حدثنا عن أهمية نشر الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر بعد مرور 52 عامًا على الانتصار؟
تتمثل أهمية نشر تلك الوثائق كونها ليست مجرد حبر مكتوب على ورق، لكنها دليل ظل شامخا إلى يومنا هذا ليروى لنا تفاصيل هذه الملحمة الكبرى حتى تستوعبه الأجيال الحالية والقادمة من الناحية الوثائقية، حيث سيكون هناك مستند تاريخى يتم الرجوع إليه يروى بعض تفاصيل ما تم فى حرب أكتوبر من الناحية الوثائقية، كما أن الوثائق سيتم حفظها فى وسائل الحفظ المختلفة مثل شبكة المعلومات الدولية وغيرها من الوسائل الأخرى، وذلك حفاظا على تفاصيل ما شهدته تلك الملحمة العظيمة ويقطع الطريق أمام أى أخبار أو معلومات مغلوطة عن الحرب، خاصة أن ما حدث فى 6 أكتوبر 1973 هزّ كل مؤسسات إسرائيل فى ذلك الوقت، لذلك كانوا مدركين أنه إذا تم تداول تلك الحقيقة المرة سيحدث انهيار للأجيال الجديدة، لذا أصبح الإسرائيليون يتناولون موضوعات وحقائق حرب أكتوبر نحو مناطق تبتعد كل البعد عن كونها حقيقة.
ما المعايير التى تُتبع فى عملية اختيار الوثائق للنشر؟
اللجنة ليس عملها اختيار الوثائق، لكنها تعاين كل الوثائق لتحديد قيمتها الوثائقية، ومدى صلاحيتها للنشر ومقدار تأثيرها فى حالة نشرها، فقد كان هناك حرص على عدم إظهار أى وثيقة من شأنها المساس بالأمن القومى، مثل الوثائق التى تحوى معلومات قد تكشف أسرار العمليات العسكرية التى قد تؤثر على الأمن القومى المصرى، وبالتالى، عكفت اللجنة على مراجعة الوثائق بحرص شديد لاختيار الوثائق التى تظهر البطولات المصرية وتقدم الحقيقة دون تعريض أمن البلاد لأى خطر، وهى عملية ليست بالسهلة فى ظل الكم الكبير من الوثائق المتعلق بفترات حرب الاستنزاف وحتى تحقيق نصر أكتوبر 1973، وذلك حتى يستطيع المواطنون استخدام تلك الوثائق فى الاستدلال على صدق ما يرددونه.
ما الرسالة الأهم التى تعكسها الوثائق التى تمت مراجعتها؟
الرسالة مضمونها يتعلق بقيمة تلك الوثائق التى تعكس عظمة الإنجاز المصرى، فدائمًا ما أطلق عليها «ملحمة نصر أكتوبر»، ذلك لأنها بحق ملحمة شارك فيها الشعب والجيش والدولة ككل بمؤسساتها المختلفة لتحقيق هدف واحد وهو تحرير الأرض واستعادة الكرامة. وبفضل الله وسواعد الراجل المخلصين من تلك الفترة، استطاعت مصر أن تحقق هذا الهدف، فقد تحررت سيناء وتمت استعادة شرف وكرامة العسكرية المصرية، لذلك كان لا بدّ من الإعلان عن بعض من وثائق تلك الحرب خاصة بعد مرور أكثر من 50 عاما لتبقى شاهدة على تلك الملحمة، بل وترد على كذب وادعاء العدو وتزييفه للحقائق، هذا فضلا عن أن الأجيال التى عاصرت الحرب وخاضتها عاجلًا أو آجلًا ستصل إلى نهاية عمرها، لذلك فإن الوثيقة هى المستند الرسمى الذى سيكمل مسيرة هؤلاء الأبطال فى سرد حقائق الملحمة التى بدأت منذ التعرض لنكسة 1967، وحققت هدفها بتحرير طابا فى عام 1989، والتى انقسمت إلى 6 سنوات صراعا عسكريا مباشرا و9 سنوات صراع «تفاوضى - سياسى» للانسحاب على مراحل، و7 سنوات من المفاوضات والتحكيم للحصول على طابا آخر أجزاء شبه جزيرة سيناء المحررة، بينما استعادت القوات المسلحة كرامتها فى المدة من بداية الحرب فى السادس من أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار فى 28 أكتوبر فى مدة لم تتجاوز 22 يومًا، فمصر استعادت أرضها فى 22 عاما وكرامتها فى 22 يوما، فالمصرى يقدس ترابه الوطنى ويسعى بكل قوة للحفاظ على حدود أرضه وعدم التفريط فيها منذ فجر للتاريخ حتى وقتنا هذا، فالمصرى يعامل الأرض وكأنها عرض.
