رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«أكتوبر».. معركة خاضها الشعب مع الجيش حتى النصر


3-10-2025 | 14:26

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

الشخصية المصرية كانت دائما وأبدا كلمة السر التى تستطيع إبهار العالم أجمع فى أحلك الأوقات، وتقلب كل التوقعات والمعطيات وكل الحسابات المعقدة، ولم يكن ظهور الشخصية المصرية فى انتصار أكتوبر المجيد فقط بل قبلها وبعدها أيضا.

فصفات الشخصية المصرية تتوارث جيلا وراء جيل، قد لا تظهر ملامحها فى المجتمع وفى الحياة اليومية العادية؛ حتى يتخيل البعض أن جوهر الشخصية المصرية قد انتهى فى المجتمع، ولكن فى أوقات الخطر تظهر الشخصية المصرية وتنتفض كأنها مارد لا يتوقع أحد ظهوره، وهناك أمثلة كثيرة فى العصر الحديث مثل العدوان الثلاثى على مصر وكيف استطاعت المقاومة الشعبية مع الجيش من هزيمة ذلك العدوان ببسالة وشجاعة وبإمكانات بسيطة وبدائية لا يتخيلها العالم؛ حتى بعد النكسة والعالم كله أجمع على أن بناء جيش جديد يحتاج لعقود من الزمان، ولكن مرارة الهزيمة واحتلال سيناء كانت دافعا لظهور الشخصية المصرية مرة أخرى بعد مرحلة اختفاء نتيجة ممارسات خاطئة ليس مجال الحديث عنها الآن.

الانتفاضة جاءت من الشعب الذى لم ينكسر بالنكسة بل أصبح أكثر قوة، وامتلك الإصرار على تحقيق الهدف بإعادة الكرامة وسحق العدو، فالكل تكاتف فى الشارع خلف الوطن حتى الذين خرجوا من معتقلات عبدالناصر كانوا فى صف الوطن ضد العدو الكيان الصهيونى، وهذا جزء أصيل من الشخصية المصرية، فبعد أقل من شهرين على النكسة كانت معركة رأس العش التى أراها بداية انتفاضة الشخصية المصرية، والتى كان لها أثر كبير على الشعب المصرى قبل الجنود.

وفقًا لمذكرات اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات أثناء حرب أكتوبر في مذكراته عن معركة «رأس العش» أقتبس منه (أنه في اليوم الأول الذي تولى فيه اللواء «أحمد إسماعيل علي» قيادة الجبهة في أول يوليو 1967، وفي الساعات الأولى من صباح 1 يوليو 1967، وبعد ثلاثة أسابيع من النكسة، تقدمت قوة مدرعة إسرائيلية على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس من القنطرة شرقًا في اتجاه الشمال بغرض الوصول إلى ضاحية بور فؤاد المواجهة لمدينة بورسعيد على الجانب الآخر للقناة، وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة رأس العش جنوب بور فؤاد وجدت قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة المصرية قوامها ثلاثون مقاتلًا مزودين بالأسلحة الخفيفة، في حين تكونت القوة الإسرائيلية من 10 دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية في عربات نصف مجنزرة، وحين هاجمت قوات الاحتلال قوة الصاعقة المصرية تصدت لها الأخيرة وتشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية.

فوجئت القوات الإسرائيلية بالمقاومة المسلحة المصرية التي أنزلت بها خسائر كبيرة؛ مما أجبرها على التراجع جنوبًا، إلى أن عاود الجيش الإسرائيلي الهجوم مرة أخرى، لكنه فشل في اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، فدمرت بعض العربات نصف المجنزرة وزادت خسائره البشرية؛ مما اضطر القوة الإسرائيلية للانسحاب. وبعد تلك الهزيمة، لم تحاول إسرائيل احتلال بور فؤاد، وظلت في أيدي القوات المصرية حتى قيام حرب أكتوبر 1973، فظلت مدينة بورسعيد وميناؤها بعيدين عن التهديد المباشر لإسرائيل.)

