الحديث مع عالم كبير فى مكانة الدكتور صلاح عبية، رئيس عام المعاهد البحثية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، والأستاذ والمدير المؤسس لمركز الفوتونات والمواد الذكية بـ«زويل»، الحاصل على جائزة النيل فى العلوم، ليس بالأمر السهل، فهو أحد العلماء أصحاب المكانة الكبيرة فى البحث العلمى عالمياً وعربياً ومصرياً، صاحب الجوائز المتميزة، الذى أشرف على عشرات رسائل الدكتوراه والماجستير فى مصر والخارج.
تفاصيل كثيرة حاولت الاقتراب منها فى حوارى مع العالم الكبير، لأوجز رحلة الدكتور «عبية» العلمية الكبيرة خاصة فى مدينة «زويل»، وعلاقته بالراحل الدكتور أحمد زويل، ورؤيته للبحث العلمى فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكذا المشروعات العملاقة والجامعات التى تم تدشينها خلال الـ11عاماً الماضية.
أيضاً «د. عبية» تحدث عن الوعى وضرورة أن يكون الجميع مدركين لما يحدث فى مصر من إنجازات وإيجابيات على أرض الواقع، وعن أهمية الذكاء الاصطناعى، والابتكارات العلمية.
وأكد أن البحث العلمى فى حد ذاته شىء رائع ومهم وضرورى جداً، لكن لابد فيه من عنصر الابتكارية، بأننا نفكر فى حلول جديدة ليست لمشاكلنا الحالية؛ إنما مشاكلنا المتوقعة فى المستقبل بكل المجالات. ودعا إلى التوسع فى تحويل الأبحاث العلمية إلى منتجات ابتكارات فكرية، لأن هذا أمل مصر الحقيقى فى نمو ما يعرف بالاقتصاد المعرفى، تفاصيل كثيرة فى السطور التالية:
ماذا تمثل جائزة النيل فى العلوم للدكتور عبية؟
جائزة النيل للعلوم تمثل لى ولكل عالم وأستاذ أهمية كبيرة، وتمنح الفائز شعوراً بأن الدولة ممتنة وتثمن جهوده البحثية، وهى تعطى نوعاً من التقدير للعالم من بلده، فهى فى الحقيقة أرفع جائزة علمية على الإطلاق تمنحها الدولة المصرية كل عام لأستاذ واحد فقط فى العلوم، وهناك جائزة أخرى فى العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، ففى كل فروع العلوم سواء هندسة وطب وزراعة وعلوم أساسية يمنح عالم واحد جائزة واحدة كل عام، وحقيقى عندما يأتى التقدير العلمى من الدولة المصرية يكون له أثر طيب جداً فى نفس الإنسان.
وهل تعتبر الجائزة تقديراً لمشوارك الكبير فى البحث العلمى؟
هى بالطبع تقدير من الدولة، وهى ليست على بحث واحد أو اثنين؛ إنما عن مجمل الأبحاث التى أجراها الأستاذ بالتعاون مع فريقه البحثى خلال الأعوام الماضية، والتى امتدت عندى لأكثر من 25 إلى 30 عاماً، وهى لمسة امتنان وتقدير عالية جداً من الدولة المصرية.
