وسط نيران الحرب المشتعلة في غزة وأصوات القصف التي لم تهدأ منذ أشهر ، يترقب العالم غدا الاثنين حدثاً سياسياً رفيع المستوى في نيويورك، حيث يلتئم مؤتمر "حل الدولتين " على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ليفرض طرح حل الدولتين في صدارة الأجندة الدولية.
فالمؤتمر الذي ينعقد في مقر الأمم المتحدة، يتجاوز الطابع البروتوكولي إلى كونه علامة ومنعطفا يعكس تحولا في التوجه الدولي تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع توالى الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، بما يجسد حقيقة أن العالم رغم الانقسامات والتردد بات أكثر قرباً من صياغة موقف عملى لصالح الحقوق الفلسطينية .
وفي قلب هذا الحراك، يبرز الدور المصري كأحد أهم الأعمدة الرئيسية لرؤية حل الدولتين والداعمة لحق الشعب الفلسطينى فى اقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، حيث جدد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال اتصال هاتفى أمس السبت مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ترحيبه بإعلان فرنسا اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، معتبراً أن هذه الخطوة تمثل مساهمة إيجابية في تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وداعياً الدول التي لم تعترف بعد بفلسطين إلى اتخاذ خطوات مماثلة، دعماً للمسار الدولي نحو إنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار.
كما تم التأكيد خلال الاتصال الهاتفي على أهمية هذا المؤتمر كخطوة محورية نحو الاعتراف بدولة فلسطين، تنفيذاً لمبدأ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
وتؤكد مصر مراراً وتكراراً أنه لا بديل عن تسوية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي إلا من خلال تسوية تستند إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لتحقيق السلام والأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وفقاً للمقررات الدولية؛ كما تحث مصر الدول التى لم تعترف بالدولة الفلسطينية على اتخاذ تلك الخطوة لنصرة الإنسانية والعدالة، فى الوقت الذى تشدد فيه القاهرة على أن استمرار الغطرسة الإسرائيلية والاستخدام المفرط للقوة ومواصلة مساعى فرض الأمر الواقع والهيمنة لتقويض حل الدولتين من خلال سياسات التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي والتهجير لن تسهم سوى في تأجيج مشاعر الكراهية والعداء ونشر التطرف والعنف بالمنطقة.
وتؤكد مصر دوماً أن السبيل الوحيد لتحقيق السلم والأمن المستدام بالمنطقة هو إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، تحركت القاهرة بثقلها التقليدي على أكثر من مسار: إرسال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، والانخراط في مفاوضات شاقة لوقف إطلاق النار، والتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية لاحتواء الأزمة..
وفضلا عن ذلك تواصل مصر حضورها السياسي في المؤتمرات الدولية، من باريس إلى نيويورك، مؤكدة ثبات موقفها القائم على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
وتعود مبادرة مؤتمر " حل الدولتين " إلى ما هو أبعد من نيويورك، حيث انطلقت خلال لقاء جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض قبل شهور، إذ جرى التوافق على إطلاق مسار سياسي جديد يهدف إلى كسر الجمود المحيط بملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار تؤكد مصادر فرنسية انه في خضم الأزمة الدامية في غزة، حرصت باريس على أن تظهر أن مبادرتها مع السعودية ليست مجرد موقف سياسي، بل رهان استراتيجي على حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد للخروج من المأزق حيث يؤكد المسئولون الفرنسيون أن الاعتراف بدولة فلسطين ليس خطوة عدائية ضد إسرائيل، بل استجابة مشروعة لمطلب السلطة الفلسطينية، ورسالة قوية لوقف الحرب.
ومنذ هذا اللقاء، بدأت باريس في حشد التأييد الدولي للفكرة، وكان مؤتمر باريس الذي انعقد لاحقًا بمثابة المشهد الافتتاحى حيث شدد المشاركون حينها على أن حل الدولتين ليس خياراً بل السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم.
وبالتوازي، تلاحقت الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، لتشكل سياق داعم للمسار الجديد، فالبداية كانت مع إسبانيا وأيرلندا والنرويج، قبل أن تلحق بها دول أخرى، وصولًا إلى إعلان البرتغال مؤخراً اعترافها الرسمي بفلسطين.
