رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

سماء مصر «محفوظة»


3-10-2025 | 14:31

.

طباعة
بقلـم: لواء طيار د. هشام الحلبى

فى ذكرى حرب أكتوبر 1973 يجب أن نؤكد أنها كانت ملحمة كبيرة جدا اشترك فيها جميع أسلحة القوات المسلحة المصرية ومنها بالطبع القوات الجوية المصرية والتى كانت تعانى خسائر كبيرة جدا بعد حرب يونيو 1967 حيث تم استهداف الطائرات المصرية وهى على الأرض فى المطارات ما أدى لتدمير جزء كبير جدا من القوات الجوية آنذاك، لذلك كان هناك تحد كبير جدا فى الفترة بين 1967 و 1973 يتمثل فى إعادة بناء القوات الجوية المصرية مرة أخرى ومفهوم إعادة البناء لا يقتصر فقط على شراء أو تصنيع طائرات جديدة ولكن هو مفهوم أشمل يضم أيضا بناء قواعد جوية ومطارات وتوسعة ممرات الهبوط والإقلاع وأيضا بناء الدشم التى كانت توفر درجة عالية من الحماية للطائرات على الأرض، فضلا عن استنباط أساليب تدريب جديدة تتناسب مع مواجهة عدو محتمل وهو إسرائيل فى ذلك الوقت، لذلك فقد كانت عملية البناء للقوات الجوية بمثابة المعجزة وذلك نظرا لكبر حجم التحديات وتعددها وإنجازها فى توقيت ضئيل مقارنة بحجم المطلوب أثناء حرب مهمة جدا وهى حرب الاستنزاف وفى ظل وجود عدو جوى متطور جدا فى ذلك الوقت.

وتعتبر القوات الجوية من الأفرع الرئيسية داخل أى جيش نظامى نظرا لسرعتها وقدرتها التدميرية العالية وكذا توفير المظلة للقوات البرية على الأرض.

وعلى الفور شرعت القوات المسلحة المصرية فى تنفيذ خطة إعادة البناء من خلال عدة مسارات أولها رفع كفاءة المطارات وإعادة تجهيزها، وبناء عدد من القواعد والمطارات الجوية الجديدة وتزويد المطارات بالدشم اللازمة لحماية الطائرات وهنا يجدر بى أن أذكر أنه قد شارك فى بناء تلك الدشم عدد من الشركات المدنية حيث كان يسقط منهم شهداء جراء القصف الإسرائيلى فى مشهد يجسد تلاحم الشعب وجيشه لتحقيق النصر.

وقد كان قوام القوات الجوية المصرية فى هذا التوقيت يعتمد على طرازات طائرات من الأجيال الأولى مثل الميج 17والثانية مثل الميج 21 فى الوقت الذى كانت تمتلك فيه القوات الجوية الإسرائيلية فى تلك الفترة طائرات الجيل الثالث وهو أحدث أنواع الطائرات فى ذلك الوقت، وهى الطائرة الفانتوم لذلك كان هناك فارق جيل كامل بين الطائرات المصرية والإسرائيلية فى هذا الوقت وكذا فإن تكنولوجيا التسليح الإسرائيلى كانت أعلى من مثيلاتها المصرية  والمديات التى يمكن أن تصل الطائرات الإسرائيلية لها دون التزود بالوقود أعلى من الطائرات المصرية وفى نفس الوقت كان من أهم متطلبات المعركة -أكتوبر1973- ضرورة تنفيذ ضربة جوية شاملة تدمر معظم الأهداف التى ستؤثر على عملية العبور.

وعندما أجريت دراسات من قبل متخصصين وخبراء عسكريين سوفييت على مدى نجاح قيام القوات الجوية المصرية بضربة جوية شاملة كانت النتائج لا تصب فى مصلحة الجانب المصرى، حيث  توصلت الدراسة إلى أنه إذا تم عمل ضربة جوية مصرية على الأهداف فى سيناء ستفقد القوات المسلحة ما يقارب من 45 فى المائة بالإضافة إلى أن الضربة لن تحقق هدفها لأن جزءا كبيرا من الطائرات سيتعرض للتدمير بما يعنى عدم القدرة على استكمال الحرب وهى حسابات صحيحة نظريا، ولكن هنا تأتى المعجزة حيث إن التدريب المحترف بشكل كبير وكثيف على أعمال القتال والضربات الجوية الشاملة جعل من المستحيل ممكنا وعادل كفة الميزان، بل وتفوقنا على تطورهم التقنى، فقد تمكنت القوات الجوية المصرية من إصابة وتدمير أهدافها المخططة بنسبة تصل إلى 97 فى المائة، مع التعرض لنسب خسائر ضئيلة جدا لتكون مفتاحا لتحقيق النصر لقواتنا المسلحة.

