رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شوارع لها تاريخ| نجيب الريحاني.. الضاحك الباكي

18-9-2025 | 09:56

شارع نجيب الريحاني

طباعة
فاطمة الزهراء حمدي

تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية.

هذه الشوارع التاريخية ليست مجرد معابر، بل تحكي حكايات ملوك ومفكرين وفنانين، ويقصدها الزوار من داخل مصر وخارجها للاستمتاع بجمالها وعبقها التراثي، فهي من أبرز معالم القاهرة، تجمع بين سحر الماضي ونبض الحاضر، وتشكل عنصرًا أساسيًا في خريطة السياحة الثقافية للمدينة، ومنها شارع نجيب الريحاني.

نجيب الريحانى

وُلد نجيب إلياس ريحانة، المعروف فنيًا باسم نجيب الريحاني، في 21 يناير 1889 بحي باب الشعرية في القاهرة، لأُسرة متواضعة من أصول عراقية.

كان والده يعمل في تجارة الخيول، مما وفّر للأسرة حياة متوسطة في بدايتها، وأتاح له الالتحاق بمدرسة "الفرير" الفرنسية، حيث أجاد اللغتين العربية والفرنسية، وظهرت مبكرًا موهبته في الإلقاء والتمثيل.

كان أستاذه في اللغة العربية، الشيخ بحر، أول من لمس موهبته المسرحية، فشجعه وأسند إليه أدوارًا في المسرحيات المدرسية، حتى أصبح رئيس فريق التمثيل بالمدرسة، لكن وفاة والده وهو لا يزال فتى، حمّلته أعباء الحياة مبكرًا، واضطر إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل لإعالة أسرته.

بدأت رحلته العملية بوظيفة كاتب حسابات في البنك الزراعي، لكن شغفه بالفن وعدم انتظامه في العمل أديا إلى فصله، ورغم المعاناة، لم يتخلَ عن حلمه، فخاض أولى تجاربه المسرحية مع صديقه عزيز عيد، لكنها لم تُكلّل بالنجاح، بل تعرض للطرد من أكثر من فرقة، وتفاقم الأمر لدرجة أنه قضى ليلتين نائمًا في شوارع القاهرة بعد أن طُرد من المنزل.

كانت نقطة التحول الكبرى في حياته عام 1916، حين التقى الفنان استيفان روستي، الذي قدّمه للعمل في أحد الملاهي الليلية، وهناك جسّد دور خادم لقاء أجر بسيط لا يتجاوز 40 قرشًا في الليلة، وذات ليلة، راوده حلم غريب بشخصية ترتدي الجبة والقفطان وعمامة فلاح، فألهمته تلك الرؤية لتجسيد شخصية "كشكش بيه"، التي أصبحت فيما بعد حجر الزاوية في شهرته، وحقق بها نجاحًا مدويًا، مقدّمًا من خلالها عروضًا أسبوعية متجددة.

دخل الريحاني في شراكة فنية مميزة مع الكاتب الكبير بديع خيري، أثمرت عن 33 مسرحية ناجحة، كان من أبرزها: الستات ميعرفوش يكدبوا، حكم قراقوش، ولو كنت حليوة، وغيرها من الأعمال التي أرست قواعد المسرح الكوميدي الاجتماعي في مصر.

أما في مجال السينما، فقد ترك بصمة مميزة رغم قلة إنتاجه، إذ شارك في 10 أفلام فقط، أشهرها سلامة في خير، أبو حلموس، وسي عمر، وغزل البنات، الذي كان آخر أفلامه، وشارك فيه مع ليلى مراد وأنور وجدي، وودع فيه الجمهور بأداء أبكى القلوب.

على المستوى الشخصي، عاش الريحاني حياة عاطفية مضطربة، تزوج من الراقصة اللبنانية بديعة مصابني، ثم من الفرنسية لوسي دي فرناي، التي أنجب منها ابنته الوحيدة "جينا". لم يعرف الاستقرار العاطفي، كما كانت حياته العملية مليئة بالصراعات والمعاناة، الأمر الذي جعله يجمع بين الكوميديا على المسرح، والحزن في حياته الخاصة، ليُلقّب عن جدارة بـ"الضاحك الباكي".

ومن المواقف الطريفة والغريبة في حياته، لقاؤه بمنوّم مغناطيسي وزوجته قارئة كف، أخبراه أن حياته ستتأرجح بين الثراء والفقر، والسفر والحوادث، فظل يخشى ركوب السيارات طيلة حياته خوفًا من تحقق النبوءة.

في عام 1949، أنهكه مرض التيفود، وأتلف رئتَيه وقلبه، ولم يُمهله القدر طويلاً، وقبل أيام من وفاته، كتب رثاءً مؤلمًا لنفسه، وكأنه يودّع الحياة بالكلمات ذاتها التي طالما لامست قلوب جمهوره: "مات نجيب الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء، مات نجيب الذي لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق، ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح، مات الريحاني في 60 ألف سلامة".

رحل نجيب الريحاني في صمت، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا خالدًا، ومسرحًا ظل ينبض بروحه لسنوات، وشخصية فريدة جمعت بين العمق الإنساني والضحكة العفوية، فظل في ذاكرة الأجيال رمزًا للكوميديا الراقية، التي لا تموت.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة