انتشار كاذب وسيطرة وهمية
بالبحث حول دور الإعلام الإخوانى فى المؤامرة على الشعب المصرى، سنجد أن المرحلة الأخيرة هى أخطر مراحل المؤامرة والخداع التى مارستها الجماعة، بدأت هذه المرحلة مع ظهور الإنترنت والتطور التكنولوجى واستخدامه كإحدى الأدوات الإعلامية، فلم يعد التجنيد للجماعة يتم بالأساليب التقليدية، ولا الحشد والتعبئة للمظاهرات أو الترويج لقوائم الإخوان فى الانتخابات المختلفة، بل أصبح عن طريق الإنترنت والفضاء الإلكتروني. لذا أنشأوا العديد من المواقع الإخبارية المختلفة مثل «إخوان أون لاين» وموقع «إخوان سيت كوم» وإخوان ويب النسخة الإنجليزية، وبعض المواقع التى تتبنى خطابات الإخوان وتوجهاتهم، تمكنت الإرهابية من خلال هذه المنظومة الإلكترونية المتكاملة من إرساء وجود قوى لها على ساحة الإعلام الرقمى.
ثم مع ظهور «تطبيق الفيس بوك»، استخدمه الإخوان بكثافة، ويمكن القول إنه إحدى أدوات الجماعة للتحرك مع بدء ما يسمى «أحداث الربيع العربي» وانتقاله إلى مصر، فوقتها أمرت الجماعة أتباعهم بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعى، ثم فى مرحلة تالية أمروهم بزيادة هذه الحسابات تحت أسماء وهمية أو رمزية، على أن يكون للفرد الإخوانى ثلاثة حسابات على الأقل فى التطبيق الواحد، وكان المطلوب هو نشر كل أخبار الجماعة فى كافة المواقع وتبنى خطابها الدعائى، إضافة لعشرات المواقع على تليجرام، هذا الانتشار الكاذب والسيطرة الوهمية دفعت مخابرات دول إقليمية الاعتماد على الجماعة فى تنفيذ مخططاتهم لإضعاف الدولة المصرية فى الإقليم، وتم استئجار قدرات الجماعة لصالح مشاريع للسيطرة على المنطقة ومنها مصر.
إعلام الإرهابية والمعركة ضد مصر
سقط إعلام الإرهابية وتبين للشارع المصرى أنهم جماعة غير وطنية، وأنهم لا يستحقون مساندة الشعب المصرى لهم، فثاروا عليهم وخرجت الملايين فى الشوارع ترفض حكمهم وترفض وجودهم فى الحياة السياسية والاجتماعية، متجاوزين النخب التى كانت تقف موقفا مائعا ضبابيا غير واضح، لكن الشعب المصرى بموقفه الواضح والصريح أجبر الجميع على اتخاذ موقف رافض ضد الجماعة ورموزها وخطابها الإعلامى، فشل إعلام الجماعة فى غسل سمعة الجماعة، أو كسب متعاطفين معها، وبدأ المصريون فى نزع أقنعة الجماعة.
بسبب عزل «محمد مرسي» الرئيس الإخوانى، دخلت الجماعة وإعلامها معركة صفرية مع الدولة المصرية، استخدمت فيها عشرات الصفحات الإلكترونية لحشد أتباعها فى مظاهرات ضد الدولة، ودعوتهم للعصيان المدنى، بالإضافة إلى العديد من الحملات الإلكترونية الدعائية ضد الجيش والشرطة، ولنجاح المعركة أنفقت الدول الراعية للإرهابية ملايين الدولارات لتكوين شبكة إعلامية متكاملة ومتنوعة قادرة على خوض المعركة التى استهدفت وعى الشعب المصرى والتأثير فيه.
القنوات الفضائية والكذب المفضوح
بعد هروبهم من مصر بناء على طلب الدول الراعية لهم أسسوا العديد من القنوات الفضائية، مثل (مكملين والشرق ووطن) من تركيا، واستكمالاً للمنظومة الإعلامية الجديدة ولدورها الوظيفى الجديد، لجأت الجماعة إلى أذرعها الإعلامية فى الغرب لنقل خبراتهم فى مجال الإعلام الرقمى، وثقافة وأهمية الصورة والكوميك والقصص الصغيرة والانفجراف المزيف، وكل هذه الأدوات تحتاج إلى تمويل ضخم أكبر من قدرات الجماعة لتوظيف المذيعين والمحررين والمحللين ومصممى الجرافيك لزوم تزييف الأخبار، والعاملين فى مجال القرصنة، ومديرى غرف التصدى، وصناع المحتوى والهاشتاجات التى تنال من مصر حكومة وشعباً.
