رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لإسكات المعارضة... ترامب يهاجم وسائل الإعلام


1-10-2025 | 21:58

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

من تخفيضات التمويل والأوامر التنفيذية إلى التهديدات والدعاوى القضائية بمليارات الدولارات، تشنّ إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حملة شرسة لإعادة صياغة المشهد الإعلامى الأمريكى تحت ذريعة حماية «الوطنية الأمريكية»، وذلك بعد هجوم متكرر من الرئيس الأمريكى على وسائل الإعلام التى تنتقد سياساته، باعتبارها «متحيزة يسارية» و«فاسدة». ويتمثل آخر فصول هذه الضغوط الحكومية جليًا فى تقييد وزارة الحرب الأمريكية «البنتاجون» وصول ونشر الصحفيين للمعلومات إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة منها، والسعى نحو وقف بث بعض البرامج التليفزيونية التى انتقدت اليمين الأمريكى، فى مشهد يتعارض مع الحماية الدستورية لحرية الصحافة واستقلالها، ويُنظر بمعركة قانونية جديدة.

 

 

العداء بين ترامب ووسائل الإعلام ليس جديدًا، لكنه شهد تصعيدًا حادًا غير مسبوق حيث لم يقتصر على الانتقادات العلنية، بل امتد إلى إجراءات تنفيذية مباشرة ضد وسائل الإعلام والشخصيات الإعلامية التى يُعتقد أنها تنتقده بشكل مفرط. فى واحدة من أوائل التحركات التى اتخذتها الإدارة ضد الصحافة، حظر مراسلى وكالة «أسوشيتد برس» من دخول المكتب البيضاوى وطائرة الرئاسة، بعد رفض الوكالة اعتماد مصطلح «خليج أمريكا» بدلًا من «خليج المكسيك» فى تقاريرها الإخبارية، مما دفعها إلى رفع دعوى قضائية.

كما وقّع الرئيس الأمريكى أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى تقليص الدعم العام لشبكة التليفزيون العامة «PBS» والإذاعة الوطنية العامة «NBR»، مع زعمه وجود انحياز فى تغطيتهما الإعلامية. وأعلنت هيئة البث العام الأمريكية «سى بى بى» (CPB) توقفها عن العمل مع حلول العام المقبل، وذلك بعد قرار الكونجرس سحب التمويل السنوى الخاص بها، والذى يُقدر بـ1.07 مليار دولار للعامين المقبلين، بناء على طلب ترامب. قرار آخر أثار عاصفة من الجدل والانتقادات هو إغلاق وكالة الولايات المتحدة للإعلام العالمى (USAGM)، والتى تُشرف على إذاعة صوت أمريكا (VOA) و6 وكالات إعلامية حكومية أخرى، بحجة خفض الإنفاق الفيدرالى.

ومع تزايد نفوذ إدارة ترامب على كبرى الشبكات والصحف، تعرضت الساحة الإعلامية الأمريكية لموجة جديدة من التحديات. أحدثها، قيام شبكة «إيه بى سي» (ABC) التليفزيونية بإيقاف برنامج «جيمى كيميل لايف» الحوارى لفترة قصيرة، بعد أن أدلى المقدم الشهير بتصريحات حول اغتيال الناشط المحافظ تشارلى كيرك، انتقد فيها حركة «جعل أمريكا عظيمة من جديد» التى يقودها الرئيس، وتوجيه بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، تحذيرًا لاذعًا ينذر بعواقب وخيمة. ومع العودة المفاجئة لبرنامج جيمى كيميل، الذى حقق نسب مشاهدة عالية على الرغم من أن أكثر من 20 فى المائة من القنوات التابعة للشبكة قاطعت البرنامج، هدد الرئيس ترامب بمقاضاة القناة.

وسبق وألغت قناة «سى بى إس» (CBS) برنامج ستيفن كولبير بعد أيام قليلة من انتقاده لتسوية الشبكة لدعوى قضائية رفعها ترامب بشأن تعديلها لمقابلة فى برنامج «60 دقيقة» مع نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس، منافسة ترامب فى خريف العام الماضي. كما استهدف ترامب شركات التواصل الاجتماعى العملاقة، مدعيًا أن شركة Meta أوقفت برنامجها للتحقق من الحقائق جزئيًا بسبب تهديداته، والتى شملت سجن مؤسسها مارك زوكربيرج.

