رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الكاتب الكبير حلمي النمنم يكتب: بعد أن نجحنا فى وقف القتال.. الدور المصرى مستمر


16-10-2025 | 15:58

.

طباعة
بقلم: حلمى النمنم

بعد جهد دؤوب وممتد عدة أعوام، توجت الجهود المصرية، بالتعاون مع دولة قطر ومع الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، تم إيقاف العدوان على غزة، وإطلاق سراح الرهائن لدى حماس، وإطلاق أعداد ليست قليلة من المسجونين الفلسطينيين لدى إسرائيل، ويمكن القول إن تلك الخطوة كانت غاية فى الصعوبة؛ ذلك أن الآلة العسكرية الإسرائيلية المتوحشة، لم تترك حجرًا على حجر فى غزة، وقتلت حوالى 66 ألفًا، وحوالى ثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى فضلًا عن أعداد ضخمة من المفقودين.

والحق أن ذلك كان مطلب مصر والرئيس السيسى منذ يوم السابع من أكتوبر 23، وقف القتال والإفراج عن المسجونين والرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية إلى غزة، فضلًا عن برنامج لإعادة إعمار غزة والمطلب الأهم الذى اعتبرته مصر خطًا أحمر هو منع التهجير لسكان غزة ورفض مطلق لتصفية القضية الفلسطينية.

نجحت الدولة المصرية فى كل ذلك ورغم صعوبة هذه المرحلة فإن الأصعب قادم وقف إطلاق النار كان يحتاج رأيًا عامًا وضغطًا دوليًا وقد نجحنا فى ذلك، إعادة الإعمار يحتاج إلى توفير الأموال، وهذا صعب، لكن ليس مستحيلًا، التصدى لفكرة التهجير، وكذلك تحويل غزة إلى «ريفيرا» عالمية، كان الموقف هنا يحتاج صلابة سياسية من مصر ومواجهة كافة التحديات، وقد نجحت مصر فى ذلك، فضلًا عن أن الشعب الفلسطينى تفهّم الموقف المصرى وتمسك بأرضه وبلاده، تجربة التهجير سنة 1948 نموذج واضح قيل للمواطنين: سوف تعودون إلى دياركم بعد 48 ساعة فقط، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى يومنا هذا، بعد مرور 77 سنة وشهور ورغم أن هناك قرارًا أمميًا بحق العودة، لكن إسرائيل تنكرت لهذا الحق، وأبدت استعدادًا لتعويض المهاجرين حاليًا لكن دون حق العودة، وأعلنت إسرائيل أن عودتهم سوف تؤدى إلى خلل ديموجرافى فى إسرائيل... فى النهاية أنجزنا تلك الخطوة.. وها نحن نقف على أبواب مرحلة جديدة.

المرحلة القادمة، هى الأكثر صعوبة، لأنها لا تتعلق بالأطراف الدولية والاحتلال فقط ولكن بالجانب الفلسطينى.

المرحلة الأصعب هى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

فى العادة، يتم إعلان قيام الدولة على الأرض ويكون لها مؤسسات، ونظام سياسي، ومقرات حكم، فضلًا عن وجود الأرض والحدود وكذلك الشعب ثم تتقدم حكومة الدولة أو نظامها السياسى إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف الدولى والحصول على مقعد فى الأمم المتحدة، ومن ثم سائر المنظمات الدولية، حدث ذلك حين أُعلن قيام الصين الشعبية التى هى الصين الآن، وحدث عند قيام باكستان سنة 1947، وعند قيام إسرائيل فى مايو 1948، وكذا عند انقسام الكوريتين، ومع دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى سنة 1990، وعند قيام جنوب السودان سنة 2011، إثر الانفصال عن السودان، وقبلها إريتريا التى انفصلت عن إثيوبيا.

الحالة الفلسطينية مختلفة كان قرار التقسيم سنة 1947 ينص على إنشاء دولتين على أرض فلسطين، دولة عبرية وأخرى عربية، الأولى أُعلن قيامها ونالت الاعتراف الدولي، والثانية لم تقم حتى اليوم، وكان ذلك خطأ وطنيًا كبيرًا، كان التفكير السائد وقتها فلسطينيًا: إما دولة على كل أرض فلسطين التاريخية، وإما اللا دولة.

بإزاء هذا الفراغ أو اللا دولة، أُلحقت غزة إداريًا بالإدارة المصرية، والضفة الغربية ومعها القدس بالإدارة الأردنية.

