«تداعياتها حاضرة»، الوصف الأقرب للحديث عن تأثير التعريفات الجمركية التى أعلنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال الأيام الماضية، على الدول العربية، وإن كان هذا التأثير يختلف من عاصمة لأخرى، ورغم تأكيدات رجال الاقتصاد والعاملين بمجال الاستيراد والتصدير على تأثر مصر مثل بقية دول العالم بشكل غير مباشر من الآثار التضخمية الناتجة عن الحرب الاقتصادية التى أعلنها «ترامب» على اقتصاد العالم، فإن هناك شبه إجماع على وجود فرص مميزة يمكن أن تستغلها مصر لزيادة صادراتها من بعض السلع وجذب المزيد من الاستثمارات للدول الأكثر تضررًا من نسب الجمارك المرتفعة عليها، وبالفعل تعكف جهات حكومية رفيعة المستوى على دراسة تلك القرارات وتأثيراتها محليًا
بعض المحللين العالميين أن التأثير المباشر سيكون محدودا على الدول العربية مقارنة بالتأثير غير المباشر نتيجة موجات تضخمية عنيفة لدى الدول المعنية بالقرارات فى ضوء الحرب التجارية، ما سيؤدى بالتالى إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات التى تستوردها الدول العربية.

فى المقابل كان للقرارات الأمريكية جانب إيجابى، فكما يقولون «من قلب المحنة تأتى المنحة»، حيث تفتح تلك القرارات الآفاق أمام فرص جديدة فى السوق، فالمصانع الأمريكية التى كانت تُصنع منتجاتها فى الصين ستبحث عن دول بديلة كمصر أو دول عربية أخرى، وينطبق الأمر ذاته على الصين والتى ستبحث عن أماكن أخرى تصنع فيها منتجاتها وتصدّرها للولايات المتحدة بشكل غير مباشر عبر دول تنخفض فيها نسبة الجمارك الأمريكية المفروضة، وبالتالى على مصر استغلال الفرصة والتحرك سريعًا من خلال إغراء الدول المتضررة إلى الاستثمار، هذا فضلا عن أن فرض رسوم أقل على مصر يعطيها فرصة أكبر للدخول بمنتجات أكثر للسوق الأمريكي.
يُشار هنا، إلى أنه وفقًا للأرقام الرسمية، يصل إجمالى التبادل التجارى بين مصر وأمريكا نحو 9,8 مليار دولار خلال عام 2024، وذلك وفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فيما استحوذت أمريكا على نحو 7 فى المائة من إجمالى قيمة التجارة الخارجية لمصر خلال العام الماضي، كما بلغت قيمة الصادرات المصرية إليها نحو 2,2 مليار دولار، حيث زادت صادرات بعض السلع منها الملابس لتصل إلى 739,8 مليون دولار بنمو 12,2 فى المائة عن عام 2023، كما ارتفعت صادرات محضرات خضر وفاكهة لتبلغ 113,7 مليون دولار، بينما تراجعت صادرات «الحديد والصلب والفولاذ» بنسبة 44 فى المائة لتسجل 126.5 مليون دولار، أيضا سجلت أغطية الأرضيات والسجاد وغيرها من المواد النسجية 123.29 مليون دولار.
على صعيد آخر، ووفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، سيطرت الولايات المتحدة على 8 فى المائة من واردات مصر خلال العام الماضى بقيمة 7,5 مليار دولار، حيث رصد التقرير أهم المجموعات السلعية التى تستوردها مصر من أمريكا والتى تضمنت وقودا وزيوتا معدنية ومنتجات تقطير بقيمة 3,3 مليار دولار خلال العام الماضي، كذلك حبوب وثمار زيتية ونباتات طبية بنحو 1,08 مليار دولار، وطائرات وسفن فضائية بنحو 509,4 مليون دولار، فى حين تراجعت قيمة واردات المراجل والآلات والأجهزة الآلية بنسبة 20,5 فى المائة لتبلغ 380,9 مليون دولار، ومن منتجات الصيدلة بنسبة 10,2 فى المائة لتسجل 308 ملايين دولار.

