فكرة وجيهة وتستحق التأمل وترد على العديد من الأسئلة المباشرة وغير المباشرة والتي قدمت هنا بوسائل تعبير بسيطة وسلسة وربما كوميدية إلى حد بعيد ، لكنها تظل فكرة مهمة و سؤال جوهري تطرحه هذه الفكرة ، حيث: هل يمكن لقلب الرجل أن يحب امرأتين في وقت واحد؟ هل يمكن أن يتسع عقله لكليهما؟ إنها تيمة شاهدناها عبر تاريخ السينما المصرية قديما وحديثا في عشرات الأفلام وفي هذه المرة يقدمها المؤلف أيمن بهجت قمر بقلمه الرشيق كي ما تظل حداثة الطرح والأبطال هما الجديدان في كل مرة و مع كل عمل ، ونحن هنا أمام فيلم" الهنا اللي أنا فيه" وهو تعبير كثيرا ما نستخدمه لنصف حالنا بشيء من السخرية وهو بالظبط ما يمر به بطل الفيلم النجم كريم محمود عبد العزيز في دور الدكتور أحمد الذي يعمل عبر السوشيال ميديا في صنع و تقديم محتوى يعرض من خلاله نصائح و إرشادات للسعادة الزوجية ونجاح العلاقات العاطفية، بينما هو متزوج من ياسمين رئيس " إيمان " ولديهما طفلة في عمر الثامنة تقريبا ، وفيما هو يقدم نصائح للسعادة إلا إنه يبدوا كزوج غير سعيد حيث يعاني من زوجته التي يصفها بالروتينية والتقليدية التي تثور على كل كبيرة وصغيرة ،
ما يجعله دائم الشكوى لصديقه الفنان" حاتم صلاح" و أنه مضطر للعيش معها فقط من أجل ابنتهما ، على جانب أخر تظهر النجمة" دينا الشربيني" وهي صديقة قديمة لهما ، لتذهب ياسمين رئيس لاحضارها من المطار بعد أن انفصلت مؤخرا بعد العديد من الزيجات الفاشلة ، وما أن يعلم الزوج بوصول صديقتهما القديمة إلا وتبدو عليه علامات السعادة ، حيث أنها الحب الأول وربما الأخير في حياته، ويلتقي الجميع في حفل عيد ميلاد الابنة الطفلة، لتظهر شخصية دينا الشربيني أو كما يسمونها ويلقبونها ب " فوزية الفولاذية " حيث تتمتع بقدر كبير من الأطلالة اللافته فضلا عن هدوءها ومرونة شخصيتها على النقيض تماما من الزوجة ياسمين رئيس، و مع تطور الأحداث يكتشف الزوج أن إيمان زوجته أو ياسمين رئيس مصابة بأورام في المخ وعمرها في الحياة صار قصيرا ولكنه لا يخبرها ، أما هي ولأنها دائمة المراقبة لهاتفه المحمول ، فتكتشف بنفسها صور تقارير الإشاعات والفحوصات وعندما تعلم بقرب رحيلها، تفكر في ابنتها التي لا تريد أن تتركها بدون أم بديلة ترعاها، فتفكر في صديقة عمرها فوزية والتي تعامل الابنة بكل محبة ولطف، لدرجة تصل بها إلى إقناع زوجها بضرورة الزواج من هذه الصديقة، فيما تعرض على فوزية وبشكل مباشر قائلة :" أنا عايزة أطلب منك طلب.. عايزاكي تتجوزي جوزي"،" أنا بدور على أم لبنتي، يرضيكي يجيب لها مرات أب زي مرات أبويا ؟" حيث كانت تعاني في صغرها من عقدة زوجة الأب القاسية، في البداية ترفض فوزية قائلة:" أحمد ده أخويا" ، ليتضح أيضا من الحوار مع الزوج عندما تعرض عليه زوجته ضرورة تلبية هذا الطلب وأنها كانت تعلم أنه يحب فوزية في البداية ولكنها هي التي قامت بتخريب العلاقة بينهما لتفوز هي به، وبعد استغراب الفكرة يوافق جميع الأطراف ،لنستمر عبر أحداث الفيلم في العديد من المفأجات و المفارقات وربما نطلق عليها "لخبطات" حيث تشعر الزوجة الأولى بالغيرة ولا تريد لزوجها الاقتراب