رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الفيدرالى» يربك البورصات العالمية.. والضبابية تحيط بمستقبل «الفائدة»


28-8-2025 | 14:09

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

ترقبت الأسواق العالمية بمنتهى اللهفة، حديث رئيس «وول ستريت» أمام تجمع جاكسون هول بولاية كنساس الأمريكية، والذي جاء تحت عنوان عريض، فحواه «أسواق العمل في مرحلة انتقالية: التركيبة السكانية والإنتاجية والسياسية والاقتصادية الكلية»، وجاء هذه الطرح خلال ندوة السياسة الاقتصادية التي يُنظّمها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبينما يراقب المستثمرون أى إشارات من قبل البنوك المركزية فيما يخص مسار أسعار الفائدة.

وتعود جذور أبرز ملتقى اقتصادي عالمي- إلى العام 1978م، حين جرى تنظيمه لأول مرة في مدينة كنساس الأمريكية، قبل أن ينتقل في العام 1981 ليستقر في جاكسون هول، حيث بات وجهة سنوية لصناع السياسات الاقتصادية حول العالم، مما يعكس مكانتها المرموقة في أجندة الاقتصاد العالمى.

 

وتلقت الأسواق الاقتصادية العديد من الرسائل الحرجة والدقيقة فى هذا الشأن، فى الندوة التى انعقدت فى الفترة من 21 حتى 23 أغسطس، وتعد من أقدم مؤتمرات البنوك المركزية فى العالم، إذ تجمع خبراء اقتصاديين ومشاركين فى الأسواق المالية وأكاديميين، وممثلين عن الحكومة الأمريكية، ووسائل الإعلام؛ لمناقشة قضايا السياسة طويلة الأجل ذات الاهتمام المشترك.

لم يأت الحسم، بل ترك «جيروم باول» الباب موارباً أمام كافة الدول، فى وقت تعانى فيه من ضغوط تضخمية تؤرق صانعى السياسات النقدية.. فالملامح غير واضحة، والمعطيات تتغير، والتضخم يقع بين أنياب الضغوط السياسية ومؤشرات الاقتصاد الكلي.

ويقول رئيس الفيدرالى الأمريكى إن البيانات ضبابية والشركات تتجه إلى تحميل المستهلك الأمريكى بالرسوم الجمركية وبيانات التوظيف ضعيفة لعدة أسباب، من بينها سياسة الهجرة التى تنتهجها حكومة واشنطن، وأن الوقت خاطئ للتعريفات الجمركية والاقتصاد الأمريكى، والعالم كله قد يذهب إلى الركود السلس، ومع ذلك أصابت الأسواق حالة من التفاؤل، وارتفعت نسبة ذهاب الفيدرالى الأمريكى إلى خفض الفائدة فى شهر سبتمبر المقبل، بنسبة 93 فى المائة وفى السياق ذاته، تحرك ديناميكية الأسواق خصوصاً سوق الأسهم الأمريكية بعد وأثناء خطاب جيروم باول، ولقراءة مابين السطور فى جلسة «جاكسون هول»، يمكن إن نقول: أن هناك فرقاً بين الدورة الاقتصادية وما يحدث من بيانات، سواء الوظائف أو التضخم، وضعف سوق العمل نتيجة سياسات دونالد ترامب.. وفى الوقت نفسه - يقول رئيس الفيدرالى الأمريكى إن السياسة النقدية غير قادرة على التعامل مع التغيرات الهيكلية.. ومع انخفاض النمو الاقتصادى يتباطأ سوق العمل، وعند النظر إلى أسواق التوظيف التى تبدو شكليا متوازنة، فإن المخاطر ترتفع، وقد بات تأثير الرسوم الجمركية يظهر، بالإضافة إلى الأثر التراكمى المرتقب.

هنا نقول إن التضخم قادم مع ارتفاع أسعار السلع وتباطؤ النمو الاقتصادى وانخفاض الاستهلاك الخاص.. هذا بالإضافة إلى أن الرسوم قد تغير ديناميكية الأجور، لأنها ذات تأثير مباشر على أسعار المستهلكين.. أما على المستوى طويل الأجل، فالتضخم ما زال ثابتاً مرحلياً، ولكن يجب على الفيدرالى الأمريكى المتابعة عن كثب لتوازن المخاطر، فالسياسة النقدية تأتى من البيانات وتوازن المخاطر، ولن يبعد الفيدرالى عن هذا الهدف.

وبات استقرار الأسعار مطلباً للشعب الأمريكي، وأيضاً ضمان التوظيف، وذلك يأتى بمراجعة الفيدرالى للموقف المبنى على السياسات النقدية والفهم المتطور للاقتصاد الحقيقى.. فالسيد «باول» يعتمد على البيانات المهنية، بينما ترامب يعتمد على الاقتصاد المزيف، وهناك فرق كبير فيما بينهما.

