رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«لجنة 2+2» المصرية السودانية: آلية توافق استراتيجى لمواجهة التحديات


12-9-2025 | 15:44

.

طباعة
بقلم: د. غادة جابر

تتمتع العلاقات بين مصر والسودان بخصوصية استثنائية تعود إلى عوامل الجغرافيا والتاريخ واللغة والدين والمصير المشترك، هذه الخصوصية جعلت التنسيق بين البلدين فى القضايا الإقليمية الكبرى أمرًا حتميًا، لا سيما فى ملف الأمن المائى المرتبط بنهر النيل، الشريان الرئيسى للحياة والتنمية، ومن هنا جاءت آلية «لجنة 2+2»، التى تضم وزيرى الخارجية ووزيرى الرى من الجانبين، كإطار مؤسسى يهدف إلى رفع مستوى التشاور والتنسيق فى القضايا ذات الطبيعة الاستراتيجية، وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبى.

«لجنة 2+2» ليست مجرد لقاء روتينى بين الوزراء، وإنما هى منصة سياسية فنية تهدف إلى، تنسيق المواقف السياسية فى المحافل الدولية والإقليمية بشأن قضايا الأمن المائى، وتعمل على التكامل الفنى بين وزارتى الرى فى القاهرة والخرطوم لضمان إدارة منسقة للتحديات المشتركة، وهذا بدوره يعمل على توحيد الخطاب الدبلوماسى فى مواجهة الممارسات الأحادية الإثيوبية، وتعزيز المصالح المشتركة بعيدًا عن أى تضارب قد تستغله أطراف خارجية لإضعاف الموقفين المصرى والسودانى.

ويمثل سد النهضة الإثيوبى، الذى بدأ تشييده عام 2011، أكبر مشروع مائى فى إفريقيا، ورغم إعلان إثيوبيا أن الهدف الأساسى هو توليد الطاقة، إلا أن غياب الاتفاق الملزم حول قواعد الملء والتشغيل خلق أزمةً إقليميةً عميقةً، مصر ترى أن السد يهدد أمنها المائى إذ تعتمد بنسبة تتجاوز 95 فى المائة على مياه النيل، والسودان يعتبر أن السد قد يحمل فوائد محتملة «تنظيم تدفق المياه وتوليد الكهرباء» لكن فى الوقت نفسه يهدد سلامة السدود السودانية إذا لم تكن هناك قواعد واضحة للتشغيل، هذا التباين النسبى فى المواقف دفع البعض فى فترات سابقة إلى الحديث عن اختلاف فى الرؤية بين القاهرة والخرطوم، إلا أن إنشاء آلية «2+2» جاء ليعيد التأكيد على أن أمن مصر والسودان المائى مصير واحد لا يتجزأ.

انعقاد هذه اللجنة فى سبتمبر 2025 جاء فى توقيت حساس للغاية، إذ صعّدت إثيوبيا من إجراءات الملء والتشغيل الأحادى، وأخفقت جولات التفاوض الثلاثية فى التوصل لاتفاق ملزم، فبرزت حاجة ملحّة لتوحيد الموقفين المصرى والسودانى أمام المجتمع الدولى.

وبالفعل، خرجت اللجنة بعدة رسائل قوية، منها رفض أى إجراءات أحادية فى حوض النيل الشرقى، والتأكيد على مرجعية اتفاقية 1959 المنظمة لتوزيع مياه النيل بين مصر والسودان، والدعوة لإحياء مبادرة حوض النيل بروح توافقية تضمن مصالح جميع الأطراف، وإعادة تفعيل الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل باعتبارها الذراع التنفيذية للتعاون الفنى.

وتعد أبعاد التعاون المصرى السودانى ركيزة فى مواجهة تحديات الأمن المائى للبلدين، فالبعد السياسى والدبلوماسى يشكل جبهة تفاوضية موحدة يحد من قدرة إثيوبيا على المناورة وكسب الوقت، ويعمل على تعزيز الموقف أمام الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة عبر خطاب متجانس، وتوظيف العلاقات المتوازنة لكل من القاهرة والخرطوم مع قوى دولية كبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين) لصالح الضغط الدبلوماسى.

