تدرك الحكومة المصرية أهمية الذكاء الاصطناعى لتعزيز المعرفة البشرية والقدرات التقنية وتسريع التحول الرقمى فى مصر، وكلاهما أمر بالغ الأهمية للتنمية فى البلاد. وتعد الفرص الهائلة التى يوفرها الذكاء الاصطناعى للاقتصاد بأكمله وأثره فى تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية إحدى القوى الدافعة للشروع فى الإصدار الثانى من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، واعتبارها أولوية قصوى فى جدول أعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الوطني، وينصب التركيز الرئيسى على تعزيز المهارات والقدرة التنافسية فى هذه المجالات فى مصر؛ لجنى الفوائد المتعددة لهذه التكنولوجيات الناشئة لمواكبة التطور السريع لطبيعة الوظائف المطلوبة فى اقتصاد يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وسيتم أيضًا اتخاذ خطوات دعم صناعة الذكاء الاصطناعى الناشئة فى مصر ووضعها على طريق المنافسة الدولية.
وتعد جهود مصر فى مجال الذكاء الاصطناعى جزءا لا يتجزأ من جهودها الأوسع نحو بناء مصر الرقمية. ومساعيها للاستفادة من عوامل النجاح كافة للنظام البيئى للتحول الرقمى؛ حيث أخذت فى الاعتبار عند صياغة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى الأهداف الاستراتيجية الوطنية المحددة ومواءمتها مع المؤشرات العالمية والقرارات الدولية. علاوة على ذلك تدعم مصر بشدة التعاون الدولى فيما يتعلق بمعايير الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته فضلا عن النقاشات الدولية بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي.
وتشجع مبادئ منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) بشأن الذكاء الاصطناعى الاستخدام الإبداعى والموثوق، بما يتوافق مع حقوق الإنسان والقيم الإنسانية للذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، صادقت 193 دولة عضو فى اليونسكو فى نوفمبر 2021 على أول وثيقة تقنينية عالمية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعى، علاوة على ذلك وضعت مصر خارطة طريق لتنفيذ استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي.
أبرز العوامل المهمة والحاسمة فى تنفيذ الاستراتيجية هو «التمويل الاستراتيجى للذكاء الاصطناعي»، والذى صمم ليس لتوفير الدعم المالى لتطورات الذكاء الاصطناعى فى مصر فقط، بل أيضا لمواءمة هذه التطورات مع الأهداف الاستراتيجية الأوسع نطاقا للدولة. ومن خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات الموجهة والمستدامة والمنسقة استراتيجيًا، تتجه مصر إلى بناء نظام بيئى ديناميكى ومزدهر للذكاء الاصطناعى ودفع النمو والابتكار والريادة التكنولوجية الإقليمية.
وتحتاج أدوات التمويل اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى إلى 4 أدوات مهمة وأساسية تشمل «نظاما بيئيا قويا ومستداما للاستثمار فى الذكاء الاصطناعي»، يتميز بأهداف تمويل طموحة لسنوات عديدة؛ فضلاً عن «الاستثمار القطاعى الاستراتيجي»، والذى يركز على المجالات الحيوية مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعى التنموية والصناعية والبنية التحتية الأساسية له علاوة على «تمويل الذكاء الاصطناعى كأولوية وطنية»؛ حيث سيكون الالتزام الراسخ بالتقدم فى مجال الذكاء الاصطناعى حافزا للابتكار المحلى فضلاً عن «الاستثمار فى الابتكارات»، فالمرحلة المستقبلية أيضًا أهمية الاستثمار المستدام، خاصة فى مجال أبحاث الذكاء الاصطناعى، وتنفرد «المصور» بتقديم قراءة تحليلية حول تفاصيل 21 مبادرة رئيسية ضمن محاور خارطة طريق مصر لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى فيما يتعلق بالإصدار الثانى منها.
