رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

دور مصرى متواصل لإنهاء نزاع السودان


25-9-2025 | 17:01

.

طباعة
بقلم: د. غادة جابر

يشهد السودان منذ أبريل 2023 واحدة من أعنف الحروب الأهلية فى تاريخه الحديث، بين الجيش السودانى بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، وقد تسببت هذه الحرب فى كارثة إنسانية هائلة، ونزوح جماعى، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، فى خضم هذه الأزمة، ظهرت اللجنة الرباعية التى تضم مصر، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، كآلية إقليمية دولية للتوصل إلى حل سياسى.

 

من الضرورى العودة إلى الجذور التاريخية للنزاع السودانى لفهم طبيعة الأزمة الحالية، وجذور الصراع الممتدة منذ عقود، بدأ التهميش السياسى والاقتصادى للأقاليم البعيدة عن الخرطوم منذ استقلال السودان عام 1956، مما أدى إلى تمردات فى الجنوب والغرب، فى إقليم دارفور، ظهرت ميليشيات الجنجويد التى تطورت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع، وهى القوة التى لعبت دورًا أساسيًا فى الحرب الحالية، كما أن سقوط نظام عمر البشير عام 2019 فتح الباب أمام صراع على السلطة بين الجيش النظامى والقوى شبه العسكرية والمدنية، دون توافق واضح حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية.

تسببت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع فى مأساة إنسانية غير مسبوقة، فقد نزح ملايين السودانيين داخليًا وخارجيًا، حيث استقبلت مصر مئات الآلاف من اللاجئين بحكم الحدود المشتركة، كما انهارت الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، وانتشرت الأمراض والأوبئة نتيجة تردى الأوضاع المعيشية، وتقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 25 مليون سودانى بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، هذا الوضع يجعل أى تسوية سياسية غير ذات معنى، ما لم تُرفق ببرامج إغاثة وإعادة إعمار شاملة.

تشكلت اللجنة الرباعية من مصر، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، بهدف توحيد الجهود نحو حل النزاع، تمثلت أهدافها فى وقف إطلاق النار بشكل دائم، فرض هدنة إنسانية تسمح بوصول المساعدات، التمهيد لمرحلة انتقالية مدنية، حماية الاستقرار الإقليمى ومنع تفكك السودان.

ويأتى الدور المصرى فى معالجة الأزمة السودانية حينما ترى مصر أن استقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمنها القومى، فهى تعمل على الحد من انعكاسات النزاع على الحدود الجنوبية، خاصة مع تزايد موجات اللجوء. ومن هذا المنطلق، تُصر القاهرة على أن أى تسوية يجب أن تحافظ على وحدة الجيش كمؤسسة وطنية قادرة على ضبط الأمن، وتلعب العلاقات التاريخية مع الجيش السودانى عاملا أساسيا، ترتبط مصر تاريخيًا بمؤسسة الجيش السودانى، وتعتبره الضامن الأساسى لوحدة السودان، وقد سعت القاهرة إلى دعم موقف البرهان ممثلًا للمؤسسة العسكرية الرسمية للحفاظ على أمن وسلامة السودان، مع التأكيد أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط.

وتعمل الوساطة المصرية داخل اللجنة الرباعية دورًا متوازنًا بين مواقف الإمارات والولايات المتحدة، فبينما يميل داخل اللجنة إلى إعطاء وزن لقوات الدعم السريع، تُصر مصر على أولوية الجيش كمؤسسة وطنية بعيدة عن النزاعات والمصالح الفردية، وقد نتج عن هذا التباين خلافات داخلية فى اللجنة، إلا أن القاهرة تمسكت بمبدأ الحفاظ على مؤسسات الدولة.

التحركات الدبلوماسية والإقليمية فاعلة بقوة من الدولة المصرية، فلم يقتصر الدور المصرى على اللجنة الرباعية فقط، بل تحركت القاهرة أيضًا فى إطار الاتحاد الإفريقى وآلية الإيجاد كما سعت إلى تنسيق المواقف مع السعودية، مستفيدة من ثقلها السياسى والاقتصادى لدعم مبادرات التهدئة، إلى جانب ذلك، عملت مصر على استضافة جولات حوار غير معلنة مع أطراف سودانية متعددة، واقترحت القاهرة ضمن اللجنة الرباعية خارطة طريق تقوم على ثلاث مراحل، تشمل: هدنة إنسانية لثلاثة أشهر، ووقفا دائما لإطلاق النار بضمانات دولية، وفترة انتقالية مدتها تسعة أشهر تؤدى إلى تشكيل حكومة مدنية.

ما يميز الطرح المصرى أنه يربط الحل السياسى بضرورة إشراك القوى المدنية إلى جانب الجيش، مع التحذير من أى محاولة لشرعنة قوات الدعم السريع كمؤسسة موازية للحفاظ على الدولة الوطنية وعدم تشرذم الشعب السودانى والدخول فى صراعات مستمرة، فالدولة القوية هى دولة المؤسسات.

تميزت اللجنة الرباعية عن غيرها من المبادرات مثل مسار جدة أو وساطة الإيجاد، بوجود مصر كفاعل محورى مباشر، بينما ركز مسار جدة على الوساطة السعودية – الأمريكية، أضافت الرباعية بعدًا إقليميًا أوسع بضم القاهرة وأبوظبى، إلا أن التباينات بين هذه الأطراف كثيرًا ما عرقلت الخروج بموقف موحد، وهو ما يقلل من فاعلية اللجنة مقارنة بمبادرات أكثر انسجامًا.

من منظور نظريات العلاقات الدولية، يمكن فهم الموقف المصرى وفق مقاربة «الأمن الإقليمى» التى تضع استقرار السودان عنصرا أساسيا فى أمن مصر الداخلى، ومن منظور الواقعية السياسية، فإن دعم القاهرة للجيش يعكس إدراكها بأهمية القوة الصلبة فى منع تفكك الدولة. أما على صعيد الدبلوماسية الوقائية، فيمكن اعتبار مشاركة مصر فى اللجنة الرباعية جهدًا لمنع تحوّل النزاع السودانى إلى تهديد إقليمى واسع يشمل البحر الأحمر وحوض النيل.

رغم الجهود المبذولة، يواجه الدور المصرى واللجنة الرباعية تحديات كبيرة منها: استمرار غياب الثقة بين البرهان وحميدتى، تضارب التقارب والمصالح بين الدول الأعضاء فى اللجنة، تزايد التدخلات الخارجية غير الرسمية والأزمة الإنسانية التى تهدد استقرار أى تسوية سياسية.

ختامًا، إن مصر تؤدى دورًا محوريًا فى اللجنة الرباعية، مدفوعة بالحفاظ على مصالح أمنية وجيوسياسية مباشرة وإقليمية، كذلك دور مصر فى دعم وتأييد المساعدات الدولية، وتشجيع الأطراف على فتح ممرات إنسانية، نجاح هذا الدور يعتمد على قدرة القاهرة على التوفيق بين المواقف المختلفة داخل اللجنة، وعلى التزام الأطراف السودانية بوقف الحرب والانخراط فى عملية سياسية شاملة. إن مستقبل السودان واستقراره لا يرتبط فقط بمخرجات اللجنة الرباعية، بل أيضًا بمدى استعداد القوى الداخلية لتجاوز الحسابات الضيقة والقبول بحلول وسطية تحافظ على الدولة وتفتح الطريق نحو حكم مدنى ديمقراطى.

الاكثر قراءة