رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ثلاث وصلات مع أم كلثوم.. فى جامعة الحياة.. فى ثلاث حروب .. تحت مظلة الإنسان


27-12-2025 | 09:23

.

طباعة
حوار: فوميل لبيب نشر فى 16 مارس 1973

ليس هذا الحديث حصيلة لفخاخ الأسئلة، ولا حصادًا لشباك الكلام، إنه تأملات كلثومية ظفرت بها فى ساعات معها، فمثلما تغنى أم كلثوم تتحدث، حتى قفزت على لسانى كلمة «أعد» فى غير موضع غير أننى لم أفعل حتى لا أقطع الإرسال وأعترض الاسترسال! تركتها تغنى حديثها لكى أجعل بينك وبين قيثارة السماء مثلما تنتظر على الأشواق فى مطلع كل شتاء.

 

فى جامعة الحياة

كلما سمعت مَن يرددون عبارات البحث عن مواهب تعجبت، ففى قصتى دليل على أن كل موهبة يخلقها الله لا بد أن يُفسح لها المجال، ويشقّ الطريق، أنا بنت قرية نائية عن المدينة، بعيدة عن كل ما يصنع المجد.. الله فتح لى الأبواب

أنا لم أتخرج فى جامعة، أنا بنت كُتاب الشيخ عبدالعزيز فى قرية طماى الزهايرة، والأبوان فقيران، وأبى يقرأ المولد والتواشيح، ويؤم المصلين ويعلم أخى الأكبر ليكون سندًا له، وتتوزع قراءات أبى بين الخارج للرزق، والداخل لأنه كان يحب فنه.. وفى البيت.. فى الداخل كنت أستمع إليه، ويغوص ما يقوله إلى كل كيانى وأقلده، كلما سمعنى مرة تملكنى الخوف، ولكنه هدّأ روعى، وشجّعنى على الغناء، وما بخل علىّ بشيء من أجل أن أتعلم الفن، وما همه أن يكنز مالًا من صوتى بل كان ينفق كل ما نكسب لكى أتطور وأتقدم، وعندما سمعنى الشيخ أبو العلا محمد بدأت أتتلمذ على يديه لأنه كان أستاذ ذلك الزمان، أما أبى فبذكاء الفطرة أحضر لى (الساندو) – ذلك الذى يعرفه الرياضيون يتدربون به على تقوية الصدر وتعميق النفس – وكان للساندو ثلاث يايات، فترك أبى لى واحدة فقط لأبدأ بها، ثم بعد أشهر أضاف الثانية، وبعد عام كنت أتدرب على الساندو كاملًا كهواة الرياضة، عرفت فيما بعد أن فى الكونسرفتوار هذا التدريب الذى فطن إليه أبى فى حقول طماي! وأبى هو الذى اعتنى بصحتى، كان يعطينى مزيج البيض واللبن، أو مزيج البيض وسكر النبات، وكان يرفض العروض التى تقدمها لى الفرق المسرحية لأغنى كل ليلة حتى لا يرهقنى العمل كل ليلة، وكنا إذا بلغنا القاهرة ننزل فى فندق جوردون هاوس –وهو فندق من الدرجة الأولى– ونتناول طعامنا فى مطعم سان جيمس، وهو مطعم خواجات موقعه تحت الفندق، وكان الطعام فيه مرتفع الثمن، وعندما سكنّا القاهرة استأجر أبى شقة مريحة فى شارع قولة، وانتقلنا منها بعد ثلاثة أعوام إلى عمارة بهلر فى الزمالك، وهى المطلة على قصر عائشة فهمى، وكان يدفع إيجارًا لها 25 جنيهًا فى الشهر.. فى وقت كان مرتب الموظف الأبهة لا يتجاوز هذا الرقم، فى عمارة بهلر أمضينا عشرة أعوام بنينا فيها الفيلّا التى أسكنها الآن، منذ عام 1936.

طبعًا كان لى مصروفى، ولكن أبى كان يشترى لى كل ما أحبّ، ولهذا استطعت أن أقتصد خمسة عشر جنيهًا، وما إن وصلت إلى القاهرة حتى نشلوها منى، فأخذت عن القاهرة فكرة سيئة.