إلى أى مدى ساهمت السرية فى تحقيق النصر خلال حرب أكتوبر؟
بالفعل، كانت كل التقديرات العالمية فى ذلك الوقت تشير إلى أن الجيش المصرى لن تقوم له قائمة بعد نكسة 1967 إلا بعد 50 عامًا، غير أن الأمر لم يستغرق سوى بضع سنوات بسيطة تمت خلالها إعادة بناء الجيش المصرى ليتمكن من تحقيق النصر، وهو ما عكفت على تنفيذه القيادة السياسية خلال تولى الرئيس عبدالناصر، ومن بعده الرئيس أنور السادات، عبر محاولة استقدام منظومات تسليحية هجومية حتى يتمكن المقاتل المصرى من اقتحام قناة السويس ومهاجمة العدو، إلا أن حالة «اللاسلم واللاحرب» كانت ترضى القوى العظمى فى ذلك الوقت سواء الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة الأمريكية، لكن بالذكاء المصرى وبتطبيق خطة الدفاع الاستراتيجى من قِبل كل المصريين، كلٌّ فى تخصصه، سواء على المستوى السياسى والإعلامى والعسكرى وغيرها، حتى أصبحت إسرائيل فى هذا الوقت على يقين بأننا لن نحارب مما ساهم فى تحقيق المفاجأة فى 6 أكتوبر والتى أربكت العدو وأفقدته توازنه، ومنحت الجيش المصرى التحكم والسيطرة على زمام المعركة، فالعالم أجمع شهد للمصريين بالإنجاز والإعجاز والبراعة بفضل ملحمة أكتوبر العظيمة.
لماذا لم يتم الإفراج عن تلك الوثائق خلال السنوات الماضية؟
مصر لم تقرر الإفراج عن تلك الوثائق بعد مراجعتها، إلا بعدما شرع الجانب الإسرائيلى فى الكشف عن وثائق يزعم أنها تعود لحرب أكتوبر 1973، وكلها تحمل معلومات كاذبة وغير مدققة؛ رغبة منها فى إبراز نصر زائف والتقليل من شأنها الإنجاز العسكرى الذى حققه الجيش المصرى، وأستشهد هنا بما ذكره هنرى كسينجر، وزير الخارجية الأمريكى، فى سبعينيات القرن الماضى، عند زيارته لإسرائيل بعد أيام من اندلاع الحرب، قائلا: «لم أكن أتصور أن إسرائيل قد هُزمت، ولا بد أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإنقاذ إسرائيل»، وهو ما حدث بعد ذلك عبر تسخير إمكانات وطاقات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية فى خدمة إسرائيل؛ لذلك كان لا بد من الكشف عن تلك الوثائق لترد على أكاذيب وادعاءات إسرائيل بشأن الحرب.
