رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

وماذا عن «إسرائيل الصغرى»..؟! فشل نتنياهو فى تحقيق أى من أهدافه فى غزة فذهب إلى هلاوس «إسرائيل الكبرى»


21-8-2025 | 19:40

.

طباعة
بقلم: حلمى النمنم

بعض الأفراد إذا أحاطت بهم الأزمات، وثبت فشلهم وعجزهم عن التعامل الكفء معها، يمكن أن يعترفوا بالواقع ويقرون بالهزيمة، البعض الآخر يهرب من الميدان كله بالاختفاء التام أو حتى الانتحار، وهناك فريق ثالث يكابرون ويعيشون حالة «الإنكار» ثم يحاولون الهرب إلى الأمام بادعاء بطولة ما وإطلاق العنان للهلاوس والخيالات أو الأوهام الكاذبة.. ينطبق ذلك على الأفراد العاديين فى أمورهم اليومية، لكنه يبدو أكثر مع الزعماء أو كبار المسئولين..

من الذين اعترفوا بالواقع وأقروا بالهزيمة يأتى إمبراطور اليابان «هيروهيتو» الذى اعترف بالهزيمة بعد ضرب مدينتى هيروشيما وناجازاكى، وكان هذا الاعتراف بداية مرحلة جديدة فى تاريخ اليابان، تحولت معها بعد أقل من عشرين عاما إلى كيان اقتصادى وتكنولوجيا متقدم، تخشاه الولايات المتحدة نفسها، ثم يأتى رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل فى بداية الحرب العالمية الثانية، حين نجح هتلر فى احتلال فرنسا ودكت طائرات ألمانيا العاصمة البريطانية لندن، أقر تشرشل بالخسارة، لم يكذب ولم ينكر ولكنه صمم على المقاومة والصمود وهذا ما يحسب له فى تاريخ بريطانيا، يقال إلى اليوم لولا قراره بالصمود لهزمت بريطانيا نهائيا وجرى احتلالها.

فى هذا المقام يأتى كذلك الزعيم جمال عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967، اعترف بما جرى، فى خطاب معلن إلى الأمة مساء التاسع من يونيو 1967 وهذا ما فتح الباب لإعادة بناء القوات المسلحة وتجهيز البلد لحرب طويلة، فى الاستنزاف حتى صيف سنة 1970، وصولا إلى حرب أكتوبر 1973 بعد وفاته بثلاث سنوات، اتخذ قرار الحرب وأعد له الرئيس الراحل أنور السادات.

أما الذين هربوا من الميدان واستسلموا أو اختفوا نهائيا من الساحة أو انتحروا فهم كثر، أشهر هؤلاء الهاربين والمنتحرين يأتى «أدولف هتلر» سنة 1945 بعد أن دخلت القوات السوفيتية العاصمة الألمانية «برلين»، وعلى مر التاريخ هناك الكثير من نماذج القادة الذين استسلموا أو هربوا أو انتحروا فى مناطق مختلفة حول العالم شرقا وغربا.. قديما وحديثا.

أما أولئك الذين يحاولون الهروب إلى الأمام ويطلقون العنان للهلاوس المرضية، فمثلهم فى منطقتنا اليوم رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو».

الرجل قضى أطول مدة فى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، منذ تأسيسها فى مايو سنة 1948، فاقت مدة «بن جوريون» نفسه، مؤسس الدولة، والواضح أنه أدمن البقاء فى الكرسى بأى ثمن ومهما كانت الكلفة السياسية والإنسانية لكنه الآن محاط بعوامل الفشل.. قضايا فساد يحاكم بسببها، وهو مهدد بالسجن، ولا أمل أمامه سوى البقاء فى السلطة، وذلك لن يتحقق دون إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية استمرار الحرب، يعنى فعليا استمرار نتنياهو فى رئاسة الحكومة.

فى المقابل، فإنه يشن حربا ضارية منذ السابع من أكتوبر 23 على غزة وأهلها، ولديه فائض من القوة الحربية وفائض من الدعم الأمريكى والبريطانى فى السلاح والذخيرة والأموال، دولة تخوض حربا لمدة سنتين، سقطت الحياة الاقتصادية بها، والإنفاق العسكرى بلغ 750 مليون دولار يوميا، أثناء الحرب مع إيران، ومع ذلك لم ينقطع المدد المالى عنها.

ولا عانت من أزمة اقتصادية أو مالية، بل تتوسع فى الحرب وفى مشاريع الاستيطان، أى مزيد من الإنفاق.

ورغم كل هذا فقد فشل نتنياهو فى تحقيق أى من أهداف الحرب التى أعلن هو عنها منذ اليوم الأول، لم ينجح فى تحقيق أى هدف..

أعلن أنها سوف يقضى نهائيا على حركة حماس، وقد فشل فشلا ذريعا واضطر إلى التفاوض معها، ويعترف القادة الميدانيون وجهاز المخابرات أن القضاء على حماس نهائيا، فى حكم المستحيل.

