رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

خطاب مصر في الأمم المتحدة.. القاهرة ترسم رؤيتها لشرق أوسط مستقر

28-9-2025 | 14:19

وزير الخارجية بدر عبد العاطي

طباعة
محمود غانم

رسمت كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ألقاها وزير الخارجية بدر عبد العاطي، ملامح الموقف المصري الثابت تجاه التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، ورؤيتها لإعادة السلام والاستقرار إلى المنطقة، مع التأكيد على تمسك القاهرة بحقوقها، خاصة في مياه النيل.

فقد امتدت الرسالة المصرية من التحذير من حرب الإبادة المتواصلة في غزة منذ نحو عامين، إلى الأزمات المشتعلة في السودان وليبيا واليمن، وصولًا إلى رفض التعنت الإثيوبي في ملف السد.

وفي ظل ظرف دولي وإقليمي بالغ الدقة، حملت الكلمة تحذيرًا صريحًا من مغبة الانزلاق إلى الفوضى، مقابل الدعوة إلى خارطة طريق تقوم على العقلانية والالتزام بالقانون الدولي.

وفي غضون ذلك، أكد دبلوماسيون أن الكلمة، رغم ما تناولته من قضايا متعددة، ركزت بشكل أساسي على إبراز الثوابت المصرية الراسخة تجاه القضية الفلسطينية، بما يضمن استمرارها وديمومتها، وصولًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وحمايتها من مخاطر التصفية وتهجير شعبها.

خطاب جامع مانع

ويؤكد السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن كلمة مصر في الأمم المتحدة، والتي ألقاها الوزير عبد العاطي، خرجت بما تتسم به الدبلوماسية المصرية، حيث كانت "جامعة مانعة"، إذ ركزت على أكثر من قضية، في مقدمتها خلل النظام الدولي، الذي أخفق حتى الآن في رد حقوق الفلسطينيين أو رفع العدوان الإسرائيلي عليهم.

وأوضح بيومي، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الكلمة ركزت بصورة أساسية على القضايا الإقليمية، وما تمر به البلدان العربية من أزمات سواء في السودان أو ليبيا أو اليمن، لا سيما أن تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر أدى إلى خسارة تسعة مليارات دولار من إيرادات قناة السويس خلال عامين، وهي أموال كانت مصر في أمسّ الحاجة إليها، موضحًا أن الكلمة تطرقت كذلك إلى ضرورة رفع الظلم التاريخي عن القارة الإفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأضاف أن الكلمة شملت مختلف الملفات والقضايا، بما في ذلك أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، متابعًا: "ركزنا على كل شيء، من الملفات الإقليمية إلى التحديات الدولية، مع التأكيد على ثوابت الموقف المصري".

غير أنه أوضح أن الجزء الأساسي في الخطاب، والذي عكس الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية، هو التأكيد على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية، بما يحفظ ديمومتها واستمراريتها، مؤكدًا أن هذه الرسالة الدبلوماسية لقوتها أقوى من أي تحرك عسكري.

وقال إن "الرأي العام المصري يطالب باتخاذ إجراءات أقوى بقطع العلاقات، وخوض حرب مع إسرائيل"، مضيفًا أن هذا سيكون بالنسبة لإسرائيل "يوم المنى" الذي تريده، حيث إنها لا ترغب في تحقيق أي تهدئة في المنطقة.

وأشار إلى أن مصر، بدلًا من الخيار العسكري، تواصل العمل على إنهاء الحرب ودعم خيار "حل الدولتين" بما يفضي إلى قيام دولة فلسطينية، مؤكدًا أن هذا أمر مدعوم من قبل نحو 150 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، و14 دولة داخل مجلس الأمن، حيث لا يبقى إلا معارض وحيد، هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنحاز بشكل فج لإسرائيل، حتى وهي معتدية.

ولفت إلى أن العقبة الرئيسية أمام وقف الحرب في غزة هي رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه، الذي يرفض بأي شكل من الأشكال وقفها، حفاظًا على منصبه، وتهربًا من محاكمته التي تُجرى داخليًا.

تثبيت المواقف

حول ما تجلّى في الخطاب المصري من ثوابت تجاه القضية الفلسطينية، يستكمل السفير رؤوف سعد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، الحديث موضحًا أن كلمة وزير الخارجية مثّلت تثبيتًا للمواقف المصرية، ولم يكن بها شيء مفاجئ، مؤكدًا أن الموقف المصري كان وسيظل ثابتًا تجاه القضية الفلسطينية.

وأوضح سعد، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الفارق في هذه المرحلة هو أن البيان المصري يأتي في وقت يشهد تحولًا مهمًا جدًا في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، يتجلى في زيادة عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، وهو أمر لم يكن متوقعًا.

وأضاف أن هناك أمرين مهمين لا بد من التعامل معهما: أولًا، أن فلسطين لن تصبح عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا بموافقة مجلس الأمن، وهو ما قد تعترض عليه الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق النقض، لا سيما إذا استمر الوضع كما هو، ثانيًا، أننا نتعامل مع "مجرم حرب" مدان لدى المحكمة الجنائية الدولية، في إشارة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى تنفيذ خطة وصفها بـ"الخبيثة"، إذ لن يتفاوض إلا بعد أن يحققها، ما سيجعل الفلسطينيين يتفاوضون على لا شيء، قائلًا: "سيتفاوضون على صفر"، وذلك بعد أن يقضي على أهالي قطاع غزة بالتجويع والتهجير.

وقال سعد إن الوضع الراهن يحتم أن ينتقل الطرف العربي من خانة "المتلقي" إلى خانة "المبادر"، مشيرًا إلى أن ذلك تجلى في خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الأخيرة، التي أنذرت بقدوم تحرك عربي.

وتابع قائلًا: "إننا أمام مرحلة نسابق فيها الزمن، ما يحتم علينا أن نسرع، حيث إن البيانات الخارجة عن دولنا ينقصها العمل، ففي حين يمارس نتنياهو القتل والتهجير والتهديد ضد الفلسطينيين دون أن يعبأ بأي تهديدات، نعيش نحن ما أسماه حالة من 'الهبوط'".

وشدد على أن الدول العربية أنهت في الوقت الراهن مرحلة الحشد، ولا بد أن تنتقل إلى مرحلة الرفض، وهي اللحظة الحاسمة المرتقبة التي سيتبلور فيها الموقف التاريخي المصري وموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث مارست مصر تجاه الأزمة الراهنة أرفع مستويات الحنكة السياسية والدبلوماسية، محددة الهدف المتمثل في حماية الأمن القومي المصري، ورفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، ودعم إقامة الدولة.

الاكثر قراءة