من زوجته الجديدة وهنا نخرج إلى أجواء من التصوير المبهجة في أماكن السواحل والشواطئ والمتنزهات الصيفية التي توافق أجواء فيلم صيفي يشجع السياحة في بلدنا الجميلة و يوضح العديد من مواطن السحر و الجمال بها، و قد أجاد إستخدام الكاميرا و التصوير الخارجي و توظيف العناصر الإخراجية بحرفية شديدة فى هذا المقام مخرج الفيلم خالد مرعي، وفي هذا الإطار يصنع المؤلف العديد من مشاهد الضحك والكوميديا المحببة لنصل إلى ذروة أخرى في الفيلم حيث يتم إكتشاف أن التقرير الذي أرسل للزوج كان بطريق الخطأ وأن الزوجة سليمة تماما وذلك في الوقت الذي قد وجد فيه الزوج سعادته مع زوجته الجديدة أو لنقل حبيبته القديمة التي عوضته المشاعر التي افتقدها مع زوجته التي تم الزواج منها بشكل تقليدي، وهنا تبدو عقدة الفيلم الحقيقية ، فهذه تحمل قلبه والأخرى تملك ابنته وهو هنا يمر بالصراع بينهما وفي الوقت الذي تعاني فيه الزوجة الجديدة فوزية من سيطرة الأولى على مجريات الأحداث و الحياة في المنزل حتى تضيق عليها الخناق في كل لحظة مع زوجها ، تكتشف فوزية بطريق الصدفة التقارير التي تثبت أن الزوجة سليمة و قد تعمد الزوج إخفائها عن الجميع ، فتخبرها بذلك وبمواجهة كليهما للزوج، يتركانه هما الأثنان ويتركان المنزل حيث شعور كل منهما بأنه قد غشها وضحك عليها فتعاني فوزية من حرمانها منه وقد أحبته وتعاني الأخرى من كذبه عليها متجاهلا مشاعر خوفها على حياتها ، أما هو فيجلس مع صديقه ليفضفض له بمكنونات الرجل الذي يمر بمثل هذه الحالة وكيف هو بالفعل محتار بين أم ابنته الوحيدة وبين من تملك قلبه ،فهو لا يرغب في تطليق ايا منهما، ليكتشف انه يحب كل منهما بشكل وبطريقة مرضية بالنسبة له، فلا يستطيع الاستغناء عن أيا منهما فيرى في الزوجه الأولى المسؤولية والعطاء و يرى في الثانية الشقاوة والطاقة والروح المرحة ، وهذه هي الإشكالية التي أشرنا إليها في بداية حديثنا عن فكرة الفيلم وهي فكرة يمر بها ربما بها بعض الرجال لا سيما فيما يعرف بأزمة منتصف العمر حين يصل الزوج إلى مرحلة من الملل من العلاقة الزوجية الطويلة فتبدأ في الظهور في حياته إمرأة أخرى تجدد شبابه ويظل في حيرته هذه على المحك من جميع الأطراف ، أما في الفيلم فقد جاء الحل قدريا باكتشاف الزوجة الثانية لحملها ، ما وضع النهاية لهذه العلاقة الثلاثية إذا جاز التعيير ، بوجوب استمرارها ، فقد صار أبا لطفل كل منهما وعليه أن يكمل الحياة على هذا النحو الذي هو على أرض الواقع وفي الحقيقة قد يكون معقدا أكثر من هذا المشهد النهائي بكثير فربما تعاني العديد من السيدات والرجال أيضا من صعوبة إيجاد حل لهذه الإشكالية ووضع النهاية لها وربما تستمر سنوات وسط معاناة جميع الأطراف .
هذا وتجدر الإشارة إلى جودة التمثيل في هذا العمل لا سيما من الثلاثي المرح إذا جاز التعبير وإبطال الفيلم( كريم محمود عبد العزيز ودينا الشربيني وياسمين رئيس) فجاء أداء كل واحد منهم بتركيز شديد في الشخصية المرسومة له وكأنها مكتوبة من أجله، متسقة تماما مع الشخصيات، فقاموا بتأديتها على أكمل وجه ما أضفى روح وبهجة بل و مصداقية على العمل ككل .