وانتبه الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) إلى هذا الخطأ، لذا قرر سنة 1988 فى اجتماع المجلس الوطنى الفلسطينى بالجزائر العاصمة إعلان قيام الدولة الفلسطينية، واعترفت الدول العربية بالدولة فور قيامها، وتوالت الاعترافات الدولية بها، لكن بدا أن المعادلة مقلوبة اعتراف دولى بدولة لم تتحقق على الأرض، ثم جاءت اتفاقية أوسلو سنة 1994، لتكون بداية قيام الدولة بالفعل، كانت هناك خطوات تتم، فى نهايتها تكون الدولة قائمة على الأرض الدول العربية خاصة مصر، ساندت المشروع دربت قوات الأمن الفلسطيني، الاتحاد الأوروبى ساعد فى إقامة مطار دولى فى غزة، كانت «مصر للطيران» ترسل رحلتين أسبوعيًا، وتقوم الأردن برحلة فى الأسبوع، وكانت هناك محاولات لتفعل دول عربية أخرى الشيء نفسه، نفس المطار يسر الدخول والخروج للفلسطينيين، فضلًا عن حركة تجارية.

وهنا بدأت المعضلة الكبرى التى لا تزال قائمة إلى اليوم وقد جاءت تلك المعضلة على هوى الحكومة الإسرائيلية، والتيار المتطرف فى إسرائيل.

بينما كان ياسر عرفات والسلطة الوطنية يسيران فى طريق انتزاع الدولة، قامت حركة حماس بعدة عمليات ضد مدنيين إسرائيليين، وراحت تهاجم أوسلو وتتهمها بالخيانة والعمالة لإسرائيل، وأنها لن تقبل بأقل من دولة على كل فلسطين التاريخية، ولا تقبل بالضفة وغزة، وتذرعت إسرائيل بذلك وأوقفت تنفيذ خطة اتفاقية أسلو، الرأى العام لإسرائيل شعر بالفزع من تلك العمليات فاختار حكومة بنيامين نتنياهو سنة 1996، وقبلها قاموا باغتيال إسحاق رابين لأنه وقع أوسلو مع عرفات.. وهكذا انقسمت القوى الفلسطينية بين السلطة وحماس، وحولها الفصائل الأخرى.. وهكذا صرنا أمام مشروعين وطنيين.. أحدهما يرى الدولة على حدود الرابع من يونيو سنة 1967، والآخر لا يقبل بذلك.. وهذا هو السبب الرئيسى لتعطل إقامة الدولة.

حاولت مصر حل الخلاف، واستضافت الفصائل معًا والسلطة الوطنية فى أكثر من سبعين لقاء يتم الاتفاق خلالها على توحيد الصف والتعاون معًا، وبمجرد مغادرة القاهرة تعود ريما إلى عادتها القديمة.

تاريخيًا، فإن الانقسام الفلسطينى قديم ووضح جليًا خلال ثورة سنة 1936 الكبرى، فقد كادت أن تنتهى الثورة إلى حرب أهلية فلسطينية، كان هناك جناح الحاج أمين الحسينى يريد طرد اليهود جميعًا من فلسطين، ولا يقبل بأقل من ذلك، ثم إنه راح يهدد من يختلف معه ويهدر دمه، فضلًا عن التشهير به والاتهام بالعمالة والخيانة.

وكان هناك جناح آخر مثلته عائلة النشاشيبى وعميدها راغب النشاشيبى، أرسل راغب برقية إلى المعتمد البريطانى فى فلسطين، يعلن فيها تأييد وعد بلفور، ويطالب بالسلام بين العرب واليهود، وكان يساعده اثنان من أبناء أمين، أهدر الحاج أمين دماءهما، فهرب الأول إلى بغداد، وهناك تم اغتياله على يد بعض رجال الحاج أمين، والثانى جاء إلى القاهرة، وكانت هناك محاولة لاغتياله، كشفها الأمن المصرى، وطلبوا من الحاج أمين عدم مطاردة أى فلسطينى لجأ إلى مصر.

وهكذا كان الخلاف فى لحظة تاريخية حرجة، ثم لعبت سنوات المهجر بعد 1948 لعبتها، صارت هناك فصائل فى دمشق، تساير نظام البعث وحافظ الأسد، حركوها على حساب القضية الفلسطينية، وكذا فى بغداد، فضلًا عن الذين ارتبطوا بثورة الخمينى بعد سنة 1979.

وبدأنا نرى فصائل فلسطينية خاضت فى مشروع الخلافة الإسلامية ولعبتها، مستبعدة تمامًا قضية فلسطين.. حتى وصلنا إلى اللحظة الحاضرة.