تأثير تعريفات ترامب على مصر وبقية دول العالم لن يظهر بين ليلة وضحاها، فوفقاً لمعلومات حصلت عليها مجلة «المصور» من مصدر حكومى رفيع المستوى فإن العديد من الوزارات والأجهزة الاقتصادية فى مصر، تعكف حاليا على دراسة قرارات ترامب وتأثيرها السلبى وأيضا الإيجابى على مصر، كذلك الفرص المتولدة مقارنة بسلبيات حالة التضخم والركود العالمى المتوقع، وهناك تواصل مع الكيانات الاقتصادية الأمريكية للتوصل لبعض الإجابات الهامة، هل هذه الرسوم ستشمل المناطق الصناعية المؤهلة لبروتوكول كويز أم لا ؟، وهل نسبة 10 فى المائة رسوم إضافية أم أن تلك النسبة تضم إجمالى الجمارك؟
«الولايات المتحدة الأمريكية هى المستورد الأكبر والأهم لصادرات الملابس الجاهزة»، هذا ما أكدته سماح هيكل، عضو مجلس إدارة شعبة الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية، التى ترى أن «المصدر المصرى إما أن يسعى بقوة إلى فتح أسواق بديلة عن السوق الأمريكي، أو عليه رفع أسعاره بنفس نسبة زيادة الجمارك ليصبح فى صراع تنافسى، خاصة أن تعريفتنا المفروضة هى الأقل من بقية الدول».
من جانبه أكد خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة، أن «التعريفات المفروضة على مصر من أقل النسب بين الدول كافة، فمصر تعريفتها الجمركية 10 فى المائة، فى حين تصل رسوم الصين إلى 34 فى المائة، والهند 26 فى المائة، وفيتنام تجاوزت 40 فى المائة، حتى إسرائيل 17 فى المائة، وبالتالى مصر لديها ميزة يجب حُسن استغلالها خلال الفترة القادمة».
وتابع: بالنسبة لصادرات الصناعات الكيماوية والأسمدة، فتقدر بنحو 176 مليون دولار وبلاستيك فى حدود 75,5 مليون دولار، ومع تلك الرسوم الجديدة من المتوقع زيادة صادراتنا لأمريكا فى هذا القطاع بنحو 15 فى المائة خلال عام 2025، وبالفعل قُمنا كمجلس إدارة المجلس التصديرى بالتواصل مع مكتب التمثيل التجارى بأمريكا لفتح أسواق جديدة والبحث عن عملاء جدد، وفى الغالب سنقوم خلال الأشهر الثلاثة القادمة بحملات طرق أبواب وتجهيز بعثة ترويجية إلى أمريكا مع تحديد الولايات التى يمكنها استقبال منتجاتنا بمعدلات أكبر.
فى سياق متصل، أوضح محمد حنفى، مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أن «تصريحات ترامب السابقة بشأن فرض رسوم على الحديد والألومنيوم تسببت فى حالة قلق الفترة الماضية، لكن بعد قرارات ترامب الأخيرة أصبحت الرسوم شاملة على كافة السلع الواردة لأمريكا، وبالطبع لا ننكر أن وارداتنا لأمريكا قد تتأثر بسبب المنافسة السعرية مع المنتجات الأمريكية نفسها، أما ترتيبنا فى المنافسة مع دول أخرى، فقد يتحسن بفضل قلة الجمارك المفروضة علينا مقارنة بهم وبالتالى فرصتنا فى التصدير سترتفع، فصادراتنا من الحديد والألومنيوم لأمريكا تقدر بنحو 130 مليون دولار، وقبل الرسوم الحالية كان المنتج الأمريكى متأخرا للغاية فى البيع، لكن بعد الرسوم سيتم فتح باب منافسة أعلى مع المنتج الأمريكى».
«حنفى»، أبدى تخوفه من اتجاه بقية الدول الكبرى لفرض رسوم انتقامية لديها، بما ينذر بارتفاع عالمى فى الأسعار، وقد يؤثر ذلك على حجم الصادرات المصرية وقتها، لكن نتمنى خلال الأشهر المقبلة حدوث تفاوضات جادة لتخفيض تلك الجمارك وعدم الرد عليها بالمثل -على حد قوله.
بدوره، طالب مصطفى النجارى، نائب رئيس جمعية المصدرين المصريين، بعدم التعجل بشأن توقعات التأثيرات السلبية للجمارك الأمريكية الجديدة، لافتًا إلى أن التكتلات الاقتصادية الكبرى الآسيوية والأوروبية لن تستسلم بسهولة، وبالتأكيد ستكون هناك تفاوضات الأشهر المقبلة خاصة من قِبل الصين وكندا والمكسيك، فردود فعل الدول المتضررة ستكون متباينة، وبالتالى أمامنا بين 3 إلى 4 أشهر بعد دخول الاتفاقيات حيز النفاذ لتظهر نتائجها جلية على الأسواق العالمية.