وقد جنبت معركة رأس العش مصر خسائر مهولة على الصعيدين المادي والبشري، فرغم التطور التكنولوجي والعسكري الهائل، فإن الفرد المقاتل لا يزال وسيظل هو العنصر الرئيس في أعمال القتال، فلا قيمة لأي معدة أو سلاح مهما كان تطورها دون الفرد المقاتل، ولقد استبسلت قوات الصاعقة المصرية في تلك المعركة؛ حتى أصبحت تدرس في كثير من المدارس العسكرية في العالم، بالنظر لفارق القوة والعتاد والعدد بين الطرفين، ورغم ذلك أجبرت القوات المصرية قوة تعادل ثلاثة أضعافها وهي مدججة بالمدرعات والأسلحة على الانسحاب.

وهنا أتذكر صورة خالى نقيب صاعقة محمد عبدالفتاح الغازى شهيد حرب أكتوبر الذى لم أعرفه إلا من خلال الصور المعلقة على الجدران أو من خلال الحكايات التى رواها منْ كانوا معه بالحرب، ومع سنوات الإدراك كنت أتساءل لماذا يقدم شاب رياضى ويلعب كرة القدم بنادى مدينة شربين ومحبوب من الجميع على الالتحاق بالكلية الحربية بعد 67 وكيف يسمح له والده التاجر الغنى بذلك، مع العلم أن الكلية الحربية فى ذلك التوقيت كانت بالسودان، بالإضافة إلى انتشار الحكايات السلبية عن عودة الجنود من 67 سيرا على الأقدام بعد قرار الانسحاب والنتائج النفسية السلبية التى كانت تطغى على الوطن بأكمله، والتى كان الجميع يتجنب الحديث عنها، وفى صغرى سمعت الكثير من الحكايات التى روتها أمى أو خالى عن شقيقهم الشهيد وكيف كان يحكى لهم فى أجازاته القليلة عن أنهم يأكلون الفئران والثعابين وأن لحم الثعابين جميل، وأنهم يمرون بالمجارى ويظلون بها بالساعات وأن رائحة المجارى العفنة أصبحت لهم مثل الهواء، وكان يحكى لأسرته عن كيفية استعدادهم للحرب من خلال المناوشات الدائمة، وإنهم يوقعون الخسائر بالعدو بشكل دائم.

ما أقصده هنا ليس الحديث عن خالى الشهيد وإن كان هذا شرفا كبيرا لى لا أستحقه، ولكن هو نموذج أستشهد به لما كانت عليه الشخصية المصرية فى ذلك الوقت، ليس منْ يخدم فى القوات المسلحة، ولكن على المستوى الشعبى الذى أظهر معنى الإدراك والوعى النابع من الشخصية المصرية، والتى تلته بطولات أخرى مثل تدمير المدمرة إيلات بعد انتهاك المياه الإقليمية لمصر فى 21 أكتوبر 67 بعد أربعة أشهر فقط من النكسة.

القصص والبطولات كثيرة لا تنتهى مثلها مثل الشخصية التى لا تموت، قد تمرض أو يعتقد البعض أنها اختفت، ولكن فى وقت الشدة تظهر وتبهر الجميع.

حتى بعد ثورة يناير العالم قال إنها نهاية مصر ولكن الجيش المصرى بقيادة المشير طنطاوى والمجلس العسكرى استطاع أن ينجو بمصر حتى بعد انتخاب مرسى العياط وعام حكم الجماعة الذى كاد يقضى على مصر، ولكن لأن الشخصية المصرية تتوارث من جيل لجيل بالجينات، ثار الشعب لاستعادة الوطن من يد الجماعة الإرهابية وأعوانهم، وانحازت القوات المسلحة كعادتها الوطنية للشعب، وبدأت كتابة صفحة جديدة من تاريخ مصر المشرق والمشرف كما فعلته الأجيال السابقة وبإذن الله للأجيال القادمة.

 
 

 

الاكثر قراءة