تحمل الجمهورية الجديدة فى طياتها، ملامح لشتى المجالات، ليست صناعية أو تجارية أو عسكرية فقط، بل كانت أبرزها التنمية البشرية والاستثمار فى بناء الإنسان المصرى، ولعل ضمن أهم هذه الملامح، استيراد المنظومة التعليمية اليابانية، وتعميمها فى البلاد، عبر المدارس المصرية اليابانية، التى استحدثت «النظام التعليمى الجديد 2.0»، فهو بمثابة إصلاح تعليمى يركز على المهارات ويعتمد التفكير النقدى والإبداعى بعيدًا عن نظام الحفظ التقليدى، وهو فى الأساس جزء من رؤية «مصر 2030» التعليمية.
المدارس المصرية اليابانية، تنتهج فكرا دراسيا متطورا، يركز على بناء شخصية الطالب، يحقق السعادة والإبداع والتطوير العقلى والبدنى، معتمدًا على تطبيق الأنشطة اليابانية «التوكاتسو» و«مناهج ۲.۰»، لتوفير بيئة تعليمية متكاملة من خلال وسائل حديثة ومساحات للأنشطة التفاعلية، مع دمج التكنولوجيا وتعزيز التعلم النشط والمتعدد التخصصات.
«المصور»، وجدت مع بداية العام الدراسى الجديد، فرصة مُثلى، لإلقاء الضوء على يوم دراسى داخل هذا الصرح، الذى حول اليوم التعليمى إلى مهرجان إنسانى مليء بالبهجة والتعاون، الكبير يستقبل الأصغر سنًا بالهدايا التذكارية، بينما الابتسامات تزف الوجوه، ودفء الترحيب حاضر فى كل تفاصيل المشهد، فلا خوف من صغير ولا سلبية من كبير، الكل يتعاون محاطًا بالأنشطة والمسابقات فى أجواء تعكس الفلسفة الجديدة لبناء شخصية متكاملة للطفل المصرى، مع أنشطة يابانية تركز على العمل الجماعى والانضباط وتنمية المهارات الحياتية.
وقالت الدكتورة مروة البوهى، مدير المدرسة المصرية اليابانية بمدينة 6 أكتوبر، إن «عدد هذه النوعية من المدارس وصل إلى 69 مدرسة مع بداية العام الدراسى 2025 - 2026، وهناك خطة للتوسع لتصل إلى 100 مدرسة العام المقبل»، موضحة أن «المدارس تتوزع على كافة المحافظات من الإسكندرية حتى أسوان، بما فى ذلك المناطق النائية مثل قرية الشعراوى بحوش عيسى والوادى الجديد، وذلك لضمان وصول التجربة التعليمية المتميزة إلى مختلف أنحاء الجمهورية».
وأكدت أن دفعة 2025 تضمنت افتتاح 11 مدرسة جديدة ستبدأ الدراسة بها بحد أقصى منتصف شهر أكتوبر 2025، بعد استكمال التجهيزات النهائية، بينما أنهت المدارس العاملة بالفعل استعداداتها على أكمل وجه لاستقبال الطلاب، مضيفة أن الوزارة فتحت باب التوظيف للمعلمين والمديرين وفق معايير دقيقة تشمل المقابلات الشخصية ومستوى اللغة الإنجليزية والخبرة التربوية، مع استحداث مسمى «معلم متدرب» لخريجى الجامعات الجدد، بهدف إتاحة الفرصة لهم لاكتساب الخبرة.
وأضافت «البوهى» استمرارًا لتبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى للمشروع القومى لبناء الإنسان المصرى ليستطيع مضاهاة شعوب العالم بعلمه وقدراته، تسعى وزارة التربية والتعليم لتوفير منظومة تعليمية متميزة تشمل عدة مخرجات من أهمها المدارس المصرية اليابانية، ونحن نعمل لضمان مناخ إيجابى يشعر فيه المعلم والتلميذ وولى الأمر بالسعادة والفخر، ويتم تحفيز التلاميذ من خلال الأنشطة التى تنمّى المهارات الحياتية والقدرات الذهنية والجسمانية معًا. فلسفة هذه المدارس تقوم على تطوير شامل معرفيًا وغير معرفى وبدنيًا، مع دمج قيم النظافة والانضباط وتحمل المسئولية، بما يعزز الانتماء للوطن والقدرة على مواجهة المستقبل .
