كما كان لمصر الدور الرئيسى فى وقف حرب غزة واستضافة مؤتمر شرم الشيخ للتوصل إلى تهدئة، ها هى اليوم تقود الجهود الإنسانية الكبرى لإعادة إعمار القطاع المدمر، لرفع أنقاض أكثر من 200 ألف منزل ومنشأة، وإعادة إعمار كافة القطاعات.
وفى نوفمبر 2025، ستستضيف القاهرة مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار غزة، مع وضع آلية وطنية لمشاركة المواطنين والمؤسسات المدنية فى هذه المهمة، لتظل مصر رمزًا للأمل والحياة لشعب فلسطين الذى طالما احتاج إلى يد الأخ والصديق.
المبادرة المصرية عبّر عنها الرئيس السيسى بدعوة الشعب المصرى إلى المساهمة الفاعلة فى جهود الإعمار، تعبيرًا عن التضامن والمسؤولية والمحبة تجاه الأشقاء الفلسطينيين، إذ كلّف رئيسَ مجلس الوزراء بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى والجهات المعنية بالدولة لدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات وتبرعات المواطنين فى إطار تمويل عملية إعادة إعمار قطاع غزة.
وأكد الرئيس استعداد مصر للمشاركة الفورية فى جهود إعادة إعمار قطاع غزة، وأنها ستكون من أوائل الدول المبادرة بالمساهمة فى عملية الإعمار دون أى مزايدات، معتبرًا أن عملية الإعمار ستتطلب تكاليف ضخمة، خاصة أن القطاع تعرض لتدمير شبه كامل، إلى جانب تضرر شبكات المياه والصرف الصحى والكهرباء والبنية التحتية بالكامل.
الرئيس أكد أيضًا أن مصر كانت وستظل دائمًا فى صف إعادة الحياة والأمل للشعب الفلسطينى، داعيًا المجتمع الدولى إلى تحمّل مسؤوليته والمساهمة فى إعادة إعمار غزة بما يليق بكرامة الإنسان الفلسطينى ومعاناته الطويلة من آثار الحرب.
«قوافل إغاثة غزة» استراتيجية قومية حددتها الدولة المصرية منذ اندلاع حرب الإبادة التى شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلى ضد قطاع غزة فى أعقاب عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، فى خطوة تعكس التزام مصر المتواصل بدورها الإنسانى والإقليمى، بالتزامن مع الجهود السياسية والدبلوماسية التى تقودها مصر لإطفاء نار الحرب التى أتت على القطاع.
الجهود الإغاثية المصرية عبرت عنها الأرقام الرسمية التى أشارت الى أن المساعدات المصرية التى دخلت إلى غزة عبر الأراضى المصرية تجاوزت نحو 600 ألف طن من الغذاء والكساء والوقود، وهو ما يمثل أكثر من 70 فى المائة من إجمالى المساعدات المقدمة للقطاع، لتسجل مصر بذلك أكبر حملة إغاثية يشهدها العالم خلال العقود الأخيرة، وذلك من خلال عشرات القوافل الإنسانية لدعم الأشقاء فى القطاع المنكوب، كان آخرها القافلة الثانية عشرة التى ينظمها التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى للانطلاق من معبر رفح إلى قطاع غزة، لتكون أول قافلة تنطلق بعد اتفاقية شرم الشيخ للسلام، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية، حيث تضم القافلة أكثر من 200 شاحنة تحمل على متنها ما يزيد على 4 آلاف طن من المساعدات الإنسانية المتنوعة، تشمل مواد غذائية وإغاثية وطبية ومعيشية، كما تأتى المواد الغذائية فى المقام الأول ضمن محتوى القافلة، تليها المساعدات الطبية، نظرًا للأوضاع الإنسانية الصعبة التى يعانيها سكان القطاع، خاصة مع تفشى المجاعة فى عدد من مناطقه وفق تقارير الأمم المتحدة.