المحور الأول: الحوكمة
يتطور الذكاء الاصطناعى بوتيرة سريعة، ومن المؤكد أن تطبيقاته واسعة الانتشار فى العديد من مجالات المجتمع قد منحتنا سهولة وكفاءة غير مسبوقة. ومع ذلك يثير هذا تساؤلات جوهرية حول تنظيم الذكاء الاصطناعى وتحقيق السلامة وتعزيز الأخلاقيات فى هذا المجال، وفى ذلك الصدد ينقسم عنصر الحوكمة إلى مبادرتين؛ الأولى: هى «النظام الوطنى التنظيمى للذكاء الاصطناعى فى مصر» من أجل نمو آمن ومسئول للذكاء الاصطناعي، يلزم إنشاء هيكل تنظيمى واضح ووضع إطار أخلاقى وإنشاء هيئة تنظيمية.
ويحتاج تنفيذ المبادرة إلى 3 إجراءات رئيسية هى مركز الذكاء الاصطناعى المسئول، الذى يركز على تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعى وفق معايير أخلاقية، تضمن الإنصاف والشفافية والمساءلة، وسيمتلك المركز خبرات تقنية لفهم تعقيدات الذكاء الاصطناعي، ويعزز القدرات البشرية فى مصر، مع المشاركة فى التعاون الدولى لتبادل المعرفة ومتابعة التطورات العالمية، بالإضافة إلى تخصيص الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى المسئول لتوفير إطار أخلاقى شامل يعالج قضايا الخصوصية، الإنصاف، والشفافية؛ حيث يلتزم الميثاق بحماية حقوق الإنسان، تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان توافق أنظمة الذكاء الاصطناعى مع القيم الإنسانية والمعايير الاجتماعية فضلاً عن قانون الذكاء الاصطناعى فى مصر، والذى يضع إطارًا تشريعيًا لتنظيم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، مانعًا إساءة الاستخدام ومقللاً من التحيز الخوارزمي. يشمل القانون حماية البيانات، الإشراف على عمليات صنع القرار، وضمان عدم تهديد التقدم التكنولوجى للمصلحة العامة.
أما المبادرة الثانية وهى «النقاشات العالمية والإقليمية بشأن الذكاء الاصطناعي» فتركز على سعى مصر، كدولة مركزية فى الشرق الأوسط، لقيادة النقاشات الإقليمية والعالمية حول حوكمة الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من موقعها لدفع الابتكار وتعزيز الاستخدام الأخلاقى له عبر آلية تشكيل شراكات من التعاون العربى؛ لتعزيز الابتكار من خلال سياسات داعمة تجذب الاستثمار وتطوير حلول ذكاء اصطناعى متخصصة باللغة العربية والعامية المصرية، خاصة فى التعليم، الرعاية الصحية، والخدمات العامة. كذلك التعاون الإفريقى لتستفيد مصر من وفرة بياناتها السكانية لتطوير الذكاء الاصطناعي، وتتيح فرص التعاون مع الدول الإفريقية لتعزيز القدرات التقنية وأيضا عن طريق المشاركة العالمية؛ حيث تشارك مصر فى نقاشات المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، لدعم قواعد عالمية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعى بأمان وعدالة، مع مراعاة الثقافات المصرية والعربية. مثل مشاركتها فى قمة الأمم المتحدة لمستقبل الذكاء الاصطناعى (سبتمبر 2024) تعكس التزامها بهذا الهدف.
المحور الثاني: التكنولوجيا
يقوم ذلك المحور على ثلاث مبادرات رئيسية، وتشمل مبادرة «تطوير النماذج الوطنية الأساسية»، والتى تسعى مصر من خلالها لتعزيز تطوير نماذج الذكاء الاصطناعى الوطنية لتحقيق تقدم تقني، دعم الصناعات ذات الصلة، وتنمية الاقتصاد الوطنى بهدف بناء نماذج لغوية كبيرة محلية، تسهم فى تعزيز الابتكار وتسريع التحول الاقتصادي.