وأشارت إلى أن النظام المطبق هو «المناهج المصرية الجديدة 2.0» باللغة الإنجليزية، إلى جانب أنشطة «التوكاتسو» التى تسهم فى إعادة تشكيل نظرة المجتمع للتعليم عبر التركيز على المهارات بدلًا من الحفظ والتلقين، لافتة إلى أن النظام يهدف للتحول من المواد المنفصلة إلى محاور متعددة التخصصات، ومن التعلم الورقى فقط إلى الدمج بين الورقى والرقمى، مع جعل التعلم ممتعًا ومرتبطًا بحياة الطالب اليومية، موضحة أن المدارس تطبق أنشطة عملية متنوعة مثل اجتماعات الصباح والمساء التى يديرها الطلاب بأنفسهم، وأنشطة التنظيف وغسل الأيدى والأسنان، والتربية الغذائية، بالإضافة إلى مجالس الفصل والأنشطة المهنية، التى تبدأ من الصف الإعدادى، من أجل إعداد الطلاب لاختيار مسارهم الوظيفى المستقبلى.
وواصلت «البوهى»: أنشطة التوكاتسو لم تُدخل فقط النظام والانضباط إلى حياة الطلاب، بل جعلتهم أكثر ثقة وسعادة، وأصبحوا قادرين على قيادة النقاشات وتنظيم الأنشطة بأنفسهم، نحن لا نهدف فقط إلى تحسين التحصيل الدراسى، بل نسعى لبناء مواطن صالح يمتلك مهارات القرن الحادى والعشرين وقدرة التعلم مدى الحياة.
من جانبها، قالت فاطمة الزهراء يوسف، وكيلة المدرسة: أحد أهم أنظمتنا هو نظام التوتوراى، حيث يتولى الطلاب الأكبر سنًا دور الإرشاد والدعم لزملائهم الأصغر، نحن نؤمن بأن الطالب يتعلم من زميله أحيانًا أسرع مما يتعلم من معلمه، لذلك نعتمد على أنشطة جماعية يتشارك فيها الجميع، على سبيل المثال، طلاب الصف الخامس نظموا ورش عمل صغيرة للأطفال فى الصف الأول، ساعدوهم فيها على تعلم طريقة تنظيم الدفاتر أو ترتيب الفصول، هذا النظام يعزز لديهم قيمة العمل الجماعى، ويجعلهم أكثر مسئولية تجاه غيرهم.
وأضافت: الفكرة ليست مجرد أن يساعد الكبير الصغير، ولكن أن يشعر الصغير أن له مكانًا آمنًا يستند إليه، ويشعر الكبير أن له دورًا مهمًا فى المجتمع المدرسى، بهذه الطريقة نخلق بيئة تعليمية متكاملة، حيث لا يوجد طالب معزول، والجميع يعمل كفريق واحد.
أما ياسمين الخولى، الأخصائية النفسية، فقالت: هذه الأنشطة أحدثت فارقًا ملموسًا فى نفوس الطلاب، ولدينا حالات لطلاب كانوا يعانون من الخجل والانطواء فى البداية، لكن من خلال مشاركتهم فى الأنشطة التوكاتسو أصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، أحد الطلاب كان يرفض التحدث أمام زملائه، ومع الوقت أصبح من أكثر المشاركين نشاطًا، بل وتولى قيادة فريقه فى إحدى المسابقات، هذا يثبت أن الدعم النفسى المدمج بالأنشطة التربوية قادر على إحداث نقلة حقيقية فى شخصية الطالب.
وأشارت «الخولى» إلى أن «المدرسة تضع خطة واضحة لدعم الصحة النفسية، ونعقد جلسات حوارية مع الطلاب نسمح لهم فيها بالتعبير عن مخاوفهم ومشكلاتهم، كما أننا ندمج أنشطة فنية مثل المسرح والرسم التى تساعد الطلاب على إخراج طاقتهم بشكل إيجابى، كل هذا يجعل المدرسة مكانًا يشعر فيه الطفل بالأمان، بعيدًا عن الضغوط أو الخوف».
رانيا حسنى، الأخصائية الاجتماعية قالت إن: المدرسة أصبحت بالفعل بيتًا ثانيًا للطلاب، ونحن نحرص على أن تكون المدرسة مساحة يجد فيها الطلاب الدعم والتشجيع، لذلك ننظم أنشطة اجتماعية متنوعة، مثل اليوم الرياضى، وحملات النظافة، وزيارات دور المسنين، هذه الأنشطة تعزز لدى الطلاب قيم الانتماء والمسئولية الاجتماعية، فالطالب عندما يشارك فى حملة لتنظيف فناء المدرسة، يدرك أنه شريك فى المكان وليس مجرد متلقٍّ للخدمة.
وأكملت: نحن نركز أيضًا على حل المشكلات الاجتماعية داخل المدرسة بشكل فورى، إذا كان هناك خلاف بين الطلاب، نحرص على التدخل من خلال جلسات حوارية، لنُعلمهم كيف يحلون مشكلاتهم بأنفسهم بالحوار والاحترام، الهدف ليس فقط إنهاء الخلاف، بل غرس قيمة التسامح والتعاون فى نفوسهم.
وفى السياق ذاته، علّقت نادية عزت، مدرسة مادة العلوم، قائلة: «أنا فخورة جدًا بطريقة تدريس مادة العلوم هنا فى المدرسة، لأنها مختلفة تمامًا عن أى مكان آخر، فنحن لا نعتمد على الحفظ، لكننا نربط كل تجربة علمية بحياة الطفل اليومية، الطالب يزرع نباتًا ويتابع نموه، يستخدم الميكروسكوب بنفسه، ويعمل تجارب بسيطة يربطها بالبيئة المحيطة به، وهذا ما يجعل العلوم مادة ممتعة وليست صعبة».
واختتمت: لدينا نشاط التشكيل المهنى، ويجعل الطلاب يجربون بأنفسهم مهنًا مختلفة مثل الزراعة والتجارة والصناعات البسيطة، وهو ما يساعدهم فى اكتشاف ميولهم مبكرًا. أما بالنسبة لمشروعات التخرج، فهى واحدة من أهم الأمور التى تميز المدرسة؛ لأن الطلاب يعرضون ابتكارات وأفكارًا جديدة مثل إعادة تدوير المخلفات أو مشروعات لترشيد استهلاك الطاقة، وهذا يدل على أن التعليم هنا ليس نظريًا فقط، لكنه تعليم تطبيقى عملى، يغرس فى الطالب حب البحث والاكتشاف .
أما الطلاب أنفسهم، فكان لهم نصيب فى التعبير عن تجربتهم داخل المدارس المصرية اليابانية، فقالت مريم، طالبة بالصف الرابع: «أنا أحب التعامل مع الأطفال الصغار، وهنا فى المدرسة يتم السماح للطلاب الكبار فى مساعدتهم وتنظيم حفلات ومسابقات، وهو ما يجعلنى أستشعر المسئولية وما علىّ من واجبات».
ومن طلاب الصف الخامس، قال أحمد محمد السيد: «أنا عاشق للأنشطة التى تقدمها المدرسة، مثل التوكاتسو، كونها جعلتنى أكثر ثقة بالنفس، وبعد ما كنت أشعر بالانطواء الاجتماعى، بدأت أشارك وأصبحت شخصية معروفة بين زملائى».