لكم مشوار كبير فى البحث العلمى بمصر والعالم طيلة السنوات الماضية... أوجزه لنا؟
حصلت على بكالوريوس الهندسة قسم «هندسة الإلكترونيات والاتصالات» بتقدير عام ممتاز عام 1991 فى كلية الهندسة جامعة المنصورة، ثم الماجستير فى «هندسة الاتصالات» فى نفس الجامعة عام 1994 تحت إشراف الدكتور حمدى الميقاتى وهو واحد من كبار علماء مصر فى هذا المجال، بعدها سافرت إلى المملكة المتحدة عام 1996 للحصول على الدكتوراه فى جامعة «سيتى لندن»، وأنهيت الدكتوراه بنجاح فى حوالى 30 شهراً نهاية 1999 ثم عدت إلى مصر لأتسلم عملى كمدرس فى كلية الهندسة جامعة المنصورة، لكن لم أمكث هناك إلا عدة أشهر، ثم عدت بعد ذلك إلى المملكة المتحدة، للعمل أولاً كزميل باحث رئيسى فى جامعة «ستى لندن» ثم أستاذ مساعد فى «جامعة برونيل» غرب لندن، ورقيت فى نفس الجامعة إلى أستاذ مشارك عام 2005، وعام 2006 انتقلت إلى «جامعة ويلز» كأستاذ كامل الأستاذية فى مجال تخصصى وهو الفوتونات، وأنشأت هناك مجموعة أبحاث النمذجة الحاسوبية للفوتونات، ثم حصلت على أستاذ كرسى، وهذا أرفع درجة أكاديمية فى المملكة المتحدة، فى «جامعة جنوب ويلز» عام 2007 وأسست هناك مركز بحوث الفوتونات والاتصالات، ثم عدت عام 2012 للعمل بمدينة زويل، أولاً كأستاذ ومدير مؤسس لمركز الفوتونات والمواد الذكية، وبعد هذا بعامين كنت أول من تقلد منصب الرئيس العام للمعاهد البحثية بمدينة زويل، ثم بعد ذلك توليت إدارة مدينة زويل بالكامل تحت رئاسة رئيس مجلس الأمناء فى ذلك الوقت الراحل الدكتور أحمد زويل.
وماذا عن أبحاثك؟
فى أبريل 2017 عدت مرة أخرى إلى مركز الفوتونات والمواد الذكية لاستكمال أبحاثى إلى عام 2023 حيث تقلدت مرة أخرى للمرة الثانية منصب رئيس عام المعاهد البحثية بمدينة زويل، وأشغل عدة مناصب أخرى منها، منصب أستاذ كرسى لاستخدام التكنولوجيات الحديثة للتنمية المستدامة بقارة إفريقيا منذ 6 سنوات، وأستاذ كرسى اليونسكو يمنح من هيئة اليونسكو فى باريس، وأيضاً أشغل رئيس عدة لجان علمية متخصصة بالمعهد الملكى للفيزياء فى المملكة المتحدة، وعضو مجلس إدارة جمعية الضوئيات الأوروبية ومقرها فى فنلندا، إلى جانب عدة مناصب أخرى وعضوية لجان كثيرة جدا سواء للتحكيم فى جوائز دولية أو مؤتمرات.
حصلت على عدة جوائز خلال مشوارك العلمى، ماذا عنها؟
حصلت على أكثر من 30 جائزة ما بين جوائز الدولة فى مصر، وجوائز من الوطن العربى وجوائز على مستوى القارة الإفريقية، وجوائز على مستوى العالم، كان أهمها وأرفعها جائزة «كوامى ناكروما» سنة 2020 وهى جائزة أفضل أستاذ باحث فى كل مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتسلمتها فى مؤتمر الاتحاد الإفريقى الذى حضره زعماء ورؤساء جميع الدول الإفريقية.
والجائزة الأخرى التى أعتز بها هى «جائزة النيل»، فضلاً على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الهندسية 2019، وجائزة الدولة للتفوق العلمى فى العلوم الهندسية عام 2013 إلى جانب الوسام الذى أعتز به، وهو وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عيد العلم عام 2019.
كما اعتز بالمجموعة الكبيرة التى أشرفت عليها فى الماجستير والدكتوراه، فقد أشرفت على حوالى 150 أو أكثر من باحثى الماجستير والدكتوراه فى المملكة المتحدة ومصر، والشىء اللافت للنظر أن منهم أمثلة رائعة، فمنهم من عمل فى شركات صناعية كبرى بأوروبا ومنهم من تقلد مناصب فى المملكة المتحدة وفى مصر، وجميعهم يشعرونى بأنى قمت بواجبى معهم.
