رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

إزالة العشوائيات «المهمة الصعبة».. وفاتورة التطوير «ضخمة» عودة الروح لـ«حديقة الأزبكية»


15-9-2025 | 15:48

.

طباعة
تقرير: رحاب فوزى

فى قلب القاهرة الخديوية، عادت حديقة الأزبكية التراثية تلتقط أنفاسها من جديد بعد سنوات طويلة من الإهمال، حيث تمكنت الحكومة من إعادة إحياء هذا المعلم التاريخى الذى يحمل عبق الماضى العريق.

 

قال د. إبراهيم صابر محافظ القاهرة إن أعمال التطوير انطلقت ضمن مشروع إحياء القاهرة التاريخية، تحت إشراف جهات حكومية عدة، وبتوجيه مباشر من رئيس الوزراء، بهدف استعادة الحديقة إلى حالتها قبل أكثر من قرن مضى، وفى يوليو 2024 تم إنهاء ما يزيد على 70 فى المائة من المشروع.

وأضاف أنه تنوعت عناصر التجديد فى المشروع بين الحفاظ على الهوية التاريخية والتحديث اللافت للنظر، فمثلًا تم الحفاظ على الأشجار التراثية من دون المساس بها، كما تم ترميم النافورة الأثرية وإحياء البحيرة ذات المساحة التى تبلغ نحو 1200 متر مربع، تتوسطها نافورة فى قلب الحديقة، وتم إعادة تأهيل مبانٍ مثل نادى السلاح، ومنطقة التبة التراثية، والكافتيريا، والمطعم، إضافة إلى المسرح الرومانى والبرجولات التراثية، فضلًا عن إنشاء أسوار وبوابات تتناغم مع الطراز المعمارى القديم، الذى تتميز به المنطقة منذ سنوات، قبل أن تغير العشوائيات معالمها.

ومنذ البداية، لم تفصح وزارة الإسكان بصورة دقيقة عن الجدول الزمنى للمشروع، لكن المتابعة الميدانية من مسئولى الدولة، سواء من رئيس الوزراء إلى وزيرى الإسكان والتنمية المحلية، تشير إلى حرص شديد على الالتزام بتنفيذ العمل بأعلى جودة وأسرع وقت ممكن، لأن المبادئ العامة للمشروع بدأت فى العام 2023، وشهدت مراحل متسارعة خلال عامى 2024 و2025.

أما عن التكلفة، فقال «صابر» إنه من الصعب تحديد أرقام دقيقة تخص تكلفة إعادة تطوير المنطقة بأكملها، كون الأمر مشتركًا بين أكثر من جهة حكومية ووزارات معنية، إلا أن شمولية المشروع من ترميم وتنسيق للبيئة إلى توسعات مبنية، تشير إلى حجم استثمارى ضخم، يتضمن موارد من وزارتى الإسكان والتنمية المحلية، إضافة إلى صندوق التنمية الحضرية، والشركاء فى المشروع.

حول الصعوبات، أكد د. إبراهيم صابر، أن المشروع واجه عدة تحديات فنية ومعمارية، كان أهمها الحفاظ على أصالة المكان دون تهديم العناصر التاريخية، ثم التناغم بين القديم والجديد فى تصميم الأسوار والبوابات ومنافذ بيع الكتب بشكل يحافظ على الهوية التراثية، والتعامل مع ضغوط الوقت لإنهاء المشروع سريعًا بما يتماشى مع خطط التطوير الحضرى والتاريخي، وأيضًا تأمين المكتبات الجديدة على مساحة 805 أمتار مربعة تقريبا لتعويض أكشاك كتب سور الأزبكية، مع ضمان توافق التصميم مع الطابع التراثى وتزويدها بأنظمة حماية مدنية، لافتًا إلى أن إزالة العشوائيات كانت من أصعب الخطوات فى هذا المشروع، وهى التى أدت لانهيار البنية التحتية وغياب الوجه الجمالى للمنطقة، ولم يكن التغلب عليها والسيطرة على المتسببين فيها سهلة على الإطلاق، ولكن فى النهاية «لا يصح إلا الصحيح»، وتمت إزالة هذا الوجه القبيح العشوائى ليحل محله ما نراه اليوم من جمال ونظام، مع انتظام الحركة سواء المرورية أو البيع والشراء فى المنطقة.