ويضم التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى نحو 17 مؤسسة أهلية وتنموية مصرية، تعمل منذ ساعات الصباح الباكر بمشاركة مئات المتطوعين الذين يسعون بكل جد لمساندة الشعب الفلسطينى فى محنته، حيث أطلق التحالف الوطنى حتى الآن 12 قافلة محملة بآلاف الأطنان من المساعدات المختلفة لتلبية احتياجات الفلسطينيين، بمشاركة مؤسسة مصر الخير – عضو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، كما شاركت جمعية الباقيات الصالحات من خلال 12 شاحنة تحمل 200 طن من المساعدات الغذائية الموجهة إلى الأشقاء فى قطاع غزة، كما شاركت مؤسسة الجارحى للتنمية المجتمعية فى القافلة تحت مظلة التحالف الوطنى لتقديم المساعدات الإغاثية للأشقاء المتضررين، فى إطار التزامها بدورها الوطنى والإنسانى، كما شاركت مؤسسة حياة كريمة فى القافلة رقم (12) ضمن قوافل الدعم والإغاثة المتجهة إلى قطاع غزة، لدعم الأشقاء الفلسطينيين فى ظل الظروف الإنسانية الراهنة.
أيضًا شاركت مؤسسة صناع الخير للتنمية فى القافلة رقم 12 من قوافل الدعم والإغاثة المتجهة إلى قطاع غزة، فى إطار الدور الوطنى والإنسانى الذى تقوم به، ويأتى هذا الجهد ثمرة العطاء المتواصل من متطوعى مؤسسة صُنّاع الخير، الذين يجسدون بإخلاصهم وتفانيهم روح التضامن والمسئولية المجتمعية، كما شارك بنك الشفاء المصرى فى القافلة ضمن قوافل الدعم المتجهة إلى قطاع غزة، تحت مظلة التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، لتقديم الدعم الصحى والإنسانى للأشقاء الفلسطينيين.
من جانبها أكدت السفيرة نبيلة مكرم، رئيس الأمانة الفنية للتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، أن القافلة الإغاثية الثانية عشرة التى انطلقت لدعم الأشقاء فى قطاع غزة تأتى كترجمة إنسانية فورية لمخرجات قمة السلام بشرم الشيخ، وتجسيدا لتكامل الدبلوماسية الرسمية المصرية مع الدبلوماسية الإنسانية التى يقودها المجتمع المدنى، موضحة أن هذه القافلة التى تضم أكثر من 200 شاحنة محملة بنحو 4 آلاف طن من المساعدات المتنوعة، هى بداية لسلسلة من المساعدات التى يتم تجهيزها حيث يجرى التحضير لإرسال 100 قافلة أخرى خلال الأيام القادمة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.
وأضافت أن التحرك السريع للتحالف يأتى بالتزامن مع الجهود السياسية والدبلوماسية للدولة المصرية واستجابة عملية لوثيقة قمة السلام، والتى تضمنت ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة كخطوة أساسية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة الى أن الجهود المكثفة التى تقدمها نحو 17 مؤسسة تعمل تحت لواء التحالف عملت على مدار الأيام الماضية على تجهيز وتعبئة هذه المساعدات من خلال الشباب المتطوع فى هذه الجهود، ويبلغ عددهم أكثر من 100 ألف متطوع فى التحالف، وموضحة أن وجودهم فى تجهيز القافلة ومرافقتها يمثل رسالة قوية للعالم عن ولاء وانتماء الشباب المصرى وإيمانهم العميق بالقضايا القومية.
كما لفتت رئيس الأمانة الفنية للتحالف إلى أن عمل التحالف لا يقتصر على المساعدات الخارجية فقط، بل يسير بالتوازى مع جهود تنموية داخل مصر، مشيرة الى أن هناك قوافل أخرى يتم تسييرها داخل المحافظات المصرية لتلبية الاحتياجات المختلفة للأسر الأكثر استحقاقا، بناء على دراسات ورصد دقيق من قبل المتطوعين المنتشرين فى كل أنحاء الجمهورية.
بدوره، قال اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، عضو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، إن فريق عمل الجمعية فى حالة استعداد تام لتقديم أى دعم أو مساعدة لأهالينا فى قطاع غزة، تنفيذًا لتوجيهات الدولة المصرية وتعليمات وزارة التضامن الاجتماعى، مشيرا إلى أن جمعية الأورمان تعمل ضمن منظومة متكاملة من مؤسسات المجتمع المدنى، وتحت مظلة التحالف الوطنى، لتقديم المساعدات الإنسانية فى أى وقت وأى مكان تحتاجه الدولة.
