رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شرم الشيخ.. كيف صارت مدينة السلام؟ التحرير والتنمية والسلام


24-10-2025 | 12:36

.

طباعة
بقلم: حلمى النمنم

استضاف الرئيس عبدالفتاح السيسى كبار قادة وزعماء العالم فى مدينة شرم الشيخ، لتوقيع اتفاق إنهاء القتال فى غزة، أوقف الاتفاق المذبحة التى قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين وفتح الأفق والأمل كى نصل عمليا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. اختيار الرئيس السيسى لمدينة شرم الشيخ له مغزى خاص، ويجب أن نتوقف طويلا عند هذه المدينة فى التاريخ المصرى واستراتيجية الدولة، فى التعامل مع المدينة فضلا عن مكانة شرم الشيخ فى الضمير العالمى والإنسانى.

بعد هزيمة يونيو 1967 ومع إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وخوض حرب الاستنزاف، تدخلت أطراف دولية وعرضت على مصر استرداد سيناء فى مقابل تحقيق السلام مع إسرائيل، كان ذلك زمن الرئيس عبد الناصر، الذى رفض ذلك الحل، وكان رأيه أن يكون انسحاب إسرائيل، ليس من سيناء فقط، بل من كل الأراضى التى تم احتلالها سنة 1967، وفى مقدمتها الضفة الغربية وغزة. ما زال نفس الطلب إلى اليوم، المطلب المصرى، باختصار تحقيق السلام العادل والشامل.

داخل إسرائيل وقتها كان هناك نقاش آخر، بالتأكيد كان هناك الجناح الذى يوافق على إعادة سيناء مقابل السلام، لكن كان هناك جناح آخر، وكان الأقوى وصاحب الصوت النافذ تزعمه وقتها موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، ديان رفع مقولة «حرب مع وجود شرم الشيخ، أفضل من سلام بدون شرم الشيخ»، إلى هذه الدرجة كانت شرم الشيخ بالنسبة لهم، عروس البحر الأحمر، وموقعا استراتيجيا مهما، فى جنوب سيناء، وتطل على البحر الأحمر، فضلا عن قيمتها السياسية.

الإرادة المصرية واصلت طريقها وخضنا حرب أكتوبر 1973، تم كسر غطرسة جيش الدفاع الإسرائيلى وإسقاط مقولة إنه الجيش الذى لا يُقهر ثم اتجهت مصر إلى السلام، ومن دلائل التاريخ الماكرة أن موشى ديان نفسه، وكان وزير خارجية إسرائيل وقتها، شارك وبحماس فى مشروع السلام، واستعدنا شرم الشيخ.

قبل حرب 1967، كانت شرم الشيخ، مجرد قرية صغيرة على البحر الأحمر، ينشغل أهلها بالصيد والمرعى، حياة بدوية بسيطة، والحق أن البحر الأحمر وشاطئنا الطويل عليه، كان مهملًا عمرانيًا، فى التاريخ القديم، كان هناك ميناء عيذاب على البحر الأحمر، يبحر منه المصريون إلى جدة، فى تلك المنطقة، يكون البحر الأحمر ضيقا جدًا، أقصد المسافة بين شاطئيه، هذا الميناء يوجد فى منطقة حلايب بجنوب مصر، ظل يُستعمل لقرون، لكن مع العصر الإسلامى تراجعت مكانته وأهميته، وانتقلت الأولوية إلى ميناء السويس الذى ينقل الحجاج بالبواخر إلى جدة فى موسم الحج سنويا، واكتفينا بأن أطلقنا على منطقة البحر الأحمر، صحراء مصر الشرقية، لكن بعد استعادة سيناء، تم الاهتمام بهذه المنطقة، بالطبع كان هناك دائما الاهتمام بمناطق ومواقع تأمين البلاد، لكن التنمية المستدامة فى تلك المنطقة لم تكن فى الأولوية، رغم أن هناك أصواتا ارتفعت بعد العدوان الثلاثى على مصر، نطالب بالاهتمام بتعمير سيناء، وبشواطئنا على البحر الأحمر، عمرانيا وجيولوجيا.. فى مقدمتها كان نداء العالم الراحل د. رشدى سعيد، وله كتيب مهم بهذا المعنى صدر سنة 1957، ولم يُطبع ثانية.

بعد تحرير سيناء، وجدت سيناء وشواطئنا على البحر الأحمر اهتمامًا كبيرًا، ومنذ عشر سنوات، وضع الرئيس السيسى فى أولوياته تعمير سيناء.. شمالا وجنوبا، والحق أن جنوب سيناء وجدت اهتماما مبكرا، منذ أن جعل الرئيس السادات وادى الراحة فى سانت كاترين مقرا له، يذهب إليه بين حين وآخر، يقضى فيه الوقت للتعبد وللتأمل، خاصة أن المنطقة مجمع أديان، فيها تلتقى الأديان الثلاثة، حيث تجلى الله (تعالى) لنبيه موسى (عليه السلام)، ثم أطلقت الدولة المصرية يد المستثمرين للعمل فى المدن والمنشآت السياحية على البحر الأحمر، وفى مقدمتها شرم الشيخ.

