنسية محمولة على عربات، كما قصفت قاذفاتنا آبار بترول أبورديس وأهدافًا استراتيجية جنوب وشمال سيناء.
وفى الثغرة؟
دمرنا هناك ما يقرب من 400 دبابة إسرائيلية وكان طيارونا يقومون بست هجمات فى الطلعة الواحدة، والمعدل هجمتان أو ثلاث هجمات فى أقصى الظروف إلى جانب معاونة الجيش الثالث البطل بطائرات الهليكوبتر.
وفى الثغرة قام أبناؤنا بآلاف الطلعات عبر فترة لا تزيد على 96 ساعة تكبد العدو خلالها خسائر جسيمة لم تكن فى حساباته على الإطلاق.. وهذه الخسائر تحملها الأفلام التى التقطتها طائراتنا أثناء القصف فى سجلات الحرب.
إن حرب أكتوبر ليست البطولات التى تحققت وليست المعارك الضارية التى دارت فوق سيناء أو غرب القناة فحسب، بل هى برامج الإعداد بكل أحجامها، والتخطيط بكل أبعاده، والتدريب والتنسيق بين مختلف الأسلحة ثم التجهيز والتنفيذ فى النهاية، لنعزف جميعًا جوًا وبرا وبحرًا سيمفونية مصرية لا نشاز فيها.
يقودنا حديثكم إلى سؤال رددته مجلات الغرب العسكرية: هل سيعتمد المستقبل فى الدفاع الجوى على المقاتلات دون النيران الأرضية؟
رأيى أنه لا غنى عن العنصرين مستقبلًا: المقاتلات والصواريخ الأرضية كما يقول التحديد العلمى للدفاع الجوى، إذ يتشكل عضويًا من المقاتلات والصواريخ معًا، غير أن الطيار يخشى فى الدرجة الأولى طيار الخصم، لأنه يستطيع الإفلات من شبكات الرادار وضرب حوائط الصواريخ، ولكنه قلما يفلت من طائرة معادية يقودها طيار مقتدر، لأن الطائرة تناور وتطارد وفرصة الإفلات ضعيفة لدى الطيار الأقل ثقة وثباتًا وخبرة.
وفى عصرنا الحديث انتقل العالم من المقاتلات ذات السرعات دون الصوت إلى المقاتلات السوبرسونيك ثم إلى سرعات 1 و2 ماخ ثم 3.3 ماخ ولابد من ملاحقة هذه الطائرات ذات السرعات العالية بوسائل توجيه جديدة، وصواريخ مضادة تلاحق التطور الإلكترونى والتكنولوجى فى هذه الطائرات.
وحتى يتم ذلك، سيبقى الدفاع الجوى قائمًا على الصواريخ والمقاتلات.
صناعة الطائرات
سؤال أخير:
هل سيشهد جيلنا صناعة الطائرات المصرية والصواريخ المصرية خاصة أننا نملك تجربة سابقة حين أنتجنا منذ سنوات الطائرة المقاتلة الصغيرة «القاهرة 300» بالاشتراك مع الهند؟
لقد وضع القائد الأعلى فى مخططاته، وهو صاحب المخططات الواعية المدعومة بحسابات ورؤى يقظة واقعية، وضع بين برامجنا إحياء صناعة الطائرات والصواريخ، ولدينا الخبرات البشرية الفنية التى تقف مع خبراء الخارج على مستوى واحد، قادرة على تنفيذ هذه المخططات، وهناك دفعات إلى الأمام بوزارة الإنتاج الحربى لست فى حلٍّ من التحدث عنها ولكنى أستطيع إن أقول بإمكاننا مفاجأة العالم ذات يوم بصناعات مصرية حديثة للطائرات والصواريخ.. خاصة مع نمو حركة الانفتاح التى نعيشها بعد أكتوبر 73.