«اصح يا نايم اصح وحد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم والفجر قايم، اصحَ يا نايم وحد الرزاق، رمضان كريم»، بهذه الكلمات كان يطل على الشعب المصرى، بل والوطن العربى أشهر مسحراتى عرفه الناس الشيخ سيد مكاوى بصوته العذب، وألحانه التى تبهر كل من يسمعها، فنغماته تسحر أذن السامعين، وكلماته تأسر قلوب العاشقين.
قبل الشيخ سيد كان المسحراتى بالنسبة لنا جميعًا لغزًا؛ من هو هذا الشخص الذى يعرف أسماء جميع الآباء ولماذا ينادى عليهم ليوقظهم للسحور فى رمضان قبل صلاة الفجر..
وكان حل اللغز لأجيال كثيرة مع البطل ذلك الرجل صاحب النظارة السوداء، الذى يسير بطبلته وجلبابه ليعلن أن صنعته «مسحراتى فى البلد جوال»، ثم يدعو النائمين بصوته العذب والقريب للغاية، مثل صوت الآباء الذين يوقظون أطفالهم إلى أن يوحّدوا «الدايم، رمضاااان كريم».
هكذا يخلق سيد مكاوى بكلمات الشاعر الكبير العملاق (فؤاد حداد) الرابط الأول مع رمضان بالنسبة إلينا جميعًا..
شخصية المسحراتى اللى قدمها الفنان سيد مكاوى على مدار شهر رمضان من أشعار وأغانى فؤاد حداد وسيناريو حسن فؤاد وموسيقى وألحان وأداء سيد مكاوى، وإخراج فتحى عبد الستار وإنتاج أفلام التليفزيون.
بدأ سيد مكاوى فى تقديم المسحراتى مع الشاعر فؤاد حداد، الذى صاغها شعرًا، وظل يقدم المسحراتى بنفس الأسلوب حتى وفاته، وهو أسلوب على بساطته الشديدة يعتبر بصمة فنية مهمة فى الكلمات ومحطة من المحطات اللحنية المتفردة فى التراث الموسيقى الشرقي.
كما كان لسيد مكاوى الفضل الأول فى وضع أساس لحنى خاص لتقديم المسحراتي..
لم يكن سيد محمد سيد مكاوى الشهير بـ«سيد مكاوى» مجرد ملحن عادى، فرغم أن أنه فقد نور بصره وهو صغير، لكن الله عوضه نور البصيرة، فكان بارعا فى حفظ القرآن الكريم والتواشيح الدينية، وهو ما أهله لأن يكون ضمن المتميزين بين من عاصره من كبار الملحنين والموسيقيين.
ولد سيد مكاوى فى شهر مايو عام 1928، فى حارة قبودان بحى الناصرية فى السيدة زينب بالقاهرة، عاش ونشأ فى وسط شعبى بسيط، وفقد بصره وهو صغير السن، وكان ذلك العامل الأبرز لدفع عائلته له باتجاه الطريق الدينى، فكان يحفظ القرآن ويتلوه ويؤذن فى الحى الذى يسكنه فى مسجدى أبو طبل والحنفى، وأصبح يحفظ الموشحات والأناشيد عن ظهر قلب، إذ كان يستمع خلال شبابه للمنشدين والمقرئين مثل الشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم.
فى البداية اتجه سيد مكاوى للغناء واهتم به بدايةً بشكلٍ أكبر، وأصبح مطربًا فى الإذاعة المصرية فى بداية الخمسينيات، فكان يغنى الموشحات والأدوار التراثية الشرقية فى مواعيد ثابتة على الهواء مباشرة، ولنجاحه المميز كُلف بغناء ألحانه الخاصة، وكانت أول أغنية له هى «محمد» وكانت من ألحان صديقه عبدالعظيم عبد الحق، والأغنية الثانية كانت من ألحان أحمد صدقى وهى «تونس الخضرا».
فى منتصف الخمسينيات أصبح يقدم ألحانه للإذاعة المصرية، إذ لحن الأغانى الدينية للشيخ محمد الفيومى «تعالى الله أولاك المعالي» و«آمين آمين» و«يا رفاعى يا رفاعى قتلت كل الأفاعى» و«حيارى على باب الغفران».