وأضاف أن «جمعية الأورمان جزء من منظومة المجتمع المدنى المصرى القوية التى أثبتت للعالم كله قدرتها على العمل السريع والمنظم فى وقت الأزمات، حيث قمنا خلال الفترات الماضية بتجهيز آلاف القوافل الإغاثية داخل مصر، كما ساهمنا مع التحالف الوطنى فى دعم المتضررين من الكوارث الطبيعية، وتوزيع كراتين المواد الغذائية واللحوم والبطاطين، اليوم نقف إلى جانب أهلنا فى غزة كواجب وطنى وإنسانى قبل أن يكون عملًا تنمويا»، موضحا أن الجمعية تقوم بشكل دورى ومستمر بتعبئة وتحضير آلاف الكراتين المحملة بالمواد الغذائية المتنوعة ومياه الشرب، وذلك فى مخازن الأورمان المنتشرة فى مختلف المحافظات تمهيدا لإرسالها ضمن القوافل الإنسانية التى يتم تجهيزها تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى وبالتنسيق مع التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي.
وأشار إلى أن فرق المتطوعين التابعة للجمعية تعمل ليل نهار على تجهيز هذه المساعدات سواء فى فروع الأورمان أو فى المخازن المركزية لضمان سرعة التحرك عند الحاجة، مؤكدا أن القوافل التى شاركت فيها الجمعية خلال الفترات الماضية كانت تضم كل ما يمكن أن يحتاجه الأشقاء فى غزة من مواد غذائية أساسية إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلًا عن البطاطين ومواد الإغاثة الشتوية التى ترسل لمساعدة الأسر فى مواجهة ظروف الطقس الصعبة.
وتابع: هذه القوافل يتم تجهيزها وفق أعلى معايير التنظيم والجودة، بالتنسيق الكامل مع الجهات المختصة خاصة الهلال الأحمر المصرى، الذى يتولى بدوره التنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطينى لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها فى القطاع بشكل آمن ومنظم، والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى أصبح اليوم مظلة رئيسية تجمع تحتها كبرى مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر، الأمر الذى جعل الاستجابة لأى حدث إنسانى أسرع وأكثر فاعلية، كما أن التعاون بين الأورمان وباقى مؤسسات التحالف يتم بروح الفريق الواحد، فالجميع لديه هدف واحد وهو دعم الإنسان فى كل مكان خاصة فى الأزمات الكبرى مثلما يحدث فى غزة، والأورمان بالتعاون مع شركائها فى التحالف تعمل وفق خطة واضحة المعالم تبدأ من رصد الاحتياجات الفعلية للمناطق المتضررة، مرورا بتجهيز المساعدات المناسبة، وانتهاء بتوصيلها إلى مستحقيها بأمان.
من جهته، قال الدكتور مصطفى زمزم، عضو مجلس أمناء التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، إن «مصر متواجدة منذ بداية الحرب الشرسة التى شنتها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين بقطاع غزة؛ حيث تتابع الاحتياجات بشكل لحظى وتدعم القطاع الطبى وتستقبل المصابين والمرضى، مع تنسيق كامل مع الجهات الأممية المعنية.»
وأضاف أن «اللجنة الوطنية المصرية الموجودة داخل القطاع تتابع نحو عشرة مخيمات تضم آلاف المواطنين، لتقديم الدعم المستمر والمساندة لهم»، مشيرًا إلى أن «التحالف قام بتحديد احتياجات القطاع من خيام وملابس وأغذية استعدادًا لفصل الشتاء، مع التركيز على مواجهة البرد والمطر المتوقع، خاصة بعد تدمير نحو 80 فى المائة من البنية الأساسية والفوقية للقطاع»، وموضحا أن الدعم يشمل كافة أنواع الأكل، والألبان، والحمامات، والغرف المتنقلة، بالإضافة إلى المستلزمات الطبية وسيارات الإسعاف، والتحالف جاهز للتواجد بشكل دائم وخدمة أهالى غزة، وأن المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار ستتضمن إنشاء مراكز طبية ومخابز كبرى لتوفير الغذاء».
