في أمسية ثقافية مميزة احتضنها البيت الروسي بالقاهرة، تحدث المستشرق الكبير وأحد أعمدة الاستشراق الروسي ألكسي فاسيلييف، المبعوث الشخصي للرئيس الروسي في إفريقيا على مدى ثلاثة عقود، وذلك في ندوة حضرها نخبة من المثقفين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الروسي. وقد عبّر فاسيلييف خلال اللقاء عن مشاعره تجاه مصر قائلاً من قلبه: "إن مصر هي وطني الثاني."
أدار اللقاء الأستاذ شريف جاد، مدير النشاط الثقافي، الذي تناول الجوانب الإنسانية والأكاديمية في مسيرة ضيف مصر الكبير، فيما افتتح الأمسية الدكتور فاديم زايتشيكوف، مدير المراكز الثقافية الروسية في مصر، مؤكداً على أهمية زيارة فاسيلييف للقاهرة، وعلى مكانته المرموقة في الأوساط الثقافية والبحثية. وأشار زايتشيكوف إلى أن مؤلفات فاسيلييف أصبحت مراجع أساسية للباحثين المهتمين بتاريخ العلاقات الروسية مع مصر والعالم العربي.
من جانبه، استعرض فاسيلييف محطات من تاريخه الممتد، حيث بدأت علاقته بمصر منذ دراسته في جامعة القاهرة في ستينيات القرن الماضي، ثم عودته إليها مراسلاً لجريدة البرافدا الروسية، قبل أن يتولى مهمة المبعوث الشخصي للرئيس الروسي في إفريقيا. وقد توج مسيرته البحثية بكتاب يعد من أهم أعماله وهو "مصر والمصريون"، الذي تناول فيه الحضارة المصرية منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث.
كما تطرق فاسيلييف إلى العلاقات المصرية – الروسية، مؤكداً أنها كانت دوماً على مستوى جيد، وأن فترات التراجع التي شهدتها كانت قصيرة وعابرة، ولم تؤثر على جوهر التعاون بين البلدين، الذي أسفر عن إنجازات تاريخية وغير مسبوقة. وأوضح أن مشروع المفاعل النووي بالضبعة، الذي قطع شوطاً كبيراً في مراحل بنائه، يعكس عمق العلاقات بين القيادتين في مصر وروسيا.
وفي لمسة إنسانية، استعاد فاسيلييف ذكرياته مع عدد من رموز الثقافة المصرية الذين ارتبط بهم خلال مسيرته، ومنهم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذي وصفه بـ "عميد الصحفيين المصريين"، والروائي جمال الغيطاني، والمفكر محمد سيد أحمد، إلى جانب الشاعر أحمد فؤاد نجم والمغني الثوري الشيخ إمام. وأوضح أنه كان يتابع عن قرب تطورات الحركة الثقافية في مصر، مؤكداً أن اختياره دراسة علوم الشرق لم يكن صدفة؛ إذ كان أمامه الاختيار بين دراسة الحضارة الغربية أو الشرقية، لكنه اختار التوجه شرقاً، لأن الغرب قد كُتب عنه الكثير، بينما كان الشرق، وبالأخص مصر، محور اهتمامه.
وفي حديثه عن الوضع الدولي، رأى فاسيلييف أن الاستقرار العالمي بات مهدداً وبعيد المنال بسبب سياسات بعض الدول التي تسعى لافتعال الصراعات، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإسرائيل.
كما كشف المستشرق الروسي عن استمراره في الاهتمام الأكاديمي بمصر من خلال كتابه الجديد بعنوان "مصر خالدة ومتغيرة"، والذي يتناول فيه قدرة الحضارة المصرية على البقاء والخلود، إلى جانب قدرتها على التطور والتجدد عبر مختلف العصور.
وعندما وُجه له سؤال حول ما يُقال عن تراجع السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، نفى ذلك بشكل قاطع، مؤكداً أن العلاقات الروسية مع المنطقة لم تتراجع أبداً، والدليل على ذلك هو المشاريع القائمة في مصر، وعلى رأسها مشروع الضبعة، بالإضافة إلى نمو العلاقات التجارية مع دولة الإمارات وعدد من دول الخليج، وهو ما يعكس حرص روسيا على تعزيز التعاون مع الشرق الأوسط.
وفي ختام الأمسية، أشاد فاسيلييف بحالة الاستقرار التي تنعم بها مصر في الوقت الراهن، مؤكداً أن ذلك يعود إلى القيادة الحكيمة التي تدير شؤون البلاد.