لم تعد الحركة السياحية تتركز كما كان فى السابق على مقاصد بعينها، بل امتد التدفق السياحى ليشمل مدن مرسى علم والقصير والغردقة ودهب وشرم الشيخ وسفاجا، إلى جانب القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان، وهو ما يعكس تحولًا إيجابيًا فى نمط توزيع السياحة داخل مصر واتساع قاعدة الطلب على مختلف المنتجات السياحية.
يأتى هذا الانتعاش مدعومًا بعودة قوية لعدد كبير من الجنسيات من مختلف أنحاء العالم، وفى مقدمتها السائحون الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والألمان والإيطاليون، إلى جانب عودة ملحوظة للسياحة الصينية واليابانية، خاصة بعد سماح الحكومة اليابانية مؤخرًا باستئناف سفر المجموعات السياحية إلى مصر بعد فترة كان السفر خلالها مقتصرًا على الأفراد فقط، وهو ما يعكس الثقة الكبيرة فى حالة الأمن والأمان والاستقرار التى تتمتع بها مصر، وتؤكد المؤشرات أن تنوع الجنسيات الوافدة يسهم فى تحقيق معدلات تشغيل مستقرة ومستدامة، ويعزز من قوة الموسم السياحى الحالى والمواسم المقبلة.
كما تبرز مصر هذا العام كأحد المقاصد القليلة التى حافظت على إقامة احتفالات الكريسماس ورأس السنة فى ظل الظروف العالمية الصعبة، حيث ألغت العديد من الدول احتفالاتها نتيجة التقلبات المناخية العنيفة، من أمطار غزيرة وفيضانات وثلوج غير مسبوقة، فضلًا عن التوترات الأمنية فى بعض المناطق حول العالم، إلى جانب الزلازل والفيضانات التى شهدتها دول مثل اليابان والمغرب وتركيا، فى وقت تعانى فيه أوروبا من موجات برد قاسية، وعلى النقيض، تتمتع مصر بطقس شتوى معتدل وأجواء مستقرة، ما يجعلها مقصدًا آمنًا وجاذبًا للسائحين الباحثين عن الدفء والاستقرار.
ويعزز من جاذبية المقصد المصرى قربه الجغرافى من الأسواق الأوروبية، حيث لا تتجاوز مدة الطيران ثلاث إلى أربع ساعات، إلى جانب توافر خطوط طيران منتظمة ومباشرة بأسعار تنافسية، فضلًا عن اعتدال الأسعار داخل المقاصد السياحية مقارنة بالعديد من الوجهات المنافسة، كما يمثل حسن الضيافة والترحاب الذى يتميز به الشعب المصرى عنصرًا أساسيًا فى تعزيز تجربة السائح، حيث يجد الزائر استقبالًا حافلًا ومناخًا إنسانيًا قائمًا على الودّ والابتسامة، وهو ما ينعكس إيجابيًا على معدلات تكرار الزيارة.
وفى ضوء التوقعات الإيجابية باستمرار زيادة أعداد السائحين، ليس فقط خلال موسم الكريسماس ورأس السنة، ولكن خلال الموسم السياحى المقبل 2026 و2027، خاصة مع ما أحدثه الافتتاح للمتحف المصرى الكبير من صدى عالمى وسمعة دولية إيجابية، تبرز الحاجة إلى العمل المتوازى على زيادة عدد الغرف الفندقية، وتطوير خدمات النقل السياحى من ليموزين وأتوبيسات، بما يتناسب مع الزيادة المتوقعة فى الحركة السياحية. كما تظهر أهمية فتح باب التدريب السريع لتأهيل كوادر شابة قادرة على تقديم خدمات سياحية عالية الجودة، سواء من خلال الفنادق وشركات السياحة أو عبر برامج تدريبية متخصصة، مع التركيز على تنمية مهارات اللغات الأجنبية ورفع كفاءة العاملين فى التعامل مع السائحين.
وتشمل متطلبات المرحلة المقبلة كذلك زيادة عدد الرحلات الجوية الداخلية والخارجية وتحسين مواعيدها ومستوى خدماتها، باعتبار الطيران أحد الأعمدة الأساسية لنمو السياحة، إلى جانب التوسع فى إنشاء مراسٍ إضافية للبواخر والمراكب السياحية والفندقية، لتجنب التكدسات الحالية التى تؤثر على تجربة السائحين، خاصة فى المناطق النيلية. كما تبرز ضرورة تطوير شبكة الطرق التى تربط بين المقاصد السياحية المختلفة، وعلى رأسها الطرق الرابطة بين الأقصر ومرسى علم، والأقصر وأسوان، والقصير والغردقة، مع تحسين الخدمات والبنية التحتية على هذه الطرق لضمان سهولة وسلامة التنقل.
وفى هذا السياق، تزداد أهمية رفع كفاءة البنية التحتية فى المقاصد السياحية الواعدة مثل مرسى علم، وعلى رأسها زيادة القدرات الكهربائية لاستيعاب التوسع الفندقى وزيادة عدد الغرف، بما يتواكب مع معدلات النمو المتوقعة فى الحركة السياحية.
ويظل الأمل معقودًا على استمرار التنسيق والتكامل بين القيادة السياسية والحكومة وقطاع الأعمال، إلى جانب القطاع الخاص، للعمل يدًا واحدة من أجل مصلحة الوطن، وتعظيم العائد من قطاع السياحة باعتباره أحد أهم محركات الاقتصاد المصرى، وبما يضمن تحقيق نمو مستدام يعود بالنفع على الدولة والمواطنين.