يتسق موقف الكنائس القبطية، مع ما صرحت الدولة المصرية، معلنة تأييدها الكامل لموقف الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، هذا الموقف يعكس رفض الكنيسة لأى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.
الكنيسة ترى أن التهجير القسرى يُعد ظلمًا لهم وإهدارًا لحقوقهم التاريخية فى أرضهم، مؤيدة قرار الرئيس السيسى، مؤكدة أن قبول فكرة التهجير القسرى يعنى المساس بالأمن القومى المصري، ودعت جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة إلى دعم الحق التاريخى للشعب العربى الشقيق فى إقامة دولته وبذل كل ما فى وسعها لإحلال السلام.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كانت قد أعلنت موقفها خلال عظات البطريرك الأسبوعية وبيانات رسمية تؤيد خلالها موقف الرئيس السيسى بشأن رفض التهجير.. أعقب ذلك، إعلان الكنيسة الأسقفية دعمها الكامل لموقف القاهرة فى القضية الفلسطينية، ورفض أى محاولات للتهجير، وتجديد رفض المساس بحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان، أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها عن طريق التهجير، أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل.
فى هذا الشأن، قال المفكر الكنسى كمال زاخر، إن الكنيسة مؤسسة مصرية بالأساس، ولعل هذا يتبين من اسمها التى أصرت عليه منذ القرن الخامس الميلادي، أنها الكنيسة القبطية «المصرية» الأرثوذكسية، وفيه تأتى الصفة القومية سابقة للمذهبية، مضيفا أن إعلان الكنيسة تأييدها للقرار المصرى برفض تهجير الفلسطينيين، من غزة إلى الأراضى المصرية يأتى متسقًا مع موقفها المبدئي، أولًا دعمًا لبقاء الشعب الفلسطينى فى أرضه، وعدم تفريغها منهم، كحق تاريخى وإنسانى، وثانيًا لتأكيد سيادة مصر على كل شبر من أراضيها، بالتوازى فهى تدعم إرسال المعونات الإنسانية لهم؛ حفاظا على حياتهم لمواجهة حرب التجويع التى تُمارس ضدهم من جيش الاحتلال.
وأشار إلى أن الكنيسة، بحكم تكوينها، هى كيان شعبي، ومن ثم فتفاعلها مع الشأن العام فى بُعده الإنسانى مبدأ ثابت، تبدى فى مواقفها العديدة مع كل قضية مصرية مجتمعية، وما زلنا نتذكر موقفها الوطنى الإنسانى عندما كنا نخوض حرب الاستنزاف (1967-1973)، عندما بادرت عبر أسقف الخدمات الأنبا صموئيل (شهيد المنصة) بالقيام بجولات مكوكية فى بلاد المهجر بأمريكا وكندا وأستراليا، حيث تجمعات المصريين المهاجرين لدعم الموقف المصرى وحقه فى استرداد أرضه وكرامته، من خلالهم فى المحافل الدولية، وجمع الدعم المالى واللوجستى للجيش، وقد نجحنا فى كليهما، ويتكرر نفس الحراك مع زلزال 1992، وكانت أول زيارة لقداسة البابا شنودة الثالث عقب رسامته إلى الجبهة فى عام 1971، لشدّ أزر الجنود هناك.
بذات السياق، أضاف دياكون مرقس بإيبارشية دشنا، أنه فى غمار الأحداث المتسارعة التى تشهدها القضية الفلسطينية، برز موقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كصوتٍ وطنى وروحى يؤكد على الثوابت المصرية الرافضة لسياسة تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأن الكنيسة، وبصفتها إحدى المؤسسات المصرية الوطنية الراسخة، أعلنت بوضوح رفضها لكل محاولات فرض واقع جديد على قطاع غزة، متوافقة بذلك مع الموقف الرسمى للدولة المصرية، الذى عبّر عنه الرئيس السيسى فى خطاباته المتكررة حول ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية ومنع التهجير القسرى.