وكيف ترى تشجيع الرئيس السيسى للبحث العلمى والعلماء خلال السنوات الماضية؟
تشجيع الرئيس السيسى للبحث العلمى ملموس وواضح جداً من خلال عدة أُطر، فمثلاً تمت زيادة موازنة البحث العلمى وموازنة أكاديمية البحث العلمى عدة مرات خلال الـ11 سنة الماضية، وأظن أن موازنة أكاديمية البحث العلمى عدت المليار جنيه، ولدينا «صندوق تطوير العلوم والتكنولوجيا» وميزانيته تدخل فى نفس الرقم، وتم استحداث صندوق آخر هو مهم جداً فى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى وهو برعاية الرئيس وبدعم منه هو «صندوق دعم الابتكار»، ونريد أن نتحدث عن أمرين لابد أن يكونا متلازمين مع بعضهما، البحث العلمى والابتكار، فالبحث العلمى فى حد ذاته شيء رائع ومهم وضرورى جداً؛ لكن لابد فيه من عنصر الابتكارية، بأننا نفكر فى حلول جديدة لمشاكلنا وليست مشاكلنا الحالية؛ إنما مشاكلنا المتوقعة فى المستقبل بكل المجالات، وهناك خمسة مجالات الجميع يتحدث عليها وهى «الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة، والمياه، والبيئة، والصحة» وهى ملفات تواجه جميع المجتمعات سواء المقدمة أو الأقل تقدما.
والأمر الآخر هو إصدار الرئيس السيسى قانون «حوافز الابتكار»، وهو آلية جديدة ومهمة حتى تبقى جامعاتنا المصرية على غرار جامعات العالم المتقدم، حيث كان يواجهنا فى الماضى منذ عامين أو ثلاثة مشاكل عندما يريد أستاذ يعمل فى جامعة أن ينشئ شركة تؤسس على نتائج البحث العلمى التى توصل إليها، وبهذا القانون بدأت الأمور تصبح أكثر سهولة، وأظن أن اللائحة التنفيذية فى طور الإعداد والإصدار وهى سوف تعمل طفرة ونقلة مهمة جداً، وفعلاً سنجد شركات مبنية على البحث العلمى، وبعض المحاولات حدثت حالياً ببعض الجامعات الكبيرة فى مصر، فأدعو إلى التوسع فى تحويل الأبحاث العلمية إلى منتجات ابتكارات فكرية، لأن هذا أمل مصر الحقيقى فى نمو ما يعرف بالاقتصاد المعرفى، وهو كيف أننا نحول نتائج البحث العلمى إلى نماذج فكرية ابتكارية يُمكن تسويقها على مستوى العالم، وهو شيء على سهولته، فهو على قدر كبير من الإمكانية بأن يدر على مصر عائدا دولاريا ضخما.. فالاقتصاد المعرفى أساسه البحث العلمى وتحويله إلى منتجات ابتكارية فكرية.. فالبحث العلمى على المسار الصحيح فى الجمهورية الجديدة.
تحويل البحث العلمى لابتكارات فكرية.. هل نستطيع من خلاله مواجهة تحديات ملف المياه وغيرها من الملفات مثلاً؟
طبعا، العلم مفتاح التقدم، والدول التى نقول عنها إنها متقدمة هى أساساً متقدمة علمياً، ففى مصر لدينا إمكانية كبيرة، فمصر حالياً رقم 32 فى الأبحاث العلمية التى تنتج وتنشر فى كبرى الدوريات العلمية، فمصر فى مصاف الدول الأوروبية المتقدمة بالبحث العلمي؛ لكن ما ينقصنا هو كيف نتحرك بشكل إيجابى بأن نستفيد من الأبحاث العلمية، وما يحدث هو أننا نقوم بنشر أبحاث علمية وتجد طريقها للمجلات، لكن كيف ندرى أن هذه النتائج لا يتم الاطلاع عليها فى الشركات الكبيرة بالخارج ويتم أخذ الأفكار وتحولها إلى منتجات فكرية، وهنا يجب أن أثمن بعض المبادرات التى قام بها الكبرى أيمن عاشور، وزير التعليم العالى، مؤخراً، فهناك مبادرة «تحالف وتنمية» وهى كيف لمجموعة جامعات مثلاً فى القاهرة الكبرى وعين شمس و«زويل» أن يبدأ بينها وبين الصناعات والشركات الكبرى، التقاءات فى مجموعة من المشاكل والنقاط البحثية التى يضخ لها تمويل بحثى من قبل الوزارة، من أجل أمر مهم جداً، وهو تشغيل الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، وأهم من ذلك كيف أن هؤلاء الشباب يصبحون مرتبطين بمنظومة البحث العلمى التى تؤدى إلى منتجات ابتكارية تعمل فرقا اقتصاديا، وهو هدف مهم، والفكرة كلها هو أننا لو نجحنا مرة أو مرتين، سيبقى «نموذج نجاح» لتبدأ بقية الجامعات تحذو حذوه، واستبشر خيرا بهذا، وهو سيحدث فرقاً كبيرا جدا وفرقا اقتصاديا.