«زمزم» أشار إلى أن القوافل الإغاثية واجهت تأخيرات متعمدة خلال فترة الحرب من الجانب الإسرائيلى، إلا أن الآلية الجديدة واستلام المعبر من الجانب الفلسطينى أو القوات الأممية ستسهم فى تسريع إدخال المساعدات، مع التأكيد على أن التحالف مستعد لبدء التنفيذ فور الانتهاء من تفاصيل الاتفاق مع الجهات المعنية، مشددًا على أن التحالف الوطنى بما يضم من مؤسسات وجمعيات على استعداد تام لتقديم الدعم الكامل للشعب الفلسطينى فى غزة، سواء فى التغذية أو المأوى أو الخدمات الطبية، وبمجرد اتخاذ القرار بالبدء، سيكون التحالف حاضرًا على الأرض لتنفيذ كافة خطط الدعم على أعلى مستوى.
فى حين لفت محمد فرغل، الرئيس التنفيذى لبنك الشفاء المصرى عضو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، إلى مشاركة البنك بـ3 شاحنات ضمن القافلة العاجلة التى أطلقها التحالف الوطنى لدعم أهالى قطاع غزة، فور استئناف عبور المساعدات من معبر رفح البرى، مشيرًا إلى أن 3 شاحنات من بنك الشفاء المصرى تشارك فى القافلة وتحتوى على أدوية ومضادات حيوية ومطهرات طبية، بالإضافة لكميات من مستلزمات العناية الشخصية للمرأة والأطفال وأدوات التعقيم، وكميات من البطاطين والأغطية الشتوية لسكان قطاع غزة.
«فرغل»، أكد أن قوافل الدعم بدأت منذ اللحظات الأولى لحرب غزة وتضمنت الأدوية والمستلزمات الطبية العاجلة والمحاليل وخيوط الجراحة والضمادات، إذ كانت قوافل بنك الشفاء المصرى من أولى القوافل التى دخلت إلى غزة تحت مظلة التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، موضحا أن بنك الشفاء المصرى حدد ميزانية خاصة منذ بداية الأزمة فى أكتوبر 2023 لدعم قوافل العلاج الموجهة إلى غزة، ساهم بإرسال 44 شاحنة مساعدات بإجمالى 549 طنًا من المستلزمات تجاوز عددها 4.5 مليون قطعة طبية إلى قطاع غزة.
من جانبه، أكد الدكتور إسماعيل تركى، أستاذ العلوم السياسية، أن جمعيات التحالف الوطنى إلى جانب الهلال الأحمر المصرى تعاملت بكفاءة عالية مع حجم الطلب الإنسانى المتزايد فى معبر رفح، بشكل يبرهن استعداد مصر الدائم منذ اللحظة الأولى لبذل كل الجهود على الصعيد الإنسانى، حيث دفعت الهلال الأحمر بأكثر من 35 ألف متطوع، وساهمت فى نقل وتوزيع المساعدات رغم التعنت الإسرائيلى المتكرر.
وأوضح أن مصر قدمت ما بين 70 فى المائة و80 فى المائة من إجمالى المساعدات الإنسانية التى دخلت قطاع غزة، مؤكدا أن الجهود المصرية كانت متواصلة رغم عمليات التفتيش المتكررة والتأخير المتعمد من الجانب الإسرائيلى، مشيرا إلى أن التحالف الوطنى للعمل الأهلى دعم الجهود الإنسانية بأكثر من عشرة آلاف متطوع، ما جعل مصر تتصدر الدول المانحة للمساعدات وتصبح بحق شريان الحياة لقطاع غزة.
وعلى الصعيد السياسى، اعتبر «د. إسماعيل»، أن الدبلوماسية المصرية حققت انتصارا واضحا، إذ نجحت فى احتواء التصعيد ومنع توسع الصراع، مشيرا إلى أن إسرائيل فشلت فى تحقيق أهدافها، سواء فى استعادة الأسرى أو السيطرة على القطاع، بينما نجحت مصر فى فرض رؤيتها السياسية القائمة على وقف العدوان ودعم الحلول السلمية، وموضحا أن «النهج الدبلوماسى المصرى حظى بتقدير دولى واسع، لما حققته القاهرة من توازن بين المواقف الإنسانية والسياسية، وأن مصر استطاعت أن تحمى مصالحها وتدعم القضية الفلسطينية دون الانجرار إلى صراع مباشر».