نهضت شرم الشيخ سريعا، وصارت مقصدا سياحيا والاستجمام لعدد من مشاهير العالم، بل عدد من قادة العرب وقادة العالم، كانوا يجيئون إليها لقضاء إجازاتهم، وفى منتصف التسعينيات، نالت لقبها «مدينة السلام» حين استضافت شرم مؤتمرا دوليا للسلام، دعا إليه الرئيس الراحل مبارك، وكان على رأس الحاضرين، الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ورئيس وزراء بريطانيا ومستشار ألمانيا، بالإضافة إلى الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، هناك صورة تذكارية لهذا المؤتمر، فى أحد ميادين المدينة «ميدان السلام».

بعد قرابة ثلاثة عقود -29 سنة– يجدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويدعو قادة العالم إلى مدينة السلام، وكان حرص الرئيس شديدا على حضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس، كانت هناك أطراف دولية ترفض حضوره، ولم تكن الولايات المتحدة تحبذ ذلك فى البداية، لديهم ملاحظات على أداء السلطة الوطنية، فضلا عن أن حماس انتزعت مسار الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023، وصارت هى محور العمل فى غزة، بينما كانت السلطة خارج ذلك الإطار، مصر رأت أن السلطة الوطنية والرئيس محمود عباس هو الرئيس الشرعى للسلطة الفلسطينية، ولا يصح أن يعقد مؤتمر لإحلال السلام فى غزة ويغيب عنه الصوت والرمز الفلسطينى. إصرار الرئيس والدولة المصرية سمح بمشاركة الرئيس الفلسطينى وأن يصافحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لم يكن يليق أن لا تكون فلسطين ممثلة فعلًا، هى حاضرة فى كل شيء بالمؤتمر، لكن كان لا بد من التواجد الرسمى، وقد تحقق ذلك.

اختيار شرم الشيخ، التى استردتها مصر فى عملية السلام، رسالة إلى جميع الأطراف وإلى العالم كله، مفادها أن السلام ليس رطانة لغوية وكلامية، لكنه فعل على الأرض، وأننا حررنا سيناء بكل السبل، الحرب أولا ثم السلام والتحكيم القانونى فى طابا، باختصار إذا كان الاستقلال وتحرير الأرض هو الهدف النهائى، فليكن ذلك بكافة السبل، والمعنى أن غزة شهدت مذابح ومحاولة إبادة جماعية، لكن يمكن ويجب بالسلام استكمال تحريرها، بل إقامة الدولة الفلسطينية.

الذهاب إلى شرم الشيخ، يعنى تمسك مصر بالسلام كهدف استراتيجى، السلام لا يعنى تنازلا عن الأرض ولا عن الكرامة الوطنية، وذلك ضرورى أن يعرفه ويسمعه الجميع لأن مصر تصدت لمشروع التهجير القسرى لسكان غزة، ليس هذا فقط، بل أجهضته ولم يعد أحد يطرحه على الملأ، خاصة على مستوى الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب شخصيا، أو على مستوى رئيس وزراء إسرائيل نفسه، وتمنى البعض فى وقت ما أن يكون الموقف المصرى من التهجير، بداية تفجير المنطقة بأكملها وأن تدخل مصر الحرب فعلا، لكن المواقف أكدت أن رفض التهجير هو الذى فتح الباب لوقف الحرب والسير فى طريق طويل ينتهى بإعلان قيام الدولة الفلسطينية، وفق الشرعية الدولية والقرارات الأممية.

المعنى هنا أن الدور المصرى لا يتغير ولا يتراجع وأن الثوابت الوطنية المصرية مستمرة وقائمة، مرحلة بعد مرحلة، جيلا بعد جيل.. القضية الفلسطينية التزام مصرى منذ بدايتها وحتى اليوم، وإلى أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة.

تحملت مصر العبء الثقيل لهذه القضية منذ بداياتها، بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الإمبراطورية البريطانية تنسحب من مستعمراتها، حدث ذلك فى الهند سنة 1947، وتأخر انسحابها من مصر بسبب القضية الفلسطينية، أطراف دولية عديدة وقتها، فى مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، حاولوا مقايضة مصر على استقلالها وحريتها الناجزة بالجلاء الفورى لقوات بريطانيا عن مصر، مقابل أن تقر مصر بقرار التقسيم الذى كان قيد الإعداد، وأن نغض الطرف تماما عما يجرى فى فلسطين، رفضت مصر المقايضة وتأخر الاستقلال تسع سنوات، وتوالت التضحيات والتكلفة التى تتحملها مصر إلى يومنا هذا.