وماذا عن مركز «الفوتونات والمواد الذكية» بمدينة زويل؟
أسست المركز عام 2012 و«فوتونات» من كلمة «فوتون» وهو اللبنة الأساسية لتكوين الضوء، والضوء كان العلماء يتصورون فى بدايات القرن العشرين أنه عبارة عن موجات فقط مثل موجات الصوت يحدث لها سقوط وانعكاس وتشتت؛ لكن أينشتاين ومجموعة من العلماء يرجع لهم الفضل، فى أننا نفهم أكثر عن طبيعة الضوء، وأنه ليس فقط موجات بل جسيمات، وهذه الجسيمات التى نقول عليها حالياً «فوتونات» لها طبيعة خاصة، فطبيعة هذه الجسيمات ليست لها كتلة، إنما هى كمات شديدة التركيز من الطاقة، والأمر الآخر هو أن «الفوتون» له خاصية أخرى مهمة جداً عندما ينزل على ذرة الماء يعطى الطاقة الخاصة به للإلكترون الموجود فى المدار الخارجى بالكامل، ثم يختفى بعدها، نتيجة التفاعل ما بين «الفوتونات» والمواد فى النطاقات الصغيرة جدا، والنطاقات الصغيرة تعنى نطاقات الحدود الميكرو ميتر وهو 1 على مليون من المتر، أو النانو ميتر وهو 1 على ألف مليون من المتر، والحقيقة نبدأ نرى فى هذه النطاقات ظواهر مهمة جداً يمكن الاستفادة بها فى تصميم أشياء مهمة فى حياتنا، بمجال الطاقة الجديدة والمتجددة مثلاً.
إذًا ممكن الاستفادة من «الفوتونات» فى حل أزمة الطاقة والكهرباء مثلاً؟
هذا كما تحدثت فيه، مثلا على سبيل المثال فيه صيحة جديدة الآن، العالم يتحدث عنها وهى «طاقة المجتمعات الصغيرة» وهى ليست شرطاً أن تبقى محطات الكهرباء عملاقة لخدمة مصانع غزيرة الاستهلاك فى الطاقة، لكن فى بعض المجتمعات التى تعيش على أطراف المدن الكبيرة أو تعيش فى مناطق غير مأهولة بشكل كبير أو صحراوية، ممكن تعمل بخلايا الطاقة الشمسية، والأمر هو أننا ممكن أن نقلل حجم الألواح ونعظم كمية الكهرباء المنتجة من هذه الألواح، وكان الطريق إلى هذا استخدام تكنولوجيا الفوتونات فى هذا الغرض، وعملنا فيها جزءا كبيرا من الأبحاث، وهذا جزء كبير من أبحاثى، بالإضافة إلى عدة تطبيقات أخرى، فتكنولوجيا الفوتونات صعب جدا حصرها فى تطبيق أو اثنين، ويصعب أن نفتقد تكنولوجيا الفوتونات فى حياتنا اليومية.
ومثل ماذا الذى نحتاج فيه للفوتونات بحياتنا اليومية؟
على سبيل المثال، كلنا الآن نعتمد على خدمة الفايبر فى الإنترنت، والفايبر هذا واحد من تكنولوجيا الفوتونات التى تستخدم فى عملية الاتصالات واسعة المدى، فمثلاً أيام الكابل النحاس كنت تقدر تحصل على سرعة معينة فى نقل البيانات، هذه السرعة نقدر نضربها فى 100 عند استخدام الفايبر، لأن الفايبر يستخدم فى نقل البيانات أو يعتمد فى نقل البيانات على تكنولوجيا الفوتونات، وهى تكنولوجيا سريعة جدا جدا وتوفر مدى ترددياً واسعا وبيئة آمنة وغير قابلة لتسريب المعلومات لشخص غير مرغوب فيه.