ولم يبخل أبى بشيء على (تكوينى الفنى)، فإلى جانب الشيخ أبو العلا محمد كان الشيخ محمود رحمى يعلّمنى العود والتواشيح، ولم أكن أغنى هذه التواشيح، ولكنها بقيت فى خاطرى (أرشيفًا) للأداء السليم وثروة يجيش بها صدرى. قبل كل هؤلاء: قبل أبى والشيخ أبو العلا والشيخ رحمى كان القرآن الكريم أستاذى الأول، فمنه تعلمت مخارج الألفاظ، وتعلمت اللغة العربية بموسيقاها.. ولعل هذا هو سر إعجابى بالشيخ أبو العلا، وملازمته لنا إلى أن تُوفى، وكان يساعدنى فى التخت.. أبى وأخى الشيخ خالد، أقف بينهما أغنى وهما بطانتى، يشدان أزرى، وأستمد منهما الثبات خاصة فى مواقف كثيرة فى حفلات القرى المحيطة بنا حين كان المعربدون يطلبون أغانى خليعة مما شاع فى ذاك الزمن.

أنا بدأت علاقتى بالغناء هواية.. وظل الغناء هواية لأن كل ما نكسبه فى فجر حياتى كنا ننفقه، وتبقى لنا متعة الغناء وحدها، والقصائد كانت سبيلى من الصب تفضحه عيونه إلى غيرى على السلوان قادر وأفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا.

أدين بالفضل فى حب الشعر وتذوقه إلى الشاعر أحمد رامى، فقد كان يعمل فى دار الكتب بعد عودته من فرنسا، وكان يستعير لى الدواوين باسمه حتى لا يرهقنى فى مشوار إلى الدار، أقرأ الديوان وأعيده إليه فيبعث بالثانى، قرأت دواوين المتنبى والمهيار والشريف الرضى، وعمر بن أبى ربيعة وابن الفارض.. وعشت الأشهر والأعوام مع صفحات الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى بطبعتها القديمة ذات العنعنة، وقرأت بعد ذلك نثرًا.. من القديم عشرات الكتب التى لا أنسى منها كليلة ودمنة.. وأيام طه حسين وروائع الدكتور محمد هيكل، تأملت بيتًا لأمير الشعراء أحمد شوقى وتمثلته فى حياتى وتمنيته لحياة مصر والأمة العربية (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) لرامى ذاك الفضل فى هذا الصقل، فبعد كل ديوان كانت لنا جلسات نقاش وحوار.

والناس يحبون الصدق، ولهذا التزمت هذه القاعدة كشفت لى عنها الحياة بغير عناء.. فأنا لا أكذب جمهورى، وإذا كان يتوقع منى أغنية جميلة فبالدقة المتناهية أختار الكلمات، وبالدقة المتناهية أمضى إلى الأداء، وبدقة متناهية أعلن عن أغنية سأغنيها بعد ساعات لا تسبقها زفة أخبار.. وتكهنات!

وأنا أحس معنى الكلام أولًا حتى أستطيع أن ألونه بصوتى إذا غنيته، مرة كنت أحفظ قصيدة «جل من طرز الياسمين فوت خدك بالجلنار واصطف ذاك الجمان الثمين معدنا... إلخ

وكنت كلما بلغت (الجمان الثمين) توقفت، ويندهش أبى ويسألنى، مالك يا أم كلثوم؟!

فأقول له: لا بد أن أعرف أولًا ما هو الجمان الثمين حتى أعطيه قالبًا من صوتي!

وتعلمت من هذا أن أقف عند الكلمة التى لا تهضمها الأسماع، وأطلب تغييرها بكلمة أسهل أو أوضح، فأنا أحب السهل الممتنع، وأنا التى اخترت قصائد سلوا قلبى ونهج البردة ووُلد الهدى والنيل والسودان وعرفات ومصر تتحدث عن نفسها والأطلال والرباعيات، فهذه القصائد فى دواوين، وبعض هذه القصائد يتجاوز المائة بيت.. وأنا أختار عشرين بيتًا من هذه المائة.. بحيث لا ينقطع التسلسل، ولا تترك المعانى المقصودة.. استبدت الدهشة بأحمد رامى وأنا أفعل هذا فى رباعياته.. ظن أن الذى أفعله فى شعر مَن ماتوا غير ما سأفعله بشعر الأحياء، ولكننى أفعل هذا لأننى أحب أن أغنى ما أحس به، وأستطيع أن ألونه بصوتى.. ويظل بسهولته ممتنعًا، ويظل بروحه معبرًا عن قائله، ولا أغنى أبدًا (الجمان الثمين)!

