رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لقاء خاص لـ«المصور» مع قائد قواتنا البحرية الفريق بحرى فؤاد ذكرى .. الطاقم المصرى الذى أغرق المدمرة إيلات


3-10-2025 | 16:35

.

طباعة
نشر فى 15 نوفمبر 1974

تحدث الفريق بحرى، فؤاد ذكرى قائد قواتنا البحرية إلى «المصور».

أنه يركز فى حديثه على معان ومعلومات جديدة تذاع اليوم عن معاركه فى حرب أكتوبر الماجدة.

لقد أبعدت مراكز القوى هذا المقاتل العملاق قائد سادة البحرين الأحمر والأبيض، عن مسرحه العسكرى بعد أن أغرق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» مستخدما الصاروخ البحرى لأول مرة أبعدوه عن قيادته البحرية يوم 12 سبتمبر عام 1969، مع اللواء أحمد إسماعيل رئيس الأركان أيامها، ثم عاد إلى قواته مكرما مع المشير أحمد إسماعيل على القائد العام للقوات المسلحة يوم 26 أكتوبر عام 1972، ليخوض أشرف الحروب وأعظمها فى أكتوبر 1973، ولتمتد ذراعه بقبضتها المتحكمة عبر أربعة آلاف كيلو متر أمام سواحلنا العربية.

هذه صفحات فخار من معارك البحرية الخالدة على مر الأيام..

قلت للفريق فؤاد ذكرى:

أعلن القائد الأعلى للقوات المسلحة أن قواتنا البحرية بدأت مهامها فى حرب أكتوبر 1973، قبل يوم 6 الخالد بعشرة أيام، ولم نفسر سبب ذلك للجماهير..

لقد تحركنا «مدمرات وغواصات وكاسحات ألغام ولنشات» إلى البحر الأحمر لغلق باب المندب، مبكرا حتى نقطع المسافة بيننا وبين منطقة الهدف فى هدوء، ودون أن يشعر العدو بنشاط يثيره، وحتى نكون فى تمام الاستعداد للعمل، ابتداء من 26 سبتمبر 1973، فإذا جاء يوم 6 أكتوبر ، كنا مالكين لجميع عناصر السيطرة على مداخل البحر الأحمر.

والمعروف أن حركة الغواصات أبطأ عن غيرها، من وحدات القوات البحرية.

قبل الحرب، هل أستطيع أن أقف على بعض ملامح الأيام التى سبقت 6 أكتوبر، خاصة وأن قرار القائد الأعلى بساعة الصفر أصدره الرئيس السادات فى عربتكم هنا بالإسكندرية؟

منذ عام 1967، وأيدينا فى النار، غير أن عملية إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة لنشات الصواريخ المصرية فى 21 أكتوبر 1967، رفعت معنويات مقاتل البحرية وأعتقد كل أبناء قواتنا المسلحة، بل وجماهير الشعب العربى بأكمله.

ومرت الأيام وبدأنا مهام مختلفة بعد ذلك، وكان للقدر الكبير من التفاهم الشخصى بين القادة على مستوى القيادة العامة.. خاصة طوال العام الذى سبق الحرب أثر كبير فى مناخ التفاهم العسكرى الذى جعل الرؤية أمامنا واضحة، وارتفع بحجم التعاون بين الأسلحة.. وعن نفسى كقائد بحرى فقد أسعدتنى هذه البيئة العسكرية التى كنا نعمل من خلالها فى واجبات التنسيق مع هيئة العمليات بقيادة الفريق محمد عبدالغنى الجمسى..

كان للبحرية نصيب كبير فى خطة خداع العدو، ولم يستطع أحد اكتشاف أهدافنا الحقيقية، وهذا عمل عظيم بالمقاييس العسكرية.

لقد خرجت قطعنا البحرية لتقوم بمناوراتها السنوية، ولما كانت مناوراتنا بالذخيرة الحية دائما، فقد قمنا بنقل الذخيرة والصواريخ فى هدوء وطريقة طبيعية، غير أننى أردت استكمال خطة التمويه، فقلت لمقاتلى الوحدات البحرية المختلفة، هذه المناورات اختبار عمل لما سيتم فى العمليات، اختبار أشبه بحرب فعلية، وكان قولى هذا تبريرا لكمية الذخيرة التى حملناها.