وتوقع «النجارى»، فائدة كبيرة لمصر لكن بعد استقرار الأوضاع العالمية فتكون مركز جذب للاستثمار للدول التى كانت تنتج لأمريكا وأصبحت جماركها مبالغا فيها، لكن السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لاغتنام تلك الفرصة وتلقى استثمارات كبرى وتجهيز عمالة فنية مدربة؟، أما قطاعات الملابس الجاهزة والمفروشات والمنسوجات والتى تعد أكبر القطاعات تصديرا إليها بقيمة تقترب من 1,6 مليار دولار، فسنرى الفترة القادمة مدى منافسة المنتجات الأمريكية لها، لكنها ستكون لديها فرصة للتوسع فى دول آسيا خاصة تايلاند وفيتنام، وبالتالى المهم فى الفترة الحالية قيام الجهات الحكومية بدراسة متأنية ومتابعة وتحليل ردود الأفعال العالمية للوصول لأكبر استفادة منع أكبر ضرر ممكن.
من جانبه، أكد محمد عبدالعال، الخبير الاقتصادى والمصرفي، أن «الرسوم الجمركية الجديدة التى تشمل الدول العربية لم ترتكز فى أصلها على فارق الفائض بين الصادرات والواردات، كالدول الأوروبية بل بُنيت على مبدأ المعاملة بالمثل، فمثلا مصر التى كانت تتمتع بإعفاءات جمركية طبقا لاتفاقية الكويز فيما يتعلق بالملابس التى تصدّرها للولايات المتحدة والتى تقدر بنحو 1,1 مليار دولار، ومع ذلك كانت تفرض ضرائب 10 فى المائة على البضائع الأمريكية المستوردة، الأمر الذى قد يعنى وفقا بمبدأ المعاملة بالمثل خضوع صادرات مصر دون استثناء لنسبة الـ10 فى المائة».
«عبدالعال»، أوضح أن «معظم الدول النامية مثل مصر التى تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من سلع أساسية ووسيطة ورأسمالية ستتعرض لتأثيرات مباشرة محدودة، وخاصة فى حالة مصر، فحجم التبادل التجارى المباشر مع أمريكا يمثل نسبة صغيرة نسبيا من إجمالى التجارة الخارجية لمصر وبالتالى التأثير المباشر سيكون محدودا، ومع ذلك فإن الخطر الأكبر يكمن فى التأثير غير المباشر الناتج عن تصاعد التوترات التجارية العالمية واحتمالية حدوث ركود تضخمي، فهذا السيناريو يمكن أن يؤدى لارتفاعات كبيرة فى تكلفة الواردات من جميع دول العالم وتراجع فى الصادرات واضطرابات فى سلاسل الإمداد وضغوط على العملة المحلية لكافة الدول النامية ومن ضمنها مصر بما يتبعه من ضغط على السياسات النقدية، وسيعانى وقتها العالم من موجات تضخم مصحوبة بالكساد».
وفى ظل التطورات العالمية الحالية أكد «عبدالعال» أنه «ليس أمامنا سوى الإسراع فى توطين الصناعة محليا وخاصة المنتجات الأكثر تضررًا عالميًا من رسوم ترامب مثل السيارات فيجب زيادة إنتاجنا فى هذا المجال خاصة السيارات الكهربائية، أيضا صناعة الدواء لإنتاج المواد الفعالة التى سترتفع أسعارها الفترة المقبلة، كذلك الاهتمام بالتكنولوجيا والخدمات السياحية وتنشيط القطاع العقارى وعمليات تصديره لأن هذه المنتجات تصديرها لن يخضع لتعريفات جمركية».
وأكمل: تجب أيضا إعادة هيكلة وتنويع مصادر استيرادنا وتصديرنا مع استغلال فرص أن بعض الدول مثل الصين ستتقلص فرص تصديرها إلى أمريكا لصعوبة تنافسيتها حاليا، وبالتالى يمكن الاستيراد منها بحرق الأسعار والشراء بأسعار أقل من السابق، بما يقلل فاتورة الاستيراد ويقلل فاتورة النقد الأجنبى، وفى نفس الوقت يمكننا زيادة صادراتنا إلى الدول التى تعفينا من الجمارك خاصة دول الخليج وآسيا ودول البريكس.
كذلك، توقع «عبدالعال» أن تظهر النتائج بقوة على السوق العالمى خلال فترة بين 6 أشهر إلى عام، خاصة أننا ما زلنا فى مرحلة يمكن أن تنتج عنها تفاوضات وتطورات جديدة، خاصة أننا نعيش فى حالة عدم اليقين عالميًا.