تعود معرفة البشر بالديك الرومى إلى القارة الأمريكية، قبل أن ينتقل إلى أوروبا مع المستكشفين فى القرن السادس عشر، ليصبح مع مرور الوقت عنصرًا أساسيًا فى المناسبات الاجتماعية الكبرى، وبفضل حجمه الكبير ووفرة لحمه، ارتبط الديك الرومى بفكرة الكرم والوفرة، ما جعله خيارًا مثاليًا لإطعام عدد كبير من الأشخاص فى التجمعات العائلية، وعلى رأسها عيد الشكر فى الثقافة الغربية.
ومع انتقال هذا الطقس إلى مصر، وجد الديك الرومى مكانه على موائد شريحة من الأقباط، ليصبح جزءًا من تقاليد سنوية تتجاوز مجرد الطعام، وتعكس قيمة المشاركة الاجتماعية والاحتفال الجماعى، إلا أن هذا الحضور الرمزى لم يعد منفصلًا عن الواقع الاقتصادى، حيث باتت الأسعار عاملًا حاسمًا فى تحديد شكل المائدة، فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتغير أنماط الاستهلاك.
طائر موسمى بامتياز
خلال السنوات الأخيرة، أصبح الديك الرومى طائرًا موسميًا بامتياز، يظهر بقوة فى الأسواق مع اقتراب عيد الشكر، حيث يزداد الطلب عليه سواء فى صورته الطازجة داخل الأسواق الشعبية أو المجمدة داخل سلاسل الهايبر ماركت، وحسبما أوضح الدكتور سامح السيد، رئيس شعبة الدواجن بغرفة الجيزة التجارية، فإن «الديك الرومى متوفر طوال العام، ويزداد الطلب عليه بشكل ملحوظ خلال موسم الكريسماس، وهو طقس احتفالى مرتبط بعادات وتقاليد بدأت من أوروبا وانتقلت إلى مصر».
وأضاف أن «نسبة الإنتاج المحلى من الديك الرومى تبلغ نحو 2 مليون طائر سنويًا وهو إنتاج يكفى لتلبية الطلب، خاصة أن الإقبال على الديك الرومى يظل غير شديد إلا خلال الأعياد والمواسم»، موضحا أن «سعره يُحتسب وفقًا لقواعد العرض والطلب فى السوق وليس فقط بناءً على تكلفة الأعلاف».
«د. سامح»، أشار إلى أن «انخفاض تكلفة العلف أسهم فى كبح بعض الضغوط السعرية على المنتج النهائى فى الأوقات التى لا تشهد طلبا موسميا قويا»، مضيفا أن «أسعار العلف شهدت استقرارًا نسبيًا خلال العامين الماضيين، بل إن هناك انخفاضًا ملحوظًا من 35 ألف جنيه إلى نحو 18–22 ألف جنيه للطن، مع الإشارة إلى أن مصر تستورد نحو 900 ألف طن شهريًا من الذرة الصفراء والصويا لإنتاج العلف محليًا».
رئيس شعبة الدواجن بغرفة الجيزة التجارية، أكد أن «التحسن النسبى فى أسعار الأعلاف لا يعنى تراجع التحديات بالكامل، لكنه يمثل مؤشرًا مهمًا على قدرة القطاع على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، ويعطى مساحة أكبر للمربين، وخصوصًا الشباب منهم، لتطبيق أساليب تربية أكثر كفاءة وابتكارًا مع إمكانية تحقيق ربح معقول إذا تمت إدارة المشروع بشكل علمى مدروس».
وحول التحديات التى تواجه المربين، قال «السيد»: الفيروسات ومعدلات التحصين تمثل أبرز المشكلات، وهناك توجه واضح للتحول من النظام المفتوح إلى النظام المغلق فى تربية الدواجن، الذى يعتمد على التشغيل الآلى والتحكم الكامل فى الرطوبة ودرجات الحرارة داخل المزارع، مع وجود معامل مراقبة داخل المزرعة نفسها لضمان الحدّ من انتشار الأمراض.
وأوضح أن «المزارعين الذين لا يمتلكون القدرة على التحول إلى النظام المغلق يمكنهم الاستفادة من المشروع القومى لتطوير الدواجن، الذى يتم تنفيذه ضمن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، تحت إشراف وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بالتعاون مع البنك الأهلى، ضمن السياسات الوطنية للتنمية الزراعية والأمن الغذائى». فى الأسواق الشعبية بالقاهرة، يلاحظ البائعون تغيرًا واضحًا فى سلوك الزبائن مقارنة بالسنوات الماضية، فكما قال بكر أحمد، أحد بائعى الدواجن: «الغلاء أصبح العامل الأساسى فى قرار الشراء، وعدد كبير من الزبائن يكتفون بالسؤال عن السعر ثم يغادرون دون شراء، بعد أن كانت عملية الشراء شبه محسومة فى مثل هذا الموسم».
