رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قصر «لوقا» بأسيوط .. تحفة أثرية تنتظر «التطوير»


14-9-2025 | 10:21

قصر لوقا بأسيوط

طباعة
تقرير: إلهام على

فى قلب الصعيد، تحديدًا فى مدينة أسيوط، تبرز القصور كمعالم حضارية شاهدة على حقبة زمنية ثرية بالمعانى الاجتماعية والسياسية، فقد كان بناء القصور فى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين دلالة واضحة على المكانة والسطوة، ومؤشرًا على مدى ازدهار الحياة الاقتصادية والثقافية فى المدينة، التى عُرفت بأنها عاصمة الصعيد، فلم تكن هذه القصور مجرد مبانٍ فخمة تتزين بالزخارف والطراز الأوروبى والإسلامى، بل كانت مراكز لتجمع النخب وصُنّاع القرار الاجتماعى والسياسي، لتصبح مع مرور الزمن صفحات حية من تاريخ مصر الحديث. ومن بين هذه القصور البارزة، يظل قصر «ميخائيل لوقا باشا»، واحدًا من أهم المعالم التى ارتبطت بتاريخ أسيوط العمرانى والاجتماعى، ليس فقط لما يمثله من قيمة معمارية فريدة، بل لما يحمله من دلالات حضارية عن شخصية صاحبه، وعن تلك المرحلة التى جمعت بين الحداثة والتقاليد فى بناء المشهد الحضرى لمجتمع أسيوط.

 

ينتمى الخواجة «ميخائيل لوقا الزق»، إلى أسرة الزق العريقة بمحافظة أسيوط، وقال الدكتور محمد مشهور، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة أسيوط، إن الأسرة تميزت بالتجارة و«النهل من العلم» ولعبت دورًا بارزًا فى مشهد المدينة المحلي، وقد شهد لها أهلها بالإخلاص والنفوذ داخل المجتمع الأسيوطي، وعرف «الزق» بنشاطه فى تجارة ريش النعام والسن والأقمشة والنيلة والغلال بأنواعها، وكان ينشغل أيضًا بأمور الإصلاح داخل مجتمع قبيلته، وانعكس حسّه الحضارى ورغبته فى الظهور بوجاهة اجتماعية، عبر بناء أحد أفخم القصور فى صعيد مصر، ليترك بصمة خالدة باسمه.

وأضاف «مشهور»، أنه تم تشييد القصر عام 1914م ـ 1333 مستخدمًا أسلوب الباوغ المستحدث، وهو نمط شبابى من العمارة الباروكية، وطراز أعاد رسم روح العمارة الباروكية الأوروبية، لكن بزخارف أكثر تعقيدًا، واعتمادًا على الحركة والانحناءات التعبيرية للحوائط والواجهات، واستخدام الضوء والظل لتوليد إحساس بالحركة، كما استعان «ميخائيل» بمهندسين إيطاليين متخصصين لتشييده، وبحرفيين مهرة من القاهرة والإسكندرية، فجاءت الواجهات ناطقة بالفخامة الأوروبية، الجدران المنحنية، النقوش الزخرفية الباذخة، بينما أعمال الجص المعقدة جعلت القصر تحفة نادرة فى عمارة الصعيد، وتُشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة بنائه بلغت أرقامًا ضخمة بمقاييس مطلع القرن العشرين، حيث استورد صاحبه مواد فاخرة، مثل الخشب الأوروبى والرخام والزجاج الملون، ما يشير إلى أنه كان من أعلى المبانى تكلفة فى الصعيد آنذاك، مما يعكس ثراءه ورغبته فى التفرد المعماري.

وأوضح أستاذ التاريخ، أن القصر يقع فى العقار رقم 27 بشارع الجمهورية، أحد أهم شوارع أسيوط الحيوية، ما يعكس رغبة مالكه فى أن يكون قصره فى قلب المدينة، أمام أعين المارة، وقد أتاحت له السعة المكانية، إنشاء حدائق ملحقة، قاعات فسيحة وتجهيزات داخلية أوروبية الطابع، مما جعله مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا استقطب النخبة من رجال السياسة والتجارة، حتى بات القصر أحد أهم عناوين الوجاهة والترف فى أسيوط.

وقال: فى عام 1998، أصدر رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزورى القرار رقم 1226 بتسجيل القصر ضمن الآثار الإسلامية والقبطية، اعترافًا بقيمته المعمارية والزخرفية، لكن فى 11 أبريل 2021، وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية على شطب القصر من سجلات الآثار، بناءً على توصيات المكاتب الاستشارية بكلية الهندسة جامعة أسيوط، التى أعلنت أن القصر يمثل خطرًا داهمًا على المارة ويواجه صعوبات فى الترميم، هذا القرار اعتبره مثقفو أسيوط «طعنة لذاكرة المدينة»، إذ لم يكن الضعف فى قيمته التاريخية سببًا فى شطبه، بل ضغوط الاستثمار العمرانى التى تحاصر قلب المدينة، مشيرًا إلى أنه بحسب مصادر موثوقة، فإن المالك الحالى للقصر هو مطرانية الأقباط الأرثوذكس بأسيوط، وقد انتقلت ملكيته إليهم من ورثة ميخائيل لوقا الزق خلال فترة تسجيله كموضع للسكن والإقامة.

ونوه «مشهور»، بأن اليوم يقف قصر «ميخائيل لوقا الزق» بين خيارين متناقضين، فريق أول يرى ضرورة الحفاظ عليه كأثر وتراث معماري، كونه شاهدًا على تاريخ المدينة، وفرصة لتحويله إلى متحف أو مركز ثقافي، وفريق ثانٍ يعتقد أن هدمه أفضل، لتدهور حالته وخطورته على السكان، ولأن الأرض يمكن استغلالها فى مشروعات خدمية أكثر نفعًا للمدينة، أما بالنسبة للرأى الشخصي، فالقصر يمثل قيمة لا تُقدّر بثمن، ليس فقط من حيث العمارة، بل من حيث الذاكرة الجمعية لأسيوط، صحيح أن ترميمه سيكلّف مبالغ طائلة، لكن الخسارة ستكون أفدح إذا هُدم وضاع جزء من تاريخ المدينة، وإن القصور ليست مجرد جدران، بل هوية وذاكرة ومجد أجيال سابقة، مشددًا على أن قصر «ميخائيل» ليس مجرد بناء قديم يوشك أن ينهار، بل هو صفحة نابضة من تاريخ محافظة عريقة كأسيوط، ومرآة لحقبة اجتماعية واقتصادية وسياسية لا تعوَّض، وإنقاذ هذا القصر ليس مطلبًا معماريًا فحسب، بل هو واجب أخلاقى تجاه ذاكرة الأجيال.

 

الاكثر قراءة