مدينة زويل لها دور كبير فى البحث العلمى.. حدثنا عنها؟
فى «زويل» لدينا «مركز النانو تكنولوجي» وهو مركز مهم جداً، وسوف نسمع كثيراً خلال الفترة المقبلة عن النانو تكنولوجى من مدينة زويل، لأننا عندنا الأساس الخاص بأبحاث النانو تكنولوجى أن يبقى لدينا غرفة نقية (كلين روم) ونحن حالياً بصدد إعادة إنشاء الـ(كلين روم) لأنها سوف تعمل لنا نقلة كبيرة، كيف أننا نعمل أبحاث نانو تكنولوجى، مثلاً فى مركز الفوتونات نجرى أبحاثا كيف أننا نعمل مستشفى طبياً يقدر يقيس نسبة السكر فى الدم بدون «إبر أو وخز»، وأحيانا المستشعر يبقى أبعاده دقيقة جدا، لذا نحتاج إلى معمل يخصص لتصنيع هذه المستشعرات الطبية الدقيقة، والمعمل هو الغرفة النقية.. وهذه الغرفة بدل ما أرسل التصميم الخاص بالمستشعر إلى الخارج من أجل تصنيعه وممكن الفكرة تنقل لهناك بلا مقابل، نصنعه هنا ونعمل له اختباراً، ونبدأ بعد ذلك نروجه ونسوق له، وهنا سوف نعمل أمراً مهماً جدا وهو «توطين التكنولوجيا»، فالتكنولوجيا المبتكرة التى كانت تخرج إلى الخارج ونرجع نستوردها بأموال كثيرة نقدر نعملها هنا، وهناك أمر آخر أهم، وهم الشباب الذين كانوا يذهبون للخارج من أجل الدراسة، وهنا لا أقول إن الشاب لا يدرس، لكن عندما يكون لدينا مركز نانو تكنولوجى وفية غرفة نقية بدرجة عالية، ممكن أنهم يتم تدريبهم على أحدث الأجهزة، ويعملون أفضل الأبحاث، ومركز النانو تكنولوجى مثل بقية المراكز البحثية فى مدينة زويل، ليس حكرا على أعضاء ومنتسبى المدنية، فمعظم الباحثين ودرجات الماجستير والدكتوراه فى المدينة لطلاب من جامعات أخرى، فأواصل التعاون قائمة، والمدينة خلال الفترة المقبلة، سوف تبدأ تستقبل أعدادا أكثر من طلاب الدراسات العليا بالجامعات المصرية، وهذا سيؤدى إلى تقوية التعاون العلمى بين الأساتذة فى المدينة وزملائهم فى الجامعات الأخرى، وهذا غير الخدمة التعليمة المميزة، فلدينا مجموعة من البرامج سواء فى الهندسة، أو العلوم، أو إدارة الأعمال، أو علوم الحاسب، وبدأ الذكاء الاصطناعى يدخل عندنا ليس فى الأبحاث؛ لكن يدرس للطلبة فى مرحلة البكالوريوس، وهذه واحدة من الأشياء المهمة عندما يحدث لها دمج مع النانو تكنولوجى ودمج مع الفوتونك ودمج مع البيولوجى، فالحقيقى أن الذكاء الاصطناعى سوف يلعب أدوارا كبيرة جدا.