وتحتاج هذه المبادرة إلى عدة إجراءات رئيسية، منها تطوير نماذج اللغات الكبيرة المحلية؛ حيث تعمل الحكومة المصرية والقطاع الصناعى على بناء أسس قوية تشمل تطوير مجموعات بيانات محلية غنية، توفير تمويل كافٍ، إنشاء هيكل تنظيمى فعال، وتشجيع الأبحاث المتقدمة، بهدف تعزز تطوير نماذج لغوية محلية، تدعم التطبيقات التجارية، وتسرع التقدم التكنولوجى، وكذلك تنمية المهارات والتدريب؛ حيث تركز مصر على جذب الكفاءات وتوفير تدريب متخصص لتأهيل الكوادر البشرية لتطوير نماذج اللغات الكبيرة، مما يضمن امتلاك الفرق الخبرات اللازمة لمواجهة التحديات التقنية علاوة على تطوير حالات الاستخدام خاصة أن الحكومة حددت قطاعات ذات أولوية مثل التعليم والرعاية الصحية لتطبيق نماذج اللغات الكبيرة. بما يتطلب بنية تحتية حوسبية قوية، مجموعات بيانات محلية مخصصة، وتحسين النماذج لتلبية احتياجات القطاعات المستهدفة.
أما المبادرة الثانية «وفرة موارد البحث والتطوير»، فهى تدعم مصر فى تعزيز قدرات معامل الذكاء الاصطناعى المحلية، لبناء نظام بيئى ابتكارى يدعم التعاون ويعزز تنافسية مصر دوليًا، مع دمج الابتكار فى قطاعات مثل التعليم والصحة والنقل عبر عدد من الإجراءات الرئيسية؛ مثل عقد شراكات استراتيجية؛ حيث تسعى مصر لإقامة تحالفات مع شركات التكنولوجيا العالمية، الجامعات، ومؤسسات البحث لتوفير خبرات وموارد متقدمة، مما يعزز بيئة الابتكار ويسرع تطوير الذكاء الاصطناعي، بجانب خلق إطار تبادل الموارد لمشاركة نتائج الأبحاث عبر مستودع معرفة مشترك، لتقليل التكرار وتعزيز الأفكار الإبداعية، مما يؤدى إلى نتائج أكثر أصالة، وكذلك تطوير مرافق البحث عبر الاستثمار فى تحديث معامل الذكاء الاصطناعى بمعدات حوسبة وأدوات برمجة متقدمة، لدعم إجراء دراسات معقدة وتعزيز التقدم التقنى وإطلاق صندوق لتمويل الأبحاث المبتكرة فى الذكاء الاصطناعي، مع تقديم منح دراسية للشباب لتأهيلهم كخبراء فى هذا المجال، كما تسعى مصر عبر المبادرة الثالثة لذلك المحور «نظام منح براءات الاختراع» إلى إنشاء نظام لترخيص براءات الاختراع الخاصة بالذكاء الاصطناعى لحماية الملكية الفكرية وتحفيز الابتكار. ويهدف النظام إلى جذب الاستثمارات وتعزيز تنافسية مصر عالميًا، وذلك من خلال عدة خطوات تشمل تنظيم الحكومة لفعاليات تدريبية لتعزيز فهم حقوق الملكية الفكرية، مما يخلق بيئة محفزة للابتكار وأيضا عمل نظام براءات الاختراع لإتاحة إجراءات شاملة لتسجيل ومراجعة وإدارة البراءات باستخدام تقنيات متقدمة، مع خدمات استشارية لدعم المبتكرين وضمان حماية إبداعاتهم.
المحور الثالث: «البيانات»
يقوم ذلك المحور على 4 مبادرات أولها «الطريق إلى الأطر والمعايير الشاملة لحوكمة البيانات»؛ حيث يتطلب تعزيز إدارة دورة حياة البيانات وجودتها فى مصر، إطارًا شاملاً لحوكمة البيانات، مدعومًا بخطة علمية لإدارة الجودة وتطوير الخبرات المتخصصة، حيث يعتمد النجاح على التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، لبناء مستقبل قائم على البيانات الموثوقة.