وأنا أعطى للملحن الكلام الذى أحس أنه سيجيده، كيف يحدث هذا؟ لست أدرى كما أننى لست أدرى كيف أقف وراء الستارة، وأفتح فرجة صغيرة أطل منها على الجمهور وأنتقى بعد هذه الإطلالة ما أغنيه للجمهور.. ماذا تسمى هذا؟.. أنا شخصيًا لا أجد له اسمًا!

غير أن الدرس الأول فى جامعة الحياة هو أن الله يعطى الإنسان حسب إخلاصه، لو التزمنا هذه القاعدة الذهبية لاختفت من حياتنا سلبيات كثيرة وصولًا إلى النصر، وإذا أدى كل واحد منا عمله بإخلاص فهذا هو قمة التخصص الذى أصبح سمة العصر الحديث، وطبع النهضة العلمية..

وكثيرون يسألوننى رأيًا فى السياسة.. فأقول هذا، أنا أؤدى عملى بإتقان وإخلاص، وهذا هو منتهى السياسة.. وقمة السياسة.. والوطنية..

فى ثلاث حروب

عاصرت ثلاث حروب، سبقتها ذكريات من أيام طماى الزهايرة.. حين كنت صبية ألعب فى شوارع القرية أو أحمل اللوح والارتواز ذاهبة إلى الكُتاب أو عائدة منه، كنت أرى الجنود الإنجليز يأخذون شباب القرية إلى السلطة.. إلى الحرب، يأخذونهم قسرًا وعنفًا، وتتخرب البيوت بعدهم، وكرهت الإنجليز لأنهم ينزعون فلذات أكبادنا ويلقون بهم إلى ساحات الموت، بل كانوا يأخذون قوتنا حين يفرضون سعرًا منخفضًا للقمح، ويفرضون كمية على كل فلاح.. فإذا لم تغل أرضه ما يزيد عليها اشترى بسعر مرتفع.. من سوق شبه سوداء..

كرهت الاستعمار...

وعندما بدأت حرب فلسطين ضد العصابات الصهيونية التى كنا نعرف أنها رأس حربة للاستعمار، أو هى استعمار بصورة أخرى وبجلادين جدد، عندما بدأت حرب فلسطين كان قلبى مع كل مقاتل هناك، وكنت أقرأ الصحف فى الخامسة من الصباح.. وأدير الراديو على كل محطات العالم لأسمع أنباء المعارك، وحين حوصر أبطالنا فى الفالوجا كان الدسوقى ابن شقيقتى يحمل لى الأخبار من هناك، ويقول لى إنهم يريدون أغانى كذا وكيت، فأغنى لهم.. وأذهب إلى الإذاعة لأقدم لهم ما يطلبون.. وأعيش معهم على البعد بجميع أعصابى وكل حماستى..

وعندما عادوا كان الحكم يخاف منهم ويخشى غضبتهم بعد الأسلحة الفاسدة، وكانت النقابات قد قررت الاحتفاء بالعائدين، السيد طه الضبع الأسود.. وجمال عبدالناصر.. وصلاح سالم وغيرهم، ولهذا أمر القصر الملكى هذه النقابات بأن تلغى هذه الحفاوة! وكنت قد وجهت الدعوة لكل مَن كانوا فى الفالوجا.. دعوة إلى بيتى، وجاءنى أمر بألا أفعل، ورفضت تنفيذ الأمر، وقلت إننى وجهت الدعوة فعلًا، وهى قعدة عائلية.. فنية! وجاء عندى ليلتها 50 ضابطًا.. وأكثر منهم من الجنود، وملأوا البيت والحديقة، وأدرت لهم كل التسجيلات التى كانوا يطلبونها وهم فى الفالوجا!

وعندما مرضت –بعد الثورة– كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر هو الذى طلب لى موعد علاج فى مستشفى البحرية فى أمريكا، وكان الرئيس الحالى أنور السادات هو الذى ودعنى فى المطار بتمنيات الشفاء، وكان من الأحرار ضابط يدعى الحسينى.. كان مريضًا بسرطان الدم، وكان يعالج فى نفس المستشفى، وكان رجال الثورة على اتصال بى.. وبه طوال ستة أشهر قضيتها فى العلاج..

