رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

معركة «الوطن والمواطن»


24-10-2025 | 12:27

.

طباعة
تقرير: منار عصام

«الوعى».. المصطلح الذى بدأ يشق طريقه إلى الأحاديث اليومية فى البرامج الإعلامية والدراسات البحثية، بل وبمرور الأيام ارتبطت به العديد من المصطلحات الأخرى، مثل: «الأفكار المسمومة، المعلومات المغلوطة، الشائعات»، وجميعها مصطلحات من شأنها أن تكشف حجم التحدى الذى باتت تواجهه الدول، ومصر ليست بمنأى عن هذه المواجهة، بل يمكن القول إنها كانت فى طليعة الدول التى تنبهت إلى خطورة ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى وبعض القنوات المشبوهة، والتى تسعى جميعها لـ«هدم مصر»، وهو ما كان دافعًا لإعلان «معركة الوعى»، وبالفعل أصبح لدينا مجتمع واعٍ ومتفاعل، يستطيع التصدى للتحديات والمعلومات المضللة بوعى وثقة وإيمان بوطنه واستقراره.

 

بداية، أكد اللواء طيار د. هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن «معركة الوعى أصبحت إحدى المعارك الخطيرة والملحّة التى تخوضها الدولة المصرية بأجهزتها ومؤسساتها، فى ظل تطور تكنولوجى لوسائل الإعلام، وكذا منصات التواصل الاجتماعى التى تستطيع الوصول إلى المواطن بشكل سريع من خلال شبكات الإنترنت»، لافتًا إلى أن «وسائل السوشيال ميديا أصبحت تمتلك العديد من الأدوات، فمن الممكن أن يصمم بعض الأشخاص المواقع الإخبارية المختلفة سواء من داخل الدولة أو خارجها بلغة سهلة تخاطب المواطن العادى دون المرور على أجهزة الدولة المختصة، وهى سمة الإعلام الحالى، الذى أصبح إعلاما عابرا للحدود لا يمكن السيطرة عليه، مما جعله أحد الأشكال الخطيرة من أجل الوصول إلى العقول بشكل سريع ومباشر».

«الحلبى»، أشار إلى أن «هذا التطور التقنى فى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى ساهم فى تحقيق واحدة من أهم أدوات العمليات النفسية، وهى إمكانية الوصول إلى الهدف المخاطب، ليس فقط لتشكيل الرأى العام فى اتجاهات معينة تريد القوى المعادية تسليط الضوء عليها، ولكن أيضًا تحليل الهدف المخاطب، وهو أمر خطير جدًا»، مشددًا على أن «تلك المنصات أو المواقع يحدث بها تفاعل مزدوج بين المؤسسين والمستخدمين من المواطنين، وبالتالى ينتج عن هذا التفاعل تكوين الآراء التى يتم تحليلها عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعى، التى أصبحت لديها القدرة على تحليل مليارات الكلمات فى وقت زمنى لا يتخطى بضع ثوانٍ، الأمر الذى يوفر لدى العدو رؤية تحليلية كاملة عن فكر الهدف المخاطب ومشكلاته والمؤثرات التى يمكن أن يتفاعل معها بشكل سريع جدًا، ومن ثم تقوم الأجهزة والقوى المعادية ببناء رسالة إعلامية تستطيع التأثير عليه».

وأضاف: تلك المواقع والمنصات لا يمكن إغلاقها أو منعها، وذلك لأن إنشاء وتصميم تلك المواقع والمنصات أصبح أسهل وأسرع كثيرًا عن ما كانت عليه سابقًا، لذا أصبح أمرًا لا يمكن السيطرة عليه، خاصة فى ظل توافر الإنترنت، ليس فقط عبر الشبكات المحمولة أو الخطوط الأرضية، بل أصبحنا نعيش اليوم فى ظل تقنيات الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية دون الحاجة إلى أى مزودى خدمات داخل الدول، لينتهى بذلك عصر السيطرة على الإنترنت.

وشدد «د. الحلبى»، على أننا فى ظل هذا التطور التكنولوجى والتقنى السريع أصبحنا فى حاجة ضرورية إلى قدر كبير من الوعى الصحيح والسليم لدى المواطنين، ويتحقق ذلك عبر معركة كبيرة تخوضها الدولة وأجهزتها المختلفة جنبًا إلى جنب مع المواطن المصرى، خاصة أن تلك المواقع والمنصات تعد سلاحا ذا حدين، بمعنى أنه من الممكن أن يتم استخدامها من قِبل الدولة استخداما سليما لتشكيل الرأى العام بطريقة صحيحة وواعية، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار ما يقوله العدو، مضيفًا أن «التوضيح والتفنيد هما أبرز الأدوات التى يمكن الاعتماد عليها فى مواجهة كل ما يُثار من قِبل الأعداء، سواء على القنوات الفضائية أو المواقع والمنصات على الإنترنت، وكذا وسائل التواصل الاجتماعى».