وهنا تظهر شخصية إخوانية غامضة ومريبة هو «عبد الرحمن أبو دية» واسمه الحركي «أبو عامر»، يرجح البعض أنه من أصول فلسطينية وحاصل على الجنسية البريطانية، ويعد إحدى ركائز التنظيم الدولى وحلقة الوصل بين المخابرات البريطانية لتسهيل وتشهيل خدمات الإخوان الإعلامية، وأحد المتحكمين فى توزيع الأموال على المراكز الإعلامية والقنوات الفضائية التابعة للإرهابية، كما تظهر أسماء أخرى مهمة فى إدارة المنظومة الإعلامية الإخوانية مثل: «عزام التميمى» القيادى بالتنظيم الدولى للإخوان، وأنس المقداد القيادى فى التنظيم الدولى أيضا، و»أحمد عبده» مدير قناة مكملين، و»أحمد عبد الرحمن» و»أحمد الشناف» من القيادات المصرية الهاربة بتركيا.
الشائعات والتحريض ضد مصر فقط
فشلت الإرهابية فى صدامها المسلح بالدولة المصرية وخسرت كل معاركها الميدانية، وبعد عدد من المواجهات تبين ضعف قدرات الجماعة التنظيمية، نظرًا للضربات الأمنية الناجحة ضد عناصر الجماعة الإرهابية، وفشل هذه المواجهات لا يعطى مساحة للكذب والترويج للجماعة أو مهاجمة النظام فى مصر، هنا اُتخذ القرار فى نهاية 2017، بالتوسع فى استخدام الفضاء الإلكترونى فى المعركة ضد مصر، والتوقف المؤقت عن التواجد الميدانى سواء بالتظاهرات أو بالعمليات المسلحة للجان النوعية؛ وكان الدافع لاختيار الفضاء الإلكترونى كميدان للمعركة، أنه أقل تكلفة وأسهل فى التواصل وأكثر سرية وأعلى أمانًا وأسرع انتشاراً. عقدت الجماعة أكثر من لقاء لوضوح الرؤية، وتم اعتماد الأساليب الجديدة ضمن المعركة الرقمية ضد مصر، وتحت اسم (استراتيجيات القوة الناعمة) تم تدريب عناصر الجماعة على شن الحملات الإعلامية، والترويج للجماعة والتجنيد عبر المنصات الإعلامية الإخوانية.
استهدفت الآلة الإعلامية مصر، باعتبارها الساحة الأهم والمستهدفة من كل أنشطة المنصات الإعلامية للإرهابية، وضخت المنصات الإخوانية ترسانة من خطابات والتعابير الملتبسة بين الدين والسياسة، للقصد فى التأثير على مشاعر المتابعين العاديين، مع التركيز على شخص الرئيس المصري؛ خوفًا من التفاف النخب العربية حوله وتحوله لزعيم تاريخى، لما يقدمه من نموذج فريد فى إدارة الدولة وقيادة الشعب والعبور بهما عبر منحدرات خطرة إقليمية ودولية ومحلية، لهذا تم تكثيف كميات الأخبار الكاذبة المتداولة عنه وعن إدارته، وهى آلية تستهدف إغراق المتابعين بمجموعة ضخمة من المعلومات المكذوبة، والشائعات، التى يصعب على المتابع التأكد من مصداقيتها، فيتوقف عن الإعجاب أو الفرح أو المساندة والدعاية لأى إنجاز من إنجازات الدولة والرئيس، سواء محلياً أو دولياً، وأرادت الجماعة عبر مراكمة تلك الأكاذيب صناعة وعى زائف يجعل الصواب خطأ والخطأ صوابا، ليتوقف البعض عن الافتخار بمصريتهم أو الدفاع عن وطنهم، فقد روجوا عبر الهشتاجات أن من يفعل هذا يعد منافقًا، وأن علامة حب الوطن، أن يسب المواطن وطنه ويفتخر بدول أخرى، والاصطفاف مع أى دولة ضد الدولة المصرية، وأن أعلى درجات الوطنية والانتماء هى أن ترفع أعلام دول أخرى.
تكتيكات المنظومة الإعلامية الإخوانية.. الحشد وإدارة المعارك الرقمية ضد الدولة
لا تعمل منظومة الإخوان الإرهابية بعشوائية، بل تعمل وفق مخطط مسبق وتقنيات عالية، تتبنى خطابًا موجَّهًا للفئة الأكثر انتشاراً فى المجتمع وأغلبها من الشباب غير المؤدلج المهتمين بالرأى العام ولديهم حماس ورغبة فى التظاهر والاعتراض على الأوضاع، فقدموا لهم مواد بصرية وسمعية تركز على ملفات معينة بتكرار ملحوظ، فمن أجل كسب التعاطف مع الإرهابية قاموا بنشر قصص تبرز مظلومية الجماعة، وتسوّق لشرعية نشاطها السياسى، وتقدم الإخوان ككيان يحمل «الإسلام الصحيح»، وأن هذا هو سبب خلافاتهم مع كل الأنظمة، وأنهم لم يحصلوا على فرصتهم وأنهم لم يفشلوا؛ لعل هذه الفئة التى تتسم بالسيولة التنظيمية تنضم إليهم فى الترويج ضد الدولة المصرية.