إحساس أن أبناء بلدى هم الذين تولوا مقاليد الأمور، إحساس أننا ظفرنا بحريتنا وأصبحنا ملك أنفسنا وسادة أنفسنا هو الإحساس الذى أصبح نقطة الأساس فى مشاعرى عندما وقع عدوان عام 1956!، كانت صفارات الإنذار تطلق منذرة بالغارة فأخرج إلى الشرفة حين يجب أن أختبئ.. وأبحث عن الطائرات فى السماء وأتمنى لو تطولها يدى، وأراقب بفرحة طفولية مدافعنا وهى تحاصرها.. وتجبرها على الاختفاء فى أعلى طبقات الفضاء.. فرجة يلهث لها صدرى وأنا أردد دعاء النصر، وكنت أحس أننى أريد أن أغنى.. وأحارب بصوتى، وجاءنى كمال الطويل بنشيد والله زمان يا سلاحى، وحفظته على أضواء الشموع، لأن الكهرباء كانت تنقطع عندما تبدأ الغارة، وبدأنا الاتصال بالموسيقيين ليذهبوا إلى محطة الإذاعة فى الشريفين لنسجل النشيد، ولكن أكثرهم رفض الذهاب إلى الشريفين لأن إذاعة إسرائيل كانت تهدد بضربها بعد أن أصابت إذاعة أبو زعبل، وقلت لهم إننا لو لم نسجل فى القاهرة.. فسوف أسجلها فى بنها.. أو أسيوط وطلبت ستوديو مصر، واتفقنا على تسجيلها هناك، الدنيا ليل وظلام.. ولكن بلا خوف، بل بثقة وإيمان وحماسة تبدد كل تردد، أرسل لى الزعيم جمال عبدالناصر سيارة من سيارات القصر الجمهورى، وكان يقودها سائقه.. هذا جواز مرور أكيد المفعول لأن المرور كان ممنوعًا، كان معى فى السيارة المهندس محمد الدسوقى.. ابن شقيقتى.. وكمال الطويل، والسائق مغرور لا يريد أن يتوقف عند الجنود الذين يشهرون فى وجهه السلاح ويصيحون قف من أنت، فهو سائق الزعيم.. كيف يستوقفونه، على أنه كان يضطر للوقوف حين أقول له من داخل السيارة قف.. ويكاد يقول من هو.. ولا يكاد يقول من نحن حتى ترتفع الأيدى بالتحية وتفتح الطريق..

وسجلنا النشيد الذى بقى لسمع الأجيال.. وأصبح نشيد المعركة العربية فى كل أرض عربية، واستقر منه فى ضميرنا السلام الجمهورى..

نبض القلب من تلك الأيام أسمعه إلى الآن..

وفى عام 1967 وقعت النكسة، فعدت من موسكو دون غناء، وأقمت فى بدروم البيت فى غرفة حداد مظلمة لمدة أسبوعين، لا أريد أن أتحدث.. لا أريد أن أرى مخلوقًا، واختمرت فى ذهنى أفكار نفذتها بعد ذلك، سألت نفسى ماذا يمكن أن أقدم لوطنى الجريح؟، ماذا يمكن أن أفعل لأمسح دمعة، لأضمد جرحًا، لأضع ابتسامة فوق شفتين.. ابن الشهيد؟! وخرجت بخطة العمل: أن أغنى فى كل مكان، وأجمع نقودًا للمعركة، وأجمع ذهبًا للمعركة، وأجمع حماسة للمعركة.. فالمعركة لم تكن تلك الأيام الستة السوداء، إنها مستمرة.. ما كان منها كان فصلًا، والفصول آتية، غنيت فى دمنهور (283 ألف جنيه) وغنيت فى المنصورة (120 ألف جنيه) وغنيت فى الإسكندرية (100 ألف جنيه) عدا سبائك الذهب تجمعت من فوق أذرعة النساء وصدورهن وآذانهن.. بل خلاخيل أرجلهن!.. واجتزت الحدود.. غنيت فى باريس –يرحمه الله الدكتور محمود أبو عافية الذى استشهد فى حادث الطائرة الليبية التى أوقعتها صواريخ إسرائيل كان هو الذى حرر لى عقد كوكاترديس للغناء على مسرح الأولمبيا، قبل الحفلة جاءنى كوكاترديس خائفًا.. فقد نما إلى علمه أن الصهيونية لن تترك هذه الحفلات تمر على خير، وقلت له إننى لا أخاف، وإننى سأغنى، وإننى مصممة على العقد وقد حددت موعد سفرى، وتدخل ابن شقيقتى.. المهندس محمد الدسوقى، وقال: كل ما أريده أن تحجز لى غرفة بجانب غرفتها لأكون فى حراستها.. وحتى هذه لم أقبلها فى العمل الوطنى لا أحد يحرس أحدًا!