ولقد فهم كثيرون أن الحرب على الأبواب.

هنا أحب أن أسجل ملاحظة صغيرة..

قبل العمليات وفى اجتماعنا بالقائد الأعلى الرئيس أنور السادات نتدارس الخطة والتطبيق .. رأيته حريصا بالدرجة الأولى على تأمين الرجال من أبنائه المقاتلين خلال الحرب وعلى حماية القطع البحرية المختلفة من غارات الطيران الإسرائيلى، ولم يكن حرصه هذا من خلال مشاعره فقط بل من خلال بحثه العملى فى إيجاد وسيلة ناجحة لذلك، وإدراجها ضمن بنود الخطة، وكان له جهده فى تلك المهام من خلال اتصاله برؤساء الدول الشقيقة والصديقة لهذا الغرض.

لقد أرسلنا بعض قطعنا البحرية إلى بعض الدول العربية الشقيقة كجزء من الخطة وقبل فترة ليست بقصيرة، ذهبت لجنة من سلاحنا إلى كراتشى وطلبت تجريد الحوض الجاف لإجراء عمليات صيانة الغواصات، ودرسوا مع الأصدقاء الباكستانيين عملية القيام «بعمرة» لهذه القطع المصرية، وكان هذا من بنود خطة خداع العدو، كما أعددنا برنامجا لزيارة بعض مدمراتنا من دول عربية مطلة على البحر الأحمر، وسرى نبأ هذا البرنامج إلى الخارج، وهدفنا هو وصول المدمرات إلى مدخل البحر الأحمر الجنوبى والتمركز أمام باب المندب وفى نفس الوقت كانت الغواصات ماضية إلى مسرح عملياتها.

سكت القائد البحرى قليلا، وكأنه يستعيد الذكريات، ومال برأسه ناحيتى، وقال وهو يضمنا على كلماته:

ما يدعو إلى الفخر هو أن ما خططناه، نفذناه حرفيا، وهذا العمل يعكس صورة ممتازة للفكر والمستوى القيادى، فى التخطيط والتنفيذ، والروح التى تربط القوات البحرية، بالأسلحة الأخرى فى القوات المسلحة.

لم نخطط شيئا غير قادرين على تنفيذه، لم نحلم أو نأمل، بل درسنا، كل صغيرة من الواجبات القتالية فى الخطة العامة، طبقها المقاتلون على الواقع بجزئياتها كلها.

البحرية وبترول إسرائيل

قلت لقائد البحرية:

للبحرية المصرية خطة استراتيجية إلى جانب خطة هجماتها التكتيكية.. هل نستطيع أن نقترب من هذه الخطة؟

باختصار كانت شغل العدو على أطول وأكبر مواجهة بحرية وفى وقت واحد، مما يجعله عاجزا عن تغطية سلاحنا وانتشارنا فى كل هذه المناطق فيصاب بالتشتت فى طاقاته، فالبحرية ذات مسرح قتالى يختلف عن المسرح البرى وفى خطتنا الاسترتيجية عملنا على توسيع المسرح البحرى حتى بلغ 2000 كيلو متر فى البحر الأحمر، ونفس المساحة تقريبا فى البحر الأبيض، وجهدنا فى البحر الأحمر كان له تأثيره الكبير بفضل جغرافية الوطن العربى، وفى تلك المنطقة المطلة منه على البحر الأبيض جنوبا فالعدو كان يعتمد على بترول يرد له من الخارج مارا بالبر الأحمر عبر خليج العقبة، إلى إيلات ، ليضخ فى عسقلان والبحر الأبيض ثم يصدر إلى الخارج بعد ذلك فعملنا على تلغيم خليج السويس، وتجمد كل هذا النشاط الإسرائيلى على الفور وتأثرت أسعار البترول داخل إسرائيل بعد بدء العمليات الحربية بأيام قليلة، ليست أسعار التصدير فحسب بل أسعار السلع الأخرى أيضا، والبترول يدخل فى جميع صناعات إسرائيل.

حرمنا العدو أيضا من استغلال آبارنا البترولية شرق خليج السويس التى استولى عليها فى 1967، وقد استطاع رفع قدرتها الإنتاجية وكان مقدرا لها أن تصل هذا العام إلى خمسة ملايين طن، وبالتالى أصبحت إسرائيل بلا مصادر بترولية، كما اضطرت لتحويل خطوطها الملاحية البحرية عبر إفريقيا حول رأس الرجاء الصالح، وتعطلت خطوط العدو فى البحر الأبيض بنسبة 80 فى المائة و 100فى المائة بالبحر الأحمر من كثافة خطوط مواصلاته، ورفضت شركات التأمين العالمية تغطية خسائره فى الحرب وفى نفس الوقت تولت البحرية السورية طبقا للتنسيق المسبق العمل على تعطيل ملاحة العدو شرق قبرص.

وفى البحر الأحمر أغلقت المدمرات والغواصات واللنشات المصرية ألف ميل تقريبا أمام العدو.

هل حاولت بعض السفن أن تتهرب من الحصار؟

حاول البعض فى البحر الأحمر وأصيب، ولم يحدث أى تسلل أو تسرب فى البحر الأحمر، غير قطعة بحرية واحدة فوجئت بالحرب وكانت بالمياه وأصيبت هى الأخرى..

المهم.. استطعنا فى النهاية أن ننزع الشريان الحيوى لإسرائيل نزعا تاما، وهو اتصالها بالخارج عن طريق البحر، والملاحة الجوية لا يمكنها تعويضها ذلك الشريان المتمثل فى سفن الملاحة البحرية ومن هنا أقول إننا استطعنا توجيه لطمة قوية لأمن إسرائيل.

قام الفريق فؤاد ذكرى إلى البلكون الملحق بمكتبه، والمطل على البحر الأبيض ووقف قليلا يتنسم رائحة السفن كأنه يتزود بشحنات جديدة من المعنويات.

وحين عاد بعد دقيقة أو أكثر من الوقت قلت له هذا الخاطر..

وقال القائد:

لقد ظلت حركة الميناء فى الإسكندرية طبيعية للغاية طوال الحرب، وهذا فى حد ذاته أكبر وسام على صدر كل ضابط وكل جندى فى القوات البحرية وقد تعلقوا بكل ما هو متصل بالبحر، وكلما شعروا بتزايد قدراتهم فى السيطرة على وحداتهم زاد حبهم لعملهم، لا تعجب لذلك فإن من يخدم فى البحر مائة عام يرى كل يوم شيئا جديدا.

الكاب القديم

هل تعرف شيئا؟

أن ضابط البحرية يفخر بأنه يرتدى «كابا» قديما فوق رأسه، وقد خبت لمعية القصب بمقدمة الكاب نتيجة الملح فى البحر، معنى ذلك أن هذا الضابط من قدامى رجال البحرية، ساقه تعودت أكثر على البحر، داس البحر أكثر من غيره، وامتلك خبرات أكبر.. فالبحرية ذات عراقة مع التاريخ.. ولولا تدخل الاستعمار لما فقدنا تلك الفترة ما بين انتقال الأسطول من خشب وشراع إلى حديد وبخار، لقد كان لنا الأسطول الذى نفخر به أيام محمد على والمماليك، والقاعدة الجيدة لصناعة السفن الحربية، والفكر العسكرى الممتاز المتقدم على عصره، ثم تجمد كل هذا النشاط ، وأصبحنا دولة لا تنتج السلاح بل تستهلكه فقط، ورغم ذلك بقيت البحرية المصرية رائدة دائما بخبراتها وتطبيقاتها العملية وليست النظرية، وهى تطبيقات أدت إلى إرساء مبادئ جديدة فى فنون القتال بالبحر، أثبتت صلاحيتها وتفوقها.

كيف يا سيادة الفريق..؟

استخدمت البحرية المصرية أول صاروخ بحرى فى عملية إغراق المدمرة إيلات عام 1967، وجاءتنا برقيات تهنئة ليس من العرب فقط بل من جماهير عديدة فى استراليا وأمريكا وإنجلترا، ومن جامعات أمريكية، وإسبانية ، وفرنسية، فضلا عن جماهير الشعب العربى فى أنحاء الدنيا وكانت فرحتى كبيرة ببرقيات المصريين البسطاء منهم فى الدرجة الأول.. وأذكر أن بائعا متجولا من أبناء الإسكندرية اشترى مصحفا كبير الحجم وجاء به يهديه إلى قواته البحرية.

هذا الحدث العسكرى البحرى يعادل انقلابا فى موازين وتخطيط المستقبل، وثورة فى الفكر البحرى عالميا، وفى رأيى أنه يماثل الانتقال من مرحلة الشراع والخشب إلى مرحلة البخار والحديد.

إن البحرية المصرية أعلنت تطويرا عالميا فى فنون القتال البحرى يوم 21 أكتوبر 1967.

لقد تصارعت الوحدة البحرية الصغيرة والكبيرة، وانتصرت الصغيرة، وتبدلت نظريات الغرب وعملوا على تعميم الصاروخ البحرى فوق القطعة الصغيرة كسلاح أساسى للقوات البحرية .. ولكنى أعود وأقول إن هذا التطوير ينطبق عمليا على السواحل المصرية أكثر منها فى المحيطات.

وجاء عام 1973، وقامت أول معركة بحرية تصادمية فى تاريخ البحار بواسطة اللنشات، وأعطى أبطال لنشاتنا الصاروخية أروع صفحات الاقتدار والعلم والاستطاعة خلال عملياتهم فى حرب أكتوبر، وطبقوا كل برامج تدريبهم بأرقى الكفاءة والاستعداد لاستيعاب الخطة واتقان تحويلها إلى واقع حى بثبات إرادى حطم توازن العدو فى البحرين الأحمر والأبيض.

كم من الأعوام مضت ونحن نستوعب حرب الصواريخ؟

مع بداية الستينات دخلنا فى بناء قاعدة فنية تكتيكية صاروخية، وكان لا بد من فترة طويلة ليصبح لدى قواتنا قاعدة بشرية قادرة على سيادة السلاح، إن الصاروخ بلا المقاتل المدرب علميا ومدرب عمليا وتثقيفا يصبح قطعة حديد خردة، وسلاح البحرية فى أى مكان بالعالم لا يستطيع قطع طريق تطوره بخطوات سريعة، ولقد أصبح للبحرية المصرية فى السبعينات تكامل فى نوعياتها وقوة متزنة فى أسلحتها.

قبضة اليد المتحكمة

وقال الفريق، القائد وهنا أحب أن أسجل تلك الأعمال العريضة، والنشاط الضخم والجهد الجبار الذى قام به قادة آخرون، تولوا قيادة قواتنا البحرية قبلى، وأتيحت لهم الفرصة لإنجاز أعمال عظيمة على المدى الطويل، حتى بلغت قواتنا وهى تواجه أخطارا مستمرة فى السلم إلى جانب أخطار الحرب هذا المستوى القتالى الذى قاتلت به حرب أكتوبر.

إن نشاط البحرية يظل نشاطا جماعيا دائما – الكبير والصغير يتحولان إلى مقاتل واحد، التقارب بين الضابط والجندى المشفوع بضبط وربط جيد يولد أقوى الارتباط والتلاحم، ومن هنا يصبح طاقم الوحدة الذى أتقن واجباته، كقبضة اليد القوية المتحكمة..

لقد قلت لرجالى مشبها:

أن القائد بمثابة كف اليد، وأنتم أيها المقاتلون أصابع هذه اليد، والبحرية مثل بقية الأسلحة تمثل بالتالى أصابع فى قبضة يد قواتنا المسلحة.. قبضة لها تأثيرها فى جميع المجالات ضد العدو. نعود إلى معارك البحرية فى حرب 1973.. ليلة 8 و 9 أكتوبر بدأ العدو يجمع وحداته من موانئه لشرق بور سعيد ليوهمنا بأنه سيقوم بإبرار بحرى وكان ذلك فى حساباتنا، ثم وقعت معركة الصواريخ التصادمية بين دمياط والبرلس وحققت البحرية واحدة من أبرز معارك البحار وأول معركة بحرية تصادمية بالصواريخ.

لقد ضربت لنشات العدو فى أحد أيام الحرب بعضها البعض، وطائراته ضربت بعض لنشاتها نتيجة المناورة المصرية المتفوقة التى أصابته بالتخبط.. كان ذلك فى الخطة أيضا.

المدفعية الساحلية فى بور سعيد فتحت نيرانها على قوات العدو شرق البحر الأبيض.

وضربنا مواقع القوات الإسرائيلية الاستراتيجية فى رمانة وبالوظة ثم شرق بور فؤاد، ورأس برون، وعلى امتداد الساحل إلى رمانة دمرنا له محطة ردار لتوجيه طائراته دمرناها بالمدفعية الصاروخية، ثم استطلعنا بالقوة المنطقة بأكملها، استطلاعا شاملا نستطيع أن نطلق عليه مسحا شاملا بالقوة.

هذا على مستوى الجيش الثانى..

أما على مستوى الجيش الثالث، فقد قامت المدفعية الساحلية فى ميناء الأدبية بفتح نيرانها المعاونة على العدو ضمن خطة منسقة مع القيادة العامة وقيادة كل من الجيشين، وكان لنا مدفعية ساحلية متحركة، تعمل فى مواقع عديدة وتبادلية فعجز العدو عن قصفها، وفى منطقة الخليج اشتبكت المدفعية الساحلية والمدفعية الصاروخية فوق وحدات البحرية مع قوات العدو ثم قمنا بضرب المراكز البترولية فى الخليج، وبعد ذلك دمرت الصاعقة البحرية والضفادع البشرية أبار بلاعيم، ومخازن الوقود والذخيرة عبر تقاطع طرق خليج السويس ولغم هؤلاء الانتحاريون مداخل عديدة فى مراسى العدو البحرية وأهمها مدخل الطور، وانفجرت قطع بحرية إسرائيلية أمام عيون رجالنا، كما تولت اللنشات الصاروخية ضرب المواقع الفنية العدوة حول شرم الشيخ ومطاره الفرعى هناك وبعض مناطق إعاشة قواته، ومخازن ذخيرة هذه القاعدة الإسرائيلية المتقدمة للعدو فى البحر الأحمر.

ولقد حاولت ضفادعه شل حركة وحداتنا فى بور سعيد والغردقة، ولم يخرج ضفدع بشرى إسرائيل جاء إلينا حيا.. كل مسطحاتنا المائية تحت الحماية، وجاءت لنشاته تبحث عن ضفادعهم يوم 18 أكتوبر ليلا، وفتحت مدفعيتنا الساحلية عليها نيرانها، ثم نشرنا صور الضفادع الإسرائيلية وهم قتلى فوق أرصفتنا..

ومن هنا بقيت الحركة الملاحية من وإلى الإسكندرية سليمة مائة فى المائة، كما بقيت اقتصاديات الدولة واستمرت تدعميات المعركة بالسلاح.

سألت قائد قواتنا البحرية:

لقد صنعنا اللنش المصرى صناعة مصرية.

وقيل إنه اشترك فى حرب أكتوبر 1973 بكفاءة عالية.. إننى أطمع فى الحديث عن هذا العمل العظيم..

كان العقل المصرى متفوقا داخل السلاح، الابتكارات المصرية والإضافات التى قدمها رجالنا أعطت أجمل الأثر وأكبره خاصة فى مجال اللنشات..

بالفعل صنعنا اللنش المصرى، وطورنا فى استخدامات الصواريخ والمدفعيات وكانت هذه المهام محل دهشة واستفسار السوفييت والفرنسيين، وأذكر أننى قلت لأحد القادة العالميين الذين زارونا هنا بعد الحرب:

ليس النصر الذى حققناه مصدره سلاح معين، أو نابعا من استخدامات حديثة للتكنولوجيا كما يعتقد الناس، إن مصادر النصر فى حربنا المشروعة هى المقاتل المصرى بنسيجه البشرى، وستظل أهميته متزايدة كلما تقدمت فنون التكنولوجيا والإلكترون.