فى نفس الفترة أطلق سيد مكاوى عدة أغان مثل «آخر حلاوة مفيش كدة» و«ماتياللا يا مسعدة نروح السيدة» للشاعر عبدالله أحمد عبد الله، أما أغنية «حدوتة» فكانت نقطة الانطلاق والشهرة لمكاوى، وكانت من كتابة صديق دربه الشاعرالكبير صلاح جاهين.
وتصاعدت شهرة مكاوى عندما لحن لشريفة فاضل أغنية «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى» وأغنية «اسأل مرة عليا» التى حققت نجاحا كبيرا فى الوسط المصرى، وأصبح اسمه مطلوبًا لكل المغنين، ولحن للمغنية ليلى مراد «حكايتنا إحنا الاتنين» وللفنانة نجاة الصغيرة «لو بتعزنى»، وللفنانة شادية «هوى يا هوى ياللى إنت طاير» و«همس الحب يا أحلى كلام»، وللفنانة القديرة صباح «أنا هنا يا ابن الحلال» كما لحن أغنية «يا مسهرنى» لكوكب الشرق أم كلثوم، وهى الأغنية التى تبين عبقرية ألحانه وعظمة أدائه، كما قدم العديد من الألحان للمطربة الكبيرة وردة الجزائرية مثل «شعورى نحيتك» و«وقلبى سعيد»، و«بحبك صدقنى»، و«أوقاتى بتحلو».
ولسيد مكاوى مشاركةٌ كبيرة فى المجال الوطنى، ففى العدوان على بورسعيد عام 1956 شارك بأغنية جماعية بعنوان «ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب»، وخلال حرب 1967 قدم أغنيتين للشاعر الكبير صلاح جاهين هما: «الدرس انتهى لموا الكراريس» للمطربة شادية عقب قصف مدرسة بحر البقر، و«احنا العمال إلى اتقتلوا» وأغنية «مصر مصر دايما مصر» للشاعر فؤاد حداد، كما غنى «ما فيش فى قلبى ولا عينية إلّا فلسطين».
أعمال كثيرة قدمها الفنان الراحل سواء فى الاذاعة أو المسلسلات والأفلام أو المسرحيات بأشكالها المختلفة بداية من موسيقى مدرسة المشاغبين وألحان مثل (أهلا وسهلا)، وقدم العديد من الأعمال فى المسرح الغنائى ومسرح العرائس، ولا أحد ينسى أوبريت الليلة الكبيرة كلمات الشاعر الكبير المبدع صلاح جاهين وألحان وغناء سيد مكاوى، وإخراج المخرج العظيم صلاح السقا، (والد الفنان أحمد السقا) باستخدام النماذج الرائعة التى أبدعها رائد تصميم الدمى ناجى شاكر، وكان لها أثر كبير فى نجاح الأوبريت، فجعل الكاميرا تغوص وسط هذا المسرح الصغير لتجعلك تشعر أنك داخل المشهد وتتجول وسط المولد.
الشيخ سيد مكاوى الذى أطلق عليه ألقاب كثيرة مثل شيخ الملحنين وآخر مشايخ الطرب وعبقرى الموسيقى والموسيقار الأصيل وخفيف الظل، وهنا يجب أن نذكر أن أهم محطات فى حياة العبقرى الشيخ سيد كانت مع اثنين من كبار عمالقة الشعر فى مصر الكبيرين صلاح جاهين وفؤاد حداد من خلال غناء (رباعيات) صلاح جاهين التى نعشقها جميعا أو حلقات «نور الخيال وصنع الأجيال»، وهو ديوان شعرى كامل للشاعر الكبير فؤاد حداد يصف فيها القاهرة العظيمة وما مر بها من أحداث عبر التاريخ، إذ تم تقديمه من خلال إذاعة البرنامج العام خلال شهر رمضان عام 1968، وهذا البرنامج له المقدمة الغنائية الشهيرة «أول كلامى سلام» وقام بغنائه سيد مكاوى فى شكل الشاعر الراوى.
رحلة طويلة من العطاء لا يمكن التحدث عنها فى مقال واحد ويكفى أن نغنى أغنيته الأشهر (ليلة إمبارح ماجاليش نوم وإحنا لسه ف أول يوم).. ونترحم على المسحراتى الذى توفى فى 21 أبريل عام 1997.