الرئيس السيسى تحدث أكثر من مرة عن مستقبل الذكاء الاصطناعى؟
أكيد، لازم ندخل هذا العالم وبقوة وبدعم أكيد من الدول وعلى رأسها الرئيس السيسى، وهذا ليس على مستوى الأبحاث، فعلى سبيل المثال أنا أعمل الآن على مشروع تدريبى حتى للعامة أنهم يتعرفوا «يعنى إيه ذكاء اصطناعى» وكيف يستخدمونه فى أعمالهم ويطورون مهاراتهم، لأننا داخلين فى عصر إذا لم يكن كل شخص قادرا على التعامل مع هذه التكنولوجيا سيكون خارج العصر تماماً، فالرئيس يوجه الدولة دائما للاهتمام بالنانو تكنولوجى والاهتمام بالتكنولوجيات الحديثة، والاهتمام بالذكاء الاصطناعى، فيه رؤية، فيه حاجة مهمة جدا تحدث فى مصر، فلدينا قيادة سياسية ليست فقط واعية بأهمية العلم، لكن مدركة تماما لحتمية أن العلم هو الذى يجب أن يسود فى مصر، لأنه الطريق الوحيد للتقدم.
وماذا عن أقسام الذكاء الاصطناعى فى الجامعات الأخرى؟
وجود أقسام الذكاء الاصطناعى فى الجامعات، أمر يشعرنى بالطمأنينة، لسبب مهم هو الذكاء الاصطناعى من التكنولوجيا التى تتحور وتتطور بشكل سريع جدا، لذا لابد أن يكون لدينا قاعدة علمية واسعة جدا فى كل المجالات. وأدعو لتدريس الذكاء الاصطناعى فى كل التخصصات وليس التخصصات العلمية، فأريد الذكاء مع السيكولوجى، ومع الفنون، ومع دراسة الموسيقى، ومع دراسة الآداب، فالذكاء تكنولوجيا معززة بقوة لقدرات الإنسان سواء صحفيا أو أديبا أو كاتبا إلى جانب الطب والزراعة والهندسة.
لذا الرئيس السيسى تحدث أكثر من مرة عن دارسة الذكاء الاصطناعى؟
الرئيس السيسى تحدث عنه وله رؤية واضحة فى ذلك، وإن شاء الله الحكومة تتبنى هذه الروية وتنفذها بنفس الوضوح والكفاءة التى يتمناها الرئيس.
البعض يتحدث عن هجرة الأطباء والعقول البارزة للخارج.. هل يقلقك هذا الأمر؟
لا يقلقنى هذا الأمر، عشت فى إنجلترا حوالى 15 سنة، وحتى فى إنجلترا هناك هجرة، فالهجرة ممكن تعمل أزمة فى الطب خلال وقت من الأوقات، لكن هى شيء صحى، فالطبيب الذى يسافر مثلا إنجلترا أو ألمانيا سيعود معه خبرة، حتى لو 10 أو 20 فى المائة رجعوا وليس جميعهم، فإنجلترا فيها هجرة ويذهبون للولايات المتحدة، والولايات فيها هجرة لأستراليا، لأن الأستاذ فى الولايات عليه ضغوط كبيرة، كيف يوفر التمويل اللازم لأبحاثه؛ فالهجرة ليست موجودة فى مصر فقط، بل فى العالم كله، ودورنا فى أن تكون جامعاتنا وكلياتنا قادرة طول الوقت أنها تخرج خريجين جددا، ويبقى لدينا خطط بأن يكون لدينا عدد معين من الأطباء نحاول أن نحسن من مستوى معيشتهم، فالهجرة شيء إنسانى، وفى مصر المواطن مهما يسافر يبقى عنده حنين لبلده لازم يرجع، فلا نحاول أن نقلق من ظواهر طبيعية تحدث فى كل دول العالم، وليست بالضرورة مرتبطة بأوضاع اقتصادية معينة.
ماذا عن علاقتك بالدكتور زويل.. وموقف لا تنساه؟
هى ذكرى إنسانية أكثر، كان بعض الناس للأسف يأخذ صورة انطباعية عن الدكتور زويل، أنه شخصية متحفظة، وأذكر أننا كنا نتناول العشاء فى مطعم سمك بوسط البلد، وكنا نتحدث عن الشغل، ووجدت نظره يتجه نحو الشاب الذى يحضر الطعام، فسألنى لماذا هذا الشاب ينظر إلىّ، قلت له: يبدو أنه يريد التصوير معك، قال له تعالى وصورته أنا ، وكان الدكتور زويل فرحت جداً بفرح الشاب، فهو شخص شديد التواضع والخجل، وكان من داخله مصرياً ريفياً، كنا أحيانا أنا وهو نتحدث، أنا أصلا من شربين دقهلية، وهو من دسوق كفر الشيخ، كنا نقعد نتكلم، وكان يقول لى لو أحد دخل علينا يقول 2 فلاحين واحد من دسوق والآخر شربين، وكان لا يرد الإساءة بالإساءة، وفى أوقات معينة كان قد هوجم من الصحافة والإعلام، ولم يعلق ولم يرد، وكان دائما يقول إحنا عملنا لوجه الله من أجل خدمة مصر، وكان رجلا وطنيا من الطراز الأول.
