إذن ارتباط الحلويات بالمولد النبوى كانت بدايتها هدفا سياسيا، وبعد انهيار الدولة الفاطمية فى مصر، ظل الشعب المصرى حريصا على ذلك التقليد الذى أصبح موروثا عند الشعب المصرى على مدار أكثر من ألف عام، وهنا بدر إلى ذهنى عدة أسئلة منها:
لماذا نحتفل بالمولد النبوى؟ بالطبع لأننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم.
نحن فى الاحتفالات بأعياد ميلاد من نحب نحضر الهدايا، فماذا نقدم للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هدية فى ذكرى مولده؟
لا تتعجب من السؤال، وقبل أن تجيب، علينا أن نتذكر أن الهدية تكون على قدر المحبة لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
وبصيغة أخرى للسؤال: ماذا ينتظر منا النبى عليه أفضل الصلاة والسلام لنقدمه له؟
بعيدا عن الإجابات التقليدية التى تجول بذهنك الآن وأنت تقرأ المقال، والتى نسمعها ونحفظها، ونحن ما زلنا أطفالا، ولكن هل نطبقها بالفعل أم أنها بالقول فقط؟
هنا أتذكر جزءًا من خطبة الوداع لنبينا الكريم فى العام العاشر الهجرى، عندما قال: «فاعقلوا أيها الناس قولي -فإنى قد بلغت- وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدى أبدا- إن اعتصمتم به- أمرين، وفى رواية أمرا بينا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم».
فالرسول الكريم دلنا على الطريق الصحيح كتاب الله وسنة النبى، فهل نحن نتبع الطريق، هل نحن نحيى سنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟
أقولها بطريقة أخرى، الأطفال يحبون آباءهم ويقلدون تصرفاتهم دائما، وهذا التقليد يدخل البهجة والسرور على الآباء، ومع مرور الزمن هناك الكثيرون من الأبناء يصبحون نسخة من الآباء؛ لأنهم قدوتهم فى الحياة، فما بالك عندما نتبع الرسول ويكون القدوة لنا بالأفعال، وليس بالكلمات فقط، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى قبل النبوة، كان معروفا عنه الأخلاق والأمانة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فأين نحن؟
ولا ننسى أن الله عز وجل قال فى كتابة الكريم فى سورة آل عمران:
«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ»
[آل عمران: 110]
فأين نحن من أخلاق النبى عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وأين نحن من خير أمة أُخرجت للناس؟ علينا جميعا -وأنا أولكم- أن نعيد التفكير فى طريقة حياتنا وتصرفاتنا وأخلاقنا وتعاملنا مع الآخرين، وإن كنا نريد الاحتفال بذكرى المولد النبوى فى يوم مولده، فمن باب أولى أن نحافظ على ذلك الاحتفال طوال العام بأخلاقنا وتصرفاتنا واتباع الرسول الكريم، كما أمرنا الله فى سورة الأحزاب «21»:
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
ولنتذكر جميعا حديث النبى عليه الصلاة والسلام (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة التى تؤكد على أهمية الأخلاق، ومنها الحديث الذى رواه أبو داود، وأحمد، من حديث عائشة، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»، وصححه الألباني.
وحديث آخر عن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل جهنم وهو عابد».
وغيرها من الأحاديث الصحيحة التى تعلى وتقدر من قيمة الأخلاق وهو ما يؤكد أن الدين ليس مجرد عبادات تؤدئ فقط. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحبّكم إلىّ وأقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» رواه الترمذي.
وهنا علينا جميعا أن نعلى من مرتبة الأخلاق فى حياتنا وفى تعاملاتنا اليومية وليبدأ كل فرد بنفسه، وهو أمر ليس بالسهل الليّن بسهولة الكتابة؛ لأنه يحتاج إلى جهاد النفس، وهو الأمر الذى ورد فى سورة الشمس «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا».
كما تحدث الله عن جهاد النفس فى كتابه الكريم، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِى الْمَأْوَىٰ} [النازعـات -40 :41]
فاللهم بلغنا النفس المطمئنة، وارزقنا الجنة.