وتعتمد تلك المبادرة على عدد من الإجراءات هى: أولاً، يجب وضع إطار حوكمة بيانات دقيق يحدد السياسات والمعايير لإدارة البيانات عبر دورة حياتها الكاملة، من الجمع إلى التصرف. يركز هذا الإطار على ضمان الدقة، السلامة، الاتساق، الأمان، وحماية الخصوصية، مع الامتثال للقوانين. ثانيًا، تُعد استراتيجية إدارة جودة البيانات أساسية، تشمل تحديد مقاييس الجودة، إجراء تدقيقات منتظمة، وأنظمة للإبلاغ عن المشكلات ومعالجتها. وتساعد المراقبة المستمرة فى اكتشاف الأخطاء سريعًا، مما يعزز موثوقية البيانات. ثالثًا، يركز التدريب وبناء القدرات على برامج متخصصة لحوكمة البيانات وإدارتها، موجهة للمديرين والمتخصصين. تهدف إلى زيادة الوعى وتمكين استخراج القيمة من البيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة. ورابعا، يعزز تكامل البيانات وقابلية التشغيل البينى من خلال معايير موحدة ومنصات تدمج البيانات من مصادر متعددة، مما يوفر رؤى شاملة لصناع القرار.
أما المبادرة الثانية فتضم «مجموعات بيانات قطاعية» عالية الجودة باللغة العربية، والتى تتضمن آلية إنشاء مجموعات بيانات عربية عالية الجودة لتحسين أداء الذكاء الاصطناعي، عبر تعاون الحكومة والأكاديميات والصناعة والجمهور، لتعزيز مكانة مصر رقميًا وتحويل المجتمع، فتحديد القطاعات ذات الأولوية (كالصحة والتعليم) وحالات الاستخدام، مع جمع البيانات الخام، تنقيحها، تصنيفها، والتحقق من صحتها. يكون تحديثها مستمرًا لمواكبة التغييرات، ثانيًا، تُدار الملكية الفكرية عبر الإفصاح عن مصادر البيانات وتطبيق تراخيص مفتوحة مثل Creative Commons أو GNU، لتشجيع المشاركة مع حماية الحقوق، كما يُؤكد على خصوصية البيانات بتقنيات الإخفاء والتشفير، مع الامتثال للقوانين.
أما المبادرة الثالثة فتشمل «منصة البيانات المفتوحة وتبادل البيانات» بما يشكل ثورة فى الحوكمة، فالبيانات بشكل عام ثروة عامة، تعزز الشفافية والتنمية عبر تعاون طويل الأمد. وتشمل وضع سياسات حكومية لتصنيف ومعالجة البيانات، مع تعزيز الأمان والوصول العام. كما تُعد بوابات بيانات مفتوحة موحدة، تغطى مواضيع مثل الاقتصاد والصحة، لتحفيز الابتكار. وتشجع على مشاركة البيانات عبر حوافز كالمكافآت والمسابقات، مع حماية الحقوق. أما المشاركة المجتمعية فتُعزز عبر ورش عمل ودورات تدريبية، مشجعة المنظمات غير الحكومية على التحليل. علاوة على ضمان جودة البيانات بمبادئ FAIR (قابلة للعثور، الوصول، التشغيل البيني، إعادة الاستخدام)، مع معايير موحدة وتعاون دولي. أخيرًا، تشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لمشاريع مثل المدن الذكية.
فيما تقوم المبادرة الرابعة على «ضمان خصوصية البيانات وأمنها» بهدف حماية بيانات المستخدمين مع دعم التحول الرقمي، لبناء ثقة وبيئة أعمال مستقرة. ويشمل إطار أمن البيانات مراحل الجمع والتخزين، مع إجراءات استجابة للحوادث. كما تُلزم بروتوكولات الإفصاح الشركات بتوضيح استخدام البيانات، احترام حقوق المستخدمين. كذلك يتم تدشين منصة موحدة للإبلاغ عن الثغرات، توفر دعمًا وإرشادات للمستخدمين والجهات المعنية.
