رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الأسر تبحث عن «بدائل» للتوفير.. و«التطبيقات» تنضم للمنظومة.. «الباص».. الرحلة الشاقة


14-9-2025 | 10:26

.

طباعة
تقرير: محمد زيدان

مع بداية كل عام دراسى جديد، تُفتح أبواب المدارس، لكن معها تتفتح أيضًا جروح قديمة تثقل كاهل الأسر المصرية، وعلى رأسها أزمة «الباص المدرسى». لم يعد الأمر مجرد وسيلة نقل آمنة لأطفال يتهيأون ليومهم الدراسى، بل تحول إلى معركة يومية بين رغبة الأهل فى حماية أبنائهم وبين ضغوط مالية تكاد تلتهم ميزانية البيت. بين رسوم اشتراك تقفز إلى أرقام فلكية، وبدائل غير منظمة محفوفة بالمخاطر، تجد آلاف الأسر نفسها فى دوامة القلق، حيث يصبح الطريق إلى المدرسة أطول وأصعب من الحصص الدراسية ذاتها.

هذا الوضع دفع الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة، تتنوع بين الاتفاق مع سائقين خاصين، أو مشاركة أكثر من أسرة فى سيارة واحدة، أو الاعتماد على شركات النقل الذكى أو سيارات الأجرة والميكروباصات الخاصة فى نقل الأبناء، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات أكبر تتعلق بالأمان، والمسئولية، وغياب الضوابط المنظمة لهذه البدائل غير الرسمية، وفى الوقت نفسه، بدأت بعض الشركات الناشئة ومقدمى الخدمات الخاصة اقتحام هذا المجال، عبر حلول تعتمد على التكنولوجيا وتطبيقات الهاتف، مقدمة نفسها كخيار وسط بين التكلفة المرتفعة للباصات المدرسية والمخاطر المرتبطة بالوسائل غير المنظمة.

نبيل نعيم، ولى أمر، قال إن تكاليف الباص المدرسى هذا العام أصبحت عبئا غير مسبوق على الأسر، حيث ارتفعت رسوم الاشتراك لتتراوح بين 15 و20 ألف جنيه للطالب الواحد، بعدما كانت فى حدود 10 إلى 15 ألفًا العام الماضي، موضحا أن هذه الزيادة الكبيرة لم ترافقها أى تحسينات ملموسة فى الخدمة، وهو ما يجعل الأمر أكثر قسوة على أولياء الأمور، خاصة أن أغلب الأسر لديها أكثر من طفل فى المدرسة، ما يضاعف من حجم الأعباء المالية، كما أن هذه الزيادات المتتالية سببت مشكلات حقيقية فى ميزانية البيت، وجعلت الكثير من الأسر يفكرون فى البحث عن بدائل، رغم ما قد تحمله من مخاطر أو صعوبات.

التحدى الأكبر أمام الأسر -من وجهة نظر نعيم- لم يعد فقط ارتفاع تكلفة باص المدرسة، بل إيجاد وسيلة نقل بديلة تكون فى الوقت نفسه ميسّرة وآمنة، إذ تجد الأسرة نفسها فى دائرة واسعة من القلق والمفاضلة بين التكلفة والسلامة، وهو ما يزيد الضغط النفسى عليها.

ويشير «نعيم»، إلى أن أى أب أو أم يضعان الأمان فى المقام الأول، فالموضوع لا يقتصر على توفير سيارة، بل على وجود شخص مسئول يمكن الاطمئنان إليه والتأكد من التزامه بالمواعيد وحسن معاملته للأطفال، لافتا إلى أن عنصر الأمان يظل الميزة الأبرز فى الاعتماد على باص المدرسة، ما يمنح أولياء الأمور قدرًا من الطمأنينة على أبنائهم ويرى أن حل مشكلة التكلفة الباهظة يكمن فى أن تعيد المدارس النظر فى أسعارها، سواء من خلال تخفيض قيمة الاشتراك المباشر، أو عبر التعاقد مع شركات نقل بأسعار مخفضة، بحيث يصبح سعر الباص أقل من تكلفة الوسائل الخارجية، وهو ما سيوفر على أولياء الأمور عناء البحث عن بدائل أخرى قد لا تكون آمنة أو منتظمة.