الدكتور زويل قدم لمصر الكثير.. حدثنا عن ذلك؟
أسهل حاجة عنده بعد أن حصل على «نوبل» أن يعيش فى الولايات المتحدة، لكن خاض فى مصر تجربة فيها بعض الصعوبات، والحقيقة أن القيادة السياسية كان لها دور فى الوقوف مع دكتور زويل، وكان يؤكد لى حرص القيادة على مستقبل المدنية، وحرص القيادة على رؤية مصر والعلم، فالعلم هو طريق مصر الحقيقى وهى رؤية الرئيس السيسى ربنا يوفقه.
وماذا عن الجانب الإنسانى فى حياه الدكتور عبية؟
كل طلابى يعتبروننى أخاهم الكبير ووالدهم، والأحاديث بيننا ليست فى العلم بل تمتد إلى نواحٍ إنسانية، فالعلاقة أكيد أشمل وتأخذ شكلا أبويا، وأحاول قدر المستطاع أنقل لهم خبرتى التى اكتسبتها فى الخارج، والعائلة من شربين فى الدقهلية، وأنا على اتصال بإخواتى وعائلتى، وكأنى لم أخرج من شربين حتى وإن كنت أقيم فى القاهرة.
سافرت للخارج كثيرا.. هل النظرة تغيرت لمصر والمشروعات؟
مصر «عدت» من مرحلة شديدة الصعوبة بعد أحداث 2011 لكن ربنا يسر لنا من القادة استطاعوا انتشال مصر من مستنقع خطير كنا سنقع فيه، والحقيقة استجابة القيادة السياسية والشعب وتلاحمهم فى إننا نبنى البلد مرة ثانية ونحاول نقوم من عثرتنا التى لم تأخذ وقتا طويلا، ثم جاءت مرحلة البناء التى حدثت خلال 11 عاماً الماضية، مدن ومشروعات جبارة وجامعات ومراكز بحوث، ومدينة زويل وهى بحد ذاتها كانت وصلت لمرحلة عام 2013 عندما صدر حكم قضائى إننا نترك المبانى، فالرئيس السيسى فورا أمر بتخصيص أرض جديدة ووضع التمويل اللازم، وأذكر أن الدكتور زويل عندما كان يأتى من لقاءاته مع الرئيس السيسى، كان رغم مرضه الشديد يبقى فى أفضل حالاته النفسية، لكن نحتاج الآن أن نتحدث عن الإيجابيات وليس عن السلبيات بل نحاول نحلها، لماذا لا نتحدث عن الإيجابيات، فالعام الماضى فقط حاصلات زراعية مصرية بقيمة 8 مليارات يورو إلا ربع تم تصديرها لأوروبا، وهذه حقائق، فالإنسان عندما يعرف الحقائق، هذا يعطى له دفعة قوية أننا نسير فى الطريق الصحيح، نكمل وحتى لو فيه عثرات سوف نتخطاها، لكن عندما نتحدث فى كلام سلبى فهذا خطير جدا.
الرئيس السيسى حذر أكثر من مرة من الشائعات؟
هذا كلام مهم جدا، وللأسف ليس لدينا التقدم الثقافى الذى يسمح للناس أنها تفرز ما تتلقاه من معلومات، محتاجين كأجهزة إعلام وصحافة نركز ونكثف الجرعة التى تعطى للناس أملا بالإيجابيات فى مصر.. لماذا مثلا لا نتحدث عن مكانة مصر فى البحث العلمي؟