ومن أجل زعزعة الاستقرار، قاموا بنشر الشائعات حول أى إنجاز حقيقى للدولة، فكثيرًا ما أوهموا متابعيهم أن الدولة ستشهر إفلاسها، وأن الاقتصاد ينهار، وأن السلع ستختفى، وضخموا من الأزمات الاقتصادية الحقيقية، ومن ثم طالبوا الشارع بالخروج فى مظاهرات لوقف هذا الانهيار وإنهاء النظام الحالى المتسبب فى معاناة المصريين، ويقصدون من هذا الحشد إعادة الفوضى الأمنية، ليتسللوا بين صفوف المصريين وإعادة الدولة والمجتمع «للمربع صفر»؛ حيث الانقسام والاستقطاب وقتل كل فرصة للتوافق الوطني. كما طعنوا فى الدستور والانتخابات، قاصدين سحب الشرعية من النظام الحالى، وإثبات استحقاقهم للحكم وعدم أحقية الشعب فى الخروج عليهم، كما شوهوا كل الرموز المجتمعية سياسية أو إعلامية.
التحريض فى المحافل الدولية كورقة ضغط على مصر
لم يقف خطاب الإخوان الإعلامى عند هذا الحد بل وصل إلى حد التحريض على الدولة فى المحافل الدولية، فقد ظنوا أنهم بتدويل القضايا الداخلية المحلية، يمكن أن تكون ورقة ضغط على متخذ القرارات فى الدولة؛ إذ سعت الجماعة وإعلامها لنقل الصراع المحلى إلى ساحات دولية لكسب تعاطف وضغط خارجى، والتشويش على صورة الدولة فى الخارج.
جاءت الحرب على غزة فرصة لإعلام الإخوان لممارسة شذوذه الفكرية، فبدلا من مساندة الدولة المصرية فى قرارها الحكيم بعدم تهجير الفلسطينيين، هاجموها وشنوا معركة إعلامية تحت مزاعم مساندة القضية الفلسطينية، فقاموا بإغلاق السفارات المصرية بأوروبا، وشنوا حملة دعائية مدفوعة الأجر لتحويل مصر من مساندة وداعمة وضامنة للقضية الفلسطينية، إلى جانية تُغلق المعبر وتعمل على تهجير الفلسطينيين، أما الجانى الحقيقى السفاح قاتل الأطفال والمدنيين والأبرياء لم يذكروه، حتى ينساه الناس ولا يوجهوا له أى اتهام فى المستقبل.
كل هذا ولم تحصد الإرهابية إلا الفشل
ورغم الأموال التى تدفقت عليهم، ورغم حشد كل الإمكانات البشرية والمادية والمعنوية، إلا أن المنظومة الإعلامية الإخوانية فشلت فشلًا ذريعًا فى تحقيق أى من أهدافها، ولا يعود الفشل لقلة التمويل أو قلة الكوادر، أو قلة المنصات أو عدم تنوعها، إنما لصلابة الشعب المصرى وتماسكه ويقينه أن الجماعة بجبهاتها المتصارعة تقدم خطابًا إعلاميًا كاذبًا، مليئا بالشائعات، لم يكن فى يوم من الأيام لصالح الدولة المصرية ولا الشعب، فلم يستجيب المصريون لأى دعوة من دعواتهم للاحتشاد والتظاهر وللعصيان المدنى، أو نشر الفوضى الأمنية ولم يقتنع أحد بمظلومية الجماعة، ولم ينفض الشعب عن قيادته السياسة، ولم يفقدوا ثقتهم فى قواتهم المسلحة، ولا فى منظومتهم الأمنية، ولا فى قضائهم المستقل، لذا لم ينضم لهم ولم يتأثر بخطابهم الإعلامى إلا بعض الشباب البسطاء الذين لم يعاصروا جرائمهم فى 2011، والذين خدعوا فى خطابات المسْكنة وادعاء الوطنية المزيف، وإن كان من الواجب علينا أن نحذر شبابنا من السقوط فى فخ الدعاية الإخوانية، فمن الواجب على الدولة بناء منظومة تربوية إعلامية تهدف لبناء وتحصين وعى المصريين ضد كل مؤامرات الجماعة الإرهابية ومحركيهم من أعداء الوطن.