فى الموعد المحدد استقبلتنى بابتسامتها المعهودة، ثم بادرتنى قائلة: أنا لا يمكن أن أتأخر عن مجلة الكواكب رغم أنى على سفر فى الصباح الباكر، أنا من عمر الكواكب، كلانا مولود فى مارس 1932، كبرنا معا ولم نفترق منذ بدأت أضع قدمى فى عالم الفن، ودائما ما ساندت خطواتى الفنية والإنسانية، ولذلك فإننى أعتبر نفسى ابنة «دار الهلال» تماما مثلما هى «الكواكب» ابنة هذه الدار العريقة، ثم جاء زوجها الراحل الكاتب سعد الدين وهبة الذى توطدت علاقتى به منذ ذلك اليوم، وحضر جانبا من اللقاء قبل أن ينصرف لشأنه.
ليس المهم الآن ما قالته فى هذا اللقاء الذى تم نشره فى آخر ديسمبر 1985، ولا الحديث عن ترميم المسرح القومى وخطتها القادمة، لأننى كنت مشدودا إلى شيء آخر، إلى صوتها الآسر وأنا أتذكر أعمالها الإذاعية الخالدة وعلى رأسها مسلسل «سمارة»، أو دررها التليفزيونية العديدة، أو روائعها المسرحية مثل «سكة السلامة» و»كوبرى الناموس» و»السبنسة» و»دائرة الطباشير القوقازية» و»أنتيجون»، و»ست الملك»، وغيرها من تلك الأعمال التى جعلت منها سيدة للمسرح العربى، وهو مقام لو تعلمون عظيم.. فسميحة أيوب تبقى فى المكانة ذاتها التى تحظى بها كوكب الشرق أم كلثوم فى الغناء، وفاتن حمامة فى السينما، ثلاثتهن سيدات مجالاتهن، فأى قيمة سامقة تلك التى تقرن بين سيدة المسرح العربى سميحة أيوب وسيدة الغناء العربى أم كلثوم وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة؟ والشيء الغريب حد الدهشة أنه ليس للغناء ولا للشاشة ولا للمسرح سيد بين الرجال، وكأن هذا اللقب الرفيع معقود فقط لهذه السيدات الثلاث دون سواهن.
اعتلت سميحة أيوب خشبة المسرح مع مطلع الخمسينيات حتى من قبل تخرجها فى المعهد العالى للتمثيل، حيث كانت قد ظهرت أولا على شاشة السينما منذ العام 1947 وصولا إلى فيلمها المهم فى ذلك الوقت مع ليلى مراد وحسين صدقى «شاطئ الغرام» سنة 1950 من إخراج هنرى بركات، وهو الفيلم الذى اختصر لها الكثير من خطوات بداية المشوار، وعندما بدأت صولاتها المسرحية كانت كل من دولت أبيض وعلوية جميل وبقية بنات مسرح رمسيس يلملمن بقايا نجوميتهن المسرحية، ثم لحقت بهن بعد قليل أصغر بنات رمسيس أمينة رزق، ومن بعدهن سريعا نعيمة وصفى حتى لو كانت من جيل لاحق عليهن، لتبقى كل من سميحة أيوب وسناء جميل تتحملان وحدهما مسئولية البطولة النسائية فى المسرح المصرى قبل أن تأتى كتيبة محسنة توفيق وسهير البابلى وفردوس عبدالحميد، ومن هنا كان الفراغ الواضح الذى كان على سميحة أيوب تحديدا أن تملأه ربما بصورة أكثر بروزا من تجربة سناء جميل قليلة الإنتاج فى تلك الفترة، وهذا يفسر غزارة حضورها المسرحى، وهو التوقيت ذاته الذى صنعت فيه اسمها الكبير على حد وصفها، والذى دفعت بسببه ثمنا باهظا من استقرارها الأسرى بالانفصال عن زوجها الأول وحب عمرها الفنان محمود مرسى، وهو قرار الانفصال الذى ظلت طيلة حياها تعترف بأنه القرار الوحيد الذى ندمت عليه، وما كان يجب عليها أن تصل إلى هذا المصير حتى لو كان من أجل الفن.
أما وأن زيجتها الأولى قد فشلت بسبب حبها للفن، فإنه كان عليها إحداث التوازن فى زيجتها الثانية من الكاتب سعد الدين وهبة الذى كانت قاسما مشتركا فى أعماله المسرحية الكبرى مثل «سكة السلامة» و»كوبرى الناموس»، و»السبنسة» وغيرها، وهو الطريق الذى ظلت سائرة فيه بعيدا عن كتابات سعد الدين وهبة -بعد أن عركتها التجربة الفنية والشخصية- فى أعمال، مثل: أنتيجون، فيدرا، رابعة العدوية، دماء على أستار الكعبة، والوزير العاشق.
وربما كانت شذرات سميحة أيوب على شاشة السينما لا تشى بنجومية حقيقية توازى ما كانت تحققه على خشبة المسرح، لكن يكفيها أن غالبية مشاركاتها السينمائية كانت علامات بارزة فى مسيرة الفيلم المصرى، مثل أدوارها فى: ورد الغرام، أنا وحدى، المهرج الكبير، موعد مع السعادة، كدت أهدم بيتى، الوحش، مجرم فى إجازة، بين الأطلال، لا تطفئ الشمس، أدهم الشرقاوى، أرض النفاق، وفجر الإسلام، وصولا إلى أفلامها الأخيرة تيتة رهيبة والليلة الكبيرة وليلة العيد، غير أن سميحة أيوب عوضت هذا الحضور السينمائى غير الدائم بتواجد مكثف على الشاشة الصغيرة، فى زمن سطوة الدراما التليفزيونية منذ مطلع الثمانينيات وحتى أسابيعها الأخيرة، ما أشبع رغبتها الدائمة فى العطاء لفن التمثيل حتى رمقها الأخير.
فوداعا حزينا يليق بمقامك الرفيع يا سيدة المسرح العربى.