موقف الكنيسة القبطية كان، وما زال، مماثلا ومؤيدا لموقف القاهرة، بحسب دياكون مرقس بإيبارشية دشنا، الذى تذكر يوم 15 مايو 2021، حين أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثانى بيانًا، استنكرت فيه الاعتداءات الغاشمة على القدس وقطاع غزة، مؤكدة رفضها لإراقة دماء الأبرياء من النساء والأطفال، ومشددة على أن الحوار والتفاوض هو السبيل الوحيد لإنهاء دوامة العنف، كما نوّه البيان الكنسى بالدور المحورى الذى تلعبه الدولة المصرية فى فتح مستشفياتها أمام المصابين الفلسطينيين، وبمساعيها السياسية لتحقيق التهدئة والوصول إلى حل عادل يحفظ حقوق الشعب الفلسطينى.
وتجدد هذا الموقف فى أكثر من مناسبة لاحقة، كان آخرها تصريحات القس موسى إبراهيم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذى أكد خلال بيانات إعلامية متتالية فى أكتوبر 2023 ويناير 2024 أن قداسة البابا تواضروس أكد خلال عظته بمناسبة عيد الميلاد عن المضمون ذاته، وهو رفض الكنيسة القبطية القاطع لأى مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم، معتبرًا ذلك «قضية وجودية» تمس الحق التاريخى للشعب الفلسطينى فى أرضه.
«مرقس» شدد على أن رسائل الكنيسة المصرية، المتسقة مع الموقف الرسمى للقيادة المصرية، لا تحمل فقط بعدًا داخليًا يرسّخ وحدة الصف المصري، بل تضع الكنيسة أيضًا فى موقع فاعل داخل السياق الدينى والسياسى الإقليمي، حيث صار صوتها امتدادًا لصوت مصر، كلاهما يرفض الظلم، والدعوة إلى سلام عادل وشامل.
وعلى الصعيد العالمي، يعزز هذا الموقف من صورة الكنيسة القبطية، ككنيسة وطنية مسئولة، لا تحمل هموم شعبها فقط، لكنها أيضًا تنفتح على قضايا دولية وعربية تتعلق بالعدالة والحرية وحقوق الإنسان، فهى تُظهر أمام الكنائس الأخرى فى الشرق والغرب، وأمام المؤسسات الدولية، أن صوتها لا يقتصر على الشأن الديني، بل يمتد ليكون شاهدًا أخلاقيًا على قضايا العصر، وبذلك تتأكد مكانتها كجسر حضارى وروحى يحمل رسالة سلام وعدل، ويعكس عمق الانتماء الوطنى والبُعد الإنسانى معًا.
واستكمل الحديث، الراهب أثناسيوس الأنبا مكاريوس، دير برية الريان بالفيوم، بقوله: إن ما بين التهجير والهيكل المزعوم وإسرائيل الكُبرى يزعم الاحتلال بأنه شعب الله المختار رغم رفض الله الصريح لهم بسبب رفضهم لله وشريعته، جاء هذا الرفض فى العهد القديم على فم أنبيائه، وفى العهد الجديد رفض تعاليمهم وفروضهم،
وأيضًا إعلان المسيح لهم بزوال الهيكل تمامًا: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!». (متى24: 2؛ مرقس13: 2؛ لوقا21: 6)، لافتا إلى أنه تحقق هذا بالفعل سنة 70م على يد الرومان، وهذا حدث تاريخى لا يستطيع أحد إنكاره.
وأمَّا عن زعمهم بإسرائيل الكبرى وتهجير الْفِلَسْطِينِيِّين، فهى سياسة لاغتصاب الأرض بصيغة دينية لا أكثر، لا يوجد هيكل ولا يوجد كهنوت لديهم، هم يبحثون عن السلطة فقط.
أمَّا عن الذين يفسرون بأن أورشليم هو هيكل، فهم لا يفهمون الكتب التى تؤكد رفض الله لهم: «هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا». (متى 23: 38).
وعن رأى الكنيسة أيام الرؤساء الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، فأكد البابا شنودة الثالث والأب العلامة الأنبا غريغوريوس، أن دولة الاحتلال الحالية ليس لها أى علاقة بإسرائيل التى ذكرت فى الكتاب المقدس، كذلك أوضح بيان المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ممثلًا فى قداسة البابا تواضروس الثانى رفض زعمهم هذا وتهجير الفلسطينيين، مساندين الرئيس السيسى، بحسب راهب الكنيسة القبطية.