بعد مرور نحو ثمانية أشهر على تطبيق الخطة العاجلة للسكان والتنمية 2025 - 2027، والتى انطلقت بهدف تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية بحلول 2027 بدلا من 2030، الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة لشئون السكان وتنمية الأسرة، تتحدث لـ«المصور» عن تفاصيل الخطة العاجلة وما حدث منذ تطبيقها.
«د. عبلة» أكدت أن دعم القيادة السياسية أعطى دفعة قوية لكل الأطراف المعنية لتكثيف الجهود وتحقيق نتائج ملموسة، كما تحدثت عن مؤشرات تطبيق الخطة العاجلة وفى مقدمتها خفض معدل الإنجاب الكلى وتقليل عدد المناطق الحمراء الأكثر احتياجا.
كذلك، ركزت نائب وزير الصحة على ملف مهم وهو زيادة معدل الولادة القيصرية غير الضرورية وكيفية مواجهتها خلال الفترة المقبلة، كاشفة عن أن الدولة تتكبد ما يقرب من 5 مليارات جنيه سنويًا بسبب «الولادة القيصرية»، وحول تفاصيل هذه الأزمة وأمور أخرى كان الحوار التالي:
شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا واضحًا من جانب القيادة السياسية بملف القضية السكانية، كيف كان تأثير ذلك على طريقة تناول هذا الملف؟
هذا الاهتمام انعكس فى دعم كبير على المستويين المركزى والمحلي، حيث دفع القيادات التنفيذية وعلى رأسها السادة المحافظون إلى التعامل مع القضية باعتبارها أولوية محلية إلى جانب كونها قضية قومية، وهو ما عزز من جدية وفاعلية التنفيذ على الأرض، كما ساهم هذا الدعم السياسى فى تذليل الكثير من العقبات اللوجستية والإجرائية، وساعد على تسريع اتخاذ قرارات حاسمة كان يصعب تنفيذها من قبل، هذا فضلا عن أنه أتاح زخماً تشريعياً ساعد فى إعادة النظر فى قضايا شديدة الأهمية مثل الزواج المبكر والتسرب من التعليم، باعتبارها مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالقضية السكانية، وبالتالي، يمكن القول إن هذا الزخم السياسى أوجد بيئة مواتية للتعامل مع القضية بمنهج أكثر شمولية، وأعطى دفعة قوية لكل الأطراف المعنية لتكثيف الجهود وتحقيق نتائج ملموسة.
الخطة العاجلة للسكان التى بدأت منذ يناير العام الجارى إلى أين وصلت، وما دورها فى تنفيذ الخطة الاستراتيجية للسكان؟
الخطة العاجلة ليست منفصلة عن الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية، بل هى جزء لا يتجزأ منها، فقد أطلقت الخطة العاجلة كمسرع للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية؛ لتحقق أهدافها بنهاية 2027 بدلا من 2030، حيث تهدف إلى تسريع وتيرة العمل وتحقيق نتائج ملموسة على المدى القصير، بما يساهم فى إنجاح الأهداف طويلة المدى الواردة فى الاستراتيجية، وكما أشرتِ، بدأ تنفيذ الخطة منذ يناير العام الجارى بعد فترة من المجهودات التحضيرية التى بدأت منذ يوليو 2024 واستمرت حتى إطلاقها فى يناير 2025، بهدفين، تخفيض الإنجاب الكلى للمرأة إلى 2.1 طفل لكل سيدة وتحسين الخصائص السكانية، وقد ارتكزت على تغيير المؤشرات السكانية فى المناطق الحمراء التى تتدنى بها المؤشرات السكانية المركبة (29 مؤشرا سكانيا ترتكز على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والكثافة السكانية والإعالة والمواليد والوفيات وغيرها).
كم يبلغ عدد «المراكز الحمراء»؟
المراكز الحمراء تبلغ 74 مركزًا بمختلف المحافظات، وتمكنا بالفعل من إحداث نقلة نوعية فى 31 مركزًا، حيث انتقلت هذه المراكز من المنطقة الحمراء الأقل خصائص سكانية إلى المنطقة الصفراء المتوسطة فى مؤشر الخصائص السكانية، وهو تطور ملموس يعكس فعالية الخطة العاجلة، بحيث أصبح لدينا 7 محافظات بلا مناطق حمراء، وهذه ليست مجرد أرقام ولكنها قصص نجاح.