وكشف أن الديك الرومى لم يعد شراءً اعتياديًا، بل أصبح مرتبطًا بمرة واحدة فى العام أثناء العيد، لافتًا إلى أن غالبية الأسر باتت تميل إلى شراء الطيور صغيرة الحجم، أو الاشتراك بين أكثر من أسرة فى طائر واحد لتقليل التكلفة، وهو ما يعكس تغييرًا فى شكل الاحتفال نفسه دون التخلى عنه بالكامل.
وخلال موسم عيد الشكر العام الماضى، تراوح سعر كيلو الديك الرومى الحى فى الأسواق الشعبية ما بين 95 و100 جنيه، ليصل سعر الطائر الكامل، وفقًا للوزن، إلى ما بين 665 و1400 جنيه، أما خلال الموسم الحالى، فقد ارتفع سعر الكيلو الحى ليصل إلى نحو 110 و120 جنيهًا، فى حين سجّل سعر الطائر الكامل ما بين 770 و1680 جنيهًا، وهو ارتفاع يرى البائعون أنه أصبح ملموسًا عند شراء طائر كامل، خاصة الأحجام الكبيرة التى كانت تُفضّل سابقًا فى التجمعات العائلية الواسعة.
بدوره، أوضح سيد عبدالهادى، أحد بائعى الدواجن، أن «هذا الارتفاع دفع بعض الأسر إلى استبدال الديك الرومى بأنواع لحوم أقل سعرًا، مع الاكتفاء بالاحتفال بروح المناسبة دون الالتزام بالشكل التقليدى الكامل للمائدة»، مؤكدًا أن «التحدى الحقيقى للتجار يتمثل فيما بعد الموسم؛ إذ قد يؤدى الكساد إلى خسائر مباشرة إذا لم تُبع الكميات بالكامل، ما يدفع بعضهم إلى تقليل هامش الربح لتفادى تراكم البضاعة».
طريقة العرض وجودة الطائر تلعبان دورًا فى تشجيع الزبائن على الشراء، حسبما أوضح محمد طارق، أحد بائعى الدواجن، مشيرًا إلى أن بعضهم يسأل عن طرق الطهى والحشوات المختلفة، مثل الخضار أو المكسرات، فى محاولة للحفاظ على الطابع الاحتفالى للوجبة رغم تقليص حجم الطائر أو مشاركة أكثر من أسرة فى شرائه.
وعلى الجانب الآخر من السوق، تمثل سلاسل الهايبر ماركت خيارًا مختلفًا لشريحة أخرى من المستهلكين، حيث أوضح رجب عبدالعاطى، أحد مسئولى البيع، أن «الديك الرومى المجمّد يخاطب أسرًا تبحث عن سهولة التخزين وثبات السعر أكثر من الالتزام بالشكل التقليدى للاحتفال».
كما أكد أن «الطلب على المجمد يشهد ذروة واضحة قبل عيد الشكر، مع تنوع الخيارات بين المحلى والمستورد، إلى جانب العروض الترويجية التى تسهم فى زيادة حجم المبيعات».
وتابع: خلال الموسم الحالى، يتراوح سعر كيلو الديك الرومى المجمد بين 150 و160 جنيهًا بينما يتراوح سعر الطائر الكامل بين 780 و1680 جنيهًا، مقارنة بالعام الماضى الذى تراوح فيه سعر الكيلو بين 148 و155 جنيهًا، وسعر الطائر الكامل بين 665 و1400 جنيه، ويعكس هذا الفارق زيادة تدريجية فى الأسعار، لكنها تبقى أكثر استقرارًا مقارنة بالسوق الشعبى.
وأشار «عبد العاطى» إلى أن «طرح منتجات الديك الرومى الجاهزة للطهى بالكامل سهّل عملية التحضير على العائلات الحديثة، وساعد على توسيع قاعدة المستهلكين، خاصة ممن لا يملكون الوقت الكافى للتحضير التقليدى، دون أن يفقد الطقس الاحتفالى رمزيته». كما أكد أن «مراقبة حجم المبيعات فى المواسم السابقة تساعد على تحديد الكميات المطلوبة لكل فرع، لتفادى الفائض بعد انتهاء الموسم، ورغم الضغوط الاقتصادية، يظل الديك الرومى حاضرًا على موائد عيد الشكر باعتباره رمزًا للتجمع العائلى والاحتفال المشترك».