أحمد فتحى، ولى أمر، يقول: «أضطر هذا العام إلى الاستغناء عن خدمة باص المدرسة بعدما ارتفعت تكلفتها إلى مستوى وصفه بغير المعقول، موضحًا أن الرسوم التى تطلبها المدرسة مقابل النقل تكاد تساوى قيمة المصروفات الدراسية نفسها، وهو ما وضعه فى موقف صعب بين الرغبة فى تأمين وسيلة نقل آمنة لأطفاله، وبين العجز عن تحمل هذه الأعباء المالية الإضافية».

بعد مناقشات طويلة داخل الأسرة، لجأ «فتحى» إلى حل بديل بالاتفاق مع أحد السائقين فى المنطقة، على أن يقوم بنقل أبنائه بالتوازى مع أبناء أسرة أخرى، مقابل مبلغ شهرى أقل بكثير من تكلفة الباص المدرسي.

وأوضح أن هذا الحل، رغم كونه عمليًا من الناحية المادية، فإنه لا يخلو من القلق، خاصة فيما يتعلق بالأمان والالتزام بالمواعيد، لافتًا إلى أن الاعتماد على سائق خاص يظل مغامرة، إذ لا توجد آلية رقابية أو ضمانات، إلا أن أغلب الأسر لم يعد أمامها خيار آخر فى ظل موجة الغلاء الحالية، وأن الكثير منها باتوا يفكرون بنفس الطريقة، بالاعتماد على بدائل فردية أو جماعية تخفف الضغط المالي، حتى لو كان ذلك على حساب بعض عناصر الأمان.

السائق أحمد ميمى، قال إن أغلب أولياء الأمور يبدؤون رحلة البحث عن بديل للباص المدرسى من زاويتين أساسيتين، الأمان، والتكلفة، فهم يرغبون فى وسيلة نقل لا تضم عددا كبيرا من الطلاب كما يحدث فى باص المدرسة، حتى يشعروا أن أبناءهم فى بيئة أكثر راحة واطمئنانا، وفى الوقت نفسه تكون بتكلفة معقولة، حيث إن ميزة الاشتراك الشهرى مع السائقين المستقلين تمنح ولى الأمر مرونة أكبر من النظام السنوى الذى تفرضه المدارس، مؤكدا أن هذا النموذج أصبح جذابا للكثير من الأسر؛ لأنه يجمع بين تقليل النفقات وإبقاء السيطرة فى يد ولى الأمر، بعيدا عن التعقيدات والالتزامات الصارمة التى تفرضها المدارس.

ويوضح أن عمله فى توصيل الطلاب ليس سهلًا كما يظن البعض، فإلى جانب مسئوليته عن أمان الأطفال والتزامه بالمواعيد، يواجه يوميًا تحديات مرهقة، أبرزها الزحام الشديد فى الشوارع، وتأخر بعض الأسر فى تجهيز أبنائهم، ما يربك خط سيره.

يشير «ميمى»، إلى أن حساب تكلفة توصيل الطلاب لم يعد سهلا كما كان فى الماضي، فارتفاع أسعار البنزين وقطع الغيار والصيانة الدورية للسيارة يضغط بشكل مباشر على عمله، ويجبره أحيانًا على إعادة النظر فى قيمة الاشتراكات التى يطلبها من أولياء الأمور.

ويوضح أن السائقين المستقلين غالبًا ما يكونون فى موقف حساس، فالأهالى يبحثون عن أسعار أقل بكثير من الباص المدرسي، بينما هم يواجهون مصاريف تشغيل يومية متزايدة، حيث إن مجرد حدوث عطل مفاجئ أو ارتفاع جديد فى أسعار الوقود يمكن أن يلتهم معظم ما يربحه السائق خلال الشهر.

يؤكد «ميمى»، أن من بين العوامل التى تجعل أولياء الأمور يفضلون التعامل معه هو التزامه بعملية تسليم وتسلم الأطفال بشكل مباشر، حيث يستلمهم يوميا من أمام باب المنزل أمام ذويهم، ثم يتولى توصيلهم حتى داخل المدرسة وتسليمهم فى الاستقبال للتأكد من دخولهم بأمان، كما أن هذا الأسلوب يمنح الأسر راحة واطمئنانا أكبر، خاصة بالنسبة للأطفال فى المراحل الأولى.

خدمات النقل الإلكترونية

سعد البرديني، صاحب شركة متخصصة فى خدمات النقل المدرسى، يوضح أن فكرته جاءت لتقديم بديل عصرى وآمن يوفر على أولياء الأمور أعباء الاشتراك فى باص المدرسة التقليدي، وأوضح أن التطبيق يتيح خدمة باشتراك شهرى أقل بما لا يقل عن 30 فى المائة مقارنة بتكلفة باص المدرسة، مع ضمان مستوى أعلى من الأمان، حيث يتم تفعيل نظام تتبع كامل يتيح لولى الأمر متابعة كل تفاصيل الرحلة منذ لحظة خروج الطالب من المنزل، وحتى وصوله إلى المدرسة والعكس.