ولعلها أسعد ليالى عمرى.. ليلة الغناء فى مسرح الأولمبيا، فقد غنيت (أعطنى حريتى.. أطلق يديا) بانفعال لا أتصورنى بلغته أو أبلغه بعد ذلك، هل أتاك حديث الجماهير وماذا فعلتِ وأى جنون أصابها، الحمد لله هذه نعمة من الله وفضل، إننى عرفت أن اليهود الذين كانوا يعيشون فى مصر أول مَن حجز المقاعد.. بل وبكوا بالدموع وهم يسمعوننى، ويتذكرون أيامهم فى مصر!

وغنيت فى المغرب والسودان وتونس ولبنان.. غنيت فى ليبيا والكويت، وأودعت كل هذا للمجهود الحربى، للمعركة، وأضفت إليه كل ما أملك من مجوهرات.. كل هذه الحصيلة زادت على مليون جنيه، كانت مليونًا ومائتى ألف..

الانفعال بالمعركة القادمة يمون فى صدرى، أتمنى أن أعيش إلى يوم النصر... وأغنى له!

تحت مظلة الإنسان

ما قدمت خيرًا إلا وردّه الله بأضعافه المضاعفة، أنا جربت كل آياته فى كتابه الكريم (من يفعل مثقال ذرة خيرًا يره).. ولهذا أتمنى أن يعطى كل قادر لمَن لا يقدر، وتتسع مظلة الإنسان ليستظل بها كل إنسان!، للأسر المهاجرة من خط البطولة.. خط القنال فكرت فى مشروع الألف ماكينة، ماكينات خياطة تتعلم عليها البنات والسيدات ويكسبن منها.. وترتفع دخولهن ويواجهن الحياة الصعبة، وبدأ المشروع بصالة فى طنطا.. فيها 400 ماكينة، وانتشر إلى المنصورة، وزدته إلى 1200 ماكينة، ثم اشتريت ماكينات التريكو.. فإنتاجها له سوق، وإنتاجها يتجه هدية رمزية إلى جنودنا فى خط النار، طاقية صوفية.. أو جوربًا، شيء ما يقول له إن وراءه مَن يفكرون فيه، ماكينات التريكو كانت فى بيوت الأسر المهاجرة.. أردنا أن نضعها فى مكان واحد، اتصلت بمحافظة القاهرة وطلبت قطعة أرض فى الجزيرة.. عند الكوبرى الجديد... بجانب أرض النادى الإسماعيلى، قطعة أرض نبنى فوقها صالة ماكينات ومكتبًا، ثم نكملها بعد النصر مؤسسة إنتاجية لأسر الشهداء، ولكن حمدى عاشور طرح فكرة أكبر قال، ونسميها دار أم كلثوم للخير، وأنت تقدمين التمويل بما حددت.. فاقترح فكرى أباظة أن يطرح يانصيب مصريا يساهم فيه الشعب فى المشروع، وتُرصد له جائزة كبيرة، فيُبنى فى الدار مسرح يحمل اسمى، وصالة بروفات.. لأن القاهرة فقيرة فى هذا النوع من الصالات يغرى الموقع بفندق.. أنا شخصيًا لا يهمنى أن يكون لى مسرح باسمى فإن حب الجمهور يكفى، وما قدمته وأقدمه هو مسرحى ومربعى ورصيدي!

من سنوات طرحت فكرة بناء مسرح يحمل اسمى بعد أن ضاق مسرح الأزبكية بجمهورى.. وفى نفس الوقت كان التفكير يجرى فى إنشاء دار جديدة للأوبرا.. حتى قبل أن تحترق الدار الأولى.. وسمعت يومًا تعليق المسئولين، «بل نبنى أوبرا أم كلثوم».

دار للخير تُدخل السعادة على قلوب المئات والألوف خير عندى من أوبرا أم كلثوم، وشبر يُضاف إلى مظلة الإنسان.. هذه هى الرسالة وهذا هو الإحسان.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة