رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مقترح ترامب لوقف الحرب في غزة.. حماس بين القبول والتعديلات والرفض المستبعد

30-9-2025 | 16:45

قطا غزة

طباعة
محمود غانم

تترقب الأوساط العالمية رد حركة "حماس" على مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد مشاورات مكثفة عقدها مع الجانب الإسرائيلي، والذي قبل بالمقترح، ملقيًا بذلك كرة إنفاذه أمام الجانب الفلسطيني، الذي يجد نفسه أمام شروط ثقيلة، لا سيما في ظل مسألة نزع السلاح وغياب أفق قيام الدولة الفلسطينية.

وفي ظل حرب إبادة مستعرة منذ عامين، أوقعت أكثر من 230 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، ولم تُبقِ حجرًا على حجر في القطاع الذي تحول إلى كومة من الأنقاض، تجد "حماس" نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالطرح الأمريكي لإنهاء الحرب، بما يعنيه من إنهاء ممارساتها السياسية ومقاومتها المسلحة، أو رفضه لتتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية بدعم أمريكي.

وتتمثل المعضلة الأبرز في الوقت الراهن في مسألة نزع سلاح "حماس"، إذ لطالما ربطت الحركة ذلك بقيام دولة فلسطينية، وهو أمر ضبابي في إطار المقترح الأمريكي، خصوصًا أن الرئيس دونالد ترامب وصف اعتراف الدول الأخير بالدولة الفلسطينية بالعمل "الأحمق"، فضلًا عن تأكيد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو رفضه قيام الدولة الفلسطينية خلال المحادثات.

كما نقل المقترح الأمريكي المعادلة من وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل مقابل تحرير الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، كما جرت في المفاوضات السابقة، إلى صيغة يكون فيها وقف إطلاق النار وحده مقابل تحرير الأسرى، بينما ربط الانسحاب بعملية نزع السلاح.

وينص المقترح كذلك على أن يكون حكم غزة بعد وقف الحرب موكلاً إلى هيئة انتقالية دولية جديدة تسمى "لجنة السلام"، سيقودها ويرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيًا، فيما ستعمل سلطة انتقالية مؤقتة عبر لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير مسيّسة لتولي إدارة الخدمات العامة والبلدية لسكان غزة، على أن يستمر الوضع حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على القطاع، دون تحديد موعد لذلك.

وفي المقابل، سلّمت مصر وقطر "حماس" خطة الرئيس الأمريكي بشأن إنهاء الحرب في غزة، وفق ما صرح به مصدر أمني مصري لقناة "القاهرة الإخبارية".

وبحسب المصدر، أكدت "حماس" للوسيطين المصري والقطري أنها ستدرس المقترح بإيجابية وموضوعية.

ومن المتوقع ألا يخرج رد الحركة عن ثلاثة سيناريوهات: القبول، وهو احتمال وارد، أو الرفض، وهو مستبعد، أو التقدم بتعديلات، وهو الخيار الأقرب استنادًا إلى التجارب التفاوضية السابقة.

وحال رفض "حماس" المقترح الأمريكي، فإن ترامب تعهّد لإسرائيل بدعمه الكامل لمواصلة حرب الإبادة في القطاع.

التعامل بذكاء

ويوضح الدكتور حسام فاروق، أستاذ الاتصال السياسي، أن المعلومات الحالية تشير إلى أن حركة حماس تلقت المقترح الأمريكي منذ ساعات في العاصمة القطرية الدوحة، وهي عاكفة على مناقشته.

ويرى فاروق، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن هذا المقترح إذا صاحَبته كلمة "موافقة ولكن" فسيتعثر، بينما إذا وافقت حركة حماس بشكل مباشر، فإن المقترح سيمرر. وأكد أنه إذا فكرت حماس في إضفاء تعديلات أو شروط على المقترح فسوف يتعثر، وسيستخدمه نتنياهو ذريعة لمواصلة الحرب.

وعليه، يؤكد أستاذ الاتصال السياسي أن المصلحة تفرض على حركة حماس الموافقة على الطرح الحالي ومحاولة الاستفادة منه، لا سيما أنه يعتبره أفضل من كثير من الطروحات السابقة، مثل المقترح الذي تضمن تحويل غزة إلى ما يشبه "ريفيرا الشرق الأوسط"، والذي استهدف تهجير الفلسطينيين من القطاع.

وسلّط الضوء على أن المقترح يتضمن وجود قوات دولية بمشاركة قوات فلسطينية، بالرغم من أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تحدث بعكس ذلك عقب لقائه مع ترامب.

ويلفت فاروق إلى أن هناك نقاطًا في المقترح يكتنفها الغموض، من بينها ما نصّ على وجود عناصر "تكنوقراط" من السلطة الفلسطينية وعناصر دولية تضم شخصيات عربية وأجنبية، معلقًا: "هذا الطرح بشكله الحالي يلقى قبولًا".

لكنه يستدرك: "حين ندقق فيه نتساءل: هل سيكون دور السلطة الفلسطينية أساسيًا بمساعدة الأطراف الدولية، أم شكليًا فقط؟ هذا أمر غير واضح".

كما تساءل عن سبب تصريح نتنياهو، عقب لقائه ترامب، بعدم وجود دور للسلطة الفلسطينية في مستقبل القطاع، وهو ما يخالف ما قاله الرئيس الأمريكي.

وفي ما يتعلق بمسألة الانسحاب من القطاع، أوضح فاروق أن المقترح نص على أن يتم ذلك "تدريجيًا"، وهو أمر غير كافٍ، مشددًا على أهمية أن يضع الجانب الأمريكي جدولًا زمنيًا واضحًا لهذا الانسحاب، لا سيما أن حماس ملتزمة بتنفيذ ما عليها بشكل فوري، خاصة في ملف الأسرى.

وعند الإشارة إلى أن عملية الانسحاب مرتبطة بنزع سلاح الفصائل، قال فاروق إن هذا أمر توافق عليه حماس إلى حد ما، مؤكدًا أنه لم يعد يمثل أزمة في ظل الضمانات التي حصل عليها قادة الحركة، بما في ذلك حرية مغادرة القطاع.

وبشأن الحديث عن مشاركة كل من توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وجاريد كوشنر، صهر ترامب، في إدارة القطاع، تساءل: "ما مدة هذه المشاركة وما دورها؟ هل نحن أمام نظام انتداب لقيادة قطاع غزة؟".

وأكد أن الاسمين يثيران رفضًا عربيًا واسعًا، فالأول ارتبط بتبرير الغزو الأمريكي للعراق، والثاني ارتبط بصفقة القرن، وهو ما يدفع ـ بحسب فاروق ـ إلى رفضهما.

وأضاف فاروق أن الخطة، باستثناء هذه النقاط، لا لبس فيها، خاصة أنها تواجه مخطط تهجير الفلسطينيين.

وبالنسبة لموقف حماس، يرى فاروق أنه في حال وجود تعديلات فمن الأفضل أن تُنقل عبر الوسطاء، بحيث لا تُطرح مباشرة من الحركة، حتى لا يتخذها نتنياهو ذريعة لمواصلة الحرب، لا سيما في ظل ضغوط اليمين المتطرف الذي يغلي بسبب الطرح الأمريكي.

وفي رده على سؤال: "ماذا لو رفضت حماس؟"، أكد فاروق أن هذا سيكون السيناريو الأسوأ، حيث ستطلق الولايات المتحدة يد إسرائيل في القطاع، وسنشهد عمليات متكررة من "عربات جدعون"، ما سيحوّل غزة إلى رماد، ويعيد إلى الواجهة مخطط تهجير الفلسطينيين، لذلك ـ يؤكد ـ يجب على حماس أن تتجنب هذا السيناريو.

رد مرواغ

وفي ذات الإطار، أكد الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث في العلوم السياسية، أن المقترح يتضمن غبنًا شديدًا لحركة حماس، وعليه فإنها لن تبدي موقفًا واضحًا تجاهه، إذ يرى أنها ستلجأ إلى المراوغة ولن تُقدِم على القبول أو الرفض بشكل مباشر، نظرًا للتبعات التي يفرضها كل خيار من هذين الخيارين.

وأوضح عبد المنعم، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن هذه المراوغة ستجري تحت أكثر من إطار، حيث سيكون المقترح غير قابل للنقاش بشكل واسع عند الحركة، وسيُعلَن عن ذلك في بيان يحمل أوجهًا متعددة، قد يتضمن في الوقت نفسه طلب إجراء تعديلات على بعض بنود المقترح الأمريكي.

ولفت إلى أن المقترح يواجه، إلى حد ما، مخطط تهجير الفلسطينيين، الذي يُعد أحد أكبر التهديدات التي نتجت عن هذه الحرب، معتبرًا أن التصدي لهذا المخطط يمثل من أبرز إيجابياته.

غير أن الخبير السياسي أشار، في المقابل، إلى أن المقترح يحمل مشكلات واضحة بالنسبة للدول العربية والأمم المتحدة، وكذلك لمسألة قيام الدولة الفلسطينية، لا سيما في ظل الاعترافات الدولية الأخيرة بها من دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا.

ويرى عبد المنعم أن إسرائيل معنية بمسألة إطالة أمد المفاوضات، وستحاول الاستفادة من عدم قيام حماس بالرد، حيث ستترجم ذلك كتكتيك في القتال يتيح لها إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف قادة الحركة، وإحداث خلخلة في الواقع داخل غزة، بما يدعم محاولاتها لتحرير الأسرى، الذين يشكلون ورقة ضغط داخلي قوية عليها، وفي الوقت نفسه يخففون من ضغط الرأي العام المحلي.

أما عن الموقف الأمريكي، فيستبعد عبد المنعم أن يكون على النحو الذي هدد به الرئيس ترامب، موضحًا أن الأخير قدّم ما قدّم، وهو مستعد لأن يطرح مبادرات أخرى تتخللها التهديدات، التي باتت جزءًا من سياسته المعتادة، في سبيل الخروج بأكبر قدر من المكاسب لصالح الجانب الإسرائيلي.

الاكثر قراءة