«الحلبى»، انتقل بعد ذلك للحديث عن أسلوب المواجهة، موضحًا أنه «يجب أيضًا على الدولة أن تستغل الأماكن التى تشهد تجمعات كبيرة من فئة الشباب المصرى مثل الجامعات والمدارس وكذا مراكز الشباب وقصور الثقافة، لعقد ندوات ومحاضرات تتناول تلك المهددات وأسلوب العدو فى توجيه الرأى العام وتوضيح وتفنيد الحقائق، مع التركيز على الهدف الأساسى وهو البناء السليم للشرائح الشابة المستهدفة»، متابعًا قوله بأن «دور العبادة أيضًا يقع على عاتقها مسئولية كبيرة فى تشكيل الوعى الصحيح والسليم للمواطن، من خلال تأكيد أن ممارسة الكذب سواء عبر الإنترنت أو فى الحقيقة بمثابة ذنب كبير ومحرم فى جميع الأديان والمذاهب».

مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، سلط الضوء على أنه من الضرورى التأكيد على المواطنين ضرورة انتقاء المصادر الذى يحصلون على الأخبار من خلالها، فليس من الطبيعى أن يصبح المواطن أداة من أدوات نشر الشائعات والأخبار المغلوطة من خلال إعادة نشرها دون التأكد من مصادرها ، مشددًا على أنه فى ظل حالة عدم السيطرة على الأثير الإلكترونى أصبح من الواجب أن يستقى المواطن أخباره من وكالات أنباء دولية أو إقليمية معروفة، ولا ينجرف وراء الأخبار المزيّفة والمصطنعة من قِبل المواقع الإخبارية غير الموثوقة، خاصة أن العدو يسعى طول الوقت لتشكيك المواطن فى الأداء الإعلامى للوكالات الإخبارية الموثوقة والمعتمدة حتى لا يستقى منها المواطنون أخبارهم.

وتابع: وسائل الإعلام يقع على عاتقها دور ومسئولية كبيرة جدا، متمثلة فى ضرورة تطوير الأداء الإعلامى، بما يتوافق مع التطور التكنولوجى والتقنى فى أسلوب عرض وتداول الأخبار، حتى تجذب انتباه المواطنين، ولا بد من الابتعاد عن النمطية والسرد فى تناول الأخبار والأحداث، هذا إلى جانب أهمية الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها الأكثر استخداما ومتابعة من قِبل الشباب، وهم القاعدة العريضة بين الفئات العمرية للشعب المصرى.

واستشهد «الحلبى» بالتجربة التى تقدمها القوات المسلحة المصرية فى تشكيل وعى أفرادها سواء على مستوى الضباط وضباط الصف والجنود، حيث تتم تلك العملية عبر منظومة تأهيل وتدريب محترفة تقوم على أسس علمية قوية مع الأخذ فى الاعتبار تأهيل وتشكيل وعى سليم لدى الجنود باعتبارهم الفئة الشابة والمنخرطة فى المجتمع، وذلك عبر لقاءات توعوية مستمرة لتسليط الضوء على أسلوب العدو فى بث الشائعات والفتنة داخل المجتمع، وأسلوب المجابهة الصحيح، مضيفًا أن وزارة الدفاع أيضًا تشارك فى بناء منظومة الوعى على مستوى الدولة، فعلى سبيل المثال تقدم الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية العديد من المحاضرات لكافة القطاعات المدنية داخل الدولة فى هذا الصدد، فضلًا عن قيام قوات الدفاع الشعبى بتسليط الضوء على جهود الدولة المصرية فى التنمية والبناء عبر تنظيم زيارات لشباب الجامعات للمشروعات القومية المختلفة، بحانب العديد من الأنشطة الأخرى التى تبلور مشاركة الجيش فى منظومة الوعى بقطاعات الدولة المصرية.

«د. هشام»، رأى أن الوعى هو مسئولية جماعية تقع على عاتق كافة أجهزة ومؤسسات ووزارات وهيئات الدولة، فهى معركة تتطلب أن يشارك فيها الجميع، خاصة أن الاستقلالية الاستراتيجية لأى دولة لها العديد من المسارات، على رأسها يأتى مستوى الوعى لدى أفراد المجتمع، فعندما تمتلك الدولة مواطنا واعيا وسط هذا الزخم الكبير جدًا من وسائل الإعلام المضاد العابر للحدود، تتشكل داخل تلك الدولة قوى صلبة سليمة، موضحًا أن التماسك المجتمعى أصبح من أهم أدوات بناء الدولة واستقرارها حاليًا، وكذلك قدرتها على المواجهة لأى عدائيات.