إسبانيا أيضاً تؤكد على أهمية المؤتمر حيث اعتبر وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل الباريس - فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط- أن مؤتمر السلام رفيع المستوى في نيويورك يظل الإطار الذي يجب أن نعمل من خلاله، وسيتيح لنا الاجتماع رفيع المستوى المقرر عقده في 22 سبتمبر الجاري رؤية مدى زيادة مجموعة الدول الملتزمة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومعها تنفيذ تدابير ملموسة لا رجعة فيها.
وأضاف انه و لهذا السبب، سنواصل كذلك الدعوة إلى عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، التي أصبحت ضرورة في ظل الظروف الراهنة قائلا أننا على قناعة بأن إجماعاً دولياً جديداً آخذ في الظهور على ضرورة التحرك، والتحرك العاجل، دعماً لفلسطين ولأمن المنطقة، وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي.
ويرى المحللون انه ورغم اعتراضات إسرائيل ومحاولاتها التقليل من أهمية هذه الخطوات، فإنها تمثل في الواقع تحولاً متدرجاً في الموقف الأوروبي، يراكم الشرعية السياسية لفلسطين ويضع تل أبيب تحت ضغط متزايد.
الرئيس الفرنسي ماكرون حرص على التأكيد في أكثر من مناسبة أن الاعتراف بفلسطين ليس غاية بحد ذاته، بل مدخلاً إلى عملية سياسية جادة تضمن للشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، ولإسرائيل أمنها.
وبالنسبة لفرنسا، فإن مؤتمر نيويورك يشكل فرصة لترجمة هذه القناعة إلى مبادرة عملية تحت مظلة الأمم المتحدة، بما يمنحها قوة إضافية وغطاءً دوليا ًواسعاً.
ويقول المحللون أن انعقاد مؤتمر نيويورك داخل أروقة الأمم المتحدة يضفي عليه دلالة إضافية، إذ يعيد ملف فلسطين إلى قلب المنظمة الدولية التي منحتها قبل سنوات صفة "الدولة غير العضو المراقب"، وفى الوقت نفسه قد يمهد اليوم لخطوات أبعد، بينها تجديد المطالبة بالعضوية الكاملة. ورغم أن الفيتو الأمريكي يظل عقبة كبرى أمام تحقيق هذا الهدف، إلا أن الزخم السياسي المتولد عن الاعترافات الأوروبية والمؤتمر المرتقب قد يخلق واقعاً جديداً يصعب تجاهله.
ويرى الخبراء انه من الناحية العملية، يضع المؤتمر إسرائيل أمام تحد متصاعد..فبينما تراهن حكومة الاحتلال على فرض واقع أحادي من خلال الاستيطان والسيطرة العسكرية، تتحرك عجلة السياسة الدولية باتجاه مغاير، يمنح الفلسطينيين شرعية متنامية.. وكلما انضمت دولة جديدة إلى ركب الاعتراف، تقلصت مساحة المناورة أمام تل أبيب، واتسعت دائرة العزلة السياسية التي تحاصرها .
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن المؤتمر يمنح القضية دفعة معنوية مهمة، إذ يبعث برسالة واضحة مفادها أن دماء غزة لن تضيع سدى، وأن فكرة الدولة الفلسطينية لم تعد مجرد حلم مؤجل، بل استحقاق يتبلور تدريجياً على المسرح الدولي.
فلا يمكن النظر إلى مؤتمر نيويورك باعتباره مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل كخطوة في مسار طويل يعيد تعريف موازين القوى في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وبين نيران الحرب فى غزة ، والاعترافات الغربية التي تتوالى، يحل مؤتمر نيويورك كعلامة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني، إذ يعيد إلى الواجهة فكرة الدولة التي قاومت محاولات الطمس والتغييب، فمؤتمر نيويورك يفتح نافذة على واقع سياسي جديد، تتعزز فيه شرعية فلسطين وتتراجع فيه ذرائع الاحتلال، لتبقى الحقيقة الأوضح أن الدولة الفلسطينية لم تعد مجرد حلم، بل استحقاق يفرض نفسه على ضمير العالم.