التحركات الأخيرة تسلط الضوء على جهود الرئيس الأوسع للضغط على الصحفيين وشركات الإعلام، والآن الكوميديين والمعلقين، للتوافق مع آرائه. بينما يرى أنصاره أن هذه الإجراءات تحمى البلاد من الإعلام المضلل والأخبار الكاذبة، فإن معارضيه يعتبرونها تقييدًا لحرية التعبير والصحافة فى البلاد. فى هذا السياق، أوضح الدكتور أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية، أن العلاقة المتوترة التى تجمع بين الرئيس ترامب والإعلام تعود إلى فترته الرئاسية الأولى. وأهم محطات تلك العلاقة، هو علاقته مع شبكات الإعلام مثل سى إن إن، سى بى سى، وإيه بى سى، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست. حيث يستشعر ترامب أن الشبكات الإعلامية الأمريكية تأخذ شكلا معارضا لسياساته. وهو أمر يثير ترامب لأنه لا يرغب فى تحدى السلطة أو الخطط التى ينتهجها، سواء السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية. كذلك البرامج الإعلامية الحوارية الليلية تقوم باصطياد مواقف لترامب بشكل حاد يستشعر فيها الرئيس الأمريكى أن المؤسسات الإعلامية تتعمد انتقاده وإرسال أخبار كاذبة عن كل سياسة أو موقف يتخذه.

وعن الجدل حول برنامج «جيمى كيميل» الشهير، قال «سنجر» إن إدارة ترامب طلبت من قناة «إيه بى سى» صاحبة برنامج جيمى كيميل بوقف عرض هذا البرنامج، وكان هناك رد فعل كبير من الجمهور وكافة مقدمى البرامج الحوارية بالولايات المتحدة بضرورة مساندة جيمى فى موقفه. وبعد توقف برنامجه لمدة قصيرة، عاد مرة أخرى لتقديم برنامجه؛ لكن ظهر كثير من الاضطهاد من ترامب وإدارته بعودة هذا البرنامج مرة أخرى وكأنها تحدٍّ لسياسته.

«سنجر» أكد أن ما يحدث يعطى انطباعا بأن هناك منازلات قانونية تلوح فى الأفق. وظهر ذلك جليًا بعد رفع الرئيس ترامب دعوى قضائية ضد صحيفة «وول ستريت جورنال»، مطالبًا بتعويض لا يقل عن 10 مليارات دولار لتناولها ملفات الراحل جيفرى إبستين التى لم يُفصح عنها ترامب بشكل كبير، مع وجود مطالب بالبحث والتدقيق فيما يتعلق بتواجد اسمه فى تلك الملفات، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكى محاولة لتشويه صورته وسمعته، والانتقاص منه بشكل كبير.

كما أضاف «سنجر» أن الوضع متأزم بين الرئيس ترامب والمؤسسات الإعلامية؛ لذلك شرع الرئيس الأمريكى لتشكيل لجنة من البيت الأبيض تكون مراقبة لكافة التجاوزات الإعلامية ضده وضد سياساته. وهو أمر بدأ يأخذ منحى مختلفًا باعتبار أن الرئيس الأمريكى يوجه سياسة استبدادية لإسكات المعارضة ضد كل ما يناقض أو ينتقد سياساته بشكل كبير. وهذه المعركة لا تنبئ بنجاح للرئيس ترامب باعتبار أن الولايات المتحدة تاريخيًا تتمتع بدرجة كبيرة من حرية الانتقاد للرؤساء، سواء ترامب أو غيره. لكن يبدو أن ترامب لن يستسلم بسهولة فى التعامل مع تلك التجاوزات، وسيدخل مع فريقه فى كثير من المنازعات القضائية فى المستقبل.

وعلى الرغم من إبداء المنظمات الدولية كالأمم المتحدة انتقادًا لسياسة ترامب تجاه الإعلام. لكن فى الحقيقة، يرى «سنجر» أن الرئيس ترامب لديه بعض النقاط الدقيقة فى مواجهة هذه المؤسسات؛ لأنها تنتقد شخصه بشكل كبير وحاد. وهذا أمر لا يستوى مع منصب الرئاسة الأمريكية بشكل أساسى. ومن ناحية أخرى، لا يتناسب مع فكرة دور الإعلام الذى عرفيًا يتمتع بدرجة كبيرة من درجات الحرية. ويبدو أن المؤسسات الإعلامية فى الولايات المتحدة غير مستعدة لهذه القيود، وتصمم بدورها على اتخاذ مواقف بها نوع من التحدى تحت عنوان سياسة ترامب لإسكات أصوات المعارضة.