وقد كان مخططا أن تقوم القوات الجوية بتنفيذ ضربة جوية ثانية ولكن نظرا لأن الضربة الأولى نجحت فى تدمير كل الأهداف المخططة، لم يتم اللجوء إليها فلم ييأس المصريون المقاتلون فى القوات الجوية من أن العدو لديه إمكانيات متطورة بل أثبتوا أنه يمكن بقوات أقل فى الإمكانيات تحقيق كافة الأهداف بالتدريب الجيد والاحتراف.

وقد استمرت القوات الجوية فى أعمال قتالها سواء فى حماية ومعاونة القوات البرية وكذا حماية سماء مصر بالتعاون مع قوات الدفاع الجوى ضد أى عدائيات، فعندما رأى العدو بعينه هذا الأداء المحترف بداية من 6 أكتوبر وما تلاها خلال أيام الحرب أيقن أنه لن يستطيع استهداف القوات البرية المصرية فكان قرار إسرائيل فى هذا الوقت هو توجيه ضربات جوية للمطارات والقواعد الجوية وكذا استهداف الطائرات المصرية على الأرض كما حدث فى 1967 وذلك لإخراج القوات الجوية المصرية من حسابات المعركة ومن ثم يقوم باستهداف القوات البرية والبحرية دون وجود غطاء جوى لحمايتها وقد كان توقيت تنفيذ تلك الضربات المعادية فى 14 أكتوبر 1973، وبالفعل تم رصد 120 طائرة إسرائيلية طراز فانتوم وسكاى هوك متجهة لضرب القواعد والمطارات المصرية وعلى الفور نتيجة الاحتراف فى عملية الرصد أقلعت 60 طائرة ميج 21 مصرية لصد هذه الضربة، أى أن الطائرات المصرية كانت نصف عدد الطائرات الإسرائيلية ولكن العبرة ليست دائما بالعدد ولكن هنا كانت العبرة بالأداء الاحترافى والدقة والانضباط فى تنفيذ المهام، وبالفعل تم صد هذه الضربة وإسقاط 17 طائرة إسرائيلية وباقى الطائرات ألقت طائراتها فى أماكن بعيدة وخرجت من المعركة هاربة من سماء مصر فى حين أن الخسائر فى الجانب المصرى بلغت 4 طائرات فقط لذلك دائما وأبدا فإن المقاتل هو الأساس فى معادلة القوة العسكرية وليس السلاح أو المعدة.

وعندما حلل الجانب الإسرائيلى هذه الضربة ونتائجها وجد أن عدد الطائرات المصرية لا يمكن أن يكون 60 فقط ولكن الحقيقة أن هناك طائرات مصرية أقلعت واشتبكت مع الطائرات الإسرائيلية وهبطت لتتزود بالوقود وتقلع مرة أخرى على الفور لتكمل اشتباكها لذلك فإن تلك المعركة صنفت بالأطول على مستوى العالم حيث استمرت حتى 53 دقيقة، وكان إجمالى عدد الطائرات من الجانبين 180 طائرة 120 إسرائيلية و 60 مصرية، وهكذا فشلت الخطة الإسرائيلية لاستهداف وتدمير القواعد والمطارات الجوية المصرية ويعد الدرس الأبرز من تلك المعركة هو أن أسلوب التخطيط والتنفيذ والخروج عن النمط التقليدى أهم وأفضل من الأسلحة والإمكانيات وهو ما ظهر فى أعمال قتال القوات المسلحة بالكامل خلال حرب أكتوبر 1973، فالإمكانيات ليست عائقا للنجاح بل هى حافز للإبداع.

وتمر السنوات ونرى هذه الأيام تطورا غير مسبوق فى قواتنا المسلحة وتسليحها حيث تم تحديث الطائرات وكل الأنظمة الملحقة بها بشكل غير مسبوق حتى أصبحنا نرى طائرات الجيل الرابع المتقدم ضمن صفوف قواتنا الجوية على سبيل المثال ليس الحصر الطائرات الرافال والميج 29 بالإضافة إلى طائرات F_16 وعلى مستوى الطائرات الهليكوبتر ألحقت بالقوات المسلحة أنواع متعددة ومتطورة منها الكاموف الروسى والمى 24 جنبا إلى جنب مع الأباتشى الأمريكية، بجانب التطور الكبير فى المنظومات المكملة لهذه الطائرات والقوات المسلحة بشكل عام.

وقد أضفى هذا التطوير على القوات الجوية المصرية ميزة  استراتيجية جديدة وهى القدرة على تنفيذ مهام خارج حدود الدولة المصرية فقد أصبحت مديات الطائرات كبيرة جدا تمكنها من تنفيذ المهام ضد كل ما يهدد الدولة المصرية خارج حدودها بجانب تزويدها بأنظمة تسليح متطورة جدا، الأمر الذى يوفر للقوات المسلحة المصرية القدرة على الردع لكل ما يهدد الأمن القومى المصرى.