أعلن أنه سوف يحرر الرهائن لدى حماس، وقد فشل فى ذلك، ومن تم تحريرهم خرجوا بالتفاوض، وتعمدت حماس فى تسليم بعضهم أن يكون فى مشهد احتفالى مهين للحكومة الإسرائيلية، وقد وصل هذا الملف الآن إلى طريق مسدود، أى عنف لاسترداد الرهائن قد يؤدى إلى قتلهم.

فى قضية الرهائن، وضح العجز المعلوماتى بجهاز الأمن والمخابرات الإسرائيلية، رغم ما لديهم من تكنولوجيا ومصادر تجسس عن الوصول إلى أماكنهم أو تحديد مواقعهم بالضبط، وهذا ذروة العجز، طوال عامين كاملين.

أعلن أنه سوف يحقق الأمن لسكان إسرائيل، خاصة فى مستوطنات غلاف غزة، وتلك التى على الحدود مع جنوب لبنان، ورغم الضربات الشديدة لكتائب القسام أو لحزب الله، لكن لم يتمكن من إعادة سكان المستوطنات إلى مواقعهم، زد على ذلك أنه لأول مرة تصل الصواريخ إلى قلب تل أبيب، وتهدد سكانها الذين يقيمون لفترات غير قصيرة فى الملاجئ والمخابئ..

فائض من القوة وفشل تام فى ميدان الحرب، صحيح أن إسرائيل قامت بأكبر قدر ممكن من التدمير فى غزة وفى جنوب لبنان، لكن بلا جدوى وبلا عائد وترتب على ذلك عدة أمور، نوجزها فى التالى:

هجرة أو هرب عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى خارجها، فى أوروبا أو الولايات المتحدة، وهذا يهدد على المدى البعيد الكثافة السكانية بإسرائيل، فضلا عن أنه يسقط مقولة إنها المكان الآمن لأى يهودى فى العالم.. والحق أن اليهودى فى أى مكان بالعالم يعيش حياة آمنة وهادئة، ولكن اليهودى فى إسرائيل، هو المهدد طوال الوقت بسبب عدوانية وحروب نتنياهو.

خلاف كبير على مستوى القيادات العسكرية والأمنية والمخابراتية، حول خطط ومشاريع نتنياهو، هو ليس عسكريا محترفا، ويحدد أهدافا ذات تكلفة عالية، دون مبرر ودون عائد حقيقى، ويصر على عدم احترام رأى الخبراء والمتخصصين.

الإدانة الدولية لإسرائيل، لم تعد هى البلد المهدد بالزوال من جيرانه العرب، كما رددت الحكومات المتتالية منذ سنة 1948، لكنها الآن الدولة التى تمارس إبادة جماعية بحق أهل غزة وشعب فلسطين، وهى جريمة لا تسقط بالتقادم.

هذا كله دليل ناصع على إخفاق بنيامين نتنياهو، وقد ارتفعت أصابع الاتهام من مسئولين أمنيين نحوه هو، بأنه هو الذى أوصلهم إلى ما جرى يوم 7 أكتوبر، إذ رفض الاستماع إلى ملاحظات ومحاذير الأجهزة الأمنية حول ما يمكن أن تكون حماس بصدد التحضير له، قبل السابع من أكتوبر، وعرضوا عليه عدة خطط لإجهاض تلك المحاولات، لكنه رفض، بل إن ليبرمان ذهب بعيدا فى ذلك واتهم فى الكنيست نتنياهو بالتواطؤ مع حماس، إذا إنه هو الذى كان يصر على إرسال عشرات الملايين إلى قادتها شهريا.

دون أن يتساءل فيما تستعمل هذه الملايين، ورأيه أنها كانت لشراء وتخزين السلاح وبناء الأنفاق.

ما طرحه السياسى الإسرائيلى ليبرمان، هو أحد الأسئلة المكتومة أو المسكوت عنها حالياً بسبب الحرب، لكن ما إن تتوقف المذابح وعمليات الإبادة، ويبدأ الجميع، سوف نفتح ملفات عديدة، ليس فقط حديث التواطؤ، ولكن السياسات المتعجرفة التى اتخذتها حكومة نتنياهو بحق الفلسطينيين فدفعت الأمور نحو يوم السابع من أكتوبر، العجرفة انعكست وبالاً على إسرائيل والإسرائيليين، قبل أن تكون على الفلسطينيين.. الاحتلال والعجرفة أطلقت رد الفعل المضاد والمكافئ لها.

أياً كان الأمر فإن هناك الكثير من الأسئلة الحرجة والجارحة، حول يوم السابع من أكتوبر 2023، ننتظر إسرائيل ونتنياهو، كما ننتظر كذلك بعض الأطراف فى حماس.

وبدلا من أن يقر نتنياهو بالواقع، إذا به يهرب إلى الأمام ويطلق العنان لهلاوس من نوع إسرائيل الكبرى التى تشمل أجزاء من الأردن ومصر ولبنان وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية، وهو يعرف جيدا قوة كل دولة عسكريا وبشريا وسياسيا.

