رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الجنيه «طالع» والدولار «نازل» مصرفيون: استدامة التحسن تشترط مرونة سوق الصرف وزيادة الاحتياطى وتباطؤ التضخم


15-9-2025 | 15:27

.

طباعة
تقرير: محمد زيدان

فى سابقة لافتة قلبت التوقعات رأسًا على عقب، بدأ الجنيه المصرى يستعيد بعضًا من بريقه أمام الدولار، بعد سنوات ظل فيها يتخذ موقع المتلقى للضغوط والاهتزازات. فخلال الأشهر الأخيرة شهدت سوق الصرف تحركات مغايرة للمعتاد، حيث سجلت العملة المحلية مكاسب متتالية، ارتبطت بحزمة من القرارات النقدية الجريئة وتدفقات استثمارية ضخمة، إلى جانب تحسن فى بعض المؤشرات الاقتصادية الجوهرية، مثل: الاحتياطى النقدى وتحويلات العاملين بالخارج وإيرادات قطاع السياحة.

 

من هنا، قال الخبير المصرفي، محمد عبدالعال، إنه يفضل عدم استخدام مصطلحات مثل «تراجع الدولار» أو «تحسن الجنيه المصري»، مفضلًا وصف ما يجرى بأنه تغيرات سعرية طبيعية داخل سوق النقد الأجنبى فى مصر، حيث أوضح أن الجنيه يشهد منذ مارس 2024 تحولات جوهرية، عقب القرارات التاريخية التى اتخذها البنك المركزى المصرى آنذاك بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة بنحو 600 نقطة أساس، وهى الخطوة التى اعتبرها المحرك الرئيسى للسوق حاليًا، حيث إن هذه القرارات مثلت «العصا السحرية» التى أعادت الثقة إلى التعاملات، ورسخت مزيدا من الاستقرار والاطمئنان بين المتعاملين والمستثمرين فى سوق النقد.

وأوضح أن سوق النقد الأجنبى فى مصر بات يخضع بشكل كامل لآليات العرض والطلب، دون تدخلات إدارية أو توجيهات مباشرة من أى جهة، بما فى ذلك البنك المركزي، وهو ما جعل جميع الأطراف المتعاملة فى السوق، سواء كانوا مستثمرين أجانب، أو مصدرين، أو مستوردين، أو حتى جهات حكومية، أكثر اطمئنانا إلى أن سعر الصرف يحدد الآن بشفافية وعدالة، وفقًا لقوى السوق الطبيعية.

وأضاف أن قرار المركزى بتحرير سعر الصرف منح الجنيه المصرى مساحة للتحرك صعودًا أو هبوطًا وفق المؤشرات الواقعية للسوق، وأدى إلى توحيد السعر داخل منظومة الإنتربنك، بما ألغى الفجوة مع أى سوق موازٍ ورسخ مبدأ الشفافية والنزاهة فى تحديد قيمة العملة، مشيرًا إلى أن ما جرى فى سوق النقد المصرى خلال الأشهر الماضية يجسد بوضوح مرونة سعر الصرف فى التفاعل مع المتغيرات العالمية والإقليمية.

وأشاد الخبير المصرفي، بقدرة السياسة النقدية الجديدة فى مصر، على ترك سعر الصرف يتحرك بمرونة وفق تأثيرات الداخل والخارج، وهو ما اعتبره دليلا على نجاح آلية تحرير سعر الصرف فى مصر، موضحًا أن أحد أبرز أسباب تحسن الجنيه أمام الدولار فى الفترة الأخيرة يرجع إلى مجموعة من العوامل الداخلية الإيجابية التى انعكست بوضوح على سوق النقد، فقد لعبت التدفقات النقدية المتزايدة دورا محوريا، حيث سجلت إيرادات السياحة حوالى 12 مليار دولار، وارتفعت حصيلة الصادرات المصرية إلى 29 مليار دولار، إلى جانب تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر التى وصلت إلى 9 مليارات دولار.

وأشار إلى أن هذه المؤشرات مجتمعة شكلت ما وصفه بـ«ركيزتين هيكليتين قويتين» دفعتا الجنيه إلى مزيد من الاستقرار والثقة، ووفرت دفعة قوية للاحتياطى النقدى الذى واصل نموه وصموده رغم الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، بما يعكس قدرة الدولة على الوفاء بكافة التزاماتها الاستراتيجية وسداد أقساط الديون والالتزامات الخارجية على مدى الأشهر الثمانية المقبلة، وهو ما يضمن مستوى أعلى من الأمان ويبدد المخاوف من أى نقص مفاجئ فى احتياجات النقد الأجنبى الطارئة.