كان الجندى البحرى فلاحا أو جامعيا رائعا وهو يقاتل فوق الماء وطيران العدو مكثفا فوقه، لم يفكر فى حماية على الإطلاق.. وكان المصابون يعودون إلى وحداتهم ويقاتلون من جديد رغم إصاباتهم.. كنا جميعا فى أشد الحاجة مذاق النصر وقد طال شوقنا له.

القائد الأعلى

السيد القائد.

أحسست من حديثكم أن الرئيس السادات أعطى كثيرا من وقته لمعارك البحرية قبل 6 أكتوبر، واستعدادا لهذا اليوم.. هل يمكن أن تحدثنى عن القائد الأعلى وهو يخطط للمعركة؟

وكأن سؤالى أدهشه، فقد قال لى متعجبا:

وهل يتحدث قائد ما عن قائده الأعلى، المفروض عسكريا أن يتحدث القائد الأعلى عنا، لا نحن الذين نتحدث عنه!

عدت الح:

فقال القائد البحرى:

إنه من الناحية العسكرية قائد أعلى بكل ما تعنيه الرتبة، أقصد أنه قائد أعلى كمقاتل، استمر يستمع إلينا كثيرا فى الاجتماع الواحد كان يستمع من 3 – 5 ساعات وأكثر، ثم يتكلم فيركز على نقاط لها تأثير سياسى وعسكرى وينبه إليها، وهو كما يعلم كثيرون له ثقافته العسكرية النامية باستمرار، تلك إحدى ميزاته، وكل ما نبه إليه يعكس استيعابه للموقف العسكرى استراتيجيا ثم تكتيكيا، لم يطلب المستحيل من أحد قادته، بل طلب ما فى استطاعة كل منا، وثقته كبيرة جدا فى قادته، جعلتنا نحرص كل الحرص على صيانة هذه الثقة، وتنفيذ ما خططناه بصدق فى أكمل صور التنفيذ، وكقائد أعلى شاركنا المسئولية العسكرية، وهذه المشاركة لها دلالة لم يهتم أحد بدراستها حتى الآن ولذلك استمر جهدنا موجها إلى تنفيذ المهام لا إلى الحرص على حياتنا.

ولقد قلت لأبنائى ذات يوم بعد الحرب:

لم أر عاشقا لمصر مثله، لأنه عبر عمليا عن عشقه.

 

 

من هو .. قائد البحرية؟

من مواليد العريش، ٨ نوفمبر عام ١٩٢٣.

عاش طفولته وصباه فى الإسماعيلية .

تخرج فى الكلية البحرية عام ١٩٤٦.

قضى عاما بالكلية البحرية بعد ذلك، وكان التحاقه بها تحقيقا لرغبة شخصية.

التحق بالمدمرات ضابطا للمدفعية .

قضى عامين بين سفن الأسطول البريطانى فى البحر الأبيض.

حصل على بعثتين إلى إنجلترا درس فى الأولى جميع تخصصات البحرية، ثم تخصص المدفعية والطوربيد.

حصل على كلية الأركان من الهند.

قام ببعثة قيادة مدمرات إلى إنجلترا مرة أخرى عام ١٩٥٥.

حصل على فرقة دراسية عسكرية سوفييتية داخل قواتنا المسلحة، وهى فرقة قيادة وأركان بمستوى قائد تشكيلات، عام ١٩٦٣.

كان فى مقدمة خريجى الدفعة الأولى بأكاديمية ناصر العسكرية العليا مع المشير أحمد إسماعيل على والفريق محمد عبدالغنى الجمسى عام ٦٥- ٦٦.

تولى قيادة قواتنا البحرية فى ١٢ يونيو ١٩٦٧.

أخرجته مراكز القوى عام ١٩٦٩ .

عاد إلى القوات البحرية عام ١٩٧٢ .

قاد أول معركة يطلق فيها صاروخ بحرى فى تاريخ العسكرية العالمية، وهى معركة إغراق «إيلات» ٢١ أكتوبر ١٩٦٧، ثم أول معركة بحرية تصادمية بالصواريخ فى تاريخ البحر خلال حرب أكتوبر المجيدة .

الاكثر قراءة