المحور الرابع: «بنية الذكاء الاصطناعي»
يشمل هذا المحور 4 مبادرات رئيسية، تركز على تعزيز البنية الرقمية الوطنية، وتسعى مصر من خلالها لتكون مركزًا إقليميًا للابتكار والذكاء الاصطناعي. من حيث تضع مصر رؤية طموحة لدعم التحول الرقمي، تعزيز التنافسية العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة، مما يعكس التزامها ببناء اقتصاد رقمى قوى يخدم المجتمع، تمر بعدة إجراءات رئيسية تشمل «بناء مراكز بيانات سحابية ذكية» لدعم تطوير الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمي.
تبدأ هذه المبادرة بتقييم احتياجات البنية الحاسوبية لتوفير خدمات حوسبة آمنة وموثوقة، تحمى البيانات الوطنية، وتقلل الاعتماد على نقل البيانات عبر الحدود. هذه المراكز تدعم المهام المعقدة مثل التعلم الآلي، وتوفر موارد سريعة للشركات والمؤسسات البحثية، كما يعمل مركز البيانات الوطنى على جذب الكفاءات العلمية، وتطبيق الذكاء الاصطناعى فى قطاعات مثل التخطيط العمراني، الزراعة، والتشخيص الطبي. من خلال شراكات مع مزودى الخدمات السحابية العالميين، يتحول المركز إلى منصة تدريبية للشباب، معززًا مهاراتهم فى الذكاء الاصطناعي، وموِطنًا مصر كمنتج للبيانات. أما استراتيجية شراء الأجهزة فتعكس التزام مصر بالتوجه الرقمي، مما يعزز الاقتصاد والتعليم.
وتشمل المبادرة الثانية «تعزيز السحابة الذكية وموارد الحوسبة» عبر شراكات عالمية مع مقدمى خدمات سحابية لرفع مستوى التقنيات المحلية، وتمكين الشركات من التوسع عالميًا، فسياسة «الحوسبة السحابية أولاً» تقدم حوافز وتبسط الإجراءات، مع ضمان حماية البيانات لتعزيز الثقة. كما تبنى مصر نظامًا بيئيًا رقميًا قويًا عبر مراكز بيانات وشبكات عالية السرعة، مع تدريب الكوادر لرفع الكفاءة. وتدعم حلول إدارة البيانات المبتكرة الصناعات المتنوعة، وتنظم ندوات لنشر الوعى بالحوسبة السحابية، فيما تركز المبادرة الثالثة على «نشر تكنولوجيا الجيل الخامس» وتعميم شبكات الألياف الضوئية لتوفير إنترنت سريع، داعمة التعليم الإلكترونى والتجارة، عبر آليات التعاون الإقليمى بما يعزز الربط الشبكي، يقلل الازدحام، ويسد الفجوة الرقمية. استراتيجية الجيل الخامس تدعم المدن الذكية وإنترنت الأشياء، معززة التنافسية العالمية.
فيما تدور المبادرة الرابعة حول «ضمان استدامة مراكز البيانات» من خلال التركيز على الحوسبة الخضراء بمعايير كفاءة الطاقة واستخدام الطاقة الشمسية، مع تقييم دورى للأداء وتعزيز الذكاء الاصطناعى فى الطاقة عبر سياسات داعمة، تدريب، ومسابقات ابتكار.
المحور الخامس «النظام البيئي»
تضع مصر استراتيجيات شاملة لتعزيز الابتكار، جذب الاستثمارات، ونشر الوعى بقدرات الذكاء الاصطناعى، هذه الرؤية تتجسد فى أربع مبادرات رئيسية تهدف إلى خلق بيئة داعمة للشركات الناشئة، تعزيز التعاون بين القطاعات، وبناء مجتمع واعٍ تكنولوجيًا، مما يعزز مكانة مصر فى السباق العالمى للذكاء الاصطناعي.
بيئة استثمارية فعالة وآمنة
تدرك مصر أن جذب رأس المال المخاطر هو مفتاح بناء نظام بيئى مبتكر للذكاء الاصطناعي. فى إطار المبادرة الأولى لذلك المحور «بيئة استثمارية فعالة وآمنة»، حيث تسعى الحكومة المصرية، بالتعاون مع المنظمات الرئيسية، إلى تهيئة مناخ استثمارى جاذب من خلال عدة إجراءات، أولها برنامج التوعية برأس المال المخاطر، الذى يهدف إلى تمكين المستثمرين من فهم الإمكانات التجارية للذكاء الاصطناعي.