ما الذى يميز الوثائق عن الروايات الشخصية حول أكتوبر؟
لقد كانت من ضمن توصيات اللجنة أن يتم عرض الوثائق كما هى مع سرد حكاية تلك الوثيقة كاملة وذكر الحدث الذى تعبر عنه تلك الوثيقة، والتى بدورها لن تستطيع أن تقدم تفسيرات كاملة عن الحدث بكل أبعاده لذلك يجب المزج بين روايات أبطال أكتوبر الشخصية عن الحرب وبين الوثائق التى توثق تلك الفترة.
أثناء المراجعة، هل اطّلعت على وثيقة كان لها تأثير عليك شخصيًا؟
لقد عشت تفاصيل تلك الملحمة، وأتشرف بأننى كنت ضمن القوات التى شاركت فى ملحمة أكتوبر العظيمة، لذلك فعندما أطّلع على وثائق من مواقع مختلفة عن تلك التى شاركت فيها، تدور فى ذهنى مدى عظمة تلك الملحمة، بل وتعيد إلينا ممن شاركوا فى الحرب مشاعر النصر والحماس، وتؤكد على ثقة المصريين فى قدراتهم وإمكانات بلدهم، الذى قُدر له أن يبقى تحت ضغط نظرا لموقعه الجغرافى فى القلب من العالم، والذى يجعل من مصر مطمعًا لكافة القوى التى تسعى لتحقيق مصالحها، لذلك يجب أن يعى المصريون أنهم يجدر عليهم التحلى بقوة الإرادة، فعندما كنت أرى خط بارليف كنت أحدّث نفسى كيف سنتمكن من عبور هذا المانع الصعب، لكن بالإرادة والإصرار تحققت المعجزة، وهذه جميعها مشاعر كنت أسترجعها فى كل مرة أطّلع على وثيقة من الوثائق.
سبقت إسرائيل مصر فى الإفراج عن وثائقها الخاصة بالحرب، كيف تردون على مَن يقول إن الوثائق المصرية ليست أكثر أهمية؟
الوثائق المصرية التى تتم مراجعتها وتدقيقها، وبعد ذلك إعلانها، لا تعتبر مجرد شهادات، بل هى وثائق بخط يد القادة أنفسهم وتضم إشارات لاسلكية وتقارير ميدانية، فعندما كنا نجد وثائق مكتوبة عن طريق الآلة الكاتبة كنا نؤرشفها حتى لا يتم الطعن فى مصداقيتها، واعتمدنا فقط على الوثائق المكتوبة بخط اليد، رغم أن هناك العديد من التحديات التى واجهتنا، منها أنه فى بعض الأوقات كان خط اليد غير مفهوم فى بعض الوثائق؛ لذلك استغرقت أعمال لجنة مراجعة الوثائق وقتًا، حيث قارب عدد الوثائق التى تمت مراجعتها حتى الآن من 100 ألف وثيقة متنوعة بين خرائط وصور وسجلات محادثات لاسلكية، وقد كان دور اللجنة هو تقييم الوثائق، وبالفعل أنجزنا ما يقارب من 90 فى المائة من إجمالى الوثائق، تمهيدا لطرحها على اللجنة العليا للإعلام لنشرها.
هل تضمنت الوثائق أى معلومات عن حقيقة الدور الذى لعبه أشرف مروان؟
لا، فالوثائق كافة هى وثائق عمليات عسكرية للأبطال الذين خاضوا غمار تلك الحرب والقادة الذين خططوا لتنفيذ المهام خلال الحرب وعدد ضخم من بلاغات القتال والقرارات والصور والخرائط.
ما الرسالة التى تود أن توجهها للأجيال الحالية؟
أريد القول إن بذرة الإنسان المصرى بذرة طيبة ومتأصلة فى كل المصريين يتوارثونها جيلًا بعد جيل، والشباب المصرى فى داخله كمّ كبير من الطاقات الكامنة والتى لن تتحرر إلا بوجود حافز كأوقات الخطر، وهنا يقع على الإعلام مسئولية كبيرة فى تحفيز الشباب المصرى وتوعيته بما يحدق بنا من أخطار وتحديات.