عدم وجود جبهة أو كتلة وطنية موحدة، أدى إلى تأخر قيام الدولة الفلسطينية، لا ننكر أن إسرائيل لعبت دورًا فى تعميق الانقسام، ولها مصلحة فى ذلك، لكن فى النهاية تأخر الحق الفلسطينى.

من يراجع نشأة إسرائيل، يلاحظ أن الحركة الصهيونية، كان بها تيارات عديدة، فيها المتشددون والأصوليون، وكان فيها العلمانيون والاشتراكيون، ورغم ذلك كان الهدف العام متفقًا عليه، وهو إقامة وطن قومى ودولة عبرية فى أرض فلسطين، وهكذا وجدناهم يؤسسون تل أبيب سنة 1909 لتكون عاصمة للدولة القادمة، وأقاموا فيها المقرات الرسمية للحكومة، وبنوا الكنيست مقرا للبرلمان، وفى سنة 1909 أسسوا المدرسة العبرية، وبعد عشرين عامًا، صارت الجامعة العبرية فى القدس، هدفها إحياء اللغة العبرية لتكون لغة الدولة، رغم أن العبرية وقتها كانت لغة ميتة، أسسوا كذلك شركة للبريد والمواصلات خاصة بهم، وإذاعة بالعبرية، وفى سنة 1936 كانت الدولة جاهزة للقيام، كانوا قد شرعوا فى تأسيس جماعات مسلحة لتكون نواة للجيش، وأقاموا جهازًا للمخابرات، ولما قامت الحرب العالمية الثانية التحقوا ببريطانيا وأرسلوا قواتهم للحرب فى صفوف الحلفاء، فاكتسبوا خبرة قتالية وحصلوا على أسلحة حديثة، كان لهم فيلق خاص فى الحرب، صار بعد ذلك جيش الدفاع، واستقطبوا ضباطًا وطيارين يهودًا من الذين شاركوا فى الحرب، أما الحاج أمين فأيّد هتلر، ولم يستفد منه شيئًا.

وفى سنة 1948، بمجرد إعلان بريطانيا خروجها من فلسطين، أعلنوا قيام الدولة، ثم سارت الأمور على النحو المعروف إلى يومنا هذا.

لا يفيد الآن البكاء على اللبن المسكوب، وليس الهدف توجيه اللوم إلى أى أحد، لكن معرفة التاريخ ضرورة لتجنب مزالق اللحظة الحاضرة.

الهدف الآن إقامة الدولة الفلسطينية، ومعروف جيدًا أن إسرائيل لا تريد لهذه الدولة أن تقوم، وسوف تتذرع بعشرات الأسباب، وقد تدعم فصائل أو تختلق جماعات للقيام بأى فعل يمنحها مبررًا للتهرب من الاستحقاق الدولى، ويجب العمل على تفويت الفرصة على إسرائيل.

وما لم تكن هناك حركة وطنية فلسطينية موحدة على الهدف الأهم، سوف يتعطل قيام الدولة، فى ثورة سنة 1919 حاولت بريطانيا اختلاق عشرات الأسباب للتهرب من إعلان استقلال مصر، لكن الحركة الوطنية المصرية سارت مع سعد زغلول على هدف واحد، هو الاستقلال التام، كان بين رموز الحركة الوطنية المصرية تباينات عديدة، واتجاهاتهم السياسية لم تكن متفقة، لكنهم جميعًا تمسكوا بهدف وطنى واحد «الاستقلال التام»، فاعترفت به بريطانيا فى فبراير سنة 1922.

التجارب كثيرة وعديدة، نعرف أن توحيد الفصائل الفلسطينية يُلقى بعبء كبير على الدولة المصرية، خاصة جهاز المخابرات العامة والخارجية المصرية، لكن هذا واجبنا التاريخى نحو الأشقاء، ولا يجوز أن نتهرب من ذلك الدور...

وكما نجحت مصر، وتحمل الرئيس السيسى الكثير، حتى وصلنا بعد عامين إلى اتفاق وقف النار فى غزة، وإجهاض مشروع التهجير القسرى، وإدخال المساعدات، وإعادة الإعمار، سوف تنجح مصر فى المهمة التاريخية الأخرى، وصولًا إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فعلًا وعملًا.

    كلمات البحث
  • جهد
  • ترامب
  • العدوان
  • غزة
  • اسرائيل

أخبار الساعة

الاكثر قراءة