ويقدم البرنامج بيانات السوق، تحليل الاتجاهات، وأفضل الممارسات لتسليط الضوء على فرص الاستثمار الواعدة، كما تطلق مصر منصة تواصل للاستثمار تربط بين المستثمرين، الشركات الناشئة، والمؤسسات البحثية، مما يتيح تبادل المعلومات والتفاعل المباشر لتسريع عمليات الاستثمار.
ولتعزيز الشفافية، تضع مصر إطارًا تنظيميًا للاستثمار يوفر لوائح واضحة تحمى مصالح المستثمرين والشركات الناشئة، وتضمن بيئة عادلة. كما تدعم مبادرات تكامل القطاعات من خلال تسهيل إجراءات التسجيل، تقديم خدمات مالية متكاملة، وإعفاءات ضريبية لتقليل العوائق الإدارية. وفى هذا السياق، يبرز برنامج الدعم المالى للشركات الناشئة كمبادرة رئيسية توفر رأس المال الأولى والتوسعى لدعم الشركات فى مراحل نموها المختلفة. أما على المستوى الدولي، فتعزز مصر الاستثمار الأجنبى من خلال المشاركة فى مؤتمرات عالمية، توقيع اتفاقيات تعاون، وبناء شبكات دولية، مما يعزز مكانتها كوجهة استثمارية فى مجال الذكاء الاصطناعي.
منصات التعاون بين المؤسسات الصناعية والأكاديمية والبحثية
فى إطار المبادرة الثانية «منصات التعاون بين المؤسسات»، تهدف مصر إلى تعزيز التكامل بين القطاعات الصناعية، الأكاديمية، والبحثية لدفع عجلة الابتكار، حيث تبدأ أولى خطواتها بوضع إطار تعاون يجمع الحكومة، الجامعات، والشركات لتحديد الأدوار والمسئوليات، مما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتحويل نتائج البحث إلى تطبيقات صناعية. المنصة الوطنية للتعاون تمثل أداة رئيسية لهذا الهدف، حيث تعمل كمركز لتبادل المعلومات، تنسيق المشاريع، ونشر الوعى عبر الندوات والمنتديات.
كما تسعى مصر إلى إنشاء معامل بحثية بتمويل صناعى لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعزز الكفاءة الإنتاجية ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة، من خلال جذب الكفاءات العالية وتوفير دعم تقنى للصناعات، حيث تضع مصر إطارًا لحماية الملكية الفكرية، وتقدم خدمات تقييم واستشارات لتسهيل تبادل التقنيات بين الباحثين والشركات، عبر آليات نقل التكنولوجيا مما يعزز الابتكار ويسرع التطبيقات التجارية.
أما المبادرة الثالثة الخاصة بـ«دعم الشركات الناشئة» فتركز على تمكين رواد الأعمال فى مجال الذكاء الاصطناعى لتعزيز التنافسية العالمية، ويتضمن ذلك إنشاء صندوق رأس المال المخاطر بمساهمات حكومية وخاصة ودولية، لتوفير الدعم المالى للشركات الناشئة، مما يقلل المخاطر ويجذب المستثمرين.
كما تقوم مصر بإنشاء حاضنات ومسرعات أعمال توفر مساحات مكتبية، دعمًا تقنيًا، وإرشادًا رياديًا، مع تنظيم مسابقات ودورات تدريبية لتحفيز التعاون، خاصة التعاون الدولى الذى يتيح للشركات الناشئة الوصول إلى الأسواق العالمية عبر شراكات مع مؤسسات رائدة، بينما تقدم برامج تحفيز الحاضنات إعفاءات ضريبية وقروضًا ميسرة لدعم الشركات المبتكرة.