وأوضح «الحلبى» أن التكنولوجيا يمكن الاعتماد عليها فى بناء الوعى المجتمعى خاصة فى ظل اعتماد العدو عليها تشكيل وتوجيه الرأى العام، لذلك يجب أن نضع فى الاعتبار الاعتماد عليها فى مواجهة ما هو مضاد، مؤكدًا أن المواطن العادى يقع على عاتقه دور مهم، يتمثل فى الانخراط بمنظومة الوعى للدولة، وأن يصبح جزءا منها، فعلى سبيل المثال يجب التوقف عن إعادة نشر الأخبار والفيديوهات المغلوطة إلا بعد التحرى والتدقيق منها، وكذا مشاركة كل ما يتلقاه من محاضرات توعوية عن بناء الوعى، مع ضرورة الاعتماد على المواقع الإخبارية الرسمية واقتباس التصريحات من المتحدث الرسمى لكل جهة ووزارة، وبالتالى سيصبح المواطن مؤثرا وفاعلا بشكل إيجابى.

وفى سياق متصل، أكد العميد الدكتور طارق العكارى، المتخصص فى الشأن الاستراتيجى والاقتصاد العسكرى، أن معركة الوعى لها أسلحة وأدوات كثيرة، وغياب الوعى هو ما يؤدى فى النهاية للمواجهات العسكرية أو إلى الحروب الأهلية، الفرق كبير وواضح من عام 2011 حتى الآن، معركة الوعى تتلخص فى معرفة المواطن بمفهوم الدولة أولًا وأخيرًا، وأن الأرض والشعب والحكومة هم رأس واحد يسيطر على مفاصل الدولة التى تقوى على الدفاع عن نفسها بسواعد أبنائها فقط.

وأشار «العكارى» إلى أنه «إذا كان المواطن لا يعى مفهوم الدولة سيكون خطرا شديدا على وجودها من الأساس، عن طريق دعم التنظيمات والقبائل، وبالتالى ستصبح الدولة ذات رءوس متعددة مما يساعد على الاقتتال والصراع للوصول إلى الحكم، ويتم كل ذلك عن طريق محاولات تزييف الوعى وتغيير الحقائق ومحاولات الخروج عن النص واجتزاء الحوارات والتصريحات من محتواها، وينتهى بالدعوى إلى العنف وشلّ حركة الدولة والدعوة إلى هدم الاقتصاد، فالوعى يحمينا من كل ما سبق، وكل مَن عاصر ما حدث فى مصر خلال الـ14 سنة الأخيرة أصبح يدافع عن مفهوم الدولة أكثر من أى مواطن آخر، الإقليم المحيط بنا بأكمله مشتعل ويحتوى على دول ذات رءوس متعددة، والمواطن المصرى ذكى وقادر على تحليل الصورة بشكل منضبط، كما أن مصر منذ سبعة الآف عام، وهى دولة لم تكن أبدًا مفتتة، ولم تكن يومًا بها تنظيمات مسلحة، حتى وقت الاستعمار كانت المقاومة الشعبية تحت مظلة الجيش المصرى وبالتنسيق معه، وبمجرد خروج الاستعمار، بقى لمصر الجيش والشرطة فقط».

وأكمل: بالتأكيد أن مفهوم الدولة عقيدة راسخة عند المصريين منذ آلاف السنين، الشعب المصرى انتفض فى 30 يونيو لشعوره بأن مفهوم الدولة يتم اختطافه، ولولا ثورة يونيو لكنا اليوم مثل دول أخرى، عبارة عن مجموعة تنظيمات وأكثر من حكومة، أيضًا ما حدث فى الدول التى كانت تحتوى على تنظيمات مسلحة كان شاهدًا للمواطن المصرى على وعيه وقدرته لاستيعاب مفهوم الدولة، فالتنظيم المسلح قراره نابع ممن يموله ولا يهتم أو يغلب المصلحة الوطنية للدولة، وأوجه التحية لكل مواطن مصرى يتصدى لإخوان الشر على منصات الميديا ومواقع التواصل الاجتماعى، فهؤلاء جنود فى معركة الوعى، تكاتف إدارة الشئون المعنوية وبقية إدارات القوات المسلحة بالتصريحات والندوات التثقيفية والتواجد الفورى لتوضيح الأحداث ومنهجية تطبيق وتوحيد الرؤية المصرية، هو ما جعل المواطن اليوم على درجة ممتازة من ثقافة الوعى

 
 
 
 

الاكثر قراءة