هكذا دون أن يعبأ بقانون دولى ولا سيادة هذه الدول على أراضيها ولا يضع فى اعتباره قوة هذه الدول، كل منها على انفراد، ناهيك عنها مجتمعة.. هذا هو «الهطل» بعينه، بل هو افتقاد الحدود الدنيا من العقل الرشيد.

ماذا يعنى هذا كله، ولماذا تتردد تلك الهلاوس الآن؟

الواضح أن نتنياهو يرى أنه يحكم إسرائيل الصغرى ورغم فشله الذريع فى تحقيق السلام لسكانها وتوفير الأمن لها، فإنه يريد أن يهرب إلى ما يسميه إسرائيل الكبرى، يقفز فى الظلام ويبدو أنه تأثر بأحاديث الرئيس دونالد ترامب عن صغر مساحة إسرائيل، فقرر أن يطلق خياله إلى الدول المحيطة كلها، بلا استثناء.

من الناحية العملية على الأرض، رغم قوة وضخامة التسليح الإسرائيلى، فإنه عمليا عجز أمام تنظيم مسلح هو حماس وحزب مسلح هو حزب الله، وحتى هذه اللحظة لا يمكن أن يدعى نتنياهو أنه حقق انتصارا على أى منهما، والدليل لجوؤه الدائم إلى الإدارة الأمريكية، فإذا كان فشل أمامهما، فهل ينجح أمام ست دول عربية؟!

يتصور نتنياهو أن «البلطجة» مع الجيران تضمن له القوة والأمن ولا يدرك أن ذلك له نتائج عكسية.. هناك علاقات دبلوماسية لإسرائيل مع عدد من الدول العربية، واتفاق سلام مع الأردن منذ سنة 1994، اتفاق وادى عربة ومعاهدة سلام مع مصر منذ سنة 1979، لكن كل هذا، لا يعنى ولا يبرر له المساس ولو بالتصريح الكلامى بسيادة أى دولة، إنه الحمق والغباء السياسى المطلق.

وحسنا فعلت الدول العربية، كل منها منفردة وعبر جامعة الدول العربية جميعا برفض واستنكار تلك الهلاوس، وليته يستوعب.

أخطر ما كشفت عنه تصريحات نتنياهو أنه لا يريد العيش بسلام فى المنطقة وبين الدول المجاورة، يريد الحرب والصراع مع الجميع وفى نفس الوقت، حكمة التاريخ أن من يفعل ذلك يكون عاجزا تماما عن أى فعل.

يحلم نتنياهو بتوسيع علاقات السلام مع عدد من الدول العربية، لديه أمل بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية، وربطت المملكة ذلك باتخاذ خطوات جادة من إسرائيل نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفى القمة العربية ببغداد حدد الرئيس السيسى إقامة دولة فلسطينية شرطا لإنهاء النزاع فى المنطقة، وذكر الرئيس أنه حتى لو أقامت إسرائيل علاقات تطبيع مع كافة الدول بالمنطقة، فلن يتحقق الأمان والسلام دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو سنة 1967.

وبدلا من أن يخطو نتنياهو بضع خطوات نحو هذا الحل، إذا به يريد توسيع الصراع وازدياد العدوان على ست دول عربية.

ذهب نتنياهو فى حديثه عن إسرائيل الكبرى إلى بعض التفسيرات التوراتية وإلى بعض الأساطير التاريخية والسياسية، وهو بذلك يطرق باباً صعباً لأن كل تفسير يقابله تفسير، بل تفسيرات أخرى مضادة، والأساطير التاريخية والسياسية تظل مجرد خيالات وأوهام تسعد بعض الواهمين، لكنها لا تلامس الواقع ولا تنزل على الأرض.

نحن فى عصر يقوم على الجغرافيا وعلى حقائق ملموسة على الأرض، فضلاً عن ميراث من القوانين والأعراف الدولية، قد تضعف لحظة، وقد تتراجع، لكنها لا تسقط أبداً، وإذا كان تجاهل الجغرافيا والقانون يمكن أن يمر لحظة، فإن ردود الفعل عليه تكون أشد وأعنف.

حين يتراجع العقل ويخفت صوت الضمير ويسقط الإيمان بالقانون وتنطلق الهلاوس والأوهام، فتلك هى النهاية، أو الاقتراب منها.

على بنيامين نتنياهو أن يراجع أزماته ومشكلاته، وينظر إلى أين قاد بسياساته إسرائيل الصغرى، قادها إلى مأزق بلا نهاية، وإذا كان فشل فى سياسة إسرائيل الصغرى، فهل ينجح فى إقامة إسرائيل الكبرى؟!

نحن نعرف إجابة التاريخ، من فشل فى الصغرى يفشل فى الكبرى، لو صح أن هناك كبرى؟ وهو غير صحيح.. لكننا فى عالم الهلاوس والأوهام.

 
 
 

الاكثر قراءة