وتهدف المبادرة الرابعة «الوعى العام» إلى بناء مجتمع واعٍ بقدرات الذكاء الاصطناعي. من خلال تسليط الضوء على الأخبار الإيجابية، حيث تنشر الحكومة أحدث التطورات والتطبيقات عبر قنوات موثوقة، لتصحيح المفاهيم الخاطئة وإبراز الفوائد الاجتماعية، كما تدمج برامج توعية فى المدارس، مع دورات تركز على البرمجة والتطبيقات العملية، لتنمية مهارات الطلاب الابتكارية، بالإضافة إلى عقد ورش العمل العامة، وبالتعاون مع الخبراء، توفر منصات تفاعلية للجمهور لفهم التقنيات الحديثة، وتعزز الحملات الإعلامية قصص النجاح فى قطاعات مثل الزراعة والصحة، عبر وسائل الإعلام المتنوعة. علاوة على استخدام استطلاعات الرأى لفهم تصورات الجمهور وتطوير استراتيجيات توعية أكثر فعالية.
المحور السادس: «المهارات»
يشمل ذلك المحور 4 مبادرات رئيسية تعنى بتنمية مواهب الذكاء الاصطناعى وصقل مهاراته، فتهدف المبادرة الأولى «تنمية وجذب الخبراء المتخصصين فى مجال الذكاء الاصطناعي» إلى زيادة أعداد وجودة المهارات المحلية فى مجال الذكاء الاصطناعى فى مصر عبر اتباع نهج تعليمى شامل، يتضمن توفير فرص عملية للطلاب لتحفيز مهاراتهم الابتكارية، وتعزيز القدرات المهنية للمعلمين فضلا عن خلق بيئة داعمة للمبتكرين من خلال إنشاء معامل البحث والتطوير فى مجال الذكاء الاصطناعى للطلاب، فهذه المعامل لا توفر منصة لتطبيق واستكشاف تقنيات الذكاء الاصطناعى فحسب، بل تسهم أيضًا فى إثارة اهتمام الطلاب بهذا المجال، مما يعزز قدراتهم على التفكير الابتكارى وحل المشكلات.
كما تتطلع إلى عقد مسابقات وهاكاثونات فى مجال الذكاء الاصطناعى لتحفيز الابتكار وتعزيز مهارات حل المشكلات وتشجيعهم على تطوير أفكار مبتكرة، بالإضافة إلى تمكينهم من فهم التطبيقات العملية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعزز اهتمامهم وتفانيهم فى هذا المجال.
بجانب التطوير المهنى المستمر للمعلمين الذى يعد أمرا بالغ الأهمية فى رفع جودة التعليم فى مجال الذكاء الاصطناعي. ويتطلب ذلك توفير تدريب متخصص للمعلمين؛ لتمكينهم من إتقان أحدث المعارف وأساليب التدريب فى مجال الذكاء الاصطناعي، ونقلها بفعالية إلى الطلاب، بما فى ذلك تنظيم ندوات وورش عمل دورية.
ويستهدف إنشاء مركز لرواد الذكاء الاصطناعى تمكين الباحثين والمطورين ورواد الأعمال فى مجال الذكاء الاصطناعى من التعاون والابتكار بما يوفر الموارد اللازمة، مثل منشآت الأجهزة المتطورة، وقواعد البيانات وتمويل الأبحاث، بالإضافة إلى فرص التعاون مع قطاع الصناعة لدعم المبتكرين فى تحويل أفكارهم إلى منتجات، حقيقية، مما يعزز تطوير مجال الذكاء الاصطناعى فى مصر.