ما أهم مؤشرات الخطة العاجلة؟
أهم مؤشرات الخطة العاجلة واضحة ومرتبطة بشكل مباشر بتحسين الخصائص السكانية، وتشمل: رفع معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخاصة طويلة المدى بشكل ملحوظ لتقليل معدلات الإنجاب، وخاصة الإنجاب غير المخطط له والذى يمثل 20 فى المائة من المواليد فى مصر، أيضا خفض معدلات التوقف عن استخدام الوسائل خصوصًا فى السنة الأولى والتى تصل إلى 30 فى المائة، وهذا له أثر مباشر على تقليل الحمل غير المرغوب فيه، وهناك مؤشر مهم أيضا هو خفض نسبة الاحتياجات غير الملباة فى مجال تنظيم الأسرة، والتى تبلغ 13.8 فى المائة، بحيث تكون كل سيدة تحتاج خدمة تجدها متاحة بسهولة وبجودة عالية، هذا إلى جانب الحد من زواج الأطفال؛ كونه أحد أخطر مسببات تدهور المؤشرات السكانية والتعليمية والصحية، التركيز على الولادات الطبيعية الآمنة وخفض معدلات الولادات القيصرية غير المبررة طبيًا، وتحسين مؤشرات صحة الطفل، بما فيها خفض معدلات التقزم والأنيميا والسمنة. ووفيات حديثى الولادة، أيضا خفض معدلات التسرب من التعليم والأمية، بما يسهم فى رفع الوعى والقدرة على اتخاذ قرارات صحية، وكذلك زيادة معدلات تمكين المرأة اقتصاديًا وربطها بالتنمية البشرية والحد من الفقر متعدد الأبعاد.
كل هذه المؤشرات مترابطة، وتعمل مع بعضها لتحقيق هدف رئيسى هو خفض معدل الإنجاب الكلى والوصول لمعدل 2.1 بنهاية 2027 أسرع من الجدول الزمنى للاستراتيجية الوطنية للسكان.
بعد نحو ثمانية أشهر على بداية انطلاق الخطة كيف ترون الوضع، وهل سيطرأ جديد عليها بناء على المؤشرات التى تم التوصل لها؟
هناك متابعة مستمرة وجادة من قبل الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة، لتطبيق الخطة العاجلة بكل محاورها، وبعد مرور نحو ثمانية أشهر على بداية تنفيذها يمكن القول إننا بدأنا نلمس نتائج أولية مشجعة، خاصة فى انخفاض معدلات المواليد المسجل بشكل شهري، كما حدث تحسن فى المناطق التى صُنفت بالأكثر احتياجًا. فقد تم تكثيف التدخلات هناك، بما انعكس على زيادة التغطية بالخدمات الصحية وتنظيم الأسرة، وتحسن نسبى فى بعض المؤشرات المرتبطة بالخصائص السكانية.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات مرتبطة بمدى سرعة الاستجابة على المستوى المحلي، وبحاجة بعض التدخلات إلى تعزيز المتابعة الميدانية والتكامل بين الجهات. ومن هنا تأتى أهمية الاستفادة من المؤشرات التى تم التوصل إليها فى هذه الفترة لتصحيح المسار وتطوير آليات العمل.
وأريد أن أشير هنا إلى أن الخطة مرنة بطبيعتها وقابلة للتعديل وفقًا للنتائج المرحلية، وبالتالى من المتوقع إدخال بعض التعديلات أو التركيز بشكل أكبر على محاور بعينها فى ضوء ما أظهرته المؤشرات، لضمان تسريع وتيرة الإنجاز وتحقيق الهدف الاستراتيجى فى المدى الزمنى المحدد.
متى نلمس تغييرات واضحة فى ملف القضية السكانية؟
الحقيقة أن التغييرات أصبحت ملموسة بالفعل من خلال الأرقام والمؤشرات التى تحققت، ويمكن القول إن الوضع شهد تطورًا ملحوظًا يفوق حتى بعض السيناريوهات المتفائلة التى وُضعت فى البداية، فالمؤشرات السكانية بدأت تعكس تغيرات حقيقية، حيث ظهر تحسن فى معدل الإنجاب الكلى فى نهاية عام 2024 وصل إلى 2.4 لكل سيدة، وقد كان من المفترض أن يصل إلى 2.43 فى عام 2027 فى أحسن تقدير افتراضى طبقا لحسابات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وانخفاض نسبى فى معدلات المواليد على مدى 8 أشهر فى عام 2025 بأكثر من 55 ألف مولود، والتحسن واضح فى مختلف المحافظات ونحو 6 محافظات وصلت للمعدل المطلوب للمواليد 2.1 طفل لكل سيدة، أيضا استطعنا النزول بعدد المواليد السنوى لأقل من مليونى مولود، ففى 2024 عدد المواليد بلغ 1.9 مليون مولود، أيضا حدث تراجع فى معدل وفيات الأمهات، إلى جانب ارتفاع معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وهذه التغييرات لم يكن متوقعا حدوثها بهذه السرعة، وهو ما يمنحنا ثقة أكبر فى أن الخطة تسير على الطريق الصحيح.
كذلك شهدنا تطورات إيجابية على صعيد البطالة، خاصة بين النساء، وهو ما يعكس أن العمل على القضية السكانية لا يقتصر على جانب الصحة الإنجابية فقط، بل يرتبط أيضًا بتمكين المرأة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
لكن التأثير الأكبر والأوسع على المجتمع سيظهر تدريجيًا خلال السنوات القليلة المقبلة مع استمرار وتيرة العمل الحالية، الأهم أننا وضعنا الأساس الصحيح، وبدأت النتائج المبكرة تظهر، وهو ما يبشر بأننا نسير فى الاتجاه الصحيح نحو السيطرة على القضية السكانية وتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية.