ومشهد آخر أيضا من مشاهد حرب أكتوبر 1973 يتمثل فى التحديات التى كانت تواجه الطيار المصرى فى المعركة، فالقوات الجوية المصرية تعمل بصورة متكاملة بين طيارين وجويين وفنيين وأطقم طائرات أرضية جوية، لذا فإن التحدى الأكبر كما ذكرت سابقا هو الفرق الكبير فى التكنولوجيا لصالح الطائرات الإسرائيلية إلا أن التدريب المحترف والعلم العسكرى المتطور والمتمثل فى دراسة الطائرات المعادية بشكل عميق جدا من حيث نقاط القوة ونقاط الضعف لتطويع قدرات الطائرات والطيارين المصريين ضد الطائرات المعادية وتحقيق أقصى تأثير على العدو الجوى، وبالفعل أظهر الطيارون المصريون فى هذه الحرب براعة واحترافية نالت إشادة العالم أجمع حيث صنف بعض ممارسات الطيارين المصريين بالمعجزة والمستحيلة منها على سبيل المثال لا الحصر قيام طيار مصرى بطائرته الميج 17 من الجيل الأول بإسقاط طائرة فانتوم إسرائيلية من الجيل الثالث ويزيد على ذلك قيام طيار مصرى بإسقاط طائرة فانتوم أخرى للعدو بواسطة طائرة هليكوبتر طراز مى 8 وهى سابقة لم تحدث فى التاريخ أن تقدم طائرة هليكوبتر على إسقاط طائرة فانتوم ولكن كما ذكرت أن التحديات كانت حافزا كبيرا جدا للإبداع فى التخطيط والتنفيذ والتدريب

وتعد حرب الاستنزاف أيضا بمثابة الفرصة الهامة التى أكسبت الطيارين المصريين خبرات وثقلا، فقد كان الجيش المصرى يخوض تلك الحرب فى أثناء عملية بناء القوات المسلحة ككل والقوات الجوية تحديدا لذلك وفرت حرب الاستنزاف الفرصة للتعرف على أنواع طائرات العدو وتحديد نقاط القوة والضعف بها الأمر الذى ساعد أيضا فى إرساء قواعد الاشتباك الجوى بين المقاتلين فبالرغم من الصعوبات الموجودة بحرب الاستنزاف إلا أنها كانت حافزا مهما لتحقيق النصر.

والآن بعد مرور 52 عاما على نصر أكتوبر يمكن أن نرى بأعيننا أن جيل أكتوبر قد قام بالعديد من البطولات أهمها إعداد القوات المسلحة لحرب 1973 أثناء حرب الاستنزاف وكذلك التخطيط والتنفيذ المحترف للحرب، فضلا عن أن جيل أكتوبر قام بنقل خبراته من العلم العسكرى والتجارب بحب شديد إلى الأجيال التى تلته وظلت تلك الخبرة تنتقل جيلا بعد جيل مع الوضع فى الاعتبار التطور والتكنولوجيا الحديثة الموجودة فى طائرات القتال وهو أمر مطمئن فلازال الطيار المصرى متسلحا بخبرات جيل أكتوبر وروح القتال العالية بل إن الأجيال الحالية تمتاز بالاستيعاب العالى والمحترف للتكنولوجيا الحديثة المعقدة التى تحتاج إلى قدر كبير من الاستيعاب لأنها أصبحت طائرات تقوم بعدة مهام فى الطلعة الواحدة منها مهام الحرب الإلكترونية وقذف الأهداف الأرضية والتعامل مع الأهداف الجوية فضلا عن التموين فى الجو، لذلك فإن جميع الطيارين والمهندسين والفنيين لديهم استيعاب عالى جدا للتقنيات الحديثة كما ساهم دخول الطائرات الحديثة فى خطة عمليات للقوات المسلحة المصرية فى وقت قصير وقد نال الطيارون المصريون إشادات واسعة من القوات الحليفة والصديقة المشاركة فى التدريب المشترك النجم الساطع الأخير وهو ما يؤكد مكانة مصر فى قدرتها على مواجهة التحديات والعدائيات.

وأخيرا أوجه رسالة إلى القوات الجوية المصرية وباقى الأفرع  بضرورة الاستمرار فالمهمة جليلة وشعارنا هو النصر أو الشهادة، ويا شباب مصر كافة يجب أن نضع فى الاعتبار أن نقص الإمكانات لا يعتبر عائقا للنجاح لكنه حافز للإبداع والتميز وهذا ما حدث فى ملحمة أكتوبر وحرب الاستنزاف وحتى الآن.

 
 
 

الاكثر قراءة