والبعد الفنى ذو أهمية كبيرة بجانب البعد الدبلوماسى، فتبادل الخبرات فى إدارة المياه والسدود، خاصة أن السودان يمتلك خبرة عملية فى تشغيل سد الروصيرص وسد مروى، والتعاون فى رصد ومتابعة تطورات السد الإثيوبى بالأقمار الصناعية والبيانات المائية، وكذا إعداد دراسات مشتركة حول الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية للسد.

وجدير بالذكر أهمية البعد الأمنى، والتنسيق فى خطط الطوارئ لمواجهة أى تداعيات سلبية محتملة من انهيار أو خلل فى تشغيل السد، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتحركات الإقليمية المحيطة بملف النيل، وأهمية إبراز قضية السد ضمن منظومة الأمن القومى العربى والإفريقى.

ويعد البعد الشعبى والمجتمعى الذى عمل على تعزيز التواصل الإعلامى لإبراز أن مصر والسودان يواجهان التحدى ذاته، وتنظيم ندوات ومؤتمرات فى الجامعات ومراكز الأبحاث لتعميق الوعى العام، ودعم مبادرات المجتمع المدنى فى البلدين لتعزيز ثقافة التعاون المشترك، لقد وضعت اللجنة الأساس لتنسيق استراتيجى طويل الأمد، يعكس حقيقة أن مصر والسودان شعب واحد فى نهر واحد ومصير واحد. وتواجه اللجنة المشتركة بين مصر والسودان تحديات أمام التعاون، رغم قوة الموقف المشترك، إلا أن هناك تحديات واقعية ينبغى التنبه لها، ومنها الضغوط الخارجية التى قد تحاول استمالة السودان عبر إغراءات اقتصادية أو وعود تنموية، التباين فى المصالح الجزئية، حيث قد يرى السودان بعض الفوائد التشغيلية من السد، البيئة الإقليمية المضطربة فى القرن الإفريقى التى قد تنعكس على الملف، والمماطلة الإثيوبية المستمرة، ومحاولة فرض الأمر الواقع عبر الملء الأحادى المتكرر.

ولكن فى قراءة الآفاق المستقبلية للجنة 2+2 تمثل خطوة مهمة لكنها ليست النهاية، بل يجب أن تكون بداية لمسار استراتيجى طويل المدى يقوم على إنشاء آلية دائمة للتشاور تعقد اجتماعات دورية بغض النظر عن التطورات الطارئة، وبلورة استراتيجية تفاوضية موحدة تشارك بها القاهرة والخرطوم فى كل المحافل، تطوير مشروعات تنمية مشتركة فى مجالات الطاقة والزراعة والموارد المائية، لتجسيد التعاون على الأرض، وإشراك المجتمع الدولى عبر مبادرات قانونية وسياسية تؤكد أن أزمة السد ليست قضية ثنائية فقط، بل قضية أمن إقليمى.

ختامًا، أن التعاون المصرى السودانى عبر آلية «لجنة 2+2» يعكس إدراكًا عميقًا بأن مواجهة تحديات سد النهضة لا يمكن أن تتم إلا من خلال جبهة موحدة، سياسية وفنية وشعبية. فالأمن المائى ليس مجرد قضية تنموية، بل هو قضية وجودية لكلا البلدين ومن هنا، فإن اللجنة ليست مجرد لقاء وزارى، وإنما هى تجسيد عملى لوحدة المصير، ورسالة واضحة إلى إثيوبيا والمجتمع الدولى أن مصر والسودان معًا قادران على الدفاع عن حقوقهما المائية المشروعة بالوسائل السلمية والقانونية، مع إبقاء جميع الخيارات مفتوحة لحماية حاضر ومستقبل شعبى وادى النيل.

 
 

أخبار الساعة