وماذا عن مردود «الجولات الميدانية» المرتبطة بالخطة؟
الجولات الميدانية تُعد ركيزة أساسية فى متابعة تنفيذ الخطة السكانية على أرض الواقع. فهى تتيح لنا فرصة مباشرة لمعاينة مستوى الأداء، ورصد التحديات التى قد تواجه فرق العمل، والوقوف على أسباب أى قصور أو تدنٍ فى المؤشرات داخل بعض المناطق. كما تسمح لنا هذه الجولات بالتواصل المباشر مع مقدمى الخدمة والقيادات التنفيذية المحلية لمناقشة وجهات النظر وإيجاد حلول عملية وسريعة وكذلك قياس مدى رضاء المواطنين عن الخدمة المقدمة وتقييمهم لها.
الولادة القيصرية ملف مهم تعمل عليه وزارة الصحة، كيف يتم التعامل مع هذا الملف، وما نسبتها فى مصر، وكيف وصلنا لأعلى دولة فى العالم؟
بالفعل.. الولادة القيصرية من الملفات المهمة التى نعمل عليها الآن، ونسبتها فى مصر وصلت إلى حوالى 72 فى المائة، وهى من أعلى النسب عالميًا، مقارنة بالمعدل الطبيعى الذى يتراوح بين 10–15 فى المائة فقط، وهذه الفجوة الكبيرة نتجت عن عدة أسباب، بعضها مرتبط بمقدمى الخدمة الطبية الذين قد يلجأون أحيانًا إلى القيصرية لاعتبارات تتعلق بالوقت أو التسهيل، والبعض الآخر مرتبط بالثقافة المجتمعية السائدة التى أصبحت تميل إلى النظر للقيصرية باعتبارها «أكثر راحة» وأقل ألمًا من الولادة الطبيعية، فى ظل صورة سلبية ترسخت لدى الناس عن الولادة الطبيعية، والأرقام توضح أن الولادات القيصرية غير المبررة طبيا تكلف الدولة 5 مليارات جنيه سنويا، كما أن أعلى 6 محافظات فى الولادات القيصرية هى بورسعيد، كفر الشيخ، الغربية، الدقهلية، دمياط والإسكندرية، بنسب تتراوح من 80 فى المائة إلى 90 فى المائة مقارنة بالولادة الطبيعية، فى حين أن محافظة مثل قنا وتحديدا أبوتشت نسبة القيصرية نحو 30 فى المائة والطبيعية 70 فى المائة.
ما الإجراءات المتبعة لتحقيق هذا الهدف؟
من جانبنا، نعمل على هذا الملف من جميع الزوايا، تعزيز استعدادات المستشفيات بالأجهزة والأدوية المطلوبة وتوفير الإمكانيات اللازمة لدعم الولادة الطبيعية الآمنة، تدريب الأطباء بشكل أكبر، وشامل للقطاعين الحكومى والخاص، تفعيل دور القابلات لتوسيع نطاق الرعاية، التوعية المجتمعية وتغيير الصورة الذهنية.
ماذا عن ضبط «الولادة القيصرية» فى القطاع الخاص، وكيف سيتم؟
القطاع الخاص يمثل جزءًا كبيرًا من منظومة الولادة فى مصر، وبالتالى لا يمكن تحقيق أى تقدم فى ملف ضبط معدلات الولادة القيصرية من دون إشراكه بشكل فعال، ونعمل على محورين أساسيين: الأول، التوعوى والمهني: عبر تدريب الأطباء العاملين فى القطاع الخاص على اتباع الدلائل الاسترشادية الصادرة عن المجلس الصحى المصرى.
الثانى: التشريعى والرقابى من خلال مراقبة تنفيذ الضوابط الموضحة بالدلائل الاسترشادية، بحيث لا يتم اللجوء للولادة القيصرية إلا بوجود سبب طبى مُثبت، مع المرور الدورى والمتابعة الدقيقة من خلال لجان متخصصة، وإلزام المستشفيات الخاصة بتوثيق وتسجيل كل حالة قيصرية وأسبابها.
ثالثا: الميكنة وربط القطاع العام بالخاص من أجل إحكام الرقابة على تطبيق الدلائل الاسترشادية، هذا إضافة إلى وضع نظام مالى موحد لمقابل الولادة سواء كانت طبيعية أو قيصرية مع الإسراع فى الانتهاء من الخطة التنفيذية لقانون المسئولية الطبية من أجل بدء العمل به، وهدفنا هو خلق بيئة تنظيمية ورقابية وتوعوية متكاملة تجعل الولادة هى الطبيعية وهى الخيار الأول، أما القيصرية فهى عملية جراحية كبرى لها مضاعفاتها، ولا تستخدم إلا للحالات التى تستدعيها ضرورة طبية فى الطفل أو الأم أو كليهما.