رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لقائى مع المؤرخ العالمى «أرنولد توينبى» (3)


2-8-2025 | 20:21

.

طباعة
بقلـم: سناء السعيد

فى الجزء الثالث والأخير للقاء الذى أجريته مع المؤرخ العالمى «أرنولد توينبي»، رائد التحليل الشامل للحضارات وتأثيرها فى التاريخ يعقب على سؤالى فيما إذا كان يمكن لدولة أن تعيش فى أمن دون اللجوء إلى قوة السلاح، وما إذا كان يمكن لنا التطرق إلى ذلك فى معرض الحديث عن الحرب بين العرب وإسرائيل؟

وأسأل البروفيسور «توينبي» إلى أى حد يمكن لدولة أن تعيش فى أمن دون اللجوء إلى قوة السلاح؟ فيجيبنى قائلا:

- (أعتقد أن الحرب الأخيرة بين العرب وإسرائيل كانت ضرورة حتمية، فهى على الأقل مهدت لظهور نظرة عادلة إلى العرب.. وعن نفسى أنا أكره الحرب، ولكن بعض الحروب ضرورية.. فحروب البلقان كانت ضرورية، والحروب ضد «هتلر» كانت ضرورية. الطبيعة الإنسانية ما زالت تحبذ الحرب أحيانًا، ولا يمكن أن نسير فى الحياة بلا حروب، وبالنسبة للشرق الأوسط فإن القوة العسكرية ضرورة لفرض سلام وتسوية دائمة.. ولهذا يجب أن تتمركز قوة عسكرية كبرى فى المنطقة المنزوعة السلاح بعد الاتفاق على تسوية للشرق الأوسط.. وعندما أقول قوة كبرى فلا أقصد بها قوات فنلندية أو أيرلندية، وإنما أفكر هنا فى دول كفرنسا وبريطانيا واليابان.. نعم إننى أحبذ اليابان كقوة حيادية جديدة فى المنطقة، قد يكون كلامى غريبًا، ولكنه معقول ومنطقى. فاليابانيون لا تربطهم صلات روحية أو دينية بالقدس كتلك التى يمتلكها المسيحيون واليهود والمسلمون.

ومن ناحية أخرى فإن اليابان لديها حركة تصنيع كبرى تحتاج فيها إلى البترول العربى، ومن أجل ذلك سيكون لديها النية الصادقة والرغبة المتحمسة نحو إيجاد سلام دائم وباق فى الشرق الأوسط».

وماذا عن الصينيين؟

يبتسم «أرنولد توينبي»، ويقول:

- (صحيح أن كونفوشيوس مثل بوذا ليس له صلة بالقدس، ولكن الصينيين قد يكونون منحازين للعرب، وهذا من شأنه أن يعرض وجودهم فى المنطقة إلى خلق مشكلة مع أمريكا وروسيا).

ماذا ترى بالنسبة إلى الشرق الأوسط، هل تكون هناك حرب أخرى؟

- (فيما إذا انسحبت إسرائيل من الأراضى العربية فلن تكون هناك حرب. أما إذا استمرت إسرائيل ماضية فى تعنتها فعندئذ ستتعرض لسلسلة من الحروب، والتى ستقضى عليها فى نهاية الأمر، فالزمن ليس فى مصلحة إسرائيل.. ولهذا فإن تعنتها سينجم عنه مستقبل تراجيدى لكل الأطراف المعنية، ليس فقط العرب وإسرائيل وإنما العالم كله.. لأن الحرب إذا اشتعلت فى المنطقة ستكون حربًا نووية تتورط فيها أمريكا وروسيا).

وعندما تطرقت معه عن موضوع السلام حدثنى «أرنولد توينبي» عن مؤتمرات السلام التى حضرها فى باريس، وعن انغماسه فى السياسة، ويردف قائلا:

(جاء اهتمامى بالشؤون الدولية، والأوضاع القائمة فى الشرق الأوسط بصفة خاصة عندما كنت أعمل بوزارة الخارجية البريطانية، وذلك فى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقبل أن أسافر إلى فرساى لحضور مؤتمر الصلح عام 1919 بصفتى مستشارا للحكومة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط).

- وأسأله: هل لديك الرغبة الآن للمشاركة فى مؤتمر سلام يعقد لحل مشكلة الشرق الأوسط؟

فيقول: (أود ذلك من أعماق قلبى، وعلى الرغم من كبر سنى إلا أنه إذا سئلت عن ذلك هرعت على الفور للمشاركة فى هذا المؤتمر).

- وعندما أسأله عن مدى تفاؤله حيال الوضع القائم يردف قائلا:

- (قد يطلق على بعض النقاد لقب المتشائم، ولكنى بوجه عام متفائل بالنسبة إلى الشرق الأوسط.. إن «كيسنجر» رجل يسبق الأحداث دائما. وفى كل الدول التى زارها، بدءا من اليابان والصين أدرك التأييد الكبير لانسحاب إسرائيل وراء حدود عام 1967، وأدرك أن تسعة أعضاء من دول السوق الأوروبية قد دعوا إلى الانسحاب، وأن اليابان أجابته بوجهة النظر البريطانية ذاتها.. ويعلم أن الأمريكيين ولأول مرة يعانون الكثير من جراء موقفهم من العرب، ويدرك أن كل هذا من شأنه أن يدعو أمريكا إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل، لا سيما إذا علمت أن هذه الضغوط هى الوسيلة الوحيدة لجعل إسرائيل تقبل بما قبل به العرب.. ولقد أثبتت الأيام فاعلية الضغط الأمريكى على إسرائيل، فأزمة عام 1956 حلت عندما مارس «إيزنهاور» سلطاته وأمر إسرائيل بالانسحاب، ولا شك بأن أزمة الطاقة ستدفع أمريكا نحو ممارسة سلطاتها، ولهذا أنا متفائل بوجه عام).

وأسأله ماذا عن أمنيتك، ونحن على مشارف عام 1974؟

- (تسوية يمنح فيها الفلسطينيون موارد كافية لتطوير وبناء ما سيطلق عليه وطن قومى، وهو حسب ما تردد يضم الضفة الغربية مع قطاع غزة. وآمل أن يعطى لهم اليهود الحق فى العبور إلى القطاعات الأخرى.. غير أن النقطة الحساسة هنا وفقا لاعتقادى أن أراضى الضفة الغربية وغزة لن تكون كافية لاستيعاب الفلسطينيين.. ومنطقة «شرق الأردن» غالبيتها من الفلسطينيين إلا أنه من المشكوك فيه أن تضاف شرق الأردن إلى قطاع غزة والضفة الغربية لتشكيل وطن قومى للفلسطينيين.. أما إذا ما اندرج شرق الأردن فى وطن فلسطينى فستكون هناك عندئذ إمكانات ضخمة للتطور، وسيعكف الفلسطينيون حينئذ، بما عرف عنهم من ذكاء ونشاط، على تكريس جهودهم لبناء دولتهم الجديدة.. وهذا ما نريده جميعًا.. إن خطة منظمة الأمم المتحدة عام 1947 كانت فى مصلحة العرب، ولكن لا يمكن الآن العودة والمناداة بها من جديد.. ولذلك فإن كل ما نملكه الآن هو إغراء إسرائيل بحدود ما قبل 1967، وليس أكثر من هذا).

أخبار الساعة

الاكثر قراءة