رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

رئيسة الديوان.. حكاية حب متبادل لا ينطفئ


4-9-2025 | 14:53

.

طباعة
تقرير: صلاح البيلى عدسة: إبراهيم بشير

فى القاهرة، حيث تتقاطع الحكايات مع الدعاء، يظل مسجد وضريح السيدة زينب رضى الله عنها قلبًا نابضًا بالروحانية، وملاذًا للباحثين عن السكينة. هناك تحفظ الذاكرة الشعبية دعاءها الخالد لأهل مصر: «يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا أواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل الله لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا»، وقد ردّ المصريون على الدعاء بحبٍ عميق لم يزل ممتدًا عبر القرون.

السيدة زينب رضى الله عنها، ابنة على وفاطمة الزهراء، شقيقة الحسن والحسين، شُبهت بجدتها خديجة وأمها فاطمة، وعُرفت بلقب «عقيلة بنى هاشم». هى «أم اليتامى»، و»أم العواجز»، و»جبل الصبر»، التى حملت على كتفيها مأساة كربلاء سنة 61هـ، ورأت بعينيها استشهاد أهلها وأبنائها، حتى صارت رمزًا للبطولة والصبر، ووريثة لمعاناة آل البيت.

ورغم أن مقامها فى مصر لا يوثق مقامًا جسديًا فقط، بل وجدانيًا أيضًا، فإنها بالنسبة للمصريين «الأم الرؤوم» التى يلجأ إليها كل مهموم، والملاذ الذى يوازى قداسة الأمومة عندهم، حتى شبّهها بعض الباحثين بإيزيس الفرعونية، وبالسيدة مريم فى وجدان الأقباط.

حيّها الشعبى العريق فى القاهرة يختصر هذا الارتباط؛ من «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، إلى كتاب بنت الشاطئ عنها، إلى قصائد الشيخ صالح الجعفرى التى مدحتها. هنا نشأ الشيخ محمد رفعت، وتوفيق الحكيم الذى كتب فى إهداء كتبه الأولى: «إلى حاميتى السيدة زينب». هنا أيضًا فريد شوقى ونورالشريف وغيرهم ممن تباهوا بأنهم «من السيدة».

شرّفت أرض مصر بعد (مأساة كربلاء) سنة 61 هجرية، ومكثت بها أقل من عام، ورحلت حزنا على فقد الأئمة، من أبيها لأخيها الحسن خامس الخلفاء الراشدين، لفاجعة كربلاء التى استشهد فيها كل آل البيت، من آل على وجعفر والعباس حتى ولديها (محمد وعون)، ولم يبق غير الصغير (على بن الحسين)، وكان مريضًا وتعلقت به عمته السيدة زينب وقالت (اقتلونى معه) ومن هذا الشبل وريث الأسود تناسل آل البيت من نسل سيدنا الحسين، وعرف بالمدينة باسم (زين العابدين والسجاد) لكثرة سجوده وعبادته.. وقد روى عنه بعد (فاجعة كربلاء) أنه رأى عمته تصلى وهى جالسة من الحزن، وتقيم الليل جالسة وكان نصيبها رغيفًا فى اليوم تقسمه على الأيتام والأرامل! إنها الدرة المصونة التى يعشقها المصريون، ويتوددون إلى الله ورسوله بزيارتها، فمصر مصونة بآل البيت وحب المصريين لهم.

أما لماذا يحب المصريون السيدة زينب رضى الله عنها، كل هذا الحب؟.. فهو سؤال ليس له من تفسير غير حبهم للنبى جدها، ولدورها البطولى (يوم كربلاء)، وما بعده من حفظ عترة النبى ونساء آل البيت، ولحاجة المصريين لأم رءوم حنون يلجأون إليها وقت الشدائد، وهى عندهم كأسطورة إيزيس فى العصر الفرعونى وأكثر، ولذلك يكثر بجوار مسجدها وضريحها وجود اليتامى والمساكين والفقراء، إنها أم الجميع، و(زينب) كما فى القاموس هو نوع من الشجر طيب الرائحة، وبعض العارفين قالوا إنها (زين الباء) يقصدون (بسم الله الرحمن الرحيم).

ولما ولدت رضى الله عنها، ذهب الإمام على للنبى عليه الصلاة والسلام يسأله أن يسميها، فانتظر حتى نزل أمين الوحى جبريل باسمها من السماء (زينب).

يقول د. سيد عويس، صاحب الدراسة الرائدة عن ظاهرة إرسال المصريين للخطابات إلى ضريح الإمام الشافعى قاضى الشريعة، إن السيدة زينب باعتبارها رئيسة الديوان، تجسد فى الوجدان المصرى الشعبى البحث عن العدل ورفض الظلم، ويرون أنها قادرة على إنصاف كل مظلوم، حيث واجهت الخليفة يزيد بن معاوية فى قصره بدمشق بخطبة بليغة أفحمته وأبكت الحضور وزلزلت عرشه، أما سيد الشهداء الإمام الحسين، فهو عميد آل البيت فى مصر، والشهادة عند المصريين لها قداسة منذ الأزل، والثقافة المصرية ترفع من شأن الأم والأخت، ويرى المصريون فى السيدة زينب ما يرونه فى السيدة مريم عند أقباط مصر.

وفدت لمصر، واستقبلها واليها مسلمة بن مخلد عند حدود مصر الشرقية، وأنزلها بيته، ودعت لأهلها قائلة: (أواكم الله كما آويتمونا، ونصركم الله كما نصرتمونا). وسكنت دارها بالحمراء القصوى، حيث مسجدها وضريحها العامر حاليا، والذى يقع على ناصية شارع بورسعيد اليوم، (الخليج المصرى) قديمًا، ودفن إلى جوارها سيدى العتريس شقيق سيدى إبراهيم الدسوقى، وسيدى العيدروس اليمنى، وأجمع كل أولياء مصر عبر التاريخ أن الموجودة فى الضريح هى حقًا السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي، وحكوا فى ذلك قصصًا كثيرة كما عند سيدى عبدالوهاب الشعرانى فى (الطبقات الكبرى)، وكما أجمع كل مشايخه، وحتى عصر سيدى الشيخ صالح الجعفرى الذى مدحها فى كثير من قصائده، كما مدح سيدنا الحسين وجدهما المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد افتتح مسجد وضريح السيدة زينب صباح الأحد 12 مايو من العام الماضى، وقال من داخل مقامها: «إن الله تعالى أكرم مصر بإقامة آل البيت فيها، وقد وجدوا فى رحابها الأمن والأمان، وهذا من فضل الله علينا، فعندما بحث آل البيت عن مكان للاحتماء فيه والاستقرار به وجدوا مصر وكان اختيارهم لها، ومصر لن تقصر فى الإنفاق على المساجد ودور العبادة، خاصة مساجد آل البيت والصحابة والصالحين، ضمن خطة أشمل لتطوير القاهرة التاريخية».

أخبار الساعة