رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«البطاريات الرملية».. تكنولوجيا الفراعنة تعود من جديد


27-9-2025 | 11:25

.

طباعة
تقرير : منة خضر

فى الوقت الذى تتسابق فيه دول العالم لإيجاد حلول لأزمة الطاقة وتداعيات التغير المناخى تبرز «البطارية الرملية» كأحد أهم الابتكارات التى أثارت اهتمامًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، وهذه التقنية لا تقدم فقط حلًا عمليًا نحو مستقبل أكثر استدامة، بل تفتح نافذة تربط بين رؤية عصرية وعبقرية المصرى القديم الذى أدرك خصائص الرمال فى امتصاص الحرارة ليضع الأساس لفكرة يعيد العلم إحياءها بطرق أكثر تطورًا.

 
 

المهندس عادل عمران، الباحث فى مجال هندسة الطاقة والبيئة، أوضح أن «البطارية الرملية تقوم على فكرة بسيطة لكنها فعالة؛ نستخدم الكهرباء الناتجة عن الشمس أو الرياح لتسخين كميات ضخمة من الرمال حتى تصل حرارتها إلى نحو 600 درجة مئوية. هذه الحرارة تظل مخزنة لأسابيع وربما لأشهر كاملة دون فقد كبير، ويمكن استخدامها مباشرة فى الصناعات أو تحويلها لاحقًا إلى كهرباء».

«اختيار الرمال لم يكن عشوائيًا»، حسبما أكد «عمران»، الذى أضاف أن «الرمال مادة متوفرة ورخيصة، لكنها فى الوقت نفسه تمتلك قدرة هائلة على تخزين الحرارة لفترات طويلة بخلاف بطاريات الليثيوم المنتشرة حاليًا، فهى لا تعتمد على معادن نادرة، ولا تخلّف أضرارًا بيئية عند التخلص منها. لذلك نحن نتحدث عن حل مستدام اقتصاديًا وبيئيًا».

خلال التجارب الدولية، أثبتت التقنية فاعليتها. ففى فنلندا، شُيِّدت أول محطة من نوعها لتدفئة مدينة كاملة باستخدام البطارية الرملية. وهنا أكد «عمران»، أنه «إذا استطاعت فنلندا بشتائها القارس تطبيق هذه التجربة بنجاح، فمصر أولى بها، خاصة مع وفرة الرمال والشمس وارتفاع الطلب على الكهرباء فى الصيف».

الأرقام تدعم هذه الرؤية. فقد وصل استهلاك الكهرباء فى مصر عام 2024 إلى أكثر من 15 مليار كيلو وات ساعة شهريًا، وقفز الطلب فى أشهر الذروة بنحو 12فى المائة مقارنة بالعام السابق، وهو ما دفع الحكومة إلى اللجوء

لتخفيف الأحمال، وقال «عمران»: «لو تمكنا من استخدام البطارية الرملية لتخزين الفائض من الطاقة الشمسية نهارًا، يمكن تعويض جزء من الضغط الهائل على الشبكة مساءً، خصوصًا مع استهلاك التكييفات».

الباحث فى مجال هندسة الطاقة و البيئة، لفت إلى أن «القطاع الصناعى مرشح قوى للاستفادة من هذا الابتكار بالأخص صناعات الأسمنت والحديد التى تستهلك كميات ضخمة من الطاقة الحرارية، حيث يبلغ استهلاك مصر من الغاز الطبيعى نحو 57 مليار متر مكعب سنويًا، فالاعتماد على البطاريات الرملية يقلل تلقائيًا الاعتماد على الوقود الأحفورى وخفض التكاليف والانبعاثات. وتوفير جزء كبير من الغاز الطبيعى للتصدير».

وتشير البيانات إلى أن إنتاج الكهرباء فى مصر يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري؛ إذ يُولَّد نحو 88 فى المائة من الكهرباء من الغاز والنفط، بينما تبلغ مساهمة الطاقة النظيفة قرابة11فى المائة ويظهر توزيع الاستهلاك أن القطاع السكنى يستحوذ على 42 فى المائة من الاستهلاك الكلى للكهرباء، بينما تستهلك الصناعة حوالى 28 فى المائة من الطاقة.

ويتماشى هذا الابتكار مع رؤية مصر2030 التى جعلت من التحول الأخضر أحد أعمدتها الرئيسية تحت رعاية وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أولى ملف الطاقة المتجددة أولوية قصوى، فالدولة تستهدف رفع مساهمة الطاقة المتجددة من 11 فى المائة إلى 42 فى المائة بحلول عام 2035.

لكن ما يجعل التجربة أكثر أهمية ارتباط «البطاريات الرملية» بجذور تاريخية تؤكد أن المصريين القدماء لم يكونوا مجرد بناة معابد و أهرامات بل علماء سبقوا عصرهم فى فهم خصائص الرمال والحرارة، وهو ما أوضحته سارة سيد عبدالرحيم،أمين متحف بمتحف المركبات الملكية، بقولها : أثبتت الدراسات الأثرية أن الجدران الطينية والرملية التى استخدمت فى العمارة المصرية والتى يقل سمكها بين 50:40 سم كانت تعمل كخزان طبيعى للحرارة والتحكم فى المناخ الداخلى للمنشآت، إذ تمتص الجدران الطاقة الحرارية من الشمس خلال النهار ، وتطلقها تدريجيًا بالليل لتحافظ على درجة حرارة مستقرة داخل المقابر والمعابد.

وأوضحت أن «الأدلة الأثرية لا تقتصر على الجدران وحدها بل يظهر الوعى الوظيفى لدى المصرى القديم فى اتجاه المبانى, تصميم الفتحات, تقسيم المساحات الداخلية، كلها شواهد على إدراك عملى لخصائص الرمال والطين كمواد عازلة وخزان طبيعى للطاقة وإن لم يتم التعبير عنها بمصطلحات علمية كما نفعل اليوم، ومن هذا المنظور يمكن اعتبار استغلال الفراعنة «للرمال والشمس» شكلاً مبكرًا من الاستدامة فبموارد محلية متوفرة استطاعوا تقليل الحاجة لمصادر خارجية للطاقة وتحقيق كفاءة بيئية واقتصادية فى زمن لم يكن يعرف معنى التغير المناخى أو الانبعاثات الكربونية.

كما أكدت أن «الربط بين هذه الممارسات القديمة والتكنولوجيا الحالية يمنح مصر ميزة استراتيجية مزدوجة، فمن ناحية تمتلك الدولة موارد طبيعية هائلة إذ تغطى الرمال 90فى المائة من مساحتها ويصل معدل سطوع الشمس إلى أكثر من 3 آلاف ساعة سنويًا، ومن ناحية أخرى تستطيع تقديم البطارية الرملية للعالم كامتداد حضارى لفلسفة عرفها المصرى القديم منذ قرون وليست مجرد مشروع تقنى مستورد، فالدولة التى حولت الرمال قديمًا إلى أساس لعمارة خالدة تمتلك اليوم كل المقومات لتحويل العنصر نفسه إلى خزان إستراتيجى للطاقة النظيفة يضعها فى موقع متقدم على خريطة التحول العالمى نحو مصادر أكثر استدامة».

 

الاكثر قراءة