انعقاد المؤتمر فى المدينة «شرم الشيخ» يؤكد أن المدن ليست مجرد مبانٍ فخمة وطرق حديثة، لكنها جزء من الوجدان الوطنى والذاكرة الإنسانية، المدن تاريخ وسيرة.. أحداث وشخصيات ومراحل متتابعة ومتواصلة، المدن حياة كاملة.

منذ شهور، أثار البعض قضية ما يسمى «البشر والحجر» وأن المشاريع الكبرى التى تتبناها الدولة تعكس اهتماما بالحجر، المدن الجديدة.. الطرق والجسور.. أحياء كاملة جديدة تنشأ.. والحق أن البعض منا يعشقون الثنائيات التى يتصورونها متناقضة، أو أن أحدها يلغى الآخر، الاهتمام بالحجر معناه عندهم إهمال البشر، والعكس صحيح.

الاهتمام بالحجر من أجل الإنسان وعملية التنمية بناء مدرسة وعشرات الجامعات هو من أجل مئات الآلاف من الطلاب.. المدن الجديدة تبنى لتستقبل السكان بالملايين، ليسير عليها البشر ويتحركوا بأمان وسلام، فضلا عن السرعة، وهكذا.

البشر والحجر صنوان لا ينفصلان.

البشر بدون حجر، أى بدون مدن وجسور يتحولون إلى كائن بدائى جدًا، وقد تجاوزت الإنسانية تلك المرحلة شرم الشيخ والمدن الجديدة، 21 مدينة فى السنوات العشر الأخيرة.. مدن كاملة بُنيت لاستقبال سكان العشوائيات.

أعرف أن هناك بعض المتربصين والذين لا يحبون للدولة المصرية الخير يتساءلون: وما العائد علينا نحن فى الداخل المصرى؟

المؤتمر رسالة وشهادة بأن مصر بلد الأمان، هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى حديثه. لم يكن الرجل يجاملنا، بل كان يقارن الأمن فى مصر بنظيره ببعض الولايات الأمريكية. معدلات الجرائم تحديدًا وإطلاق النار فى الشوارع، وأن يتم تأمين هذا العدد الضخم من قادة ورموز العالم هى شهادة أخرى، حتى لو لم يعلنها أحد.

ولو أننا قمنا بعشرات الحملات الدعائية للسياحة فى مصر وفى شرم الشيخ ومنطقة البحر الأحمر، لما تحقق لنا ربع ما حققه ذلك المؤتمر، يكفى أن كل مصورى العالم والقنوات الفضائية، كانت كلها على مصر وعلى شرم الشيخ. والمعروف أن السياحة فى مدن وقرى البحر الأحمر، تعمل طوال العام، صيفا وشتاء، الساحل الشمالى والإسكندرية ومرسى مطروح، تعمل صيفا فقط، أوقات الذروة بها بين انتهاء امتحان الثانوية العامة فى مطلع يوليو وتتراجع مع الاستعداد لبداية العام الدراسى فى منتصف سبتمبر، لكن البحر الأحمر مورد مفتوح طوال العام، وقد حققت خطة التنمية المصرية، نجاحا باهرا، فى هذا المجال، ليس فقط على مستوى شرم، بل الغردقة ومرسى علم ونويبع وغيرها، سياحة متنوعة طوال العام، فيها الجانب الترفيهى وهناك السياحة الدينية والسياحة الثقافية التى لا تتوقف، فى منطقة سانت كاترين وما تضمه من آثار ومواقع روحية للديانات الثلاث، فضلا عن السياحة الصحية والطبية فى بعض مناطق جنوب سيناء التى شهدت اهتماما وإقبالا كبيرا فى السنوات الأخيرة، وهناك مشروعات تنمية أخرى ما زالت قيد الإنشاء.

الذهاب فى مؤتمر دولى رفيع إلى شرم الشيخ مرة وإلى أسوان مرة وإلى العلمين مرة والأقصر وغيرها وغيرها، يؤكد أن الدولة لم تعد دولة العاصمة تنحصر فيها، والشعب يعيش ويعمل فى الوادى فقط، بل المعمور اتسع وانطلقنا شمالا وجنوبا.. شرقا وغربا. اقتحام للصحراء، بناء مدن جديدة، خطط ومشروعات تنمية لا نستثنى منطقة، وخدمات تقدم إلى المواطن فى كل أنحاء مصر.. تلك دولة 30 يونيو، الجمهورية الجديدة.

شرم الشيخ رسالة سلام وأمان من مصر إلى الإنسانية وإلى العالم كله، وبعد أقل من أسبوعين سوف تكون هناك رسالة أخرى، حضارية توجهها مصر من المتحف الكبير بالجيزة إلى العالم كله، وإلى كل عُشاق المصريات وحضارتنا العظيمة.

 

الاكثر قراءة