وتركز المبادرة الثانية «التحالفات الأكاديمية الدولية» على إقامة تحالفات وشراكات مع المؤسسات الأكاديمية الدولية لتعزيز التعاون فى البحث والتعليم فى مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك برامج التبادل والمشاريع البحثية المشتركة ومشاركة المعرفة والموارد بهدف دعم تنمية المهارات فى هذا المجال فى مصر، وذلك عن طريق عدة خطوات وهى تنفيذ برامج التعاون الدولى على تأسيس برامج تعاون مع المنظمات الدولية والحكومات والأطراف الفاعلة فى الصناعة بهدف تسهيل نقل المعرفة، وتبادل التكنولوجيا وتنفيذ المشاريع التعاونية فى مجال الذكاء الاصطناعى، بالإضافة إلى توفير العديد من الفرص المتقدمة للأفراد المهتمين بمجال الذكاء الاصطناعي، بما فى ذلك المنح والبرامج التدريبية والزمالات البحثية والمنح الدراسية، كما سيتمكنون من المشاركة فى المبادرات المتطورة فى مجال الذكاء الاصطناعي، والحصول على تدريب متقدم واكتساب خبرات عملية نتيجة لذلك.
وتتضمن المبادرة الثالثة «إعداد دورات متعددة التخصصـات»، وفى ذلك الجانب قدمت مصر نموذجا رائدًا فى إصلاح التعليم، خاصة فى مجال إعداد المناهج الدراسية فى نظام STEM لتوفير أساس قوى لتعليم الذكاء الاصطناعي، والذى يسهم فى تعزيز الثقافة العلمية لدى الطلاب، كما يشجع على تنمية مهارات التفكير الابتكارى وحل المشكلات الإبداعية، وهى مهارات جوهرية فى مجال الذكاء الاصطناعي.
وتتركز إجراءات تلك المبادرة على دمج الذكاء الاصطناعى فى نظام STEM من خلال بناء نظام شامل لتعليم الذكاء الاصطناعى يهدف إلى إعداد خبراء فى هذا المجال على دراية بنظريات وممارسات مجالى العلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تطوير مهارات التفكير المستقل والتعاونى، وستساهم هذه المهارات فى دفع التقدم التقنى فى مصر وإثراء مجتمع الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم.
ويتزايد دمج تخصصات الذكاء الاصطناعى مع التخصصات الأساسية فى التعليم العالى بمصر بشكل ملحوظ، حيث أطلقت العديد من الجامعات تخصصات مشتركة مع مجال الذكاء الاصطناعى؛ مثل علوم الكمبيوتر والهندسة، بهدف تمكين الطلاب من فهم وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى مع إتقان الخبرات التقليدية. فمن خلال تنمية مجموعة متنوعة من المهارات يساهم هذا النموذج التعليمى متعدد التخصصات فى تعزيز فرص توظيف الطلاب فى المستقبل.
أما المبادرة الرابعة «نظام المؤهلات والشهادات الشامل» فتأتى فى شكل برنامج أطلقته مصر استجابة للحاجة العالمية إلى الخبرات فى هذا المجال، فضلا عن كونه خطوة مدروسة لتعزيز القدرات العلمية والتكنولوجية فى الدولة. وسوف يؤثر تنفيذ هذا البرنامج بشكل كبير على النمو الاقتصادى فى مصر، وتوفير فرص العمل، وتعزيز النظام التعليمي، مما يوفر أساسا قويًا لتحقيق أهداف مصر العلمية والتكنولوجية والاقتصادية طويلة الأمد. وستقوم مصر بإطلاق برنامج لإدارة المهارات وإصدار الشهادات فى مجال الذكاء الاصطناعي، وهو نظام معترف به يهدف إلى توحيد مهارات المتخصصين فى هذا المجال، وسيتضمن البرنامج عدة مستويات من الشهادات التى تعكس قدرات وخبرات المتخصصين فى مجال الذكاء الاصطناعى على مختلف المستويات، بدءًا من الممارسين المبتدئين وصولاً إلى الباحثين والمطورين المتقدمين فى هذا المجال.
وسوف تقوم الحكومة المصرية بإطلاق برامج ودورات تدريبية تتماشى مع المعايير الدولية من خلال التعاون الوثيق مع المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث والشركات التجارية أثناء تنفيذ هذا البرنامج. وتهدف الخدمة إلى رفع المستوى التكنولوجى العام للذكاء الاصطناعى فى الدولة وتوفير قاعدة من الكوادر والمنتجات والخدمات تقديم الدعم لشركات الذكاء الاصطناعى المحلية والدولية.