ودوماً نقول ان السياسة النقدية لابد أن تكون استباقية لصالح الاقتصاد وبعيداً عن «دهاليز» السياسة.. فالالتزام الحقيقى للفيدرالى هو خفض التضخم.. فالأمر ليس سحراً، وإنما مراجعات حقيقية وتقييم واقعى منطقى، وليس بمناورات اقتصادية لرئيس يمتهن «البيزنس» باعتباره رجل أعمال وقطبا عقاريا فى الأصل.

وفى كل الأحوال، فتح «باول» الأبواب أمام خفض الفائدة فى سبتمبر 2025، ولكنه لم يعلنها صراحة.. كيف يقولها والتضخم مازال مرتفعاً، والأسواق بدأت تسعر نفسها على سيناريو الخفض، و«لو بـ25 نقطة أساس»، كما يتمناه أغلب البنوك المركزية حول العالم.

أهداف «الفيدرالى الأمريكى» فى حالة توتر، ولا شك أن جيروم باول أمام خيارين، أحلاهما «مر»، هو: خفض الفائدة دون النظر إلى المخاطر، أو الإبقاء على سعر الفائدة ويظل يرزح تحت الضغوط الترامبية، وفى اجتماع «سبتمبر» سيوازن بين الأوضاع الاقتصادية الجديدة وسعر الفائدة وارتفاع المخاطر.

ومما لا يدعو إلى الشك، فالعالم ، بلا استثناء، يمر بمرحلة انتقائية جديدة للجغرافيا الاقتصادية، تسمى رفع الغموض، خصوصاً بعد تصريحات «سيد وول ستريت»: أنه لا يمكن تجاهل ما تتركه التعريفات الجمركية من آثار للسيطرة على التضخم وسوق العمل، بالإضافة إلى تراجع النمو وقد تكون آثار التضخم أكثر ديمومة، وفقاً لتعبير جيروم باول، رئيس الفيدرالى الأمريكي.

وهنا لابد أن يقف العالم ليدرس أحواله، فالإكراه الاقتصادي، الذى أدى إلى التشديد النقدى لم يعد مثالياً مع ارتفاع تكلفة الائتمان، و«رفع الفائدة» هو أحد الأسلحة لكبح جماح التضخم، ولكنه ليس السلاح الأوحد، ومع حالة المعنويات القاطعة فى العالم كله، الذى يعانى من حالة عدم اليقين والضبابية، بينما يلهث الجميع للبحث عن حل للخروج من مأزق حقيقى قائم، وهو الموجة التضخمية التى تحيط به.

وتمثل الفائدة أحد معاول البنوك المركزية فى كسر هيبة التضخم عبر امتصاص فوائض السيولة من الاقتصاد وتقويض الطلب، إلا أن رفع سعر الفائدة الذى جاء عبر بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والتى كانت أساساً وخطوة، يعتبرها المحللون الماليون والاقتصاديون أكثر شراسة وعدوانية حتى الآن فى معركته ضد ارتفاعات التضخم، وقام على أثر ذلك، رفع عدد من البنوك المركزية فى الدول - سواء أوروبية أو عربية، ومن خلال عرضنا فى هذا المقال، سنتناول جوانب هذا القرار مع الأخذ فى الاعتبار أن سياسة الإكراه النقدي، التى فرضها الفيدرالى الأمريكى بالأصل، متأخرة قليلاً، لأنه من الواضح جلياً أن الولايات المتحدة لا تريد أن تسقط بمفردها، فهى تريد أن تعانى كافة البلدان معها من نفس دوامة الانهيار الاقتصادى بسبب التضخم، الذى لم تشهد له مثيلاً منذ 40 عاماً، فهى ترغب أن يدخل العالم فى نفق مظلم، لأن السؤال المهم: «هل رفع سعر الفائدة هو كل الحل ؟»..

من المتعارف عليه أن رفع سعر الفائدة يعنى الكثير بالنسبة لحركة رؤوس الأموال حول العالم، والدول التى رفعت سعر الفائدة على الفور سيكون لها أثر على محفظة مواطنيها.. أما عن المشروعات، فإنه مع ارتفاع أسعار الفائدة تصبح تكلفة تمويل الأنشطة الاقتصادية أعلى، وتقل الجدوى الاقتصادية للعديد من المشروعات، إذ يلجأ المستثمرون لاستثمار الأصول المادية.

ومع ضبابية المشهد الاقتصادى العالمي، فقد أعطى جيروم باول الضوء الأخضر لشراء الأسهم الأمريكية.. وهنا نقول: «هل سيحدث تبديل فى السياسة النقدية فى الفترة المقبلة ؟»..