ويشير إلى أن شركته تحرص على توفير جميع الأوراق الثبوتية والاعتمادات الخاصة بالسائقين والمشرفين والمشرفات قبل السماح لهم بالعمل، لضمان أعلى درجات الموثوقية، مؤكدًأ أن الهدف الأساسى هو طمأنة الأسرة وتخفيف العبء المالى عنها مع توفير وسيلة نقل حديثة ومنظمة، حيث إن الشركة لا تكتفى بتوفير وسيلة النقل فقط، بل تضع إجراءات صارمة لضمان الأمان والجودة.

يلفت «البردينى» إلى أن الباصات التى تعمل من الشركة يتم تأجيرها وهى ليست ملك الشركة، لكن ذلك لا يعنى التساهل فى المعايير، إذ تخضع جميع الباصات لفحص فنى شامل قبل التشغيل للتأكد من صلاحيتها الكاملة، كما يتم إلزام المشرفين بتقديم صحيفة الحالة الجنائية للتأكد من خلو سجلهم من أى سوابق، إلى جانب إجراء تحاليل مخدرات دورية للسائقين لضمان سلامة الطلاب، كما أن الشركة توفر خيارات متعددة للأسر، من بينها الميكروباص بسعة 14 راكبا، كخدمة مرنة تناسب احتياجات ولى الأمر، الذى يبحث عن وسيلة أصغر وأكثر راحة مقارنة بالأوتوبيسات الكبيرة.

وأكد «البردينى»، أنه أطلق تطبيقاً وواجه مع إطلاقه لنقل طلاب المدارس العديد من التحديات، كان أبرزها إقناع أولياء الأمور بفكرة الاعتماد على خدمة إلكترونية بدلًا من الباص المدرسى التقليدي، مشيرا إلى أن مسألة الثقة كانت العقبة الأكبر، فالأهالى بطبيعتهم يخشون المجازفة بأبنائهم مع خدمة جديدة لم يعتادوا عليها، وهو ما استدعى تقديم ضمانات متعددة مثل إظهار أوراق السائقين والمشرفين بشكل شفاف، وتفعيل التتبع اللحظى وإتاحة التواصل المباشر مع المشرف خلال الرحلة.

الخبير الاقتصادى، وليد عادل، يرى أن أزمة النقل المدرسى لم تعد مجرد مشكلة أسرية تتعلق بميزانية البيت، بل تحولت إلى انعكاس مباشر لحجم الضغوط الاقتصادية التى تواجهها الطبقة المتوسطة فى مصر، حيث إن ارتفاع رسوم الباص المدرسى بهذا الشكل الكبير يعكس غياب آلية ضبط واضحة لأسعار الخدمات التعليمية الموازية، مثل النقل أو الوجبات أو الأنشطة، والتى تتحول تدريجيًا إلى أعباء تثقل الأسر، مثلها مثل المصروفات الدراسية الأساسية.

وأكد أن ما يحدث يعكس خللًا فى السوق، حيث تتحكم المدارس بشكل شبه منفرد فى تحديد تكلفة خدمة النقل دون وجود مرجعية سعرية أو رقابية، ما يفتح المجال أمام المغالاة.

وأضاف أن هذا الوضع يدفع الأسر إلى اللجوء للحلول الفردية غير المنظمة، وهو ما قد يحمل مخاطر اجتماعية وأمنية، لكنه فى الوقت نفسه يكشف عن فجوة فى السوق يمكن أن تستفيد منها شركات متخصصة تقدم خدمة آمنة وبتكلفة عادلة.

الحل من وجهة نظر «عادل»، لا يكمن فقط فى مطالبة المدارس بخفض الأسعار، وإنما فى وضع إطار تنظيمى كامل لخدمة النقل المدرسى على مستوى الدولة، سواء عبر تسعير استرشادى عادل، أو من خلال تشجيع القطاع الخاص على تقديم بدائل منظمة، أو حتى عبر شراكات مع هيئات النقل العام.

وشدد على أن النقل المدرسى الآمن والميسور التكلفة ليس رفاهية، بل ضرورة تمس أمن الأطفال وحق الأسر فى الحصول على خدمة أساسية دون استنزاف دخلها.

 

الاكثر قراءة