كما لفت «عبدالعال»، إلى أن السبب الثانى وراء صعود الجنيه أمام الدولار يتمثل فى التحسن الملحوظ بأوضاع الجهاز المصرفى على مستوى أصول النقد الأجنبي. ففى نهاية أغسطس الماضى، ارتفع صافى فائض هذه الأصول ليصل إلى نحو 15 مليار دولار، منها زيادة قدرها 4.4 مليار دولار لدى البنوك التجارية، بينما استقر صافى الاحتياطى لدى البنك المركزى عند مستوى إيجابى يفوق 10 مليارات دولار، ووصول الفائض إلى هذا الحجم يعنى أن أصول الجهاز المصرفى من النقد الأجنبى لدى الغير فى الخارج باتت تفوق التزاماته، الأمر الذى يعزز من قدرته على تلبية جميع احتياجات المتعاملين، سواء فى مجال الاستيراد، أو التصدير، أو حتى الأفراد.

وأضاف الخبير المصرفي، أن عاملين رئيسيين شكلا قوة دفع استثنائية للجنيه المصرى أمام الدولار خلال الفترة الأخيرة، وهما ارتفاع الاحتياطى النقدى ونمو صافى فائض أصول النقد الأجنبى لدى الجهاز المصرفي، فهذان المؤشران مكنا الجنيه من الصمود وتحقيق مكاسب ملحوظة رغم التوترات الإقليمية، وهو ما يعكس متانة السياسات النقدية والقدرة على إدارة الموارد بكفاءة، ويمنح الأسواق والمستثمرين الثقة فى قوة الاقتصاد المصرى على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

وعزز ما سبق، الخبير المصرفي، وليد عادل، الذى قال إن تراجع الدولار أمام الجنيه جاء نتيجة حزمة متكاملة من العوامل الاقتصادية والمالية التى عززت المعروض من العملة الصعبة وأعادت الثقة إلى السوق، وأوضح أن من أبرز هذه العوامل التدفقات الدولارية الكبيرة التى دخلت منذ عام 2025-2024، وفى مقدمتها صفقة «رأس الحكمة» مع صندوق أبوظبى التنموى (ADQ) بقيمة معلنة بلغت 35 مليار دولار، ما ساهم فى دعم السيولة وغلق نشاط السوق الموازي، كما لعب برنامج الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى دورا محوريا، الأمر الذى عزز الثقة وخفض من حدة الدولرة التحوطية.

وأضاف أن تحسن صافى احتياطيات النقد الأجنبى ليصل إلى 49 مليار دولار بنهاية يوليو 2025، وهو مستوى تاريخى غير مسبوق، شكّل إحدى أهم ركائز الاستقرار النقدي، كما أن تحرير سعر الصرف فى مارس 2024 ساعد على غلق الفجوة مع السوق الموازي، وتقليص التشوهات.

وأوضح أن المكاسب التى حققها الجنيه المصرى أمام الدولار فى المدى القصير تعود بالأساس إلى تدفقات استثنائية ناتجة عن صفقات استثمارية وسيادية كبرى مثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة وصفقات التمويل الضخمة، إلا أن استدامة هذه المكاسب تتوقف على عوامل أعمق وأكثر رسوخًا، محذرًا من أن توقف هذه التدفقات أو تعرض الاقتصاد لضغوط خارجية متزايدة قد يؤدى إلى تراجع الأثر الإيجابى الحالي.

واختتم الخبير المصرفى حديثه، قائلًا: إن استمرار تحسن وضع الجنيه أمام الدولار يظل ممكنًا، لكن بشرط الحفاظ على مرونة سوق الصرف وتوسيع حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى بالتوازى مع تباطؤ معدلات التضخم، كما أن استقرار الجنيه لا ينبغى أن يظل مرهونًا فقط بالصفقات الكبرى أو التدفقات الاستثنائية، بل يجب أن يتحول إلى مسار أكثر استدامة من خلال تنمية مصادر دائمة للعملة الصعبة، مثل تعزيز الصادرات، وتنشيط قطاع السياحة، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة متكررة، إلى جانب الحفاظ على قوة تحويلات المصريين بالخارج، حيث إن الجمع بين هذه العوامل هو السبيل لضمان استقرار طويل الأمد للجنيه، بعيدًا عن تقلبات الصفقات المؤقتة.

    كلمات البحث
  • الجنيه
  • طالع
  • الدولار
  • نازل
  • التضخم

الاكثر قراءة