لقد وضع رئيس الفيدرالى الأمريكى الاقتصاد على سكة الخفض، والدولار هو الخاسر الأكبر اليوم أمام العملات الأخرى.. أما عن اللغة اليوم، هى وضع التضخم فى العموم، لذلك تبدلت الصورة بحركة ارتدادية للأسواق نتيجة الصيغة اللينة التى تتبعها اليوم وول ستريت.

لقد أدت التصريحات فى «جاكسون هول» إلى قلب الطاولة على البيانات، وحدثت حالة منطقية من التنشيط للأسواق المالية، وهو ما قد يؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية..

أما ما يخص سوق الأسهم والسندات، فيعتمد فيه المحليون على ما يسمى بـ«سعر العائد الخالى من المخاطر»، أو سعر الفائدة على أذون الخزانة والسندات فى تقييم أسهم الشركات.

والسؤال المثار حالياً، أنه مع اتجاه الفيدرالى الأمريكى إلى خفض أسعار الفائدة فى سبتمبر 2025م، فإن العديد من البنوك المركزية العالمية باتت مجبرة على اتباع خطاه، إذ إنه حتى ولم تكن معدلات التضخم المسجلة لديها بصورة تدعو لخفض أسعار الفائدة، فقد تكون مضطرة إلى هذا القرار، مع الأخذ فى الاعتبار، الحفاظ على تدفقات رؤوس الأموال القادمة إليها نتيجة المنافسة مع أسعار عائد أعلى تقدمها سندات الخزانة الأمريكية، أو لإرتباط عملتها بصورة مباشرة بالعملة الخضراء، وبالتالى ضرورة المحافظة على أسعار الصرف مع الدولار، والمتوقع أن يشهد ارتفاعاً كبيراً بالمقارنة مع العديد من العملات الأخرى.

وبدورها، ومع ارتباط عملاتها بالدولار رغم قرارات التضخم التى كانت أقل بصورة كبيرة عن مثيلاتها فى الولايات المتحدة الأمريكية، عززت البنوك قراراتها إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمى، وتجنب اقتصاداتها صدمات تضخمية مستوردة من ارتفاع أسعار السلع العالمي، ثم نأتى إلى مصر ونحن نحلل قرار «البنك المركزى المصري»، ولكن نحتاج إلى قراءة ما مضى لنبنى عليه توقعاتنا..

الحقيقية الواضحة أن «المركزى المصري»، يتبع سياسة الترقب والحذر واختبار الأسواق، ومدى تأثير القرار على سحب الأموال.. وهنا يقرر سياسته فى الرفع أو التثبيت، لأن الواقع يقول ذلك كما فعل فى المرات الماضية عندما قرر التثبيت، وهى سياسة نقدية أفضل بكثير من سياسة التبعية للفيدرالى الأمريكي، لأن كل دولة لديها ظروفها وحساباتها، ولقد استطاعت مصر خلال الفترة الماضية أن توقف تراجع «الجنيه»، من خلال نجاح القاهرة فى جذب ودائع واستثمارات خليجية ودولية، وتخفيض الاستيراد على السلع غير الاستراتيجية، مع وجود زيادة فى أرقام قطاعات السياحة والصادرات المصرية فى الربع الأول من العام الحالي.

مؤخراً، عملت الدولة المصرية على زيادة إيرادات الضرائب لتعويض ما تم فقده من عوائد قناة السويس، وبالتالى كل السيناريوهات متاحة، والترقب هو سيد الموقف، فلدينا خبراء يعلمون جيداً أن سياسة التبعية ليست مجدية فى الوقت الحالي، وقد يكون الخفض أحد الخيارات للأسباب الآتية:

أولاً: التضخم ما زال فى النطاق الهبوطى الآمن وليس هناك قلق كونه مستوردا وليس نتيجة لزيادة المعروض النقدي

ثانياً: شهادة الوعاء الادخارى تلقى قبولاً ملحوظاً

ثالثاً: حزم الإيداع النقدى بالفرق - وهى فائدة حقيقية هزت الثقة فى المضاربة الدولارية، وعزز خفض الفائدة.

رابعاً: الأموال الساخنة غير مقلقة وتحتاج إلى التغلب عليها عن طريق حزم مالية سريعة وحوافز و«أطروحات حكومية» منتظرة.

خامساً: التنوع فى الاحتياطى النقدي.

بقى أن نقول إن الخلاصة تنحصر فى تساؤل هام جداً، ممثلاً في: «هل هناك تغير فى المزاج العام للأسواق، أو تحول فى المعنويات الاقتصادية، بعد كلمة جيروم باول فى جاكسون هول، خلال الاجتماع السنوى لمجلس الاحتياطى الفيدرالى بمدينة كانساس سيتى؟.. الأيام القليلة المقبلة ستكشف المشهد النقدى والمالى العالمى.