واستكمل الحديث المهندس خالد صديق، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية، مؤكدًا أن حديقة الأزبكية التراثية أصبحت على أعتاب العودة الكاملة، بعد مشروع طويل وشامل، استهدف إعادة الحيوية إلى هذه الرئة الخضراء التاريخية، لأن المشروع، الذى بدأ قبل عامين، اقترب من نهايته فى 2025، مع نسبة إنجاز بلغت تقريبًا نحو 98 فى المائة، ما يعكس الجهود المتواصلة للحفاظ على تراث القاهرة الخديوية، وجعلها متنفسا حضريا جديدا، مشيرًا إلى أن الحديقة تم بناؤها أعلى بركة مياه، كانت تتوسط الميدان إحدى أعرق الحدائق النباتية بمصر فى عام 1872، خلال عهد الخديو إسماعيل، على يد المهندس الفرنسى الشهير باريل ديشان، على مساحة 18 فدانا أُحيطت بسور من البناء والحديد وفتحت لها أبواب من الجهات الأربع، وكانت تشهد احتفالات قديمًا، سواء للمصريين أو الأجانب، مثل حفلات كوكب الشرق أم كلثوم.. كما أن المنطقة تحتضن أكثر من 400 عقار أثرى ومعمارى تعكس مزيجا غير موجود فى أى دولة حول العالم، أغلبها من الطراز المعمارى الفرنسى والإيطالى واليوناني، بما يجعلها شاهدا على تاريخ القاهرة وتنوعها الثقافى على مر العصور والأجيال.

وأضاف «صديق» أن الخديو إسماعيل كلف ببناء مسرحين فى طرف الأزبكية الجنوبي، أشهرها المسرح الكوميدى الفرنسي، ودار الأوبرا الخديوية، وبعد الانتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها، عيّن الخديو الفرنسى باريليه ناظرًا عليها، بل واستحدث منصب «ناظر» المسطحات الخضراء وقتها، ليشمل جميع المتنزهات الأخرى، وكانت تُقام بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى، ربما أشهرها كان فى يونيو 1887، حيث تم الاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا من قِبل الجالية الإنجليزية فى مصر، وأيضًا احتفالية الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو، أما الاحتفالات المصرية فى الحديقة، فكان أهمها الاحتفال بعيد الجلوس السلطانى واحتفالات الجمعيات الخيرية وحفلات كبار المطربين المصريين والعرب، هذا إلى جانب أنه فى منطقة الأزبكية كان يوجد عدد من الفنادق الشهيرة مثل شبرد الذى تم بيعه، والكونتيننتال الذى تم ضمه لمجموعة فنادق مختلفة، بالإضافة إلى وندسور بالاس الذى لم يعد قائمًا.

المهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، أشار إلى أن الجهاز أعد دليلًا إرشاديًا يجمع بين سطوره كافة الحدائق ذات الطابع المعمارى المتميز، كما وضع أسس ومعايير التنسيق الحضارى للحفاظ والارتقاء وإدارة الحدائق على مستوى محافظات الجمهورية، حيث تم اعتماد الدليل من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، وقسم الدليل أهم الحدائق ذات الطابع المعماري، وحدائق ملحقة بقصور أو جامعات أو متاحف، وحدائق متخصصة مثل الأسماك، وأيضًا حدائق مستقلة، بالإضافة إلى الحدائق ذات الطابع المعمارى المتميز فى مصر بوجود نباتات نادرة مثل هوع خف الجمل الموجود بحدائق القناطر الخيرية، ونباتات معمرة مثل الموجودة بحديقة الأورمان، والنباتات النادرة مثل التى تتواجد بحديقة الزهرية، أو وجود تشكيلات وتكوينات معمارية، وهناك حدائق مرتبطة بالتاريخ القومى مثل حديقة الأزبكية.

فتطوير حديقة الأزبكية هو أحد المشروعات القومية التى قام على رعايتها الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، من خلال العمل على إعادة الحدائق التراثية إلى طبيعتها التى كانت عليها فى الماضي، وتم الاتفاق مع الجهات المعنية على تطوير الأزبكية والأندلس مع محافظة القاهرة، وبعد اطمئنان الدكتور مصطفى مدبولى وزيارته مع المسئولين إلى المكان وتفقده، سيتم الافتتاح قريبًا عقب الانتهاء من كل مراحل التطوير.

الاكثر قراءة